الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعوقات الداخلية لتشكيل الحكومة العراقية وسبل تذليلها

محمد حسين راضي
كاتب وباحث وشاعر ورياضي

(Mohammed Hussein Radhi)

2022 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


قد يتفق القارئ الكريم معي على أن أزمة اليوم لم تكون وليدة اللحظة، بل كان لها جذور زمانية ومكانية في نفس الوقت، وهذه الجذور لها امتدادات مختلفة، أو لنقل لها مواطن معينة ساعدت على نموها وتشابكها، ولا يختلف أثنان أن الحالة التي وصلنا اليها اليوم من انسداد سياسي هي نتيجة الإدارة السيئة التي أديرت بها العملية السياسية وما عاصرها من عناصر كان لها الأثر البالغ على سلبية مجرياتها ونتائجها منذ اللحظة الأولى لكتابة الدستور الى يومنا هذا.
ولا جرم أن الفاعلون السياسيون على مختلف مشاربهم، وجماعات الضغط والمصالح بما فيهم البعض ممن يمثلون المؤسسة الدينية وغيرها من المؤسسات التي شاركت في رسم خطوط العملية السياسية منذ ولاتها الجديدة ما بعد 2003، لم يدركوا مستلزمات وآليات العمل السياسي الناجح والمنتج، الذي يحتاج الى تراكمات من الخبرة في هذا المجال، وغير خاضع لقانون المجازفات والمغامرات، حتى تكون إفرازات فرض الأرادات تصب في مصلحة البلد، وتخدم كل أطياف الشعب.
واليوم ونحن في موقع تشخيص الأسباب التي تقف وراء حالة العوق الذي يحول دون التوصل الى حلول ناجعة للخروج من أزمة تشكيل الحكومة، لابد لنا أن ندرك المعوقات الرئيسية التي تقف وراء هذه الظاهرة المستعصية، بدأً بذكر المعوقات الداخلية، وأهمها:
أولاً- المعوق الدستوري: لا ريب أن بعض مواد الدستور العراقي الحالي لسنة 2005 النافذ تعدو من المعوقات أمام تشكيل الحكومة العراقية بعد انتخابات 2021 م، بما احتواه من آليات في اختيار الرئاسات الثلاث، لذلك سنناقش بعض النقاط المهمة ذات الصلة بالمعوق الدستوري:
1- النقطة الأولى: أن شكل النظام السياسي للعراق (البرلماني) لا يتلاءم بأي حال من الأحوال وطبيعة المجتمع العراقي كما أثبتته الكثير من الدراسات الأكاديمية، ومن قبلها اثبته الواقع التجريبي، إذ أنه حتماً يؤدي إلى وجوب وجود صيغة توافقية لتوزيع السلطة على المكونات الرئيسية في العراق (الشيعية والسنية والكردية)، مما جعل من الثوابت ان يكون تقسيم المناصب بصيغته القديمة الحديثة (رئاسة الجمهورية كردية ورئاسة البرلمان سنية ورئاسة مجلس الوزراء شيعية)، بل وصل الحال الى توزيع الكابينة الوزارية والوظائف العامة في مؤسسات الدولة بذات الصيغة بحسب الوزن الانتخابي للمكونات الثلاث، دون اعتماد مبدأ التخصص والخبرة والكفاءة، مما أدى الى تراجع المؤسسة العراقية في أداء مهامها في تقديم الخدمات العامة وتوقف الكثير من المؤسسات الإنتاجية واعتماد الاقتصاد الريعي اعتماداً على الصادرات النفطية.
2- النقطة الثانية: لعل النقطة الأولى تندرج تحت النقطة الثانية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن شكل وطبيعة النظام السياسي هي أحد مقررات مواد الدستور العراقي لعام 2005 النافذ، الذي إذا سلمنا بأنه كتب بأيدي عراقية، فأن هذه الأيدي دون شك كانت خاضعة لإرادات وأجندات داخلية وخارجية، بهدف الحصول على مكتسبات معينة على حساب أمن واستقرار البلد، فصيغ هذا الدستور صياغة لا تترك للأغلبية اخذ حقها في اختيار من يحكمها، وفي نفس الوقت مكنت المكون الأضعف بين المكونات الثلاث إلا وهو المكون الكردي من التحكم بعملية الاستحداث أو التعديل أو الإلغاء لمواد الدستور، مما جعل العملية الديمقراطية عرجاء بكل معنى الكلمة.
3- النقطة الثالثة: فضلاً عن الألغام التي زرعت في الدستور العراقي الحالي تأتي عملية التفسير من قبل المحكمة الاتحادية لبعض المواد الدستورية طبقاً لرؤية القابضين على السلطة، كما حصل في الدورة البرلمانية الثانية، حين فسرت المادة (76/أولاً) من الدستور على أن الكتلة الأكبر عددا في البرلمان المشار اليها في المادة أعلاه هي الكتلة التي تشكل داخل البرلمان في جلسته الأولى، وهذا بطبيعة الحال خلاف العقل والمنطق، مما اربك العملية السياسية بالكامل، وأفقد العملية الانتخابية وزنها القيمي، وأيضاً تزعزعت ثقة الناخب بمجمل العملية الانتخابية، وضياع قيمة البرنامج الحكومي الذي تطرحه الأحزاب والكتل والائتلافات ما قبل العملية الانتخابية، والذي يفترض عقلا ومنطقاً يكون أختيار الناخب على أساسه للتشكيل السياسي الذي يمثله داخل البرلمان.
وبحسب الآليات التي بينتها المواد الدستورية (55-76-77- 93) من الدستور العراقي لسنة 2005 يتوجب في الحالة الاعتيادية أن تكتمل الإجراءات المنصوص عليها بعد المصادقة على نتائج الانتخابات مباشرة، إلا إن الحالة المتكررة في بداية كل دورة برلمانية جديدة المتمثلة بتعثر التوافق على تحديد الكتلة الأكبر عدداً ومن ثم يصار الى تكليف مرشحها لرئاسة مجلس الوزراء، أوجبت وجود تعديل على المواد الدستورية أنفة الذكر يتضمن صيغ دستورية ترغم الكتل البرلمانية على الحفاظ على المدد الدستورية وفق الآليات المنصوص عليها للتخلص من حالة الانسداد السياسي أو الفراغ الدستوري.
4- النقطة الرابعة: عدم وجود مواد علاجية إذا لم نقل متضمنة لجزاء معين تعالج الخرق الدستوري، ولا شك فيه كثيرة هي الخروقات الدستورية التي غضت عنها المحكمة الاتحادية نظرها وما زالت، وخصوصاً الفقرة رابعاً من المادة (18) والتي تنص على انه يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً التخلي عن أية جنسية أخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون.
ثانياً- المعوق السياسي: أقدمت المحكمة الاتحادية في يوم الاثنين 27/ 12/2021 على المصادقة على نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في 10/10/2021 رغم اعتراض كتلة الاطار التنسيقي على مجرياتها والظروف التي شابتها حسب ادعائهم، مما أوجد شرخاً بين الكتلتين الشيعيتين الأكبر في البرلمان، بسبب اتخاذ مبدأ المنافسة الصفرية في عملية تولي الحكم ورفض مبدأ التوافقية أو الائتلافية، وهذا الأمر وليد المؤثرات الاتية:
1- تردي العلاقات الودية بين الطرفين في مرحلة ما قبل الانتخابات تمتد الى حقبة المواجهات مع قوات الاحتلال وتولي شخص السيد المالكي رئاسة مجلس الوزراء وموقفه من السيد مقتدى الصدر وتياره بعتبار الاخير يقود ابرز فصائل مقاومة القوات المحتلة في تلك الفترة.
2- تعارض مصالح الطرفين.
3- انعدام الثقة بين الأطراف المتنافسة.
4- عدم وجود رؤية مشتركة حول مشروع بناء الدولة.
5- الاحتكام الى معايير مستندة الى المصلحة الفئوية أو الشخصية في عملية تشكيل الكابينة الوزارية ومن قبلها اختيار رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية.
6- التأثير الخارجي.

التوصيات:
أولاً- أن الحكومات التي تأتي نتيجة النظام البرلماني في الظروف الطبيعية وبعد انتخابات تشريعية أما تكون حكومات ائتلافية او حكومات توافقية، وعلى أطراف الأزمة التسليم لهذه الحقيقة والابتعاد عن الدخول في صراعات لا طائل منها ألا أضعاف الطرف الأقوى في المعادلة.
ثانياً- في حالة عدم تقبل التوصية أولاً، نقترح الآلية الأتية:
1- تعيين حكومة إنقاذ وطني ائتلافية لمدة سنة وأحدة فقط وتكون العضوية فيها بحسب الوزن الانتخابي، ليس لها أي صلاحيات ما عدا الصلاحيات والمهام الأتية:
ا- تسيير الأعمال التي كانت موكلة للحكومة السابقة.
ب‌- الغاء أي معاهدات أو اتفاقيات لحكومة الكاظمي أبرمت في فترة حكومة تسيير الأعمال.
ت‌- اعتداد الميزانية العامة ورفعها للبرلمان لإقرارها.
ث‌- أجراء استفتاء عام حول تغيير النظام السياسي من برلماني الى رئاسي والعمل بموجب نتائج هذا الاستفتاء.
2- في حالة تم قبول المقترح بتحويل النظام السياسي الى رئاسي يقوم البرلمان العراقي بتشكيل لجنة مشتركة تقوم على أجراء التعديلات المطلوبة على الدستور بما يتناسب مع النظام الجديد.
3- وفي حالة عدم قبول المقترح ويتم العمل وفق آليات الدستور الحالي، تقوم اللجنة أعلاه بتعديل المواد التي تعيق تشكيل مؤسسات السلطة الثلاث.
ثالثا- أن حكومة الأغلبية هي الحكومة التي يشكلها الحزب الفائز في الانتخابات دون تدخل الأحزاب الأخرى التي بطبيعة الحال ستشكل المعارضة البرلمانية سواء وفق النظام البرلماني أو النظام الرئاسي.
رابعاً- إلغاء التفسير السابق للمحكمة الاتحادية في تفسير الفقرة أولاً/ المادة 76 والعامل على أن تكون الكتلة الأكثر عدد هي الكتلة المتكونة رسمياً ما قبل الانتخابات ولديها برنامجا حكوميا يطرح على الشعب.
خامساً- ضمان الإبقاء على مؤسسة الحشد الشعبي كونها مؤسسة ذات تأثير كبير على حفظ التوازنات داخل البلد، وايضاً لضرورة وجودها كصمام أمان لعدم تكرار تجرب مرحلة عصابات داعش في العراق، خصوصاً ونحن نلمس اليوم نهضة جديدة لهذه العصابات عبر العمليات الإجرامية التي ما زالت تقوم بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك