الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتمنا أنفاسنا فحناجر الصائمين عزف عنها الضحك!

ردوان كريم
(Redouane Krim)

2022 / 4 / 18
كتابات ساخرة


إستيقظت في يوم العطلة الأسبوعية، كأي مواطن بسيط، فتحت الستائر لأنظر الشارع، لأتأكد أن البلد بخير كما ورثناه عن الأجداد جيل بعد جيل. قرص الشمس يطفو و يغرق في غيوم بيضاء تميل إلى السواد تحجب زرقة السماء. بعد ليلة ماطرة هدأت لنرى جمال ربيع هذا القطر من العالم الذي له خصائص تختلف عن أي ربيع في مكان آخر. لبست لأخرج لأتبضع مثل كل الناس في شهر رمضان. الذي له نكهة خاصة و تقاليد تعطيه جمال و رونقا لا يعرفه إلا أبناء هذا الوطن أو من زاره في هذه الفترة من العام، فحتى السائح ليس بحاجة لأن يكون مسلما ليشعر بروعة الأجواء الرمضانية التي تناقلتها الأجيال. فليست أطباق الأكل في المساء فقط، بل كله نظام حياة يتغير و يزين معه البلاد كقرية سياحية. أضف إلى ذلك تناغم الناس في الأسواق و الشوارع و بعض الأحاديث و العبارات التي لا نسمعها من عندهم إلا في هذا الشهر المقدس، التي تعبر عن كرم و جودة أهل هذه الأرض الطيبة. فكيف لا تكون النفس تواقة للقائهم و نمط عيشهم في شهر الصيام.

ها أنا وصلت إلى مدخل السوق و تلك لافتة كبيرة تشير إلى مائدة رحمة لعابيري السبيل ليفطروا مثل كل عام من هذا الشهر الفضيل، وهذا باب السوق عليه دعاء و كل شيء يشير إلى الرحمة. كل أنواع السلع موجودة و لكن جمال السوق ليس في رونق بضاعته و إنما ببشاشة زواره. دخلت السوق وراء حشد من الناس، ينظرون بأعين مفتوحة و أفواه مغلوقة. يلتمسون البضاعة و يسألون عن الأسعار و يمرون. كل شيء موجود الحمد الله. الخضر و الفوكه و حتى روائح التوابل موجودة مثلما عهدناها، فإن كنت لا أميز بينها، أمي عودتني سماع أسمائها حين تطلبها؛ فلفل أسود و أحمر، كمون، زنجبيل، كركم و غيرها. مع ذلك روائحها مجتمعة في السوق عزيزة على النفس. لم أشعر بالسير وأنا أحدق يمين و شمال إلى كل تلك البضاعة حتى خرجت. ثم إستيقظت من غيبوبتي أو حلمي. ماهذا و لما لم أشتري شيئا؟!

ما بها وجوه الناس الناس تعيسة و غائمة؟ أين سافرت سعادتهم و ما بها غبطة أهلي؟ القفف و الأكياس صغيرة أو فارغة، هذا و الله ليس تعقل في التبضع و لا شراء الحاجة فقط. لا يهمني و لا أنظر إلى الغني في السوق ماذا يشتري بقدر ما أشعر بالطمئنينة حين أرى البسمة في وجه البسيط حين يتسلم من البائع مقتنياته. عودت أدراجي لأتأكد ربما أتخيل فقط، و لست أميرا يتفقد رعيته. المتسوقين أهلي وهم مكتئبين، يسألون بإستحياء و كأنهم هناك لخطبة الخضر و الفوكه لا لشرائها. يا للعجب! أسعار الخضر أثمانها تضاعفت ثلاثة أضعاف عن ثمنها قبل خمسة سنوات و الفواكه أربعة أضعاف. البطاطا ب 120دج، الطماطم ب80دج، الجزر ب 80دج، الفلفل الحار ب 110دج، و الحلو ب130دج. الباذنجان ب 120دج و الشيفلور كما نسميه نحن ب 50دج. كلها أسعار فوق طاقة العامل متوسط الأجر و ما أدراك بالعامل البسيط. أما الفواكه فالتبقى في صناديقها فأثمانها تساوي الأجرة اليومية للعامل العادي أو نصفها: العنب الأحمر ب 700دج، الفراولة من 240دج إلى 450دج حسب النوعية. التفاح المحلي من 350 إلى 600دج. البرتقال من 180 إلى 240دج و يبقى الليمون أتساءل هل يأكل فاكهة حتى يكون ثمنه من 240الى 300دج؟!
خرجت من السوق مثل كل الناس أتذمر شقي مؤسف أقول : حتى التمر الذي نتحلى به عند الإفطار ب 400دج و كأننا نستورده! و هل السمك يربى في المزارع و يتغذى على الأعلاف و المكملات حتى يصل ثمنه إلى 1000دج؟!

اخترق سمعي صوت متسوق يقول لصاحبه " هناك طابور حليب أسرع لنغنم بكيس!" هرعت خلفهم لأجد طابور الرجال بطول 100متر و آخر للنساء. انتظرت ساعتين لأصل إلى البائع ليمنح لي كيس واحد من الحليب تحت وقع جحيم تدافع الناس. ثم خرجت أمشي مرهقا من شكوى إخوتي الجزائريين في طابور الحليب حتى صادفت رجلا يحمل قارورة زيت فقلت في نفسي " تستحي أن تسأله من أين إشتراها!" حتى رأيته يضحك فقد لمح عيناي الملتصقة في القارورة، فقال: " هناك نقطة بيع هناك ، أسرع قبل أن تنفذ!" شكرته و مضيت. كان شعوره وهو يقول العبارة كسباح فاز لتوه بالميدالية الأولمبية الذهبية! وصلت إلى الطابور الجديد و أنا أقول "لك الحمد يا رب فهذا طابور طوله 50متر فقط."أمامي كان هنالك شيخان متذمران من الإنتظار، يسأل الأول سؤالا مستهزءا و يجيب الثاني بجواب أتفه، فمرة تضحك الناس لسماع تهريجهما و مرة أخرى تغضب، يقول الأول مثلا : "هل تعرف الفرق بين الإنسان و الخروف؟" فيجيب الثاني: "الصوف و الله أعلم!" فيرد عليه: "جيد و لكن لا تعرف الفرق بين السلاطة و الحشيش؟" يجيب الثاني: "أسكت نحن هنا من أجل الزيت ليصبح الحشيش سلاطة!". بعد نصف ساعة من الإنتظار قال البائع: "إنتهت القوارير الخمس، خذ قارورة رتلين." بعد هذا الطابور أكملت سيري إلى أن رأيت الناس ملتفون حول شاحنة، إعتقدت أنه هناك مشادة، فسألت أحد المارة ببراءة أو سذاجة، لم أعد أدري: "لماذا لا يتصل أحدهم بالشرطة لفك هذا العراك؟!" فقال: "بل هي نقطة بيع للسميد إن أردت أن تشتري!" حاولت أن أدخل بين الإكتظاظ و لكنه تم دفعي خارج الجمع و ذلك الرجل يحدق بي ضاحكا ثم عدت إليه و طلبت منه أن يحفظ مشترياتي و ما إن وصلت إلى الجمع مجددا حتى رفسني أحدهم و تم دفعي خارجا فعدت إلى الرجل تعيسا أقول له : "لم أعد بحاجة للسميد!" و لكنه قال: "شاهد و تعلم!" ذهب إلى الجمع و دفعهم إلى الأمم، فتقدم خطوة ثم دفعهم بكتفه اليمنى و تقدم خطوة أخرى ثم دفع بالكتف الأيسر، يتقدم و يختفي بينهم كالسمكة و سرعان ما عاد إلي بكيس من الدقيق. و قال: "إذا كنت لا تستطيع المواجهة بالعضلات، غادر هذه البلاد ! أنتم المتعلمين لا تصلحون لشيء!" إنتهى اليوم عند طابور الخبز ، ثم توجهة إلى الكيوسك لأشتري جرائدي، و أخبرت البائع:" مثل كل يوم!" و لكنه قال أيضا: " ليبيرتي لم تعود موجودة، ماذا تريد محلها ؟" أجبته: "يكفيني هذا القدر لهذا اليوم!"

نعم يا سادتي، رمضان هذه السنة ليس له ذوق و لا طعم مثل السنوات الماضية. رمضان بلا بهجة و لا سرور. فقد أخطأ من يعتقد أن السعادة قرار و إختيار أخلاقي أو أننا أحرار في إختيار الفرح. و لا أدري كيف ينام المرء مرتاح و الفقراء جياع. إنه صراع طبقي من نوع آخر. بالطبع الفقراء يعيشون أيضا و لكن الغالبية لا. الحزن ليس قلة ذوق و لا الإكتئاب علامة على الكسل. قطعة خبز تسكت الجوع و شربة ماء تروي العطش و لكن ماذا عن الروح؟ هل الحياة صراع من أجل البقاء؟ هل الإقتتال من أجل الحليب و الزيت حياة؟ الحياة ليست ملأ للطوابير. مصيبتنا هي خوفنا و جهلنا ما نخاف منه وكيف نتخلص منه. حتى أصبحت محنتنا هي الخوف من كل شيء، أي شيء حتى ظلنا. مرة نخاف من عدم الحصول على السميد و مرات أخرى من أشياء أخرى أضاعت لنا حياتنا.

الحياة نموذج مكبر للإنسان أو هي أشبه بروح الإنسان من أي شيء آخر. فوحشية الحياة ليست إلا نتيجة فظاعة تصرفات الإنسان المروعة. و عداء الحياة لنا ناشيء من عدائنا لأنفسنا و لبعضنا البعض كبشر. قسوة الحياة هي من صرامة و فظاظة الإنسان. نعم، الحياة تشبه إلى حد كبير الإنسان. فهي تلبس ثوب التفاهة و الغير مجدية حين نشعر بالفراغ و العبثية كأشخاص، و أما الملل و الرتابة التي نراها في الدنيا ليست إلا تجسيد لما نحن عليه كمملين. الدنيا تبدو معتدلة و وسطية حين نكون متواضعين مع أنفسنا و غيرنا. الدنيا تتغير فقط حين يتغير الإنسان. الحياة يصبح لها معنى و تكون مكان أفضل و أجمل للعيش فقط حين نمنح لوجودنا معنى و فرصة لنكون طيبين. الحياة تصبح منطقية حين نمنح الفرصة للعلم و العقل لتنظيم شؤوننا. الحياة تصبح أفضل حين نحاول أن نقول ما هو جيد و صحيح فقط بأبسط الكلمات من أهم ما نعلم و ما نعرف لنضبط أمور حياتنا بعقل و منطقية. لأن إذا رأى أحدنا في منامه حلم مروع فهذا ليس إلا كابوسا، و إن رأينا جميعا نفس الكابوس في يقظتنا فهذا ليس إلا أزمة أدخلتنا جميعا في نفق مظلم. و للخروج من الأزمة يجب أن نحلم جميعا بنفس الشيء في يقظتنا و يكون ذلك بداية للحقيقة، فحلم الفرد ليس إلا حلما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا