الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الإصلاح إلى الانقلاب...

احمد جمعة
روائي

(A.juma)

2022 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


* فصل من مذكرات "ثلوج في يوليو"

ما أشْبهُ الليلةَ بالبارحة، وما أشْبه الإصلاح بالانقلاب، هو عنوان جامعٌ لهذا الفصل المُحيّر حقًا من السيرة الذاتية للذاكِرة السياسية، وهو بذاتِ اللحظة ينطبق عنوانًا جسورًا بدون عملية مونتاج لمرحلةٍ قادمة بعد الإعلان عن مبادئ ميثاق العمل الوطني وبدء رحلة عذاب، سادية وعلنية بعملٍ سياسي مُفْرط برومانسيةٍ ثورية، سرعان ما انفرط عقدهُ وتحوّل لإثارةٍ ورعب، ثم انْزلق بعجرفةٍ وبلاهة حالمين في بياتٍ شتوي ناهَزَ عشرون سنة عجاف، إذا ما أخذنا بربطِ التفاصيل بعضها بعضًا، ضمن سياق سلسلة مُتعرِّجة منذ بداية المشروع السياسي الذي أفقد البعض عقله وسبّب الجنون لكثيرين خياليين غير مصدقين ثورة!!! سلميّة قادها الملك! حتى بلغنا المشروع التخريبي ثم الإنقلابي إلى أن أدْركنا بحسْرةٍ النتيجة السريالية وقد أدّت بأسى وحزن إلى محنة الدوار المُريعة في 14 فبراير 2011. ولأسْتهل بالعودّة للبداية لتركيب قطع الدومينو التي بدأت بقطعة خربة تلتها بقية القطع التي تهَرأت ثم انساقت في التساقط وأفْشت عن هوْل خيالٍ واسع عاش فيه ثوار قرون وسطى جدد مقنعون، وهم يحصِدون ثمار ثورة فردوسهم عنبًا مُرًا لا يمكن تسويقهُ ولا أكله ولا حتى عصره نبيذًا، إلى أن أضحى بخاتمةِ حفلتهم الرومانسيّة سُمًا زعافًا صرَعَ كلّ من تجرعه بمرارةٍ، جمعيات سياسة وجنرالات استراتيجيين! وبالطبع من لحق بهم من خرافٍ ضالة.

ماذا لو تأجَّلت افتراضًا الإصلاحات السياسية المُباغَتة التي أُعْلِنت قسرًا وقبل الأوان وبصورة دراماتيكيّة صدَمت المنطقة برُمتها شعوبًا وحكامًا، من العام 2001 إلى عام 2011؟ ماذا لو تمّت تلك الإصلاحات في مرحلةِ ما سُمي بالربيع العربي متجاهلين تمامًا تلك الأعمال التدميرية في تسعينات القرن الماضي ومُنحِت فسحة زمنية وتكتيكيّة بدلاً من الانزلاق بإصلاحاتٍ مستَعجلَة قبل الأوان وظفتها القوى الانقلابية ورافقها تخطيط مُنظّم ومدروس واكب وتزامن مع المحاولات الإيرانية بتفجير الوضع في البحرين من الداخل؟ فقد اغتنمت إيران فرصتها في تلك الإصلاحات لتدفع بطوابيرها وخلاياها النائِمة لاقتناصِ فرصة تاريخية، غير مسبوقة لاحت قبل أوانها والولوج لمفاصل الدولة بحجّة المشاركة السياسية وتأسيس جمعيات سياسية انقلابية، وفرض مرجعيات دينية وإطلاق معْوّل الهدم منذ تلك الساعة حتى هذه الساعة من 2022 ساعة كتابة هذه السطور؟ ألم نكن وفَرنا قسطًا من الآلام وعشرات سنين مُمِلّة من دمارٍ مُمنهج لبلادنا وتأخير التنمية وتعكير الاستقرار ووقف عجلة الاقتصاد بل وإطلاق وتيرة الإرهاب؟ الم تكن الإصلاحات لو تمت حتى فيما أُطلق عليه بالربيع العربي وأبرمتها الدولة كصفقةٍ ناجحة اليوم ومن دون خسائر حدثت؟ لحقَّقَت نتيجة أجْزل بكثير مما حقَّقته إصلاحات الأمس وشطبت سنوات جسيمة من الارتباك والانتكاس؟ لو افترضنا جدلاً استمرار أعمال العنف المحدودة والتي أمكن السيطرة عليها ومحاصرتها دومًا وبيسرٍ، ثم حلّ عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كيف ستكون الصورة؟ لا أُجزم بصحة افتراضاتي هذه ولا اشكّ بأن أكون مخطئًا في توقعاتي هذه ولكنها على الأقل تُشكّل مشروعًا لدراسة افتراضية مرَّت بخاطري وأنا أكتب بتقنيةٍ تأمليّة هذه المذكرات التفصيلية بعيدًا عن أفق الشعارات وأمامي حشدٌ من سلبيات المشروع الإصلاحي، الذي أظنّهُ جاء مبكرًا عن توقيتهِ المُفترض وهذا ما سبّب التشويش وقاد للتخبط بترك الجمعيات السياسية وتيارات المرجعيات الولائيّة تنهض وتنمو وتتفاقم وتخرج عن السيطرة من تحت معطف المشروع الإصلاحي الذي لو تأجّل لكانت البحرين اليوم منافسة قوية لدبي في سباقها الحضاري وهي الإمارة التي لا تعتمد على النفط ولا السياسة الضيقة.

إن حجم هذه الإصلاحات وقياس المشروع واحتوائه على كلّ ما اعتبر تجاوزًا مطالبًا شعبية في الديمقراطية والانفتاح بالعملية السياسية التي رُفِعت كشعاراتٍ خلال عقدين ماضيين عقيمين في البداية، بصرف النظر عن فئاتها وشرائحها وأوانها، هل كانت الاستجابة فوريّة ومباشرة وتلبي الحلم الديمقراطي؟ أم هي قراءة الدولة لمستقبل المطالب فجاء المشروع استباقيًا محاولاً تجنب مفاجآت وصدمات لاحقة، من منظورٍ تحليلي ورؤية عميقة؟
النتائج المادية الملموسة عادة هي الحكم بالنهايات، وما حصدنا من نتائج منذ 2002 وحتى الآن أظنّ أنّها تُشير لعكس المُتوقّع من هذا المشروع، ولو جاء متأخرًا على الأقل حتى بعد ما سُمي بالربيع العربي وهنا لربمّا أيضًا طالتنا تداعيات مشروع أوباما الديمقراطي! وحصدنا نتائج مختلفة لكنها على الأقل جاءت متأخرة واقلّ دمارًا مما جنينا حتى الآن. كما أن هذا المشروع الإصلاحي المُبكِر كان الثمن الجسيم الذي سَيُّرضي العالم من جهة ويوفر تداعيات حتى نبلغ النتائج الأخيرة التي جاءت بعهد دونالد ترامب ونكون اِدخرنا طاقتنا التي أُهْدِرت خلال السنوات العشرين الماضية وركزنا على التنمية والاقتصاد والانجاز مقارنة بدبي ودولة الإمارات.

صحيح وواقع، لا يُمكن ونحن بالقرن الواحد والعشرون وبعصرِ متغيّرات، الاستمرار بحكم الشعوب بقبضةٍ مخمليّة اسمها الرخاء وباحتكار الثروات بيد طبقةٍ معينة وكذلك القرار بيد أخرى محدودة والاكتفاء بلقمةِ العيَش ولكن بالوقتِ ذاته لا يُمْكن رهنّ مستقبل أمة بأسرِها بيد المجهول متمثلاً في انتفاضات وانقلابات عشوائيّة دينية وجاهلية ودموية.
خلال هذه الفترة المذكورة اصْطدمتُ بكثيرين ممن تسرعوا وركبوا موجة العمل السياسي العلني حتى أن بعض المصابين بلوثة التغيير ظنّوا أن بإمكانِهم انتخاب رئيسًا للوزراء، كنت أتفرج مكتئبًا على ما آلّ إليه وضعنا بسبّبِ قيادة الغوغاء المُفترض أن تكون الطليعة السياسية الذكيّة، لكنها أثْبتّت بأنّها قيادة رومانسية حينما وزَعَت الغنائم قبل الأوان، فأعلنت الجمهورية الإسلامية في الدوار البيزنطي ورُشح رئيس وزراء علماني للجهورية الإسلامية هو الزعيم البعثي القديم المُحنّط على فخرو، خيال واسع وطبخة سريالية لا يمكن تذوقُّها إلا وتتخيَّل سلفادور دالي حيًا. كنت أراقب حينها القادم ولا أستطيع مُجرّد الإشارة إليه لأن الذين شاركوا في الطبخة أكثر من الذين سيأكلون منها، ومن هنا أضحى المشروع السياسي مشروعٌ انقلابي فاشل بامتياز. هل كان بالإمكان تجاوز ذلك؟ نعم لو أُسِّسَت الجمعيات السياسية بوقتٍ متأخر وبنفسٍ غير طائفي، الاستعجال وحرق المراحل هي نتيجة حتميّة قادت للانقلاب الفاشل، ولكن من يسمع؟

****

كنت أُراقب وأرْصدُ كيف اسْتهَلّت المرحلة السياسية الطارئة الجديدة غير المتوقعة التي أفقدت الكلّ عقله، وكأنها صدْمة فاجأت الجميع بمن فيهم القوى المتناقضة والمتنافرة، الساسة والمعارضة الشيعية والمليشيات السرية المدعومة إيرانيًا والجماعات الاخوانية والسلفية وذلك بإعلان ميثاق العمل الوطني الذي به تم الولوج السريع واقتحام المُعترك العلني عقبَ انكشاف الحياة السياسية السرية، بانطلاق المشروع السياسي في الحياة الديمقراطية من نقطة العام 2002 عندما شهدت البحرين تحولاً دراماتيكيًا جذريًا!! في حراكها السياسي، انْخرَطتُ في هذه المرحلة التي سَمحَت وسَهلَّت بفجاجةٍ لبعض الجمعيات أن تُؤسّس على قواعد طائفية للأسف المحزن هو ما أعادّ مرّة أخرى إقحامنا في دوامَة السياسة الرثة وعرقَلَ حركة البناء والتنمية. هذه الطفرة السياسية الإيجابية من المؤلم رأيُتها أمامي بحسرةٍ وقد نَسَفتها قاعدة خاطئة بكلّ المقاييس، صيغت على أساسها تنظيمات سياسية طائفية، فشهدنا نوعًا غريبًا وغير مألوفًا من الاصْطفاف الطائفي نمّى وتضخم ككّرة الثلج حتى بلغ مرحلة الانقلاب بعد عشر سنوات من نمو بذرته السامة التي كانت فطرًا مسمومًا ثم ذابت مثلمّا تضخَمت، وهي تجربة ثانية بائسة بعد تجربة 1973 وكأنّ جنرالات الجمعيات المُؤزِمَة وقادتها! لم يعبروا حتى مجرّد مدرسة ابتدائيّة بألفِ باء السياسة.
في البدء كانت الثورية، هكذا أُسمي الولادة القيصريّة للمرحلة الانتقالية، من السريّة تحت الأرض إلى العلنيّة فوق صفيح ساخن، فمنذ البداية حتى قبل أن تنْضجُ الطبخة القسرية التي أفرزها المشروع الإصلاحي الذي أكنّ له العديد من المآخذ والسلبيات من منطلق النتائج والتداعيات التي أنتجها وكانت سببًا في فوضى عارمة لاحِقة، تُوِجت بمحاولةٍ انقلابيّة. لقد أُسِّسَت الجمعيات السياسية أغلبها على مبادئ وقيم طائفية منها السنيّة والشيعيّة باستثناء جمعيتين أو ثلاث فرطت من كهفٍ مُعتم، منهم الميثاق والمنبر التقدمي ووعد والأخيرتين سرعان ما انْزلقتا بشغفٍ! وبدون حنكة وقراءة التاريخ المحلي في فخ ما سُمي الربيع العربي الكئيب، مأخوذين كتنظيمين غبيين بخدعةِ وزنهما في الشارع وبوَهم سقوط النظام الذي أوْحَت لهما به دون تأني يُذكر، عقلية مُتجَمِّدة عند ستينيات القرن الماضي، ذات أفق ضيق ما زالت انقلابيّة رغم الجو الديمقراطي والفسحة السياسية المعقولة التي حفَّزَت مناخًا مختلفًا سمح بخلقِ تجربة ديمقراطية فريدة في المنطقة، غير أن سرعان ما تزَحلَق هؤلاء القوميون واليساريون الانتهازيون في حضن الولي الفقيه.

***
بسبعينيات القرن الماضي كانت البلد تعيش حالة احتقان سياسي، حيث عمَّت الإضرابات العفوية البعيدة عن التخريب أرجاء البحرين وكان حبّ الوطن هاجس البعض حتى المعارضين منهم، كلّ شيء عكس مدى ولاء الجميع للوطن وأهله، لم تجد وقتها ما حصل بالأمس من تخريب وإرهاب واعتداء على ممتلكات الغير والخروج عن لغة الاحتجاج، لم تخرج تلك الموجة الاحتجاجيّة حينها عن وعي سياسي وعشق للوطن لا يضاهيه عشق، المظاهرات كانت شبه يومية لكنها لم تمس مدرسة ولم تخرب شارعًا أو تدمر محلاً تجاريًا، كنا على قناعة تامة باعتقادنا على الأقل أن العمل الوطني مهمة إنسانيّة بالمقام الأول، لا أتذكّر إننا قذفنا حجرًا على الطريق، أو أتلفنا مرفقًا عامًا أو خاصًا، كما رأينا في 2011 من أعمال يندى لها الجبين من يُفتَرض أنه سياسي وهو بالحقيقة لا يمت للسياسية بصلة.
نهاية السبعينيات حدث فرز فرغم الاضطرابات السياسية، الأمور بالأحياء كانت تسير عادية الأبواب مفتوحة والصغار يمارسون ألعابهم دون خوف، الوعي السياسي كان متناميًا لدى من يمارسونه وليس كحال الآن، الوطن مزروعٌ بنفوسِ الجميع، ومن سبقونا علمونا أن السياسة أخلاق قبل أن تكون مطالب، ورغم الاحتقان الذي أخذ في بعض الوجوه منحى طائفي خاصة الحراك الذي ارتبط بالمدعومين من إيران إلا أنّنا في الجهة الأخرى الوطنية لم ننظر للدولة بعدائية تجرنا للتخريب وسدّ الشوارع وغلق المدارس والمحال التجارية. فعلى سبيل التدليل بأحياء البوخميس والبنعلي بالمحرق كان الناس وغالبية السكان هناك خليطٌ من شيعة وسنة وعجم، لا تشعر بفرقة، كلَّ مواطن حريص على بلده وبعيد عن الإضرار بالآخرين والجميع أصدقاء وإخوة في الدراسة والعمل والسياسة، وحتى من كانوا يكبروننا سنًا وانخرطوا في العمل السياسي لم يشعرونا أن هناك فرقًا بيننا، ولم يحرضوا الآخرين على تخريب الوطن. الدلائل كثيرة وشاهدة على تنامي الوعي الحضاري لدى المنخرطين بالعمل السياسي إبان تلك الفترة حيث المظاهرات مستمرة بعيدًا عن التعدي على حرية الآخرين وممتلكاتهم، وباعتقادي أن الشقّ الطائفي في البحرين لم نشهده بفجاجّة إلا خلال المحاولة الانقلابية الشيرازية في الثمانينات وبعدها حين ظهرت جمعيات سياسية طائفية، إذ برَزَت على الساحة جمعيات بُنيت ونمَت على أساسٍ طائفي، وأُجزم أنه بظهور تلك الجمعيات عام 2002 بدأت الطائفية تطلُّ برأسِها في الشارع البحريني، وشقّت الصف الوطني الواحد، وعمّقَت الفَجوّة بين الطائفتين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا