الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هل بدأت نهاية مدّ الليبرالية الجديدة؟
مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق
2022 / 4 / 10
السياسة والعلاقات الدولية
خلال فترة الستينات من القرن العشرين كانت جامعة شيكاغو الأمريكية المكان الرئيس لتأسيس (الليبرالية الجديدة)، من خلال أفكار كل من الاقتصادي الكبير ميلتون فريدمان أستاذ مادة النظرية الاقتصادية، وليو شتراوس أستاذ فلسفة السياسة.
أعطى ميلتون فريدمان منظوراً مناقضاً لكل مسار السياسات الاقتصادية الكينزية التي سادت لمدة أربعة عقود بعد أزمة 1929 العالمية، معارضاً بذلك أي تدخلية تنظيمية - تخطيطية للدولة، وداعياً إلى إلغاء نظام الاحتياط الفيدرالي، ومعتبراً أن تصرفات الأفراد في السوق كافية وحدها لإدارته وتنظيمه وتصحيح مساره، حيث كان يرى، بخلاف مينارد كينز (1883- 1946)، أن الانكماش الاقتصادي لا يكافح عبر الدولة والتخطيط والضرائب العالية، والتضخم لا يتراجع ويتم القضاء عليه من خلال سياسات الانكماش النقدي، بل بواسطة زيادة تدفق النقد في السوق، معتبراً إياهما ظاهرة نقدية محضة، مقترحاً حلاً لهما من خلال ترك السوق حراً إلى مداه من خلال حركته الذاتية، مع خفض الضرائب إلى الحدود القصوى.
أما ليو شتراوس فقد قدم منظوراً فلسفياً جديداً لليبرالية يقوم على رؤية فكت الارتباط بين أفكار مؤسس الليبرالية جون ستيوارت ميل، وأفكار عصر الأنوار الفرنسي مع أوغست كونت مؤسس الفلسفة الوضعية، ليربط الليبرالية مع إدموند بيرك الفيلسوف الإنكليزي المحافظ الذي قدم كتاباً نقدياً فلسفياً لأفكار الثورة الفرنسية (1789) بعد عام من قيامها، وليقوم بربطها مع فلسفة للسياسة تعود إلى أفلاطون متخطياً (نفعية) و (أداتية) النظرية السياسية الحديثة، التي سادت في اليمين واليسار معاً خلال القرون الأربعة الماضية، من خلال نيكولا ماكيافيللي وتوماس هوبز، داعياً إلى سياسات تعتمد ( الهجوم الأخلاقي )، المسلح بالروحانيات والقيم الديمقراطية.
أتيح المجال لفريدمان تجريب سياساته الاقتصادية في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، بعد أن أصبح من المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض عام1981، ( وأدى رفع نسبة الفائدة في البنوك الأميركية على الودائع، خلال ست سنوات من عهد ريغان، إلى دخول 656 بليون دولار إلى خزائن البنوك الأميركية أتت من الخارج، ما قاد إلى إنهاء حال الانكماش الاقتصادي والتضخم، التي كان الكينزيون يرون أن سببهما كان ارتفاع أسعار النفط بعد عام 1973، وترافق ذلك عند ريغان مع إلغاء الكثير من إجراءات الضمان الاجتماعي والصحي والكثير من النفقات الحكومية في المجالات الاجتماعية، مع اتجاه راديكالي إلى خفض الضرائب على الأفراد ).
كانت السياسة في عهد بوش الابن تطبيقاً لتلك الوثيقة التأسيسية الصادرة في حزيران (يونيو) 1997 والهادفة إلى (بناء القرن الجديد بما يتفق والمبادئ والمصالح الأميركية)، حيث تصرفت واشنطن، وتحديداً بعد 11 أيلول، وكأن لا أحد في العالم سواها، متجاهلة مصالح واعتبارات الكثير من الدول العالمية الكبرى، والدول الإقليمية الكبرى في أكثر من مكان في العالم، إضافة إلى المصالح المحلية لكثير من البلدان الصغيرة وسكانها.
كما كانت هناك خلطة سياسية اقتصادية تجمع بين سياسة ليو شتراوس واقتصاد ميلتون فريدمان، فتحول الاقتصاد المالي، من خلال نظام البنوك الاستثمارية، إلى عالم رئيسي ضمن البنية الاقتصادية الأميركية، خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، الذي نافس نظام البنوك التقليدية من حيث حجم أصوله. وقد حصلت فورات شبيهة بالانتعاش الذي حصل في عهد ريغان، رجّحت الكفة لمصلحة نظريات فريدمان حول دور النقد في السوق (والاقتصاد عموماً)، خصوصاً مع الفورة العقارية الأميركية التي بلغت قيمتها الدفترية 62 تريليون دولار.
وكان فريدمان يظن أن الخسارة الأولى للقطاع العقاري الأميركي، المسجلة في أيلول / سبتمبر 2006 خلال مسار عشر سنوات هي طارئة ومؤقتة، من دون أن يحسب أن مالاً يسجل في أسهم البورصات اعتماداً على تلك القيمة الدفترية، بواسطة أسهم البنوك الاستثمارية الضامنة والراهنة لبيوت ملايين الأميركيين مباشرة أو عبر نظام تبديل الديون العاجزة (the credit default swap c.d.s. ) لمصلحة البنك الاستثماري من جانب الفرد أو الشركة العقارية بعد شراء البيت أو العقار من البنك، مقابل فائدة قدرها 6 في المائة لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات يدفعها للبنك أحد الأخيرين ( الفرد أو الشركة العقارية )، الذي يرهن العقار لمصلحة البنك ريثما يتم التسديد خلال المدة المتفق عليها.
وهذا لا يعبر عن اقتصاد حقيقي ما دامت القيمة الفعلية لتلك العقارات لم تكن في آب / أغسطس 2008 تتجاوز ثمانية تريليونات دولار، هلك نصف قيمتها في أيلول من نفس العام. كما أن تلك الفورة ستقف عند حد معين سيحولها لمجرد فقاعة عبر ممر اسمه الأزمة، التي بدأت بالظهور في آذار / مارس2008 مع أزمة بنك (بير سترنز)، ثم بنك (إندي ماك) في تموز / يوليو 2008، وصولاً إلى انهيار أسهم البنوك الاستثمارية الكبرى، مثل (ميريل لنش) و (ليمان براذرز) في أيلول 2008، أي إعلان الدخول في أزمة اعتبرها ألان غرينسبان، حاكم البنك الفيدرالي الأميركي السابق، الأخطر منذ أزمة 1929 العالمية.
بعد ثمانية عشر عاماً من النجاحات الأميركية المتواصلة في (إعادة صوغ العالم) أميركياً، بدأت التراجعات الأميركية متمثلة بالمحطات التالية:
• نتائج الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في تموز 2006،
• نجاح حماس في غزة حزيران 2007)،
• اتفاق الدوحة والمصالحة بين اللبنانيين.
• انفتاح فرنسا وأوروبا على سورية،
• تعثر الأجندات الأميركية المتعلقة بالملف النووي الإيراني،
• استعراض العضلات الروسية في حرب موسكو مع جورجيا في آب الماضي
• التعثرات والمصاعب الأميركية في باكستان وأفغانستان والعراق.
• هل بدأت مصاعب القطب الواحد وتعثراته بالظهور؟ ربما!
• (انقضى أكثر من 30 عاماً على نهاية الحرب الباردة، وهذه فترة طويلة فعلاً، إن ذكريات تلك الحقبة تظهر بألوان باهتة مثل شريط إخباري قديم، وأصوات مكتومة، ومصنوعات يدوية مميزة لفيلم شابها الكثير من التلف بمرور السنين، يعد عام 1991 نهاية مرحلة التعايش السلمي، في هذا العام بلغت الخامسة عشرة من عمري، آنذاك لم يكن يخطر ببالي ما توجّب عليّ وعلى شعبي اجتيازه، لم نكن، نحن مواطني اتحاد الجمهوريات اكية السوفيتية، نعاني أي انقسامات على أساس قومي، ونشعر بأن كل شخص هو بالنسبة للشخص الآخر بمثابة الأخ، وأن "الخانة الخامسة" في جواز السفر لا تعني شيئاً على الإطلاق، مدينة غروزني الرائعة والهادئة كانت رموزها مصنع "كراسني مولوت"، والمناطق الصناعية التي امتدت مساحتها على هكتارات عدة، ولم يتوقف العمل فيها لدقيقة واحدة، والعمال، كانوا عمالاً سوفييت مُجدّين وبسيطين، كانوا من الشيشانيين والروس والإنغوش والأوكرانيين واليهود والجورجيين والأرمن ومن جميع ممثلي الشعب السوفييتي العزيز، الذين سعوا لتحقيق هدف واحد فقط، الإعلاء من رفعة اسم ومكانة جمهورية الشيشان.. إنغوش العزيزة، وتزويد جميع مناطق الوطن حتى أبعد منطقة بالمنتجات التي تم نقشها بكل اعتزاز بعبارة "صنع في غروزني").
كان الاقتصاد عاملاً هاماً في حسم الحرب الباردة لمصلحة الرأسمالية ضد الاشتراكية، وهو ما أنجز في عهد الرئيس الأمريكي ريغان. وأدى انتصار الليبرالية العالمي والتحول من نظام القطبين إلى نظام القطب الواحد، إلى تكريس نظريات فريدمان في الاقتصاد وصعود نموذج (المحافظين الجدد)، الذين تبنوا فلسفة شتراوس السياسية، مركزين، على تحويل الديمقراطية إلى (أيديولوجية تبشيرية) بالترافق مع نشر العولمة وإعادة رسم خارطة العالم أميركياً في القرن الواحد والعشرين.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الأدميرال ميغويز: قدراتنا الدفاعية تسمح بالتصدي للأسلحة التي
.. صدامات بين الشرطة وإسرائيليين عند معبر كرم أبو سالم
.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية ليلية تستهدف مناطق في مدينة ر
.. احتجاجات حرب غزة تقاطع حفل تبرعات للرئيس بايدن
.. ضربات إسرائيلية على مدينة حلب تسفر عن مقتل 38 شخصا من بينهم