الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية في عقيدة العصمة

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2022 / 4 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قراءة نقدية
في عقيدة العصمة

باسم عبدالله

عقيدة العصمة، احد اهم المباحث العقائدية في الفكر الإسلامي فهي بحسب عقيدة الإمامية هدف إلهي، لكننا سنجد هذه العقيدة ليست ذات صلة لا بالنص القرآني ولا بالتراث الديني الذي درج عليه آباء العهد القديم وانتقاله الى الإسلام، عقائدياً وصل الإيمان بالعصمة حد الغلو حتى صار مقارنتها بالذات الإلهية وتحمل بعض صفاته. العصمة تجسيد إيماني للمنظومة اللاهوتية وجدت جذورها في الملأ الأعلى واستوطنت في الأرض، لهذا تحارب الإمامية كل فكر يمس المعتقد الروحاني لهذه العقيدة، فهي بعيدة عن الجدل والفكر الاستدلالي المساس بها. دينياً تكون عقيدة العصمة قد وضعت حاجزاً لا يستطيع العقل البشري ادراك كنهها لا في المدى القريب ولا البعيد وليس في اطار الزمان والمكان ما يمكن تفسيره، نقدها او الشك فيها. فهذا الفيض الغامض في رحلات الكون عبر طرق السماء وطبقاتها السبع، انما اندرج في المنظومة اللاهوتية كالعصمة والتي جعلت البشرية تتحد بالطبيعة الإلهية ابد الدهر فلا ينازع اصحاب العصمة بهذا الوجود منازع فهم خالدون خلود الله، احد هؤلاء المعصومين امتلك الزمان فهو صاحبه ولقبه صاحب الزمان.
ينطلق الفكر الديني كله الى قداسة الذات الإلهية وربطها بعصمته وهي صفة لا تحيد عن الذات الإلهية وامتدت الى عشرات القرون، لكن لماذا هذا التفرد بجعل عقيدة العصمة تجسد الطبيعة الإلهية في منظورها الدنيوي وجعلها ركنا من اركان الدين، اذ انتقلت عصمة الله الى مخلوقاته؟ فالله الابن في شخص المسيح في ولادته البشرية كان معصوماً عن الخطيئة وقد عبر في كمال ذاته عن المحبة والإحسان للجنس البشري، تماماً كحالة العقيدة الإسلامية في الأمامية. ان تطور الفكر الديني قد انتج معه عقائد عبر تاريخه الطويل، اذ نقل طبيعة الذات الإلهية ووضعها في النخبة الدينية التي تسلمت السلطة الروحانية واخضع لها العقل البشري، فهذا التنويع بين الألوهية والبشرية كان لابد له ان يسحب صفات الألوهية او بعضها كي كون موروثاً ارضياً يتوارثه الأنبياء او الصفوة من غير الانبياء، لهذا ابتدأ تاريخ الفكر الديني بالتوراة حين ادرج العديد من انبياء بني اسرائيل وجعل لبعضهم القدسية ونقل اجسادهم الى السماء كما فعل مع ايليا واخنوخ وملكي صادق، فهؤلاء اسسوا معراج البشرية الى عوالم الألوهية في الملأ الاعلى، حتى ان موسى قد اخذه الله الى جواره. لكن الكتاب المقدس لم يعصم بعض انبياء اليهود بل اظهر عيوبهم، كما فعل مع النبي داود، وفي شريعة اليهود كان داود زانياً فكيف يكون زانياً ويدعي انه انه انسان طاهر ونبي بار؟ فهذا التجاوز ليس فقط اخلاقياً بل انه يعطينا مؤشراً على بشرية الفاعل، هذه البشرية ليست معصومة من الزلل والسيئات عن قصد او دون قصد. في سفر التثنية 22 يجيز قتل الرجل الذي اضطجع مع امرأة زوجة بعل، يقتل الإثنان. كذلك اظهر الكتاب المقدس خطيئة النبي لوط عندما اضطجع مع ابنتيه كما اشار ذلك بوضوح سفر التكوين 19. فهذه كلها دلائل على عدم كمال الإنسان، هكذا اظهرت النخبة الدينية بشريتها وعدم قدرتها على عصمة الذات.
لقد طوّر الفكر الديني عقيدة العصمة في شخص يسوع المسيح وادخل فيه الذات الإلهية فصار يتكلم، يعاني ويجوع، يصلب ويموت ثم يقوم لان الله لا يموت. فهو معصوم من الموت، هذا يعني ان العصمة مثلت اتحاد الكمال البشري في المنظومة اللاهوتية. لكن النص الديني قد خالف عقيدة الأمامية في المنظور الإسلامي. عندما فسح المجال لحكم العقل في المعتقد فسنرى الحقيقة مجردة عن العاطقة الدينية التي تلغي العقل في غالب الإحيان.


العصمة تعني ان الله اختار الإمام قبل خلق العالم، وقد استدل الشيعة على النص القرآني: ” وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .. ” لكن تفسير النص بحسب التفاسير الإسلامية يخالف مبدأ عقيدة العصمة وقد اتخذ من هذا النص ذريعة لجعل عقيدة العصمة احد العقائد الأساسية عند الإمامية الإثنا عشرية. فلهم تفاسيرهم الخاصة التي تناقض جوهر العقيدة الإسلامية، فماذا قال علماء التفاسير بخصوص هذا النص؟ بحسب تفسير ابن كثير ” ... وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) أي : قام بهن . قال : ( إني جاعلك للناس إماما ) أي : جزاء على ما فعل، كما قام بالأوامر وترك الزواجر، جعله الله للناس قدوة وإماما يقتدى به، ويحتذى حذوه ” فهذا التفسير الطبيعي للنص القرآني جعله الله قدوة وليس اماماً بمعنى المفهوم العقائدي للأمامية بما يعادل النبوة. عن ابن عباس قال ” ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) لما جعل الله إبراهيم إماماً ، سأل الله أن تكون الأئمة من بعده من ذريته، فأجيب إلى ذلك وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون، وأنه لا ينالهم عهد الله ، ولا يكونون أئمة فلا يكونوا قدوة ” كيف يكون قصد الله ان ذرية ابراهيم يكونوا من الأئمة بمعنى قصد الإمام المعصوم وسيكون من ذريته ظالمون؟ إلا اذا كان القصد جعل ابراهيم قدوة صالحة وليس اماماً معصوماً.
يذكر ابن مسعود البغوي في تفسيره للنص ” ... اني جاعلك للناس اماماً .. يقتدى في الخير .. و من ذريتي ... اي ومن اولادي فاجعل منهم آئمة يقتدى بهم في الخير قال الله لا ينال اي لا يصيب ” كذلك بحسب تفسير عبدالرحمن السعدي ” ... إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا أي: يقتدون بك في الهدى، ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية، ويحصل لك الثناء الدائم، والأجر الجزيل، والتعظيم من كل أحد. ” .. لا ينال عهدي الظالمين .. اي لا ينال الإمامة في الدين ...” والمعنى الآخر بحسب صورة الإسراء 71 ” يوم ندعو كل الناس بإمامهم ” بحسب ابن كثير في تفسير ابن عباس اي بكتاب اعمالهم. المنطلق الثاني ورود آية التطهير في سورة الأحزاب ” إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ” عند قراءة الآيات المحيطة يتضح المعنى المقصود من النص، فهذه الآية لم تخص امتياز اهل بيت النبي بمعنى الإحاطة في الإمامة لعلي واولاده، انما كان المقصود بها زوجات النبي محمد، تبدأ السورة ” وقرنّ في بيوتكنّ ولا تبرجنّ تبرج الجاهلية الاولى واقمن الصلاة وآتين الزكاة واطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ... ” المعنى واضح قصد فيه النبي ونسائه، استعمل النص 6 مرات نون النسوة، فهذا التأنيث للنساء، ثم ذكر ”عنكم” عندما اضاف محمداً للنص بمعنى هو المقصود فيه. النبي ونسائه فهنّ اهل بيته. فالنص لم يحتمل تأويل على محمل الإعتقاد ان المقصود فيه علي بن ابي طالب و فاطمة واولادهم. مهما كانت التفاسير بحسب عقيدة الإمامية فليس هناك نص واضح يبرر الإعتقاد بصحة ما ذهبت اليه الإمامية من تفسير يخص اهل بيت النبي خارج نطاق زوجاته ذلك ان السورة ابتدأت بهنّ فلا يحمل المعنى الإنتقال الى اهل بيته بما يعني علياً وفاطمة. لنناقش الآن الاحتمال المنطقي، العقلي والاستدلالي لعقيدة العصمة وموقف الإله منها ان كانت حقاً تمثل ارادته وبحسب مفهوم الايديولوجية الدينية :
1 – اما يكون المعصوم مسلوب الإرادة بمعنى ان كل افعاله لا تتم عبر اختياره انما وفق قدر إلهي لا يحيد عنه وبهذا تكون افعاله ليست صفة ايجابية تخصه اذ لا حول ولا قوة عنده في الإختيار. فهو كالملائكة لا يعصي لله امراً ولا يقود نفسه بحسب اهوائه، فلا اختيار عنده لأفعاله كي يتم الحكم عليه صالح او فاسد الإعمال ذلك ان الله اعانه على الإستقامة المطلقة. ولم نعلم بدونها هل سيكون صالحا او تملأه السيئات.
2 – او تكون للمعصوم ملكة خاصة مانعة من الفجور وهذه الملكة مغايرة للفعل اي يتمتع بصيانة عالية للنفس وهذه الخاصية لم تكن عبر التاريخ خاصة الإمامية الاثنا عشرية بل هناك العديد من الأبرار قد امتلكوا تلك الملكات الروحانية الخاصة بهم. هذه الملكة لا ترقى بصاحبها لصفة العصمة.
3 – او ان يعلم ان الإلهام والوحي يأتيه من الله فيعصمه عن المعصية.
4 – او ان تكون العصمة بمزاولة التقوى فهذه الملكة تصل به الى حد الطهارة لا يرى فيها حياته إلا طائعاً وفياً باراً اميناً صالحاً فهو واع بما يعمل وبما يريد. المعصوم بمعنى انه يمتلك المعرفة والإرادة والعقل والملكات النفسية والمواهب الروحانية فهو كالمتصوف يستغرق في الذات الإلهية ويراها جزءا من كيانه. فهذه هي القياسات الإلهية لها.
اذا كان الله قد اختص الأئمة الإثنا عشرية بالعصمة في قضاء مصالحه على الارض لماذا لم يأت بنص صريح وواضح يبين فيه ما التبس على ملايين المسلمين في اقطار الأرض كما فعل مع ملائكته اذ اختصهم انهم لا يعصون له امراً ” يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْليكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُون ” فالملائكة موجودات روحانية لا قدرة لها على فعل المعاصي، بينما العصمة شأن دنيوي يختص بالمعاملات والميول والإختيار للطاعة او المعصية، ولما كان الأمر شأناً دنيوياً اهم، يفترض بالنص الإلهي ان يبين للملأ من هي الفئة القادرة على كمال الذات فيها وعلى طاعة الله مطلقاً، لكن الله لم يذكر ذلك لماذا؟ لأن الطبيعة البشرية مهما سلكت طريق الكمال تبقى فيها الطبيعة البشرية ذلك ان الكمال لا يتم إلا في الذات الإلهية لا غير.

الأنبياء والعصمة :
اذا كان الأنبياء كحال الإئمة مثال الإستقامة والكمال وهم مؤيدون بالوحي يفترض ان تكون عصمتهم واجبة وعلى درجة اعلى من الأئمة غير الموحي لهم، تعترضنا آيات قرآنية تجعل دور المعصوم اصعب في تمييزه كمخلوق فريد ومتميز، بحسب سورة التوبة الفقرة 51 ” قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚوَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ .. ” فهذه الإرادة الإلهية قد جعلت كل السالكين طريق الله قد قدرت لهم افعالهم وصارت كلها في اليقين الإلهي في اللوح المحفوظ . بمعنى ان افعال المعصوم قد قدرها الله قبل خلقه. الامر الذي يجعل دوره في الإمامة لا يختلف عن اي إمام او مؤمن يسير في طريق قدر الله المحتوم. فلا تمييز لمعصوم او عاص لأمر الله فكلاهما كتب الله مصير افعالهم. الأمر لا يتوقف عند هذا الأمر فحسب اذ ورد في سورة ص الفقرة 24 ” وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ .. ” بحسب تفسير القرطبي قال سعيد بن جبير ان داود نظر الى المرأة نظرة شهوانية فوقع في فتنة النظرة وانه اغزى زوجها في حملة التابوت وانه قتل قائد جنده ثم تزوج امرأته فذنوب الأنبياء عظيمة مهما صغرت. فهل تمتع داود بالعصمة؟ ليس بحسب الفقرة القرآنية. لقد مارس داود الطبيعة البشرية رغم كونه نبياً لقد تغير مفهوم العصمة ولم تعد لقدسيتها وجود على محمل النص القرآني. فالعصمة لم تصاحب داود فوقع منه الذنب. ركع ساجداً وناب الى الله من كل ذنب.
تاريخياً انقسمت الفرق الإسلامية ببيعة علي بن ابي طالب، فالمعتزلة امتنعت عن بيعته كما اشار تاريخ الفرق الإسلامية ص 130 ، كذلك الخوارج والإشاعرة خالفوا الإمامية، حتى ان الإمام ابو حامد الغزالي قال لا يجب عقلا عصمتهم. تعدى الامر الى عصمة النبي محمد ، تذكر سورة الفتج بشريته وليس نبوته كدليل على انتفاء عصمته ” ... لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا .. ” فهذا نص صريح ومباشر خاطب به الله محمداً في صدور الذنب عنه. يخالف تصريح الله ما قاله جعفر الصادق في تفسير مجمع البيان ج 9 ص 168 ” ما كان له ذنب ولا همّ بذنب ولكن الله حمّله ذنوب شيعته ثم غفرها له ” فهذا الرد لم يحتو على استدراج منطقي للنص القرآني، اذا كان الله في النص القرآني قد اقرّ بذنب نبيه، ايهما الاقرب للقناعة، ان نؤمن بالنص القرآني ام نقتنع بما قاله جعفر الصادق؟ اذا كانت الإستقامة دليل الأنبياء شرط حصولهم على العصمة كما تؤمن بها الأمامية الاثنا عشرية فهذا آدم اول الأنبياء بحسب العقيدة الإسلامة ” وعصى آدم ربه فغوى ” فالغواية بحسب معجم لسان العرب لإبن منظور تعني الضَّلال والخيبة، وقد وردت كلمة الغواية بمعاني تحمل الصفات غير الحسنة ” قد تبين الرشد من الغي ” فالغي غياب التصرف العقلاني وعدم الركون للحكمة وحسن التصرف فهذا امر كيف يمكن قياسه لمعصوم؟ اذا كان الله قد ” اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ” فهذا الإصطفاء لآدم لم يمنع عنه الغواية فكيف بحال اناس لم يخصهم الله بذكره؟ بل ان آدم ” ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزماً ” اي ترك ما امر الله به ولم يحفظ عهده. اذا كان آدم في الملأ الأعلى وقد تلقى كلمات ربه قد تعرض للإغواء والنسيان وعدم صيانة العهد، وهو مكلف بترك المعصية والذنب والضلالة وقد وقع فيها فكيف برجال لم يعهدوا إلى الله ولم يرتقوا بروحانية إيمانهم كما فعل الأنبياء؟ لقد اشار نبي الإسلام بمعنى واضح ” قل انما انا بشر مثلكم يوحى إلي” فهذا اختصاص بشريته وامتيازها بالوحي فلم يمنع صدور الذنب عنه. لقد قال في حديث نبوي ” كل ابن آدم خطاء ” فهذه البشرية موروث الإنسان في عدم الكمال.
بحسب كتاب بحار الأنوار للمجلسي، ج 25 ص 209 ” اعلم أن الإمامية رضي الله عنهم اتفقوا على عصمة الأئمة عليهم السلام من الذنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلا لا عمدا ولا نسيانا ولا لخطأ في التأويل، ولا الإسهاء من الله سبحانه ” فكيف لا نسياناً والنص القرآني صريح في آدم وقد نسي؟ وكيف وقد ذكرها الله وخصّ فيها انبيائه ” سنقرأك فلا تنسى ” فهذا خطاب خصّ به نبيه واقـرّ فيه الطبيعة البشرية للنبي انه معرّض للنسيان، فهل حال الإئمة لا علاقة لهم بسلالة آدم؟
كذلك يشير المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 45 مقراً بالطبيعة البشرية لآدم في عدم كمال ذاته كمعصوم ” ... ثم يأتون آدم فيقولون: أنت أبونا وأنت نبي فاسأل ربك يحكم بيننا ولو إلى النار، فيقول آدم: لست بصاحبكم، خلقني ربي بيده، وحملني على عرشه، وأسجد لي ملائكته، ثم أمرني فعصيته” فهذا الإقرار ذاته يلغي بحسب مفهوم النص عقيدة العصمة لما لآدم مزايا روحانية لم تتوفر للأئمة في الملأ الأعلى.
كذلك اشار العلامة الكافي الكليني ج 8 ص 108 عن علي عن ابيه، عن ابي عمير، عن ابي مالك الحضرمي عن حمزة بن حمران عن ابي عبدالله قال ” ... ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق والطيرة والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده ” .
بيد ان مصادر الإمامية الاثنا عشرية في الإقرار ببشرية الأئمة حقيقة لا نكران فيها، ففي بحار الأنوار للمجلسي ج 25 ص 350 قرائن عديدة تحبط الإيمان بالعصمة كعقيدة فهذا تميم القرشي عن ابيه عن احمد بن علي الأنصاري عن الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام : ” ... يا ابن رسول الله إن في الكوفة قوما يزعمون أن النبي ... لم يقع عليه السهو في صلاته، فقال: كذبوا لعنهم الله إن الذي لا يسهو هو الله لا إله إلا هو ” . فهذا اقرار للمجلسي يبين ان ما كتبه لم يعلم ان علياً بن ابي طالب بحسب عقائد الإمامية خليفة معصوم.
فهذا علي بن ابي طالب كان يخشى على نفسه من اثارة غرائزه عند مخاطبة النساء، فقد ورد في الكافي للكليني ج 5 ص 535 وبحار الانوار للمجلسي ج 40 ص 335 ” ... عن علي عن ابيه عن حماد بن عيسى ... قال: كان رسول الله .. يسلم على النساء ويرددن عليه السلام وكان امير المؤمنين عليه السلام يسلم على النساء وكان يكره ان يسلم على الشابة منهن ويقول : اتخوف ان يعجبني صوتها فيدخل علي اكثر مما اطلب من الآجر ”
يذكر بحار الانوار للمجلسي ج 25 ص 238 كان علي بن الحسين يقول في دعائه ” اللهم ان استغفاري لك مع مخالفتي للؤم وان تركي الإستغفار مع سعة رحمتك لعجز، فيا سيدي الى كم تتقرب الي وتحبب وانت عني غني واني كم ابتعد وانا اليك محتاج فقير ” فهل هذا دعاء لمعصوم اختاره الله، غير مضطر للتوسل والدعاء ويرى نفسه بعيداً عن كل ذنب وعلى كمال كل فعل وقول؟ وهذا محمد الباقر بن علي بن الحسين اوصاه ابوه ”في بحار الأنوار للمجلسي ج 46 ص 232 ” عليك بحسن الخلق ” لقد اشار المجلسي في بحار الأنوار ج 27 ص 253 وفي الكافي ج 8 ص 357-356 في مواطن عديدة على بشرية علي بن ابي طالب فلا عصمة تمنعه من الذنب: ” لا تكفوا عن مقالة بحق او مشورة بعدل فإني لست آمن ذلك من فعلي إلا ان يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره، يملك منا ما لا نملك من أنفسنا وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى” . فهل هذا قول لإمام يرى ان الله اختاره، واصطفاه كما اصطفى انبيائه وانه لا يمسه السوء ولا يقلقه غضب الله لانه معصوم من غضبه؟ لقد وصف علي نفسه انه ” عبد ” الى الله. فهل تتساوى قدسية المعصوم وثقته بقوة ايمانه كعبودية من يخشى الله ووقوعه في الفتنة والذنب؟

هذه القرائن يستدل بها تكليف العبد بترك المعصية مع التمكن من الطاعة فإذا تمكن من المعصية وتركها كما اشار علي بن ابي طالب خوفاً من الضلالة كان مطيعاً كما فعل علي في خوفه من الله بقدرته على الطاعة فهذا الذي اشار اليه، التمكن من المعصية والقدرة عليها لا صدورها منه، فالعصمة في مقدور اي مؤمن فعلها ولم تقتصر على افعال الأئمة هي امتناع وقوع المعصية. يمتنع عنها عقلاً وادراكاً. بينما العصمة التي اشارت اليها الإمامية تستلزم سلب المؤمن ارادته وابقاء قدرته على الطاعة، فلا تتم الطاعة كذلك إلا بالإرادة، هم في هذا يزيلوا عنه بشريته. فهذه العقيدة ظهرت في عصر جعفر الصادق، وقد تعرضت للطروحات الفلسفية في العقيدة الإسلامية كما تعرضت المسيحية لعقيدة الثالوث وصارت جزءا من لاهوتها الإعتقادي بدخول مفاهيم لا علاقة لها بجوهر الدين، فلم يرد ذكر العصمة عند أهل السنة إلاّ في القرن الثالث للهجرة بعد أن كان الكليني قد صنّف كتابه “الكافي في أُصول الدين” وأسهب في موضوع العصمة فأخرجها من الدائرة الإسلامية ونقلها لمنظور روحاني صار معادلاً للذات الإلهية.
لقد حسم القرآن في عدة مواقع إشكالية العصمة في الفكر الإسلامي وفي العديد من السور القرآنية تقف عقيدة العصمة معزولة تماماً عن اللاهوت الإسلامي في علاقة المخلوق بالخالق. فهذه صورة النساء كذلك تضيف دليلاً اضافياً ” ما اصابك من حسنة فمن ربك وما اصابك من سيئة فمن نفسك ... ” فالإرادة هي التي تحدد طبيعة العلاقة و درجة الإيمان بالخالق، اما كون العصمة التي تلغي إرادة الإمام المؤمن فهي ليست ميزة شخصية انما الغتها الإرادة التكوينية للإله، فما قيمة عصمة لا تخرج من اختيار المؤمن وقد فرضت عليه لاهوتياً ؟ إن الأمر الإغرب من هذا في عمل الشيطان الذي يتربص للأنبياء، ففي سورة الحج ينازع الشيطان ولاء الإنبياء للخالق ويريد ان يحرفهم عن الصراط المستقيم : ” ... وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ... ” فإذا كان الشيطان ينازع الإنبياء ويلقي في نفوسهم كي يشكل عليهم صفوة الإتحاد بالوحي الإلهي، اين ستكون العصمة فيهم ، اذا كان الأمر يخص الإنبياء بسلطة الشيطان عليهم فلا منقذ لهم غير الله، كيف سيكون حال الإمام غير الموحى اليه، مع ان الله قد عصم الرسل بما يبلغون عن الله، فهذه عوارض الشيطان تستوطن في نفوس الابرار. اينما حلوا وارتحلوا، فكيف سيكون وقد زين الشيطان لهم اعمالهم ويلقي الشك في نفوسهم، ان امر الشيطان ابتدأ منذ خلق آدم ويستمر الى يوم القيامة وماهو إلا منازع للنفوس مهما تقربت او ابتعدت عن طريق الله .
يذكر الشيخ المفيد محمد بن النعمان احد ابرز العلماء الشيعة الاثنا عشرية في القرن الرابع الهجري في كتابه “النكت الإعتقاديّة” عن النبي: “معصوم من أوّل عمره إلى آخره عن السهو والنسيان والذنوب، الكبائر والصغائر، عمداً وسهواً”. اذا كانت عصمة النبي ضمن الإرادة التكوينية لله كيف سنفهم ونفسر النص القرآني في سورة الضحى : ” والضحى والليل اذا سجى ... الم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ...” ذلك ان الله يتحدث هنا عن حالة النبي في الماضي اذ لم يكن في اول عمره معصوماً وقد اقر الله بوقوعها. فالضلالة، لم تمس كمال دعوة النبوة عند اظهار بشرية صاحب الدعوة. فمحمد كان في الجاهلية ضالا اي لم يكن معصوماً بينما اشار الله الى عدم معصوميته وان كان معصوماً من عبادة الأوثان فلم يكن معصوماً من الخطأ والزلل وحتى في نبوته ” عبس وتولى” فهذه كلها نوازع بشرية، لا تلغيها روحانية النبوة، تذكر سورة غافر الفقرة 55 ” فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ” فالنص القرآني خاطب محمداً ” استغفر لذنبك ” آمرا اياه لذنب فعله ولم يكن النص لذنب لم يفعله، فالخطاب واضح للنبي ان هناك ذنب طلب منه الله ان يستغفره . اذا كانت العصمة في الإمامية الاثنا عشرية اصل من اصول الدين، لم نجدها في مصادر السنة ما يستدل بها ضمن اصول الدين وليست شرطاً للإيمان، ذلك ان الإسلام بني على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت، وصوم رمضان، فهذه الفرائض خلت من عقيدة العصمة.
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رواه صحيح البخاري بحديث رقم 6237 كتاب القدر- باب المعصوم : "ما بعث الله من نبي ولا اسْتَخْلَفَ من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتَحُضُّهُ عليه، وبطانة تأمره بالشر وتَحُضُّهُ عليه، والمعصوم من عصم الله". فهذه الحديث يضع الإعتبار للطبيعة البشرية في الواجبات الدينية للأبرار والصالحين، للأنبياء وغير الصالحين. يذكر كتاب الغدير في الكتاب والسنة والأدب للشيخ عبدالحسين الأميني ج 3 ص 320 ” اما الشيعة الاثني عشرية فيؤكدون ان الإمام جعفر الصادق نص على إمامة اسماعيل من بعده، غير ان اسماعيل كان سكيراً فنقلت الإمامة إلى موسى وهو الوليد الرابع بين سبعة اولاد ” فهل كان اختياره بفعل الإرادة التكوينية للإله ام كان اختيار جعفر الصادق بنفسه الى ولده اي اختيار الأصلح لقيادة الإمامة؟ قطعاً كان الإختيار شأناً دنيوياً لا علاقة له بالعصمة ولم يكن اختياراً إلهياً لموسى الكاظم؟ فعدم وجود العصمة بشكلها الديني في الإرادة التكوينية للإله عن علي بن ابي طالب واولاده لا يقلل مكانتهم الفريدة في الإسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س