الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في فكر عبد الكريم سروش | المعرفة الدينية معرفة بشرية

عدنان إبراهيم

2022 / 4 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قراءة في كتاب القبض والبسط في الشريعة
للمفكر الليبرالي عبد الكريم سروش (*)

باديء ذي بدء دعونا نتفق أن ظاهرة تعدد الأديان ظاهرة طبيعية، لأنها مفرزات حضارية تختلف باختلاف الحضارات والثقافات، حتى لو افترضنا جدلاً أنها ظهرت في عصر القرية الواحدة لكان يجب أن تتعدد أيضاً، فالبشرية حتى الآن لم تتحد على منهج واحد مع تقارب المسافات وعدم الحاجة لغير محرك البحث جوجل.. إذن ظاهرة تعدد الأديان ليست ظاهرة سيئة ولكنها ضرورة من ضرورات الإختلاف بين الأمم عبر التاريخ، ولا أدري ما الغريب في هذا.
الأمر الآخر: لا يشترط أن يكون دين واحد هو الحق الذي من عند الله، وبقية الأديان من عند الشيطان، فالشيطان لا يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى! إذن كل أمة لها هاد خاص بها، وقد صرح القرآن بهذا (صراحة لا ضنتاً) في غير موضع كقوله (ولكل قوم هاد) وقوله (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) فهذا أصل من الأصول لا يتم ذكره على الإطلاق بحكم ثقافتنا المعروفة بعدم التعددية، ولكن القرآن فيه تعددية.
الأمر الأهم هو أن بين أهل كل دين حدثت وتحدث حركات إصلاحية وتجديدية، ودورنا نحن المسلمون أن نبحث بأنفسنا بعيداً عن المؤسسات الدينية أو التفكير التقليدي السلفي.. نقرأ كيف يمكن التعامل مع الدين في بناء الحضارة والتقدم، ونفهم ونستوعب المشكلات التي قيدنا بها الفقهاء ونتحرر منها بشجاعة.. وننبذ عقلية الخرافة وتقديم القرابين لله (تعبد اليهود) فالله يريد الأخلاق، يريدنا أن ننضج ونتقدم ونزدهر، ولا يريد عبادات، فالعبادة عنده هي أن يرى نفسه فينا، فهل سيرى نفسه في مجموعة من الفشلة ؟!
إن رجالات الفكر والغيرة كثيرون في بلادنا، والواجب علينا أن نقرأ لهم ونستوعب أفكارهم أينما كانوا.. ولو كانوا من غير العرب فلنترجم كتبهم للعربية، ونقرأ.. وهذا هو الأهم، لأننا أمة قد تؤلف وقد تترجم وتطبع ولكن لا تقرأ.. مع أن ما سبق مقدمات للقراءة، وبدون قراءة فلن نتطوّر ونتقدم.
من هؤلاء عبد الكريم سروش من إيران.. حجر الزاوية في فكر عبد الكريم سروش أن إدراك الواقع والحقيقة كما هي أمر صعب وعصيّ عن الإدراك، على عكس ما يظنه الناس، وأن المعرفة الدينية واحدة من المعارف البشرية.
وسوف نستعرض العمود الفقري لكتاب القبض والبسط في الشريعة، أسأل الله أن يكون لها أثر طيب في فهم ديننا والتعامل معه بشكل أكثر نضجاً.

• أنواع المعرفة: يمكن أن نميز بين نوعين من المعرفة:‏
‏1-‏ المعرفة القَبلية ‏a piriori‏ التي تسبق التجربة، والتي تعني ‏بقضايا خالية من أي مضمون تجريبي، وهذا هو ميدان فلسفة ‏المعرفة التي تبحث في الوجود الذهني للمدركات والقوالب الذهنية، ‏ويمكن أن تعد تحقيقات كانط الفيلسوف الألماني الكبير من هذا ‏القبيل، كما أن نظرية المعرفة عند الفلاسفة المسلمين كانت أساسا ‏من هذا النوع.‏
نظرية المعرفة هذه قبلية وسابقة للمعارف البشرية، وهي:‏
‏-‏ لا تهتم بتاريخ العلم ‏
‏-‏ ولا بآراء العلماء وخلافاتهم
‏-‏ ولا البحث العلمي وتطور العلوم
بل لو لم يكن في العالم إلا شخص واحد توصل إلى إدراك ‏معين، فهذا الإدراك يدخل في هذا النوع.‏
‏2-‏ المعرفة البَعدية ‏a porteriori‏ أو التالية أو المسبوقة أو المعرفة ‏في مقام التحقق، وهذه المعرفة لا تنظر إلى الوجود الذهني أو ‏الموطن النفساني للمعرفة، وإنما موضوعها العلوم المختلفة، والتي ‏تعد المعرفة الدينية فرعاً من فروعها.‏
فالعلم في مقام التحقق الخارجي هو مجموعة من التصديقات ‏والتصورات والمفاهيم والفرضيات والظنيات والقطعيات الصادقة ‏والكاذبة الناقصة والكاملة، والتي هي تاريخياً وباستمرار في حالة ‏تقدم وتراجع وكر وفر.. إن المعرفة البعدية تحقق في أحوال هذا ‏العلم وأحكامه.‏
وهي مسبوقة بوجود فروع العلم المختلفة، ولذلك فإن تاريخ العلوم ‏أهمية في نظرية المعرفة هذه.‏
مما سبق يتضح أن المعرفة البعدية هي نفسها نوع من المعرفة، ‏ولكنها معرفة من الدرجة الثانية، لأنها تنظر في معارف الدرجة ‏الأولى ومسبوقة بها ومترتبة عليها، في حين أن المعرفة القبلية من ‏معارف الأولى، وتعد من الفلسفة الميتافيزيقية الأولى.‏
إن نظرية (القبض والبسط) تنظر إلى المعرفة الدينية من موقع ‏بَعدي.‏
إن اختلاف العلماء ونزاعاتهم وأخطائهم في الدرجة الأولى، هو ‏اتفاقهم وصوابهم في الدرجة الثانية.‏
إن اختلافات العلماء داخل كل علم، ورفضهم آراء بعض أو قبولها، ‏هو العلم عينه، وليس شائبة يجب أن ينقى العلم منها.‏
إن العلم تراكمي يحيا بالرد والنقد وليس هو حصيلة آراء يتبناها هذا ‏العالم أو ذاك، وإنما هو مجموع ال’راء المتناقضة والصحيحة التي ‏رآها العلماء في الماضي والحاضر. فالمعرفة ملك عام وليست ثروة ‏شخصية، وبناء عليه فإن اختلاف العلماء – في نظر علم المعرفة ‏من الخارج – هو عين الإتفاق والآراء المتنوعة هي عين المعرفة ‏وليست عين (الصواب)، أي أنها معرفة وليست حق أو صواب.‏
هذه الأحكام تنطبق على المعرفة الدينية. ففي المعرفة الدينية تظهر ‏آراء باطلة عديدة، ولكنها بمنظار الدرجة الثانية تعتبر من المعرفة ‏الدينية، فعالم المعرفة لا يتحمس لنظرية معينة، ولا يعتبر أن زوالها ‏زوال للعلم كله، ولكنه يرى أنه عين ثبات العلم. بعبارة أخرة أن ‏النظرية التي تبطل تخرج من دائرة الصحيح (الدرجة الأولى) وليس ‏من دائرة المعرفة (الدرجة الثانية) ولذلك فبالنظر إلى العلم من ‏الخارج، يُرى أن التحول داخله هو عين ثباته، لأن هذه طبيعته.‏

• أوصاف المعرفة البشرية: ‏
‏1-‏ أنها ليست بمعنى العلم أو المُدرك الذهني أو مجموعة أخبار ‏متفرقة، ولكن مجموعة من المعلومات الصادقة والكاذبة، يؤلف بينها ‏وحدة الغاية أو المنهج الواحد، وهي ملك عام لجميع العلماء، ولها هوية ‏جمعية وتاريخية متحركة. هذه المجموعة العلمية هي التي يعدها ‏المجتمع العلمي فرعاً من فروع العلوم والمعارف.‏ (1)

2-‏ في أي معرفة من المعارف يمكن أن نكيز المقامين التاليين عن ‏الآخر:‏
-‏ مقام الإكتشاف والتجميع: في هذا المقام تُكتشف عناصر المعارف ‏أو تُجمع، ولكن العالم لا يعرف هل هي خطأ أو صواب، مقبولة أو ‏غير مقبولة، وليس هناك منهج محدد للجمع، فالعالم لا يُسأل من ‏أين استمد نظرياته، لأن المهم في العلم ليس التجميع وإنما التقويم.‏
-‏ مقام التحكيم والتقويم: يُحكم في هذا المقام بصحة المواد الخام أو ‏أو سقمها، ويتم فصل المواد الفاسدة من السليمة.‏
ويمكن تقسيم العلوم بحسب منهج التقويم إلى ثلاث فروع كبيرة: العلوم التجريبية: منهج التحكيم فيها هو التجربة.، العلوم العقلية: ومنهج التحكيم فيها ‏هو العقل، والعلوم النقلية: ومنهج التحكيم فيها ‏هو النقل.‏
إن منهج التقويم هو المشخص لأي معرفة والمقوم لها. ولو ركزت ‏معرفة ما على مقام التجميع أكثر من التقويم فإنها تكون معرفة ‏ضعيفة وناقصة. فكمال العلم رهن بتقنية تقويمه

3-‏ هناك كذلك تمييز لمقامين آخرين هما:‏ مقام (يجب) الذي هو مقام التعريف، ومقام (يوجد) الذي هو مقام التحقق أو الظهور.‏
أي أن هناك دائماً فارق وتفاوت بين العلم كتعريف نظري كامل ‏الأركان، وبين الواقع التطبيقي لهذا العلم، فليس هناك علم خالص ‏أو كامل أو صادق من الرأس إلى أخمص القدمين، ولكن هناك ‏دائماً مجموعة من الآراء والفرضيات الصادقة والكاذبة والناقصة ‏لمجموعة من العلماء، وهي دائماً تتعرض للتقويم والتشذيب الجماعي ‏والتاريخي.‏
والمعرفة الدينية هي على هذا النحو أيضاً.‏

‏4-‏ يمكن كذلك أن نقسم المعارف من ناحية أخرى إلى نوعين: ‏منتجة ومستهلكة، المعارف المنتجة هي التي تنحو منحى نظري، وهي ‏التي تشرع القوانين، فتبحث في الواقع وتضع القوانين بناء عليه. وأما ‏المعارف المستهلكة فتستعين بالنظريات التي أنتجتها المعارف المنتجة ‏وتستفيد منها، وهي إلى حد ما مزيج بين المعرفة والمهارة.‏

• مبدأ نظرية القبض والبسط المعرفي
إن مبدأ نظرية القبض والبسط المعرفي: تتضمن مبدأً إبستمولوجيًّا مهماً ‏هو الواقعية أو أصالة الواقع، على النحو الآتي‎:‎
‎ ‎إنّ الواقعية موجودة‎.‎
تلك الواقعية ممكنة الحصول‎.‎
الغاية الأساسية في ميدان المعرفة هي الوصول إلى الحقيقة. ‏
ولكن ذوي التفكير الشطحي يظنون أن الحقيقة واضحة وتحصيلها ‏سهل، والعقول الساذجة تقتنع بكل ما تقرأ في هذا العالم وتعتبره حق ‏وأبدي.‏
إن تاريخ المعرفة المديدة أقنعت العلماء أن الواقعية – مهما كان السعي ‏وراءها حثيثاً – فإنها عصية على الإدراك ومعقدة، ولا يمكن إدراكها ‏بسهولة. كذلك فإن المعرفة أمر معقد والوصول إلى المعرفة الكاملة ليس ‏أمراً سهلاً.‏
هذا التقرير عن الواقعية المعقدة هو الأساس المعرفي لنظرية "القبض ‏والبسط" ومبدؤها.‏ اهـ

السرال: هل هذا الكىم ينطبق عندنا على علم أصول الفقه ؟ أم أننا نعيش بقواعد لم تجدد منذ ألف سنة وفقه مبني على أحاديث تحتاج لإعادة نظر لتتوافق مع القرآن والعقل؟ وتفسير تقليدي للقرآن كما فهمه رجال عاشوا لزمانهم في غير زماننا (2)
___________________________________________________________
(*) عبد الكريم سروش هو الاسم المستعار لحسين حاجي فرج الدباغ، أحد أبرز المثقفين في إيران ويكرس اهتماماه في الدين والديمقراطية والتنوير الديني؛ لقد من ولد في طهران سنة 1945م ودرس الصيدلة وسافر لإكمال دراسته في لندن، وهو من أضارب علي شريعتي في تحرر أفكاره من التفكير الديني السلفي المقيد باجتهادات العلماء الأقدمين..
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85_%D8%B3%D8%B1%D9%88%D8%B4
(1) بناء على هذا الكلام فإنه ليس لدينا علم يسمى علم التفسير وعلم الفقه الخ، لأنه لا يوجد تقويم لهذه الفنون منذ عدة قرون، فكل من كتب فيها - إلا ما ندر - نقل عمن قبله، وليس هناك إضافات خوفاً من الوقوع في البدع!! وبربك كيف لأمة تريد أن تنهض يخاف قادتها من التجديد ؟ وبالتالي فشرط التقويم ساقط وليس فقط ناقص.
بينما المطلوب هو خدمة الواقع والقيام بنهضة الأمة وليس البحث في منطلق التعبد، لأن هذا الحصر يؤخر الأمة ويوجه طاقتها فيما لا يخدم تقدمها واعتمادها على نفسها صناعياً وتقنياً وحضارياً.. الذي يخدم هذا هو التخفف من القيود وتضييق نطاق التعبد والتركيز على الأخلاق لأنها هي التي تصنع الإنسان القوي الأمين.
(2) تخيل أن هذا الكلام يستنكره رجل مفكر مثل د. محمد عمارة ؟ ودخل في مناظرة مع جمال البنا ينكر عليه قوله به https://www.youtube.com/watch?v=D7zoJz3Fgis&t=56s
بينما تقدم الشيعة في هذا المجال، استمع لرجل مثل السيد كمال الحيدري يدعو إلى أصول فقه جديد
https://www.youtube.com/watch?v=Z_cwB2qB2HA&ab_channel=%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد