الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ضرورة النضال الوحدوي التقدمي، والاصطفاف الملتزم بقضايا ومطالب شعبنا..

وديع السرغيني

2022 / 4 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


وإذا كان لابد من توحيد صفوف القوى التقدمية والديمقراطية، في هذه الظرفية العصيبة من نضال شعبنا، جنبا إلى جانب الجماهير الشعبية المسحوقة والمحرومة، والمكتوية كذلك بنيران الغلاء والارتفاعات الصاروخية للأسعار.. فلابد، وقبل الانخراط في هذه المعمعة، من التحديد الدقيق لصف الأصدقاء والحلفاء، كما لصف الأعداء.. حتى نتقدّم في نضالنا ونطوِّر مسيرتنا التحررية..
فالتوحيد في نظرنا، وفي هذه الظرفية بالذات، لا يعني قطعا، التفسخ والذوبان في بعضنا البعض، ولا يعني كذلك غض الطرف عن الخلافات التي تهدد هذه الوحدة وتكبح جماحها، على اعتبار أن التـّصور لبناء هذه الاصطفافات أو هذه الجبهة الاجتماعية، ضمانا لفعلها ولاستمراريتها الكفاحية، فيه نظر وتعدد وجهات النظر، التي تنقص بعضها الصراحة والروح المبدئية والالتزام.
فالواقع المّر الذي تعيشه الجماهير الشعبية وتعاني من تبعاته ومضاعفاته، يتطلب منا جميعا كقوى تقدمية مناضلة، استجماع قوانا للجهر برفضه والاستعداد التام لتغييره.. حيث لابد من مواجهة هذه الحرب الاستنزافية المستهدفة بشكل وحشي للقدرات الشرائية للغالبية الساحقة من المواطنين، من ذوي الدخل البسيط والمحدود، من عمال وصغار التجار والموظفين والحرفيين والفلاحين والمياومين...الخ.
فالمعركة مستمرة في الميدان والفقراء المحرومون لم يقفوا مكتوفي الأيدي، بل استجمعوا قواهم وردّوا بقوة على جميع هذه الإجراءات المجحفة بالإعلان عن رفضها مطالبة الدولة بالتراجع الفوري عنها، وهو الشيء الذي يتطلب منا كقوى الإسراع بتسطير برنامج نضالي مستمر ومتطور، لهذا الغرض، برنامج تتحمل مسؤولية تدبيره والإشراف على إنجازه مجموع هذه القوى المنظمة والمؤهلة لقيادة وتأطير وتنظيم النضال بكل الحزم والمبدئية اللازمة التي لا تعير اهتماما لإشارات وتوجيهات العدو الطبقي.
فالمعركة أصبحت قوية ومنهكة، زادت من تعقيداتها عوامل أخرى إضافية، على رأسها الانعكاسات السلبية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية، المسببة بشكل مباشر لارتفاع أسعار الغاز والمحروقات والزيوت والحبوب.. بالإضافة لمترتبات السنوات المتتالية من الجفاف، المؤثرة بشكل سلبي على مخزون المياه، وعلى الإنتاج الفلاحي الموجـّه للسوق الداخلية..الخ وهو الشيء الذي دفع بالجماهير الشعبية المسحوقة للانتفاض والاحتجاج، مندّدة ورافضة لكل هذه الزيادات المهولة، التي لا تراعي بالمرة دخل وأجور الغالبية الساحقة من المواطنين المستهلكين.
فالوحدة باتت ضرورية، ولم تعد مزايدة أو تعجيز، ولضبط مسار هذه الوحدة وهذا التجميع، أو التحالف، أو النضال المشترك أو سمّيه ما تريد.. لابد من وضع صيغة تنظيمية لهذا الغرض، بجانب البرنامج المقترح.. وهو ما تم فعلا داخل الساحة المغربية، على خطى العديد من التجارب السابقة، وأهمها تجربة تنسيقيات المناهضة للغلاء والخوصصة وارتفاع الأسعار.. التي تشكـّلت بداية 2006، واستمرت في الوجود إلى حدود سنة 2008، حيث تفاعلت القوى الديمقراطية والتقدمية، مع هذه المعركة الجديدة المتجددة، التي انطلقت من مدن عديدة، بأن أحيت جبهة سياسية للنضال الاجتماعي، بغرض النضال من أجل وقف نزيف الغلاء، مستغلة في ذلك ذكرى الانتفاضة المجيدة 20 فبراير 2011، لمسايرة الاحتجاجات الشعبية الدائرة بالبلاد.
ويبدو أن "الجبهة" أصبحت متعثرة في ممارستها، ولا تقوى على الفعل النضالي المفيد للقوى الشعبية الكادحة ومطالبها، بأن أحيت الذكرى، لتتوقف في بداية الطريق لمدة أسبوعين، دون أن نعرف السبب أو الحكمة التي دفعت بها من جديد للإعلان عن الاحتجاج، الذي انطفأت شعلته قبل أن تختفي نهائيا من أغلبية المدن المغربية.. لهذا اعتبرناها "جبهة" باهتة انتظارية وغير حازمة في آخر المطاف.. "جبهة" متردّدة في قراراتها وغير واثقة بالقدرات الجماهيرية العارمة.. "جبهة" لا تستحي من تسول الدّعم والمساندة من بعض القوى السياسية الكسيحة والتي لا تؤمن أصلا باستراتيجية النضال الاجتماعي، وبدوره في رفع الوعي الجماهيري السياسي والطبقي.. إنها قوى غير تقدمية وغير ديمقراطية على طول الخط، قوى لا تخفي عداءها للاشتراكية، وعدوانيتها تجاه المناضلين الاشتراكيين.. بحيث يشترط البعض من صفوفنا، أي من مكونات الصف اليساري التقدمي "تحسين وتطوير العلاقات النضالية معها"، باعتبارها قوى "مناضلة" لا شك فيها، ولا غبار على مقاصدها وخلفياتها.. لدرجة إحباط وتذمر أحدهم من صفوف هذا "اليسار" ومن حزب "النهج الديمقراطي" بالضبط، الذي لم يرضى عن نتائج الوقفات الاحتجاجية والضعف الذي تميزت به تلبية لنداء "الجبهة" العشريني، بحيث لم يجد هذا "الرفيق" ح ج من سبب لهذا التراجع، أو أهمها على الأصح، هو غياب جماعة "العدل والإحسان" عن هذه المحطة النضالية، وكأن هذه "الجماعة" معنية بهذا النضال و مواظبة دوما على حضور مثل هذه المحطات، بنفس الهمة والحماس الذي تشهره القوى المناضلة فعلا داخل الساحة المغربية.
لقد أصبح الاشكال إذن، في مجال النضال الاجتماعي الاحتجاجي حسب منظور الرفيق وحزبه السياسي متمثلا بشكل أساسي في حضور أو غياب "الجماعة"، فبدونها يصبح الاحتجاج فاشلا ولا طائل منه حسب هذا الرأي والتحليل الانهزامي، الذي لا يليق بمناضل تقدمي أصيل.. بعد أن ساقته انزلاقاته وانحرافاته عن الطريق السديد، الذي من المفروض أن يضع مصالح الجماهير الشعبية ومصيرها التحرري، فوق أي اعتبار، وفوق جميع التكتيكات المتهورة، والحسابات السياسية الضيقة.. لنفهم ونستنتج من هذا التقدير الأخرق، الذي لا يقيم قدرا لقوة الجماهير الشعبية المحرومة من كافة الحقوق، والتي أبانت عن استعدادها الدائم للانتفاض والتـّمرد على جميع القرارات اللاشعبية الماسّة بقوتها اليومي، وعكس هذا، ذهب "الرفيق"، وبطريقة فجّة وغريبة عن المبادئ والتصور الطبقي السليم لاعتبار "الجماعة" قوة سياسية "مناضلة"، وجب مد الأيادي نحوها ومعانقتها، فورا وبدون تأخر حتى لا تنصرف عن الحشد، وتصاب "الجبهة" بالبوار والتلف....
فلا بأس إذن، وبعد هذا الصمود وهذه الكفاحية الطويلة الأمد، التي انخرطت في معمعانها مجموع القوى الديمقراطية والتقدمية، لمدة فاقت الستة عقود، من الالتفات على اليمين اتجاه هذه "الجماعة"، لأن عيبها الوحيد أنها "تشترط دائما دعوتها للحضور وليس للمشاركة التلقائية في أي نضال جماهيري"، وكيف الحال أيها "الرفيق" وأن هذا السلوك من صلب طبيعتها، فهي تجيد وتتقن دوما عملية الركوب على ظهر النضالات الجماهيرية الشعبية.. إنها بصراحة قوى ذات طبيعة انتهازية يمينية، ومن يتمادى في وضع يده في يد مثل هذه القوى، ويعوّل عليها ضمن استراتيجيته النضالية، فهو انتهازي مثلها أو أكثر، يشكل خطرا على مستقبل اليسار بالمغرب ومشروعه التحرري...
إننا نعيش عصر الانحطاط الفكري والسياسي، الذي أدى صراحة لتدهور اليسار وتقلص قاعدته، بعد تملصه التدريجي من مبادئه ومرجعيته، التي تملي عليه بوضوح تكتيكاته وحلفائه، دون السقوط أو الانجراف نحو الانتهازية، بوجهيها، اليميني واليساري...والحال أننا اصطدمنا بهذا الصنف اليميني المسترسل في مهاتراته واستجدائه البئيس، مطالبا "الجماعة" بالوضوح معنا وعدم التعامل بالانتقائية والتبريرات الواهية..الخ" فمن "معنا" إذن، ومن يجب أن يكون معنا لتقوية النضال بكل المبدئية والحزم اللازم؟ أليست هي الجماهير المسحوقة، والمكتوية بنار الغلاء ولهيبها.. الجماهير الشعبية المحرومة من كافة الحقوق، جماهير العمال والعاملات، التي تطرد وتسرّح من شغلها بالمعامل والمصانع والضيعات الفلاحية ومناجم المعادن المختلفة.. جماهير المياومين المصطفة طلبا للشغل، وجماهير الشباب خريجي الجامعات والمعاهد العاطلين عن العمل، وجماهير الشغيلة بقطاع التعليم والصحة، الذين أصبحوا عرضة لمخططات التشغيل الهش عبر العقدة.. جماهير الشعب الكادح والمحروم، داخل المدن والبوادي.. يعني السواد الأعظم من الشعب المغربي عدا البورجوازية وحلفائها؟
فإلى جانب هذه الجماهير، نحتاج لقوى مناضلة حقيقية ليس بعينها حّوّل قد يؤدي بها لخلط الرايات، قوى الصف الديمقراطي والتقدمي التي لا تنتظر الدعوات أمام مثل هذه المعارك المصيرية، قوى تحتاج فقط لملمة الصفوف، وتعميق الوعي وسط الجماهير، وتجديد العلاقة مع طلائعها، عوض اللهث وراء جثة حركة العشرين بهدف إحيائها وبعثها من جديد. فالحاجة الآن، وأمام ثقل مهمات النضال ضد الاستغلال، والاستبداد، وضد الغلاء والفقر والبطالة والحرمان.. لقوى حازمة، قوى مناضلة فعلا، ليست مترددة أو انتظارية.. قوى سياسية لا تحتاج للإشارة أو الضوء الأخضر من الأعداء، لإعلان الانطلاق والانخراط في النضال الاحتجاجي الجماهيري، الذي يجب أن يبقى صادقا ومخلصا من ألفه إلى ياءه.. عوض الاختباء وراء شعارات ضخمة، تحتاج لقوى ذاتية مهيكلة ومرممة بالمنظور الماركسي الصحيح، والمقتنع أشد الاقتناع بدور الطبقة العاملة الحاسم، وبرسالتها التاريخية في قيادة الجماهير الشعبية وعموم الكادحين نحو الثورة، وبناء الاشتراكية.. فإسقاط "المخزن" أو الديناصور حتى.. لا يمكنه أن ينجح بهكذا قفزات بهلوانية طائشة، فهي مهمة بعيدة عن اللعب بالكلمات، والتباهي بالشعارات البطولية الرنانة، لأنه إسقاط للنظام ككل، أي كنظام سياسي، واقتصادي، واجتماعي، وثقافي..الخ وإذا لم تكن لنا القدرة على التعبير، والإفصاح عن هذا الموقف السديد، فيجب الإلتفات للعدة والعتاد، الذاتي والجماهيري، عوض الارتباك والتصميم على الالتفات نحو اليمين مخافة أن ينصرف عن الحشود ويترك "حركة العشرين" كسيحة لا حول ولا قوة لها، منذ ذلك التاريخ الذي انسحبت فيه الجماعة من المظاهرات والمسيرات، أواخر صيف 2011.. فبعيدا عن الانهزامية والسلبية، التي لا تليق بالمناضلين الثوريين المبدئيين، والقابضين على الجمر والواثقين في قدرات الجماهير الشعبية الكادحة، وفي مشروعها الاجتماعي الاشتراكي، بما يستلزمه من تطور ذاتي لقوانا، ومن ارتباط فعلي مع الجماهير الشعبية المعنية بالتغيير، فإذا لم نبحث في أسباب ضعفنا، وفي نجاعة أساليب اشتغالنا، وفي نوعية شعاراتنا، وحلفائنا.. حتى لا تختلط علينا الأمور، ويعمّ التضبيب ليصبح الأعداء أصدقاء وحلفاء..

أواخر مارس 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟