الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمين الكيمتي المصري وتجربة حزب الكتائب اللبناني

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2022 / 4 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في سؤال عن تفسير معنى "تيار قومي مصري متطرف يريد طرد السوريين" قلت: في السياسة غالبا ما ينقسم الناس إلى يمين ويسار، بحيث يغلب على اليمين التفكير بطريقة فردية لذواتهم وجماعاتهم، بينما يغلب على اليسار التفكير الجماعي وشعارات الوحدة العامة ومقاومة الأقوياء، لذا فاليسار غالبا لا يهاجمون ضعيفا، ومن تلك الجزئية تم تصنيف جماعات الإرهاب الديني بأنها يمينية لعدوانها الدائم على الضعفاء وتقديم مصالحهم الفردية فوق الجميع..

‏أما القومية فهي شعار سياسي يرفع مبادئ الوحدة على أساس جغرافي أو عائلي أو ديني أو لغوي،فعندما يتطرف القوميون فهم يتعصبون ضد كل من يخالف دينهم وتاريخهم وعشيرتهم ولغتهم.. إلخ، ثم يبالغون من خطر هؤلاء على مصالحهم، فالقومي المتطرف هنا في مصر نظر للسوريين بنفس الصورة وبالغ في الخوف منهم، وبجمع ما سبق ترى أن ‏الذي يحرض ضد السوريين في مصر هم مجموعات من تيار "اليمين القومي المتطرف" وأمثال هؤلاء ينشطون ضد المصريين مثلا في الخليج، وضد المسلمين في الغرب.. علما بأن اليسار القومي يرفض ذلك ويتصدى لهؤلاء المتطرفين بدعاوى الوحدة وعاطفة القرابة اللغوية والعشائرية وغيرها..

وفي الغالب من يفعل ذلك مراهقين وشباب صغار السن متأثرين بما يسمى "الدعاية الكيمتية" التي تريد العودة لأصول المصريين قبل آلاف السنين فيما اصطلح عليه بالهوية المصرية القديمة التي تمثل الجذور، وتسمية "كيميت" نسبة إلى الإسم القديم قبل تسميتها "مصر" الذي هو إسم سامي لم يعرفه المصريون القدماء الذين عرفوا أنفسهم بالكيمتيين، وأمثال هؤلاء المراهقين كانوا في لبنان بحزب الكتائب الذين تأسس عام 1936م ونادى بالعودة إلى الجذور الفينيقية ورفض كل المهاجرين للبنان سواء كان فلسطينيا أو عربيا أو أجنبيا بشكل عام، ومن تلك الجزئية اشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية الذي كان فيها حزب الكتائب عنصرا رئيسيا ضد الفلسطينيين وحلفائهم من الجماعات اللبنانية سواء الدينية أو القومية العربية، فالحزب مثلما ينادي بطرد الفلسطينيين هو مناهض أيضا للقومية العربية ويراها دخيلة على الشعب اللبناني..

مشهد قريب من المجتمع المصري الذي يغلب عليه التفكير الوحدوي اليساري منذ الحقبة الناصرية، وكل من شهد فترة القومية وتأثر بها، فصار النسيج المصري قومي يجمع بين القومية العربية والإسلامية معا في صورة مطالب سياسية بالتجمع على أساس تلك القوميات، وهو الذي أعطى الشعبية قديما لعبدالناصر ويُعطها حاليا للإسلاميين، وبالتالي فالسوريون بما أنهم أكبر فصيل مهاجر حاليا صار هدفا لتلك الجماعة اليمينية المتطرفة مثلما كان الفلسطينيين هدفا لحزب الكتائب اللبناني في السابق ، علما بأن الطائفية ليست محصورة فقط بالدين، بل هي سلوك عنصري ضد كل مخالف بالرأي والهوية سواء كانت دينية أو لغوية أو قومية، وعداء هؤلاء للسوريين يرفقه بالعادة خصومة وعداء للشيعة باعتبار أن الصراع السني الشيعي الحالي له أبعاد قومية وسياسية، فمن الطبيعي أن يتداخل معه صراع اليمين واليسار كما يحدث في أي صراع ديني بالعالم..

هؤلاء الشباب الجُدد هم صناعة حديثة لجيل "يمين قومي تاريخي" يرى تجارب مصر مع القومية العربية والمهاجرين والثقافة غير المصرية التاريخية هي عوامل دخيلة لا يصلح التعامل معها سوى بالانتفاضة السياسية والفكرية..ثم العودة للجذور المصرية قبل آلاف السنين باعتبارها ممثلة ليست فقط للعقل المصري بل للجينات، وهؤلاء الشباب هم علامة ونتاج طبيعي للفوضى الأمنية والاجتماعية بعد ثورة يناير..التي أنتجت هذه الفوضى تجارب مؤلمة للإسلاميين ودعاة القومية واليسار على حد سواء، فهم خصوم لكل هذه الأيدلوجيات جميعا ليس باعتبار فشلها في تغيير الواقع المصري للأفضل فقط ولكن باعتبار أن كل هذه الأيدلوجيات لها خصومة مع الشعب المصري (تاريخيا) ويريدون تغيير هويته الأصلية لهوية أخرى ، لذا فقد اصطلحوا على أنفسهم بتسمية (حُرّاس الهوية)

شئ قريب من كلمة "حُرّاس العقيدة" فالإسلامي الذي ينادي بالحكم على أساس حقه الديني بحراسة معتقد الجماهير، هذا اليميني المتطرف ينادي بالحكم على أساس حقه الوطني بحراسة هوية الجماهير..

توجد بالطبع استثناءات فمن الوارد دعم بعض الكبار لهذا التيار اليميني المتطرف، وبالغالب هو ضحية للمعلومات الخاطئة والبروباجاندا التي يُجدها اليمينيون بتحفيز النزعة العنصرية والفخر الذاتي، ومن ضمن المعلومات الخاطئة التي جرى حَشوهم بها أن الشعب المصري الآن هو الذي كان يعيش قبل آلاف السنين وأنشأ الحضارة المصرية على ضفاف النيل، بالتالي فالمهاجرون وغير المصريون المتحدثون باسم حضارتنا هم لصوص، وهذا الادعاء غير صحيح سبق الرد عليه في أبحاثي المنشورة بعنوان "الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة" والذي طرحت فيه أدلة على انتماء مصر الأساسي للقارة الأفريقية لغة وثقافة وعرقا، وأن جملة ما ينشروه هو دعاية من جماعة "اليورسنترية" ضد "الأفروسنترية" علما بأن أبحاثي المنشورة فيها ردود على هاتين الجماعتين معا، وأن انتماء مصر للقارة الأفريقية وثبوت الهجرات الخارجية في تغيير طبيعة ونسيج الشعب المصري أن دعايا "الأفروسنتريين" صحيحة، بل كاذبة في دعواها الأساسية بأن الأفارقة هم من بنوا الحضارة المصرية والشرح يطول..

ومجمل ما يطالب به اليمينيون هؤلاء صراعا حربيا واجتماعيا عنيفا بين مكونات الشعب المصري الوافدة، فالشعب المصري حاليا يجمع بين صنوفه العرقية أتراك وفرس وعراقيين وشوام وعرب وأمازيغ وشركس وأوروبيين وأفارقة، وبالطبع فتجاهل هذا الواقع الديمغرافي لصالح دعايا عنصرية تطالب بدولة "كيميت" التاريخية التي هي براء من كل هذه الهجرات – وفقا لتصورهم – يعني إما صراع مع المهاجرين (وهو الأرجح) أو اعتبار المهاجرين مصريين أصلاء بالادعاء وهذا يصعب إثباته، حيث أن كثيرا من المصريين في وجه بحري هم من قبائل عربية ويظهر ذلك من تسميات القُرى (محلة ومنية وبني) وهي تسميات عربية لقبائل سكنت مصر بعد الغزو العربي لها في القرن 7 م ومن أمثال هؤلاء بني عبيد في المنصورة والمحلة الكبرى في الغربية التي أحيط بها محلات لبطون عربية مختلفة، كزياد وحسن وخلف..وغيرهم، إضافة لبني هاشم والتي كانت تسمى (ديار بني هاشم) بجوار المحلة، فجرى اختصار الإسم في عصر لاحق إلى (ديرب هاشم) وهو نفس ما حدث بالشرقية مع بني نجم الذين بنوا مدينة أسموها (ديار بني نجم) فجرى اختصار الكلمة في عصر لاحق إلى (ديرب نجم)

وفي كتاب الأستاذ "محمد العدوي" رحلة طويلة من البحث الاجتماعي والعشائري حول أصول المصريين التاريخية بعنوان (القومية المصرية ..هوية وطنية جامعة) فيه أدلة على هذا التغير الهائل الذي ضرب الشعب المصري بعد دخول العرب مصر، والأسباب التي أدت لتعريب الدولة وأن الموضوع هو أكبر من اختصاره في السياسة والعسكرية والحكم بل حدث هذا التغير على شكل هجرات كبيرة للقبائل العربية أثرت على لغة المصريين مع الزمن وأدخلت عليها مفردات وكلمات لم تكن موجودة..

وأترك حضراتكم مع فقرتين مما كتب العدوي قائلا " أغلب عرب الشرقية ينحدرون من قبيلة جذام (من القبائل اليمنية الشمالية) والتي كانت تشكل إمارة كبيرة في مدين ومعان والبلقاء والنقب وسيناء حيث أسلم حاكمها فروة بن عمرو الجذامي بعد غزوة مؤتة .. وأثناء الفتح الإسلامي دخلت فروع منهم واستقرت في هربيط وتل بسطة وأم رماد ثم استقر فرع بني زيد في بلبيس وما حولها وفرع بني مجربة في شنبارة وفرع بني سعد من تل طنبول ونوب طريف حتى مشارف القاهرة ، وإلى الشمال في منطقة السنبلاوين سكن فرع بني زهير ومنهم الشواكرة والحصاينة والزهايرة (قرى الحصاينة والزهايرة وطماي الزهايرة بلد أم كلثوم) بزعامة قبيلة بني عبيد (في مركز بني عبيد) بجوار القبائل القضاعية .. وفي شرق بلبيس وحتى السويس سكن فرع العايذ والذي تنحدر منه العائلة الأباظية المشهورة (عائلة أباظة هي فرع من عرب العايذ نسبوا لأمهم التي تنتمي للعرق الأبخازي تمييزا لهم عن بقية إخوتهم) ..

واتسعت أملاك جذام لتشمل معظم أرض الحوف الشرقي حتى سيناء .. وفي بادية الشام وسيناء استقرت الفروع الخمس الأخرى إلى جوار قبيلة الحويطات ذائعة الصيت .. وقد تتابعت الهجرات العربية لأسباب سياسية حيث خشي الأمويون من سيطرة عرب اليمن على المنطقة فسمحوا لقسم كبير من العرب القيسية وبني وائل بالاستقرار في الصحراء المتاخمة للحوف الشرقي وشجعوهم على زراعتها بعد حفر الخليج المصري ..وفي العصور الأيوبية والمملوكية استقدمت قبائل طيء (ومنها ثعلبة وجرم) ثم أعقبتها قبائل النفيعات وأخيرا قبيلة بني صقر من الحويطات .. ولا تزال أسماء البلاد والمراكز تحمل المسميات القبلية القديمة مثل ديرب نجم (ديار بني نجم) وأبو حماد وأبو كبير وكفر صقر وأولاد صقر .. كما أن أول مسجد بني في أفريقيا قد أنشأته العشائر القرشية في وقت مبكر في مدينة بلبيس وهو المسجد المعروف باسم مسجد (سادات قريش) .." انتهى

القفز على هذا التاريخ وجذور القرى وتسمياتها والعيش في تمثلات الماضي له نتائج خطيرة بالطبع ، حيث يعود هؤلاء إلى عصر التمثيل الذي كانت فيه المعرفة الإنسانية تأتي (بالتمثّل) أي التشبيه والقياس الذهني، وهي الطريقة التي سبقت عصر الصورة والتكنولوجيا، ففي الماضي ومع انعدام التواصل أو ضعفه كان الإنسان ينتج معارفه الكبرى عن طريق "تمثلات الذهن" وعملياتها في الأدب والقصص والشعر مع أبرز تجل لهذه التمثلات وهو (الأحاديث والروايات الدينية) فالعصر الذي وضع فيه الحديث كان البشر فيها (ممثلون ذهنيون) لا يعرفون عن الآخر سوى ما ينتجه ذهنهم عن ذلك الآخر من تشبيهات وقياسات وتمثلات، وهذه الأمور مختلفة إلى حد كبير عن الواقع العملي الذي كان مختلفا بدرجة كبيرة، وهو ما أدى لكثرة الحروب الدينية والعرقية والقبلية في الزمن الغابر.

أما الآن وفي عصر الصورة فكل هذا قد اختلف وصارت الصورة هي الحكم والواقع معا، وتم التخلي عن تمثيلات الماضي بشكل كبير، الأمر الذي أنتج ثورة معرفية بالعالم وصلت شرقنا الأوسط وعالمنا العربي أواخر القرن 19 م إلى اليوم، فنحن نعيش فعليا عصر الصورة منذ 150 عام تقريبا فلم تعد هذه الروايات والقصص دليلا علميا بل صار من يستعملها دليلا هو كائن مخرف مثلما يجري تشبيه الجماعات الدينية التي لا زالت مؤمنة بحجية هذه الروايات والتمثلات، وموطن السخرية مما تفعله تلك الجماعات أن ما تريد إحياءه من ثقافة حدثنا وأخبرنا كان مناسبا لعصر التمثيل الذهني الذي كان فيه الراوي يخترع حقائق من عنده فيضطر الناس إلى تصديقها بحكم النفوذ والسلطة وغياب البديل، لكن الآن هذه الجماعات لا تحكم ولا إمكانية لها أن تحكم مع فقدانها للبرنامج والحس السياسي اللازم، علاوة على فقدانها الأهم وهو اطلاع الناس على الصورة الواقعية وسهولة وصول الرأي الآخر للجماهير..

أشير بأن التهديد الذي يمثله "اليمين القومي التاريخي المتطرف" والذي أشرت إليه في ثنايا المقال هو جزء من تهديد أوسع بالفتنة الطائفية، حيث يعمل تحت ظلالها ويستفيد من مخرجاتها، وفي التاريخ كان حزب الكتائب اللبناني مستفيدا من الشحن الطائفي بين المسلمين والموارنة في السبعينات، فنشط ضد منظمة التحرير الفلسطينية من باب الدفاع عن المسيحيين أولا ثم تطورت دعايته لتصبح دفاع عن هوية لبنان الفينيقية، وهذا ما سوف يحدث مع اليمين الكيمتي المصري، حيث سيندفع رغمنا عنه لمواجهة عنيفة مع القوميين العروبيين بفروعهم (يسار وناصريين) ومع القوميين الإسلاميين (سنة وشيعة) ويعيد إحياء الفتنة الأهلية اللبنانية في ثوب أكثر خطورة هذه المرة قد تؤدي لو علا نفوذه إلى رفع شعبية الإسلاميين من جديد وزيادة في الشحن العنصري ضد الطوائف والأجناس..

وسوف يطال خطر هذا التيار إخواننا النوبيين في الجنوب حيث يشعر النوبيون بصلات عشائرية وثقافية مع أشقائنا في السودان والعمق الأفريقي، وهؤلاء بالنسبة للتيار الكيمتي المشار إليه (لصوص أفروسنتريين) يريدون سرقة الحضارة المصرية، وقد تمثلت مقدمات هذا العنف في إلغاء مؤتمر أفريقي بأسوان منذ شهور تحت دعاية "خطر الأفروسنترية" والذي اتهمه هذا التيار بالتخطيط لطرد المصريين وإحلال الأفارقة مكانهم واحتلال السود للدولة مما يؤدي لطرد السكان الأصليين بالضرورة، والإعلام ما زال في غيبوبة عن نشاط هذا التيار اليميني المتطرف الذي يخرج بدعاية مثيرة لا تقل خطورة عن دعايا الإسلاميين موجها عباراته بشكل عنيف ضد المهاجرين العرب والشوام والأفارقة ، ويعزز من فوبيا السود بالمجتمع المصري عن طريق تصوير كل أسود على أنه مشروع محتمل لسيطرة السود على مصر ..

والآن مع مطالب تشكيل حزب سياسي يميني ممثل لهؤلاء المتطرفين تعلو أصوات فلاش باك الحرب الأهلية اللبنانية، حيث اندلعت هذه الحرب بهجوم على أحد الكنائس التي كان فيها زعيم حزب الكتائب "رياض الجميل" سنة 1975 فرد الكتائب والموارنة بقتل عشرات الفلسطينيين بلبنان، فاكتسبت الحرب منذ بداياتها طابعا (قوميا دينيا) مختلطا، اصطف فيها معظم مسيحيين لبنان مع حزب الكتائب وحلفائه من جيش أنطوان لحد (جيش لبنان الجنوبي) والقوات اللبنانية (سمير جعجع) والدروز (عائلة جنبلاط) ضد الفلسطينيين (منظمة التحرير) والإسلاميين (حزب الله وحركة أمل) وحلفائهم من الشيوعيين واليسار، وخلفت هذه الحرب تدمير لبنان والمدن الكبرى ومقتل ما يقرب من 150 ألف لبناني وهو رقم كبير بالنسبة لعدد السكان المحدود..

فالذين سوف يسمحون بهكذا أحزاب متطرفة يمينية لا يضمنون سير هذا الحزب بطريقة سياسية طبيعية دون حشود قومية ودينية عنيفة، ومثلما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية بمقدمات كانت فيها الجماهير محتقنة فهذا الاحتقان والتطرف يعاني منه الشعب المصري حاليا، والذي في ظل الاستقرار الأمني تشتعل النار تحت الرماد لتهدد الجميع بالانفجار فور ضعف القبضة الأمنية على المجتمع، وهذه من مثالب السياسة الحالية التي تهتم بالجانب الأمني على حساب الجانب الثقافي المتروك بشكل شبه كلي لرجال الدين يعبثون فيه ليل نهار ويعيدون إنتاج الخطاب الأيدولوجي العنيف الذي كان يسبق ثورة يناير 2011، بمعنى أن معظم مطالب الزعماء ورجال الدين قبل يناير بدأت تتكرر الآن بوحدة على أساس ديني (خلافة وشريعة) أو على أساس قومي عروبي بترجمة التحالف المصري الخليجي لاتحاد عسكري يحارب على أساس القوميات، وهذا شئ في منتهى الخطورة حدث مثله قديما في العهد الناصري ولم ينتج سوى الهزائم والخسائر مع تراكمات من الشحن النفسي والعاطفي المضاد بشكل عنيف هو الذي خدم جماعات العنف في مشروع إعادة تموضعها وإنتاجها في عصر السادات..

علما بأنني لا أعمم على كل التيار "الكيمتي" فمنهم مثقفين أصلاء ونشطاء مصلحون حقيقيون يريدون إنتاج التسامح الديني والتحضر المصري القديم في الواقع المعاش، ويعملون على إعادة تمثيل تلك الحضارة في شكل تطوير جوانب الثقافة المصرية من الأدب والشعر والقصص والفنون..إلخ، أي أن مطالبهم ثقافية محضة لا تهتم بالسياسة ولا تداخلاتها وأطماعها، وليست لهم توجهات عنصرية وطائفية ضد أحد، وأحسب نفسي من هؤلاء المحسوبين على الكيمتيين بيد دعوتي المتكررة لاستنباط قيم الحضارات القديمة وإعادة تمثيلها في الواقع المعاش كونها أقرب القيم اتصالا بالجماهير وتعلقها بالشعور والوجدان التاريخي المشترك، فالمسلم والمسيحي المصري يشعران بوحدة تاريخية مشتركة وهوية مشتركة نتجت من العيش في مكان واحد وبتاريخ واحد، فكلاهما يتعلق بحضارته السابقة طبعا ، وهذه أغلب مكونات الهوية في الواقع التي تقوم على أربعة مكونات (اللغة – المكان - الدين – التاريخ المشترك)

أما المتطرفون الكيمتيون التي تَعجّ صفحاتهم بالدعايا السوداء والتحريض ضد الشعوب الأخرى فممارستهم للسياسة الحزبية قد تُكسبهم نُضجا وخبرة لحد وصول عناصرهم لمستوى ثقافي ونفسي معين يكونون فيه أكثر قبولا للآخر وأقل خوفا منه، لكن وصول هؤلاء المتطرفين لهذا النضج غير مضمون في ظل الأجواء الحالية غير الثقافية والمشجعة أكثر على الصدام السياسي والعسكري بأزمات دولية وإقليمية متلاحقة، وبالتالي فرصة هؤلاء للنضج ضعيفة أو ستكون بطيئة جدا لن تفسح المجال لتراكم الخبرات والاعتبار بالتجارب ولا حتى التقارب النفسي مع الخصوم والمختلفين بالرأي، ففي ظل الطفرة العقلية والتكنولوجية ومركزية الصورة لا زال هؤلاء يحلمون بدولة خالية من المهاجرين وتتصارع على جبهات مختلفة ضد السود الأفارقة أو ضد المهاجرين السوريين أو الشيعة..إلخ، مما يعني أن العنف النفسي هو المسيطر حاليا، والأقرب هو ترجمة هذا العنف في أول تجربة سياسية سوف يتأثر بها الشعب المصري سلبا والذي لم يتخلص بعد من عنف الإسلاميين واليسار ودعاة القومية العربية..

وجميعنا يشهد مع أول تجربة سياسية للإسلاميين ماذا فعلوا؟ إنهم ترجموا العنف الكامن بداخلهم لسنوات طويلة والرفض لكل مختلف بالرأي والطائفية المشحونة في نفوسهم على شكل حرب أهلية سورية وعراقية وليبية، وكادت أن تتكرر هذه الحرب في مصر لولا يقظة الجيش المصري وإنهاء هذه التجربة في مهدها قبل أن تستفحل بحرب داخلية وإقليمية يصبح فيها الشعب المصري وقودا مجانيا للقتل العبثي والاحتراب الساذج..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي