الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اطروحة فرونسواز ميشو

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2022 / 4 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


محور : الأطروحات - أطروحات خارج المنظومة

فرونسواز ميشو- Françoise Micheau - فرنسية متخصصة في تاريخ الإسلام في العصور الوسطى، أستاذة في جامعة باريس الأولى ومديرة UMR Islam Médiéval- "المساحات والشبكات والممارسات الثقافية ". تركز أبحاثها، بشكل أساسي، على المعرفة والمجتمع في الشرق الأدنى العربي (القرنان الثامن والثالث عشر الميلادي).
في كتابها "بدايات الإسلام، أوتاد لتأريخ جديد" توضح فرونسواز ميشو أن المؤرخين لم يتوصلوا بعد إلى رواية متماسكة وموضع إجماع أو اتفاق حول حقبة بداية الإسلام، وهذا ما حققوه نسبيا بخصوص المسيحية واليهودية. هذا التاريخ يبدو لهم اليوم أشبه بورشة واعدة، وإن كان من المبكر التكهن بالشكل النهائي الذي ستفضي إليه، فالأرضية التي قدمتها تتناقض بوضوح مع رواية الموروث والسردية الإسلاميين.
أن المؤرخين الغربيين يميلون بغالبيتهم العظمى إلى اعتبار تاريخ العرب قبل الإسلام والتاريخ المبكر للإسلام، كما نقلته المصادر الإسلامية، رواية مفبركة وفولكلورية. فبدلاً من بادية الجاهلية بقبائلها وفرسانها وشعرائها وثقافتها الشفاهية، يقدم بعضهم تاريخاً حضرياً غنياً وحافلاً بالإمارات والممالك والإمبراطوريات التي ترك كل منها إرثاً مكتوباً. في المقابل، يميزون بين تاريخ جنوب شبه الجزيرة، وتاريخ شمالها. ويذهبون إلى القول إن الجنوب كان على الدوام متقدماً ومهيمناً على الشمال، لكن في الفترة التي سبقت حقبة الغزوات العربية، أدى انهيار الحضارات الجنوبية، وأهمها امبراطورية حِمير التي اعتنقت اليهودية وضمت إليها كل الممالك الجنوبية وبسطت سلطانها على الشمال، إلى انتعاش وازدهار المراكز الحضرية التجارية الشمالية وتقوية شوكتها. ويعتبرون، في معظمهم، أن هذا التاريخ العريق لم يكن عربياً بالمعنى اللغوي وبمعيار الهوية، أي أن الحضارات والجماعات التي صنعته تكلمت وكتبت العديد من اللغات التي ترتبط بصلات قرابة مع العربية، إلا أن العربية القرآنية كما نعرفها اليوم، لم تأخذ صيغتها النهائية وتتقعد إلا في وقت متأخر من العهد الأموي، كما أن الحضارات والجماعات المعنية لم تكن تطلق على نفسها تسمية "العرب" . لدى حضارات القديمة في المنطقة، وضمنها حضارة جنوب شبه الجزيرة العربية، كانت هذه التسمية تستعمل للإشارة إلى جماعات البدو التي تعتمد في عيشها على تربية الإبل في حيز جغرافي ممتدة من النيل إلى الفرات. وبعد ضمهم إلى مملكة النبطيين، أطلق الرومان هذه التسمية على مقاطعة أنشأوها في الضفة الغربية وسيناء وشمال غربي شبه الجزيرة العربية. إنها، حسب بعض الباحثين، تسمية كانت تستعمل من الخارج. ويعتبر المؤرخون أن الشواهد النادرة جداً بخصوص تسمية سكان المنطقة أنفسهم عربا - النقش الضريحي الذي يقدم الملك امرؤ القيس بوصفه "ملك كل العرب"- لا تكفي وفق المعايير التاريخية للدلالة على وجود جماعة سمت نفسها بهذا الاسم قبل الإسلام؛ ويميل هؤلاء إلى اعتبار أن غالبية الغزاة القادمين من شمال شبه الجزيرة العربية لم تكن تسمي نفسها كذلك.
هؤلاء لم يكونوا غريبين ثقافياً وحضارياً عن الحضارات التي غزوها وهم أتوا من المراكز الحضرية الشمالية وهوامشها. و تذهب ميشو إلى القول إن هذه الهوامش لم تكن تحتضن مجتمعاً قبلياً بالمعنى المتعارف عليه، وما يوحّد الأفراد- الذين يشكلون جماعة أو عصبة- لم يكن رابط الدم، بل أمور أخرى منها مصالح مشتركة أو الولاء لزعيم واحد أو عبادة نفس الآلهة . وتعتبر فرونسواز ميشو أن مؤرخي العصر العباسي ألحقوا الإضافة "بنو" بأسماء القبائل التي كانت تحيل في الأصل إلى أسماء أمكنة وأسماء علم وليس إلى جد مشترك. فالجيش غازي المنطقة، كان يتألف من تجمع (كونفدرالية) قبائل، يرجح معظم المؤرخين أن يكون محمد التاريخي قد أرساها وقادها. وحسب المؤرخة الفرنسية ومن يساندها، هذا "الكيان الكونفدرالي" كان يسوده انقسام وتنازع مستمر بين أقطابه فور وفاة مؤسسه محمد ووصول أبي بكر، في سياق مأزوم ومكهرب، إلى السلطة .
في هذا السياق، تستنتج فرونسواز ميشو أن "أسطورة الجاهلية"، ترسخت في العصر العباسي، وهي تحاكي ، رمزيا، واقع وتاريخ هذا الكيان المأزوم الذي روجت الدولة العباسية أنها كانت الدولة التي أرست أسس الدولة الإسلامية الفعلية كما كان يصبو إليها محمد.
وبخصوص شخصية محمد التاريخية، يميل العديد من المؤرخين الغربيين إلى اعتبار السِيَر النبوية روايات فولكلورية أسطورية، لكنهم يقرون ببعض الصدقية النسبية إلى القرآن وصحيفة المدينة. كما أنهم لا ينفون أن محمد ظل زعيما حكماً بين القبائل وكان داعية ارتكز الوازع الديني، لكن أعظمهم أقر أن محمدا خاطب القبائل بلغتها ومعتقداتها والتي كانت متأرجحة بين اليهوديات التبشيرية والمسيحيات والمانوية، علما أنه ولم يسع لإحداث تغيير جذري غير مسبوق.
وتستند فرونسواز ميشو على النص القرآني للقول إن الاسم الفعلي للنبي كان أحمد، أما "محمد" لم يكن في البداية سوى صفة تبجيل.
وبخصوص صفة " المؤمنين" تعتبر المؤرخة الفرنسية، بمعية الكثير من المؤرخين، أن هذا المصطلح في الأساس لم يكن يحيل إلى الإيمان بالله، بل هو مشتق من "يَأمن لـِ"، ويعبر عن عقد الأمان المشترك الذي التزمت به القبائل المتنازعة في يثرب بإمرة محمد. كما أنهم يميلون إلى اعتبار الإسلام، كدين مستقل، نتاجاً متأخراً للعهد الأموي. وحسب رأيهم، لم تكن لأمة المؤمنين الأولى هوية دينية واضحة المعالم ومعتقداتهم لم تكن تتمايز عن محيطهم، بل كانت أقرب إلى يهودية تبشيرية مطعمة بالمسيحية تتخذ من القدس والنبي ابراهيم والمراجع التوراتية وجهتها من دون مرجع مؤسساتي.

في هذا الإطار، يعتبرون عبد الملك بين مروان خليفة الإسلام الأول ومؤسسه الفعلي. قد استندوا على بعض الكشوفات الأركيولوجية، للإقرار أن عبد الملك هو الذي غيّر اتجاه القبلة من القدس إلى مكة، وكرّس نبوة محمد، وجعل منهما مرجعين أساسيين لدين جديد مستقل، الإسلام، وبنى عليه سلطة مركزية ثيوقراطية . وقد أكدوا عدم وجود أثر واضح لمحمد أو لدين إسلامي في الوثائق والنقوش لأمة المؤمنين قبل عهد عبد الملك. وحسبهم، هذا الأخير هو الذي أعطى القرآن و اللغة العربية الفصحى صيغتهما النهائية وقام بتعريب المؤسسات، كما هو من كان أول من أطلق على نفسه لقب "خليفة الله" بين أمراء المؤمنين، اللقب الذي أحل علماء العصر العباسي محله "خليفة رسول الله".

في خضم التباين الواسع للأطروحات المتداولة بخصوص أصل وتاريخ القرآن، تعتبر فرونسواز ميشو، أن الأحاديث المنقولة عن محمد تشكل المادة الخام للجزء الأكبر (أو على الأقل لجزء كبير) من النص القرآني، وإن كان أصحاب هذا الرأي يسلّمون بأنه كان على تلك المادة الخام أن تخضع لمحصلة معقدة من الانتقاء والاجتزاء والتنقيح والتعديل وأحيانا التحريف والإضافات اللاحقة قبل أن تصل إلى صيغتها القرآنية، في حين ذهب جملة من المؤرخين مثل " لوكسمبورغ" و"فانسبروغ" و"نيفو" و" أوليغ" و"بوينو" غيرهم ، لا يقرون بأي دور للنبي محمد في القرآن. ففرونسواز ميشو تعتبر، كما سبق، أن الخليفة عبد الملك هو صاحب الفضل الرئيسي في جمع وتوحيد النص القرآني وفرض صيغة مقننة للمصحف أرسلت نسخة منه إلى كافة أنحاء الإمبراطورية، وقد رجّحت أن يكون الحجاج بن يوسف هو من أشرف على هذه المهمة بأمر من الخليفة، إلا أنه على الرغم من جهود السلطات لفرض "قرآنها الرسمي"، استمر تداول القراءات الأخرى المنافسة للصيغة الرسمية لقرون.
قدّمت فرونسواز ميشو، في كتابها، "بدايات الإسلام، أوتاد لتأريخ جديد"، قراءة موسوعية ونقدية لما كتب ونشر في العقود الأخيرة حول هذا الموضوع الإشكالي في الأوساط الأكاديمية الغربية.
جدو جبريل
[email protected]


استنتاجات
اطروحة فرونسواز ميشو Françoise Micheau

محور : الأطروحات - أطروحات خارج المنظومة

- لم يتوصل المؤرخون الغربيون بعد إلى رواية متماسكة وموضع إجماع أو اتفاق حول حقبة بداية الإسلام.

- تناقض أطروحة "ميشو" بوضوح مع رواية الموروث والسردية الإسلاميين.


- تاريخ العرب قبل الإسلام والتاريخ المبكر للإسلام، كما نقلته المصادر الإسلامية، رواية مفبركة وفولكلورية.

- هذا التاريخ العريق لم يكن عربياً بالمعنى اللغوي وبمعيار الهوية، فالحضارات والجماعات البشرية التي صنعته، تكلمت وكتبت العديد من اللغات ذات صلات قرابة مع العربية، إلا أن العربية القرآنية كما نعرفها اليوم، لم تأخذ صيغتها النهائية وتتقعد إلا في وقت متأخر من العهد الأموي.


- أن غالبية الغزاة القادمين من شمال شبه الجزيرة العربية لم تكن تسمي نفسها عرب.

- تألف الجيش غازي المنطقة من تجمع (كونفدرالية) قبائل، ويرجح معظم المؤرخين أن يكون محمد التاريخي قد أرساها وقادها. و هذا "الكيان الكونفدرالي" ساده انقسام وتنازع مستمر بين أقطابه فور وفاة محمد ووصول أبي بكر، في سياق مأزوم ومكهرب، إلى السلطة .


- "أسطورة الجاهلية"، ترسخت في العصر العباسي، خدمة لغرض سياسي.

- اعتبر المؤرخين الغربيين السِيَر النبوية روايات فولكلورية أسطورية، لكنهم يقرون ببعض الصدقية النسبية إلى القرآن وصحيفة المدينة.


- أعظمهم أقر أن محمدا خاطب القبائل بلغتها ومعتقداتها - التي كانت متأرجحة بين اليهوديات التبشيرية والمسيحيات والمانوية- وأنه ولم يسع إلى تغيير جذري غير مسبوق.

- تعتبر ميشو صفة " المؤمنين" ، بمعية الكثير من المؤرخين، مصطلحا في الأساس لم يكن يحيل إلى الإيمان بالله، بل هو مشتق من "يَأمن لـِ"، ويعبر عن عقد الأمان المشترك بين القبائل المتنازعة في يثرب .


- الإسلام، كدين مستقل، نتاج متأخر للعهد الأموي. ولم تكن لأمة المؤمنين الأولى هوية دينية واضحة المعالم ومعتقداتهم لم تكن تتمايز عن محيطهم، بل كانت أقرب إلى يهودية تبشيرية مطعمة بالمسيحية تتخذ من القدس والنبي ابراهيم والمراجع التوراتية وجهتها من دون مرجع مؤسساتي.

- عبد الملك بين مروان خليفة الإسلام الأول ومؤسسه الفعلي. هو الذي غيّر اتجاه القبلة من القدس إلى مكة، وكرّس نبوة محمد، وجعل منهما مرجعين أساسيين لدين جديد مستقل، بنى عليه سلطة مركزية ثيوقراطية . وهو صاحب الفضل الرئيسي في جمع وتوحيد النص القرآني وفرض صيغة مقننة للمصحف أرسلت نسخ منه إلى كافة أنحاء الإمبراطورية، وقد يكون الحجاج بن يوسف المشرف على هذه المهمة بأمر من عبد الملك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح