الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنهج العلمي عند غوستاف لوبون

داود السلمان

2022 / 4 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعرّف بعض المختصين مفهوم المنهج العلمي بالقول: "المنهج العلمي في جوهره آلية إيجابية فعَّالة لتَعامُل الإنسان مع وقائع عالَمه، تقوم على التآزر والتحاور بين قدرات الذهن ومعطيات الحواس، وهذه آلية كامنة في كل عقلٍ بشري".
والمنهج العلمي كمصطلح فلسفي على، بحسب بعض الباحثين يعني: "وسيلة المعرفة، طريقة الخروج بالنتائج الفعلية من الموضوع المطروح للدراسة، والطريقة المتبعة في دراسةِ موضوعٍ ما للتوصل إلى قانون أو نتائج أو محصلة عامة. والمنهج في الفلسفة هو أيضًا فن ترتيب الأفكار ترتيبًا دقيقًا، بحيث تؤدي إلى الكشف عن حقيقةٍ مجهولة أو البرهنة على صحة حقيقة معلومة. هكذا نجد التعريف الفلسفي لمصطلح المنهج، لا يخرج عن التعريف المعمول به في شتَّى العلوم، أَوَ ليست تُنعَت الفلسفة بأنها أم العلوم".
وانطلاقاً من هذا الرأي نستطيع أن نقول بأنّ غوستاف لوبون أختار طريقًا مماثلا من هذا المفهوم، كمنهج خاص به، يختلف بعض الشيء عمّا سبقه من المفكرين، لينطلق بمدلولاته لشق طريقه نحو انطلاقه نقدية لمنهج ممن سبقوه، أولاً، ولنقد القضايا الراهنة في عصره ثانيّا، وكذلك في التراث الفلسفي والتاريخي وحتى السياسي والديني، ليصل بذلك إلى نتائج تبناها لوبون بنفسه وسار في طريقها، معتبرًا ذلك حقائق أراد البعض طمسها، وشذّ آخرين عن متبنياتها، أو أنهم ارادوا طريق الصواب فظهر الخطأ، ذلك في كثير من القضايا التي سلط الضوء عليها، وبحث فيها بحثاً موضوعيًا.
وحول نقد التاريخي لمناهج المؤرخين القدامى، ابتكر لوبون منهجه الذي سار عليه، وخصوصًا في كتابه "فلسفة التاريخ" إذ نقد كثير من الأحداث التاريخية، القديمة منها والمستحدثة، وكان يرى أنّ العوامل الزمنة لها تأثير مباشر على سير الأحداث التاريخية، ما يعني أّنّ الأحداث التي حدثت قبل مئات السنين التي أعقبت المؤرخ لا يمكن له أن يسردها كما هي، أي أنّه لا يمكن أن نعوّل عليها، وفي الوقت ذاته، لا يمكن هضمها عقليا، ولا يمكن يتحقق منها المؤرخ نفسه، لأنه لم يشهدها، وانما نُقلت شفاها من إنسان إلى آخر، وهذا الإنسان: يسهو وينسى ويخطأ، وبالتالي يحدث شبه توهم أو تدليس.
فضلا عن ذلك فأن الميول العاطفية والدينية، وكذلك السياسية، فأنها تلعب دورًا اساسيًا في انحياز المؤرخ إلى جهة دون أخُرى، كذلك فأنّ ثقافة المؤرخ العامة وصياغته الأدبية التي يتمتع بها، هي مختلفة من مؤرخ إلى آخر. هذا وغيره من القضايا يرى لوبون أنها قد سيّرى أحداث التاريخ كما أرادت هي، أي بمعنى كما اراد المؤرخ، وعليه نجد تفاوت كبير بين الأحداث التاريخية، سلبية كانت أم ايجابية، وعليه تغير وجهات نظرنا نحن حينما نتحدث عن التاريخ، ونريد أن نفلسف تلك الأحداث التي لم نشهدها، وبالتالي نفقد حقائق كثيرة.
وفي المنهج الذي اتبعه لوبون في "حضارة الهند" أنّه يرفض منهج أوروبا القديم حول تاريخ الهند، لأنّ علماء أوروبا، كما يرى، اعتمدوا في ترجمة الأسانيد على لغة السنسكرتية، وعدّ لوبون هذه اللغة بأنها لغة أصبحت ميتة، إذ يقول في مقدمة كتابه المذكور:
"اقتصر علماء أوروبا في مباحثهم التاريخية عن الهند على ترجمة الأسانيد السنسكرِتية مع أن السنسكرِت، لدى الهندوس، لغة ماتت منذ عدة قرون، ويكاد شأنها عندهم يكون مماثلًا لشأن اللغة اللاتينية في أوروبا، فتكون معرفتنا لتطور الهند من دراسة كتب الآداب القديمة وحدها متعذرة تعذُّر معرفتنا لأحوال الناس في القرون الوسطى وفي عصر لويس الرابع عشر من دراسة كتب سيسرون وفيرجيل فقط".
ففي كتاب "روح السياسة" توصل لوبون- لاسيما مذهب فيما يخص بـ "السيادة الشعبية" فقال أنّه "لا يناقض العقل أكثر من أن تناقضه المذاهب الدينية التي عاش بها البشر في الماضي، ولا يزال يعيش تحت ظلها كثير من الناس، ويظهر لنا من مطالعة كتب التاريخ أن الإنسان يلتئم بأي شيء أكثر منه بالمعقول، ويكون التئام صفوة الناس بالجموع كثير السهولة لو لم يبذر زعماء الأحزاب في نفوس الجموع أضاليل وأحقادًا هي السبب في ما بين طبقات الأمة من البغضاء".
فلوبون أراد بذلك أنّ المشكلة تكمن في المذاهب الدينية تحديدًا، فهذه المذاهب هي دائمًا ما تكون العائق الأكبر أمام التقدّم والتطوّر الحضاري والإنسان، أو بالأحرى هو الدين نفسه؛ فكانت وما تزال الأديان هي المحرّك الأول، لإشعال الحروب، بعضها بعضًا، بل إنّ الأمر تجاوز ذلك بكثير، إذ صارت المذاهب الدينية تقاتل نفسها بنفسها، كالذي حدث في المسيحية، والصحيح قد صار المذهب الواحد يقاتل بعضه البعض، وهو الذي يحدث اليوم، أي اليوم الذي نكتب فيه هذه المقالة، وفي الإسلام تحديدًا، وهذا أكبر دليل على أن الأديان هي عائق ما بعده عائق في تأخير الشعوب، التي تعوّل على الدين في حلّ مشاكلها السياسيّة، فضلا عن المشاكل الأخرى التي تواجهها.
وفي جُل كتبه أتخذ لوبون المنطق التحليلي كمنهج له، خصوصًا في "روح الثورات والثورة الفرنسية" و "سيكولوجيا الأزمة الجديدة" وفي كتاب "إرتيابات الوقت الراهن" وقد سلطنا الضوء في مقال سابق على كتاب روح الثورات، نحيل القارئ الكريم، إلى ذلك المقال.
وذكر لوبون في كتابه هذا، الأسباب الحقيقية التي جعلت من هذا الثورة أن تنجح، بعد أن اراد لها خصومها الإخفاق، ومن ثم الفشل.
يرى لوبون إنّ شدة المرونة في روح الأمة تسوقها إلى القيام بثورات متوالية، وشدة الثبات تقودها إلى الانقراض، فذوات الحياة، ومنها الأنواع البشرية، تضمحل إن ظلت مستقرة على الرغم من تعاقب الزمن وعاجزة عن ملاءمة ما يطرأ على الحياة من الأحوال الجديدة.
معتبرًا روح الأمة لا تستقر إلا ببطء عظيم، فما التاريخ إلا أنباءُ مجهوداتها الكبيرة في سبيل توطيد روحها، وتظلّ هذه الأمم مذبذبة لا رابطة بين أجزائها ما دامت غير ناجحة في ذلك. وقد سعت فرنسا، بعد أن أغار البرابرة على الدولة الرومانية في أواخر عهدها، قرونًا كثيرة لتنال روحًا قومية.
وليس هذا فحسب، بل يعتقد لوبون إنّ الملاحظات السابقة ثبتت لنا شأن العنصر في تكوين الانقلابات، وتوضح لنا لماذا تأتي الثورة الواحدة بنتائج تختلف باختلاف الأمم، كما توضح لنا سبب إقبال بعض الأمم بحماسة على مبادئ الثورة الفرنسية ومقاومة الأمم الأخرى لها.
وأمّا عن المنهج الذي استخدمه لوبون في كتابه "إرتيابات الوقت الراهن" هو اتخاذه منهج علم الاجتماع، كتفسير للأحداث الراهنة في عصره، أي المؤلف، والكتاب يُعدّ مجموعة أسئلة مفتوحة ربما عجز لوبون في الاجابة عنها، لتشعباتها وتشتتها وكثرتها كذلك، فلوبون صار يناغم العصر لإيجاد الحلول لها، مستعينا بالإنسانية التي يعي جيّدًا أن الدوافع الانفعالية هي التي تتحكم بها. ولوبون بذلك يأمل أنّه أعطى رأيه الذي لابدّ أن يقوله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن