الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الرئاسيات الفرنسية: أي مستقبل فرنسي مغاربي؟

سعيد هادف
(Said Hadef)

2022 / 4 / 15
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


خلفية تاريخية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرفت فرنسا منذ ثورتها خمس جمهوريات، دشنتها بالجمهورية الأولى عام 1792 إلى أن سقطت عام 1804. في غمار هذه الجمهورية تم التخلص من الملكية (حوالي عشرة قرون من الحكم الملكي)، وبعد سقوط الملكية عاشت فرنسا طقسا من العنف والإرهاب طيلة 12 عاما، كما عاشت حصارا خارجيا من محيطها الأوروبي المعادي للثورة. ترتّب عن هذا الوضع بروز نابليون بونابارت الذي أعلن نفسه إمبراطورا ووضع حدا للحكم الجمهوري.
بعد إحدى عشر عاما صال فيها نابليون وجال سقط حكمه عام 1815، وتحت الضغط الأوروبي عاد الحكم الملكي الذي دام حتى 1848 وسقط في غمار الثورات الأوروبية ليحل محله الريجيم الجمهوري، حيث تأسست الجمهورية الثانية التي لم تدم إلا ثلاثة أعوام (1848/ 1851) بقيادة لويس نابليون بونابارت الذي انقلب على الريجيم الجمهوري وأعلن الحكم الإمبراطوري الذي اشتهر بالإمراطوريا الفرنسية الثانية. سقط الحكم الإمبراطوري عام 1970 في سياق الحرب الفرنسية البروسية. استأنفت الثورة الفرنسية مسارها عبر الجمهورية الفرنسية الثالثة التي دامت من 1870 إلى 1940، حيث سقطت في غمار الحرب العالمية الثانية. ثم الجمهورية الرابعة (1946/1958) التي سقطت في خضم حرب التحرير الجزائرية لتحل محلها الجمهورية الخامسة في عهد شارل دوغول.
يبدو لي من باب الجدل الخلاق أن نشير أن الثورة الفرنسية واجهت مقاومة داخلية وخارجية من القوى المعادية للتغيير، وبالقدر الذي نجحت القيم الثورية في الانتشار أوروبيا نجح أعداء الثورة في كبح جماح الثوار من خلال إعادة الملكية إلى فرنسا مؤقتا وتشتيت الطاقة الثورية عبر حمل فرنسا على احتلال الجزائر (حدث ذلك في العهد الملكي 1830) وعلى خلفية التحالف المقدس (Sainte-Alliance) الذي تم بين روسيا والنمسا وبروسيا بطلب من القيصر ألكسندر الأول من روسيا ووقعتها القوى الثلاث في باريس يوم 26 سبتمبر 1815 بعد هزيمة نابليون، وقد تقرر في مؤتمر إيكس لاشابيل تسوية عدد من القضايا من ضمنها القضاء على القرصنة البحرية التي كانت البلدان المغاربية الطرف المستهدف فيها.
نفهم هذا التناقض الجدلي اليوم عبر المشهد السياسي الفرنسي من خلال شعاراته ومقولاته السياسية عبر أحزابه وإعلامه ومواقفه السياسية والدبلوماسية في علاقته بمحيطنا المغاربي. كما نفهم ذلك في ضوء الرداءة المغاربية سياسيا وفكريا وإعلاميا في علاقتها بمحيطها المتوسطي من جهة ومن حيث مقاربتها لأمهات القضايا ذات الصلة بالراهن الأممي والمغاربي من جهة ثانية.
إيمانويل ماكرون نتاج هذا التاريخ الفرنسي في عمقه الثوري، وفي ذات الوقت هو مواطن فرنسي ينتمي إلى محيط سياسي يعاني من رواسب ثقافة معادية لقيم الثورة أو جاهلة لقيم هذه الثورة، كما أنه ورث تاريخا كولونياليا ثقيلا ومعقدا لم يحظ بالمعالجة الموضوعية سواء من النخبة الفرنسية أو من النخب المغاربية التي يمكن وصفها بحليف الثقافة الفرنسية اليمينية المتشددة والمقاومة لقيم الثورة (التحالف هنا ليس واعيا ولكنه يخدم أجندات اليمين الفرنسي المتطرف من حيث لا يدري).
ماكرون وميلانشون مثلا رغم كفاءتهما وتشبعهما بالقيم الإنسانية لا يجدان الدعم الإعلامي من النخب المغاربية ولاسيما الفرنسيون ذوو الأصول المغاربية بسبب تخلف البلدان المغاربية وتشرذم سياساتها وفسادها وارتباطها العضوي باللوبيات الفرنسية الفاسدة والمعادية للتغيير.

المغاربيون وفرنسا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت الجولة الأولى من الرئاسيات الفرنسية، وأسفرت عن صعود الرئيس الفرنسي الحالي المرشح لولاية ثانية، إيمانويل ماكرون ومرشحة "التجمع الوطني/القومي" اليمينية مارين لوبان، إلى الدور الثاني.
وتصدر الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد الماضي، بحصوله على 27.85 في المائة من الأصوات، متقدماً على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن (23.15 في المائة) التي سيواجهها في الدورة الثانية، فيما خرج مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون من السباق بعد حصوله على 21.95 في المائة، بحسب النتائج النهائية الصادرة عن وزارة الداخلية، والتي نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية. ومن المقرر أن يتنافس ماكرون ولوبان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 24 أبريل الجاري.
في مقالات سابقة حاولنا لفت الانتباه إلى الاختلال الذي يهيمن على العلاقة الفرنسية المغاربية، وهو اختلال ناجم عن اختلال العلاقة المغاربية ذاتها. ورصدنا لامبالاة المغاربيين بقمة مونبيليه الفرنسية الأفريقية (أكتوبر 2021) وغيابهم عنها. كما أن قمة بروكسل، الأوروبية الأفريقية (فبراير 2022) لم تسجل حضورا مغاربيا نوعيا وقويا.
ما هو مؤكد أن هناك تحولا عميقا تعيشه فرنسا من الداخل ومع مستعمراتها السابقة، ويعيشه الأفارقة داخل بلدانهم وفي علاقتهم بفرنسا، وهو تحول ينسحب على المغاربيين سواء أولئك المقيمين بفرنسا وحاجتهم الملحة إلى ثقافة اندماجية إزاء نزعات الانعزال الهوياتي، أو بلدانهم التي ظلت في علاقة عقيمة مع فرنسا.
لم يفلح ماكرون في تهوية وإضاءة الذاكرة المشتركة، ولاسيما الذاكرة الفرنسية الجزائرية، بل خرج عن طوره الدبلوماسي وصدم الرأي العمومي والرسمي الجزائري بتساؤله حول الأمة الجزائرية التي لم تنشأ، وفق تعبيره، إلا في سياق الفترة الكولونيالية. ويبدو أن ماكرون تعمد إثارة هذا الموضوع الجدلي والإشكالي الذي أثاره فرحات عباس قبل أن يصبح رئيسا للحكومة المؤقتة وأثاره نور الدين بوكروح في الأعوام الأخيرة وهو مفكر وشخصية سياسية ووزير سابق.
العلاقة بين فرنسا والبلدان المغاربية تفتقر إلى التطبيع لسبب بسيط هو أن البلدان المغاربية نفسها عاجزة عن التطبيع فيما بينها، بمعنى آخر أن العلاقة المغاربية الفرنسية تعاني من عائق سيكولوجي تسببت فيه النخب التي كرست خطابا بائسا حول قومياتها المحلية المنغلقة إزاء خطاب اليمين القومي الفرنسي الأكثر بؤسا؛ حيث النزوع القومي في فرنسا والبلدان المغاربية ساهم في نشر ثقافة معاقة ومعيقة لأي تواصل خلاق كونها ثقافة لا تعرف سوى خطاب الكراهية والتبجح بماضي الأسلاف.

أي دور للجالية؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا الجاليات المغاربية بفرنسا، ولا الجالية الفرنسية بالبلدان المغاربية اضطلعت بدور إيجابي في خدمة المصالح الحيوية لشعوبها، وظلت هذه الجاليات لعبة في يد الجماعات الدينية وغيرها المرتبطة عضويا بجماعات الضغط وجماعات المصالح.
لم تتطور العلاقة بين ممثلي المجتمع المدني ولا الأوساط الأكاديمية والثقافية والحقوقية بالقدر الذي تطورت العلاقة بين أصحاب المصالح ودوائر الفساد. وإذا بحثنا عن العوامل التي ساهمت في تطور العلاقات بين الدوائر الفاسدة بالشكل السري والمرئي على حساب العلاقات المشروعة والشرعية بين باقي القطاعات والمجالات لوجدنا أن الثقافة بحمولتها الأيديولوجية ظلت بيئة ملائمة لاستنبات الفساد وتجفيف منابع المبادرات والمشاريع التي من شأنها بناء علاقات تعود بالنفع على الشعوب.
في الاستحقاقات الحالية، مثلا، بلغ عدد الناخبين الفرنسيين المقيمين خارج البلاد، خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، 1.43 مليون ناخب. وكشف موقع “فرانس 24” أن أرقام ماكرون ولوبان كانت ضئيلة في الجزائر، فمن هو المرشح الذي حصل على غالبية الأصوات في البلدان المغاربية؟
آلت النتيجة النهائية للتنافس الانتخابي في المغرب إلى مرشح "فرنسا الأبية" جان لوك ميلنشون بـ40,24 بالمئة مقابل 37,87 بالمئة لماكرون. وفي الجزائر 55,4 بالمئة صوتوا أيضا لصالح ميلنشون وحصل ماكرون على 34,15 بالمئة من الأصوات. أما في تونس، أتى ماكرون في المقدمة بنسبة 40,0 بالمئة متبوعا بمرشح "فرنسا الأبية" بنسبة 37 بالمئة.
إلا أن اليمين المتطرف عزز وجوده في المغرب حيث حصل على أكثر من 11 بالمئة من الأصوات، 6,6 منها كانت لإيريك زمور المعادي للمهاجرين، والبقية عادت لمرشحة "التجمع الوطني" مارين لوبان.
والغريب في هذه النتائج، وفق المقال، أن الناخبين المستقرين في مدينتين سياحيتين، معروفتين بالتعايش السلمي والتمازج بين كل الجنسيات: مراكش وأغادير، صوتوا بكثافة لليمين المتطرف. 21 بالمئة في مركش، و24 في أغادير. ومع أن الفوز فيهما عاد لماكرون، فإن هاتين المدينتين الجميلتين اللتين يستقر بهما عدد كبير من المتقاعدين الفرنسيين اتضح أن جزء منهم لا يؤمن بثقافة التعايش وإلا ما كانوا صوتوا لصالح زمور ولوبان، بينما مدينة طنجة التي ولد بها ميلنشون قبل 70 عاما، فقد منحته 54 بالمئة من الأصوات. وعموما، فقد صوّت الناخبون الفرنسيون في شمال أفريقيا أكثر لميلنشون بنسبة 40,2٪ مقابل 37,8٪ لماكرون.

هل يفوز اليمين؟ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهدت أوروبا خلال الأسبوع الأول من أبريل ثلاث انتخابات عامة، في صربيا والمجر وفرنسا، وفي ثلاثتها تم تأكيد نفس الواقع السياسي القائم خلال الخمسة أعوام السابقة على الأقل.
ففي صربيا والمجر تمت إعادة انتخاب الحكومات اليمينية المتطرفة، وفي فرنسا نجحت لوبان بالمرتبة الثانية في الدور الأول. فهل ستحدث المفاجأة وتفوز بالرئاسة؟
هل صعود اليمين المتطرف في فرنسا يؤشر على تقهقر قيم الثورة وعودة الثقافة المعادية للعلمانيا والعيش المشترك؟ هل اليمين المتطرف ممثلا في لوبان وزمور وحده يهدد قيم العيش المشترك؟ أم أن المهاجرين والفرنسيين ذوي الأصول الأجنبية حملوا معهم ثقافة تشكل خطرا على قيم العيش المشترك؟ الوضع يحتاج إلى جهد سوسيولوجي من منطلق أن ثقافة الأمة الفرنسية ككل ثقافة تحمل الشيء ونقيضه، وأن النزوع القومي المتطرف المعادي للمهاجرين يقابله نزوع قومي لدى نخب المهاجرين المعادين للعلمانيا ولاسيما المغاربيون الإسلامويون. غير أن هذا التطرف من هذه الجهة ومن تلك ما دام تحت التحكم السياسي والقانوني والحقوقي وتحت الضوء الإعلامي حتما سينتقل من وضعية الصدام إلى وضعية الحوار والمراجعات الضرورية التي تقود الطرفين المتطرفين إلى توسيع المساحات المشتركة وتقليص مساحات الصدام في إطار قيم الثورة والأمة المدنية المنبثقة عنها، وقوانين الجمهورية ودولتها العلمانية.
من الواضح أن مارين لوبان، ومنذ أن تزعمت الحزب عام 2015، وفق متابعين للشأن الفرنسي، عملت على تطوير حزبها خطابا وممارسة، حتى أنها بدأت تنسحب تدريجيا من خطابها المتطرف، وقد تركت موضوع الهوية والهجرة والإسلام إلى إيريك زمور مركزة على القضايا التي تهم كل الأمة الفرنسية.
هذا التطور المصحوب بكسب ثقة الفرنسيين، قد يساهم في حصولها على أكثر من أربعين بالمئة من الأصوات في الدور الثاني، هذا إذا لم تحدث المفاجأة وتفوز بالرئاسة.
لكن ما يهمنا، هو كيف تساهم النخب المغاربية في جودة الثقافة الاندماجية في المجتمع الفرنسي، من خلال خطاب لا يعاني من أمراض الهوية والذاكرة التي أصبحت مصدر تلاعب جماعات المصالح. لأن ما يحدث في فرنسا سينعكس على بلداننا المغاربية، وكلما تعمقت ثقافة السلام والعيش المشترك في فرنسا ولاسيما لدى الفرنسيين ذوي الأصول المغاربية انعكس ذلك إيجابا على البلدان المغاربية.
ليس الأمر سهلا، فهناك عوائق يصعب إزالتها جراء جهل الجاليات المغاربية بفرنسا وافتقارها إلى الثقافة السياسية، وجراء الفساد المستشري في دواليب السياسات المغاربية واللوبيات الفرنسية الفاسدة المرتبطة بالوسط المغاربي الفاسد، وبسبب ضعف المجتمع المدني وتخلف الوسط الأكاديمي.
وحتى في حالة تأزم الوضع بفرنسا وصعود اليمين المتطرف، سيكتشف المغاربيون والفرنسيون على حد سواء سوء تقديرهم للأمور، وسيفهم الجهلة المغاربيون معنى العلمانيا التي عملوا على تشويهها ومحاربتها، بل سيجدون أنفسهم أكثر دفاعا عنها، وأكثر رفضا لخطاب الكراهية مهما كان مصدره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري