الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضانة قصة

فريدة عدنان
كاتبة وشاعرة

(Farida Adnane)

2022 / 4 / 13
الادب والفن


ديسمبر شهر يتأجج فيه الحب فيصير ذهبا هواءه البارد وثلوجه البيضاء تعيد للأحاسيس توازنها وتجعل النفوس تنعم بشيء من الهدوء والفرح.هاكذا حدثت جليلة ذاتها، والطمأنينة تسري في جميع أوردتها وابتسامة رقيقة تعلو وجهها النحيل.كانت ترتشف كأس الشاي الساخن وهي تتحسس بطنها في حنو وتستمع لنبض هادئ يهيم بها إلى عالم ملائكي بديع، ويزيح عن قلبها هما كبيرا كابدته طوال سبع سنوات شبيهة بسنين مصرالعجاف .
كانت جليلة قبل سنوات فتاة هادئة طيبة تدرس وتحلم بفارس يحملها على ظهر جواده لتعيش معه حياة مفعمة بالحب والهدوء والرضى،وما أن لاح في سماء دربها ذلك الشاب الوسيم حتى هوت في شراك حبه، وأغرمت به ،كان الزواج سريعا والانفصال أسرع.تحطمت أحلام جليلة مع بزوغ فجر الصباح ،وأضحت كلها مجرد كوابيس ترافقها ليل نهار.
تنهدت جليلة بعمق وهي تسترجع كل تلك الأحاسيس المتضاربة والحزينة التي مرت بها ويديها لاتزالان تتحسسان بطنها وترتجفان. عاودها ذلك الاحساس الرهيب الذي شعرت به وهي تتحسس جنينها الأول ثمرة زواجها الفاشل ،عندما هربت من الظلم والإهمال وتسلط الحماة وألقت بنفسها في براثن الحياة الموحشة .
كانت ترتشف الشاي وكأنها تتجرع مع كل رشفة غصة عالقة في حلقها..وضعت جليلة طفلها الاول وهي لا تزال فتاة لم تتجاوز العشرين ،ومن أجل ذلك الحب المزعوم تركت الدراسة والأحلام وفي غضون اقل من سنة صارت أما لطفل ومعها شهادة تحمل اسم مطلقة في مجتمع يدين المرأة في جميع الأحوال .
ابتسمت جليلة ابتسامة زائفة وهي تحاول أن تزيح بها كل تلك المشاهد والخيبات التي عاشتها، لكن نسائم ديسمبر الباردة أبت إلا أن تحمل في طياتها أحاسيس متلبدة وسكاكين تغرس في قلب الذكريات المريرة.تراءى لها مشهدها وهي تقوم بتنظيف الدرج ويداها ترتجفان من البرد ،وتلك المرأة المتغطرسة تقول: لانريدك هنا لأنها تغار على زوجها .. وأخرى تصيح في وجهها قائلة عملك غير متقن عاودي التنظيف من جديد.. و امرأة أخرى ترق لحالها …وهاذا رجل يتحرش بها هنا وآخر يستغفر الله من كل ذنب عظيم ….كل هاذا العناء الذي مر بها من أجل تحصيل دراهم بسيطة تعينها على المسؤولية الجسيمة التي ألقاها القدر على عاتقها ،ومن أجل تربية ابنها الصغير الذي أهمله من كان سببا في وجوده والذي لم يهبه شيئا سوى لقب مكتوب بحبر قديم على شهادة ميلاد.
إحساس جليلة بالمسؤولية الجسيمة اتجاه ابنها وأملها أن تجعل منه رجلا مسؤولا بخلاف والده، كل ذلك زاد من عزيمتها. كانت جليلة أكبر من ظروفها أتمت دراستها وحصلت على وظيفة مرموقة.
في زهو قالت: أخيرا ابتسم حظي ولن أعود لمثل هاته الذكريات المريرة حاملة فنجان الشاي كمن تحدث شخصا أمامها،أكملت مسترسلة لقد حفرت في الصخر كي أصل إلى ما أنا عليه الآن وشاءت الأقدار أن التقي مجددا برجل أحبني منذ الطفولة بعد كل هاذا المخاض، ولم يضره اني امرأة مطلقة ولا اني أم لطفل من رجل آخر .لقد غير نظرتي للناس وللحياة وبعث في أوصالي الامل من جديد وها أنا الآن حامل بطفله وسعادتي إكتملت بوجوده الى جانبي …
في خضم حوارها مع ذاتها رن جرس الباب أسرعت والفرحة تغمرها ظنا منها أن زوجها حبيبها هو القادم لتزف إليه خبر حملها.فتحت الباب وقفت متسمرة لم يكن زوجها بل شخص غريب يحمل أوراقا شاحبة كأيامها الفائتة حيث طلب منها توقيعا وسلمها احداها وغادر قائلا: سيدتي لا تنسي موعد جلستك في المحكمة.حملت جليلة الورقة في شرود وموجة خوف عارمة اجتاحت فؤادها ،ما إن وقع بصرها على المكتوب حتى بدأت بصراخ هستيري خرج على إثره كل سكان العمارة.. لا..لا.. هاذا ظلم انه طفلي وحدي كيف يريدون أخذه؟!! بأي حق يأخذوا طفلا من حضن أمه لمجرد انها تزوجت لإنقاذ نفسها وطفلها من حياة جائرة؟ أي حق يخول للرجل يأخذ طفلا لمجرد انه أب بيولوجي وهو جاهل لمعنى الأبوة؟! أي ظلم.. ؟! وأي حق…وأي…وأي..وأي حضانة تلك!!؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة