الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة الاجتماعيّة وشروطها

حسن مدن

2022 / 4 / 16
الادارة و الاقتصاد


في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2007 أقرّت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة اعتبار العشرين من فبراير/ شباط من كل عام، يومًا عالميًّا للعدالة الاجتماعيّة، وفي العاشر من يونيو / حزيران من العام التّالي، 2008، اعتمدت منظمة العمل الدّوليّة إعلانًا بشأن العدالة الاجتماعيّة أطلقت عليه عنوان: "من أجل عولمة عادلة"، وهذا يدل على أن هذه القضيّة تنال اهتمام الهيئات الدوليّة المعنّية، كما تعني كل شعوب الأرض وقواها المناضلة من أجل حياة أفضل.

الحق أن العدالة الاجتماعيّة المنشودة، في صورتها المثلى، بعيدة المنال، وقد تبدو عصيّة في الأفق الزمني المنظور، فما من مجتمع في عالم اليوم يخلو من الانقسامات الطّبقيّة، التي تتفاوت حدتها، بين مجتمع وآخر بالتأكيد، وطالما استمرّ الصّراع الطبقيّ في أي مجتمع، فإن هذا يعني أن العدالة الاجتماعيّة غير متحققة فيه، على الأقل في صورتها المثلى.

العصب الأساس في هذا الموضوع هو توزيع الثّروات، ففي غياب التّوزيع العادل لها على مواطني المجتمع المعني، فإن هذا سيعني، وببساطة، أن طبقةً متنفذةً هي التي تمسك عادة بمفاصل السلطة، تُجيّر هذه السلطة للإستحواذ على الجزء الأكبر من هذه الثّروات، حتى وإن تركت ما يطلق عليه في اللغة العربيّة: "الفتات" الذي هو، حسب "معجم المعاني": (ما تكسَّرَ من الشيء وتَساقَطَ، ففتات المائدة، هو "فضلات الطعام")، ليوزع على بقيّة أفراد المجتمع، حتى ولو لم يؤمن الحدود الضّرويّة، أو الدّنيا، لما يمكن أن نطلق عليه "العيش الكريم".

طبعاً لا يصحّ مساواة كل المجتمعات في هذا المجال، ففي المجتمعات التي نجحت في إدارة ثرواتها بشكل رشيد، وأمّنت ما هو ضروري من تدابير لحماية المال العام من السرقة من المتنفذين، ووضعت أدوات رقابة على أوجه الصرف، تتحقق مقادير لا يمكن تجاهلها من هذه العدالة الاجتماعيّة، وكلما زادت هذه المقادير من التدابير اتسعت مساحة تلك العدالة، فيما يحدث العكس تمامًا، فحيث يستشري الفساد وينخر أجهزة الدّولة، ويجد الحماية بالتستر عليه، وقمع الأصوات المعترضة عليه، وتغيب الشّفافيّة عن أوجه صرف المال العام، وآليات الرقابة والحوكمة تتضاءل مساحة العدالة الاجتماعيّة إلى أدنى الحدود، بل تغيب في الكثير من الحالات.

وإذا بلغ أي مجتمع هذا المنحدر فإنه يكون عرضة لعدم الاستقرار، فتنشأ فيه الاضطرابات والصراعات، التي قد تتطور إلى أشكال عُنفيّة ودمويّة، بما في ذلك حد اندلاع الحروب الأهليّة، التي تغذيها التّدخلات الخارجيّة في مناخ النّزاعات الإقليميّة والتّنافس على النفوذ، وإن اتخذت هذه الصراعات صورّا معينة، كصراع الهويّات الدّينيّة والمذهبيّة والعرقيّة والمناطقيّة وما إليها، فإن هذا لا يلغي حقيقة أنها، في الجوهر، صراعات اجتماعيّة طبقيّة، نجمت، اول ما نجمت، عن غياب العدالة الاجتماعيّة، وغياب التّدابير الحمائيّة لمصالح الطّبقات الفقيرة، التي هي الغالبيّة في المجتمع المعنيّ، ولن يمكن تسوية هذه الصّراعات دون تحقيق تلك العدالة الاجتماعيّة الغائبة، فأي تسوية لا تقوم على هذا لن يقدّر لها الديمومة، وهذا ينطبق على أحوال الكثير من البلدان العربيّة المأزومة اليوم.

نخلص من ذلك إلى أنّ لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولو في نطاق معين، تلزم بعض الشّروط والتّدابير التي لا غنى عنها إن كنا جادين فعلًا في بلوغها، في مقدمتها محاربة الفساد، ولو أخذنا وطننا البحرين مثالًا، يمكننا القول إن تشكيل ديوان الرّقابة الماليّة والإداريّة ضمن حزمة التدابير التي جاء بها المشروع الإصلاحي تعدّ خطوة إيجابية من حيث المبدأ، حيث يصدر الديوان تقريرًا سنويًا، هناك درجة من الاجماع على انه يتمتع بالمهنيّة في رصد جوانب مهمة من التجاوزات والمخالفات الإداريّة والماليّة في الوزارات والهيئات الحكوميّة المسموح للديوان بمراقبتها، ولكن بعد نحو عقدين من تشكيل الديوان وإصداره لتقاريره السّنويّة لا يمكننا القول إن التجاوزات والمخالفات وأوجه الفساد التي يرصدها قد قلّت ، بل فإن العكس هو الصحيح، فالوزراء وكبار المسؤولين الذين يرصد الديوان المخالفات في الوزارات والهيئات التي يديرونها باقون في مواقعهم، ولم يخضع أي واحد منهم لأي صورة من صور المساءلة أو حتى التوبيخ.

ازداد الوضع تفاقمًا مع عجز السّلطة التّشريعيّة عن اداء الدور المنشود منها في المحاسبة، بل إن هذه السلطة نفسها قامت بتقييد ما يسّره الدستور لها من صلاحيّات وأدوات، عبر تمرير تعديلات دستوريّة وقانونيّة تنال من تلك الأدوات وفعاليتها، وكذلك مع القيود التي فرضت على حريّة الصّحافة، وحريّة التّعبير عامة، حيث لم تعد لدينا صحافة يجدر أن نطلق عليها "سلطة رابعة"، فهي مقيّدة، وتكتفي بمديح أداء الحكومة، ولسنا ضد أن يشاد بأي انجازات تحققها الحكومة، شريطة أن يقترن ذلك بحريّة نقد الأخطاء والقصورات والتجاوزات.

لا يمكن، أيضًا، محاربة الفساد ووضع السّياسات الصّحيحة دون إشراك مؤسسات المجتمع المدنيّ والقوى السّياسيّة في صنع القرار، فالنقابات واتحاداتها، مثلًا، يجب أن تكون شريكًا في وضع السياسات العماليّة وكل ما يتصل بسوق العمل، والجمعيّات النّسائيّة واتحادها، يجب أن تكون شريكًا في وضع السّياسات المتصلة بحقوق المراة بما في ذلك في مجال العمل والمساواة في الأجر وما إلى ذلك، وهذا ينطبق على بقيّة مؤسسات المجتمع المدنيّ المغيبة فعليّا عن أداء مثل هذا الدور الشريك، وتعاني من التهميش والتّجاهل والتّضييق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة




.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف