الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة المواطنة بالدول العربية والإسلامية

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2022 / 4 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



غالباً ما تطرح بعض النخب الالفكرية والإعلامية والثقافية في ما تسمى بالدول العربية والإسلامية، بعض المبادئ والمفاهيم والمصطلحات الحداثية التي طوّرها بنو البشر وخبروها في بقية الدول والتجمعات البشرية، وتطنب، وتبالغ في تقديم مفاهيم برّاقة وجذّابة في أطروحاتها وسجالاتها السياسية والإعلامية والفكرية، وتسهب بالحديث عن قيم العدالة والمساواة وسواها في تصوراتها لشكل ونظم الحكم المستقبلية. وكان أكثر ما ظهر ذلك جلياً واضحاً في العقد الأخير، فيما سُمي بحقبة "الثورات" أو الربيع العربي حسب توصيف هيلاري كلينتون، صانعة وطبخة مواسم الإخوان المسلمين، والتي كانت وراء تدبير وتمرير هذه الخديعة الكبرى التي عصفت بمجتمعات الشرق الأوسط وأحدثت فيها قدراً كبيراً من الخرب المعنوي والبنيوي، وأيما خراب وأيما تدمير.
لكن تلك المفاهيم والمصطلحات والتصورات الحداثية التي يطرحها هؤلاء، ويركّزون عليها كقارب نجاة لهذه المجتعمات من برازخ الاستبداد والديكتاتورية والطغيان، غالباً ما تصطدم بثقافة شعبية مترسخة في الوجدان الشعبي، ترفض، وبكل أسف، تلك القيم والمصطلحات والمفاهيم الحداثية، وتنبذها، وتقاومها، ولا تعترف بها، لا من قريب ولا من بعيد، لا بل تؤمن بكل ما يناقضها وتكفـّر أصحابها. وكانت بعض شعارات ما تسمى بـ"الثورة السورية"، المخجلة والمشينة، تعبيراً صارخاً عن هذه الاتجاهات المتأصلة في الوجدان الجمعي لهذه الجموع المؤدلجة والمدجـّنة "الثائرة"، التي قامت بحراكها و"ثورتها" المزعومة، وفي إحدى أهدافها، فقط لإعادة استعباد وإخضاع وسبي بعض المكونات والأقليات "المارقة" في سوريا، وإعادتها لحظيرة الطاعة والعبودية بعدما تحررت نسبياً من هيمنة التيار الرئيسي إثر هبوب بعض الرياح الليبرالية في حقبة ما بعد ما يسمى بـ"الاستقلال الوطني" من الاستعمار الغربي، وربما وقفت ذات الأسباب وراء صعوبة واستحالة اندماج هؤلاء في المجتمعات الغربية عقب الهجرات والنزوح الكثيف المستمر والمتوالي للغرب المتنور الديمقراطي العلماني الذي يؤمن، فعلياً، ويطبـّق مبادئ العدالة والمساواة فيما تواجه قوانين الجنسية صعوبات جمة وقيوداً تعجيزية في منح الجنسية والحقوق البسيطة وتعاملها مع المقيمين والعمال المهاجرين والمتزوجين والمتزوجات من "الأجانب" و"الكفار"، والعياذ بالله، في كثير مما تسمى بـ"البلاد العربية والإسلامية" التي ترفض، وبعنصرية وفوقية بغيصة، منح أية حقوق للأجانب والمقيمين على ترابها مهما بلغت مدة إقامتهم، كما ترفض لليوم، وفي ذات السياق، الاعتراف بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان.
ولا بد هنا، والحال، من السؤال، كيف يمكن أن يكون مواطناً صالحاً ملتزماً، يحترم القوانين والدساتير الوضعية، كل من يؤمن بالتفوق الإيديولوجي والثقافي، والعرقي على بقية الرعايا والمواطنين، واعتبار نفسه من نسل سلالات "زرقاء" صافية مقدسة وضعت السماء "محبتها" و"ثقتها" وعزوتها فيه دون غيره من بني البشر، وأن القدرة الإلهية اختارته وحده، دوناً عن بقية القوم، ليكون "خليفة" هذه القدرة وممثلها الشرعي الوحيد على الأرض، كما تقول وزرعت وتزرع المناهج الإلامية والعروبية البعثية في أذهان هؤلاء المناحيس وتحولهم لكائنات موتورة مهسترة ومشوهة تفجر نفسها حقداً في أجساد الآخرين؟ وكيف لمن يؤمن بالتفوق العنصري ، من جماعة وأصحاب "الفرقة الناجية" المبشرة بالجنة على ما عداه من "المواطنين" أن يتعايش مع "الكافر" والملحد والزنديق والمارق والرافضي والشيعي والنصيري والدرزي والآشوري والإيزيدي والسرياني و"النصراني" (حسب ذات الخطاب العنصري الفاشي الديني) وأن يقبل بمبادئ العدالة والمساواة بين الناس وبين الرجل والمرأة والمؤمن والمشرك وكيف له أن يذعن ويعترف بضرورة أن يتمتع هؤلاء بذات الحقوق السياسية والاجتماعية التي يتمتع بها هو ومنحته إياها السماء، وأن الولاية والخلافة والرئاسة محصورة به دون دون غيره و"أن الأمر يومئذ لله"، ولا يقبل إلا بحكم وشرع الله المزعوم، وهذه كلها حقوق حصرية وحكر على الفرقة الناجية وأصحابها، وقد تسبب، على سبيل المثال، دستور سوري أسقط بعض مزايا وشروط واستحقاقات وحقوق حصرية للفرقة الناجية، كان قد وُضع بالعام 1973، بمواجهات دموية عنيفة مع جماعة تحتكر وتتبنى قيم الفاشية والعنصرية الدينية، حتى تم الاستجابة لمطالبها وأقحم شرطها "الاحتكاري" بالدستور الجديد حتى هدأت الامور واستتبت الأحوال.
وكيف يمكن لمن يؤمن بالغزو والسطو والسبي والعدوان وانتهاك الأعراض وفقه الذمة وتعدد الزيجات وملك الأيمان واقتناء الجواري والعبيد وشراء الإماء والقوامة على النساء واحتلال الأمصار وفرض الجزية والأتاوة على "الكفار" والمشركين وقتل المرتدين أن يكون مواطناً نموذجياً ومثالياً، لا بل مجرد إنسان سوي، يمكن أن يؤمن جانبه و"جيرته" والتعايش والتساكن معه بمودة وهدوء ووئام؟ واليوم نرى ونلاحظ في سوريا، وفي ظاهرة مؤرقة وفريدة، فيما يسمى بالمناطق "المحررة" (رجاء ممنوع الضحك) هذه الأحادية اللونية والطيفية الدينية اليتيمة الواحدة، حيث ينعدم، ولا وجود لأي مكون وطيف سوري آخر وتقتصر "المواطنة" وتنحصر هوية السكان بشكل عام بالمكون "الرئيسي" الشهير وحصرياً من أصحاب الفرقة "الناجية" ولا يتجرأ مواطن سوري مرتد ومارق وخارج "الفرقة الناجية" من ولوج ودخول "المُحـَرّر"، فيما تعج مناطق "النظام الكافر" بعشرات الهويات الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية وتتعايش جميعها بسلام وأمان. وقائع ومعطيات صادمة ومؤلمة لكنها حقائق ملموسة ومعاشة يعرفها كل سوري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س