الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن أن نفهم كل شيء ؟

عدنان إبراهيم

2022 / 4 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من خلال الميكروسكوب يمكن للباحث في معمله أن يرى كائنات دقيقة خفية لا تُرى بالعين المجردة
ومن خلال التلسكوب يمكن للفلكي أن يرى كواكب ضخمة لكنها بعيدة لا تُرى كذلك بالعين المجردة..
في عالم الأفكار والعطش المعرفي هناك ميكروسكوب أو تلسكوب أو قاعدة معرفية - سمه ما شئت - يمكننا من خلالها أن نفسر كل حقائق الوجود وأمور كثيرة مختلف عليها بين الناس والأمم والشعوب والثقافات المختلفة.

وهي قانون كوني هو التجلي أو الظهور
’’أن الإنسان خُلق ليَظهر الوعي Consciousness بصفاته المختلفة المتنوعة، من خلاله,,

مرادف هذا القانون في لغاتنا وثقافاتنا هو : الإختلاف أو التعدد والتنوع

المبدأ المقدس الذي يحمي قانون الإختلاف هو: الحربة.
المبدأ الأخطر الذي يقضي علىه هو : الظلم.
الحرية هي التي أعزت الإنسان منذ اكتسبها وبحث عنها وحماها في مجتمعه، وهي التي أذلته حين زهد فيها وسمح بغيابها.. ترى هذا عبر التاريخ.. أنظر إلى ذل الشعوب قبل تحررها من عبادة الحاكم في الإمبراطوريات القديمة، ثم إلى عزها بعدما تحررت واكتشف الإنسان نفسه وعرف مبدأ المساواة في الجوهر، وأنه لا فرق بين غني أو فقير أو أبيض وأسود (مع أنه لا زال هناك أثر لجاهلية اللون هذه حتى يومنا هذا).

ولذلك فأي اعتداء على مبدأ الحرية يعني الإعتداء على جوهر الإنسان، قدرته على الظهور، تعبيره عن نفسه (إنه القانون الكوني: تجلي الوعي وظهوره)
ولذلك ورد في الحديث القدسي أن الله حرم الظلم على نفسه وعلى عباده (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)
ليس تحريماً اعتباطياً ولكن لأن الظلم يمنع بهجة الحياة القائمة على الإختلاف والحرية.

**

من خلال فهم هذا القانون، سنفهم كل شيء.. سنفهم طبيعة بناء الإنسان وتربية الأجيال بشكل صحيح، وما أفضل أنواع التربية ؟ وما سر كون أولادنا مقموعين بائسيت، بينما أولاد الأجانب ذوو جرأة وانطلاق وفرح (1) وهل السر من وراء ذلك أننا شعوب تفتقر للحرية؟
سنفهم سبب سقوط الحضارات مثلاً.. سبب نجاح بعض الثورات دون البعض الآخر..
الشعوب التي تطالب بالحقوق بمعنى حماية الحريات وإقامة العدل كأساس، يتبعه المطالبات المادية: تنجح.. والشعوب التي تنشغل بالماديات فقط ولقمة العيش، وهي نفسها كلها ظلم وقمع، وتطالب بالحقوق دون أداء الواجب: تفشل، خصوصاً إذا كان لها رئيس هو أفضل من فيها.
ولأهمية الحرية هناك دول بل وحضارات زالت واختفت تماماً لأنها قضت على الحرية، فحاربت قانوناً كونياً فقضى عليها الكون وجعلها أثراً بعد عين ومن أقاصيص التاريخ..
فهل نريد أن نتقدم؟ يجب أن نقدس الحرية.. أن نسمح لكل إنسان أن يظهر كما يريد.
لو فعلنا هذا سيختفي الخوف فينا بعد أن عشش في ضميرنا العربي وأخرنا كثيراً عن ركب الحضارة.
فالخوف يقتل ملكة الإبداع والرغبة في التفكير المستقل وإعمال العقل دون خوف وضرب أخماس في أسداس واتقاء لكلام الناس، فهذا هو عين التخلف..

**

تكلم الكثيرون عن حد الردة في الإسلام فقال بعضهم أن الإسلام يقبل التعددية ويكفل حرية التعبير (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وأن حديث (من بدل دينه فاقتلوه) يخالف القرآن، وقال آخرون: بل يجب منع المساس بالمقدسات والثوابت.
والسؤال: من قال بأن الله يريد مقدسات أساساً ؟!!
أنت المقدس! الإختلاف والحركة العقلية هي التي تخلق التطور والنمو الإدراكي والقوة.. والمطلوب هو ظهور الوعي بأكمل ما يكون، ولا يظهر إلا من خلال ((الإنسان / الحُر)) ولذلك قدسه ربه وسخر له الكون وأسجد له الملائكة أنفسهم، فأين هي المقدسات بجوار صورة الله!
الأمر أكبر من مجرد تضعيف حديث (من بدل دينه فاقتلوه) أو القول بأن متنه يخالف القرآن.. المسألة مسألة قطب تدور حوله الحياة وكرامة الإنسان، ومستقبلنا كأمة!
نحن لن نتقدم من خلال الدراسات الإقتصادية ومخططات التنمية وحدها منفردة.
يجب أن يسبقها أو يعمل معها - جنباً إلى جنب - تغيير عقلية الإستعباد والظلم، وفرش أرضية جديدة مختلفة مُريحة تسمح بالإختلاف وتمنع التشاحن والتباغض عند الإختلاف في الرأي، سواء لدى المثقفين أو رجل الشارع، كلاهما له نفس الأخلاق إلا من رحم ربك.
هذه الأخلاق تخلق نفاق.. تأتي بحكام ظلمة متجبرون وشعوب منافقة تمشي جنب الحيط كما يقال.

**

ويوم أن ندرك هذا المبدأ الأولي البسيط: الحرية / التجلي.. سوف ندرك معه أهمية التعددية وخطورة قمع حرية الرأي.
بعض الناس يتخيل أن الله يريد جبر الناس على شيء معين يريده.. قالب أو فورمة محددة كقوالب مصنّعة في الصين!
أي (الله) في الآلهة تتحدث عنه ؟ الله الحقيقي الذي خلقنا أو الذي خلقناه عبر تاريخنا العقلي؟ هل هو إله اليهود/الوهابي السلفي القبائلي، أو الله المتعدد الصفات الغني بالتنوع الجمالي الكمالي الذي يريد أن يظهر كل هذا من خلالنا ؟ هذا ضد القوالب الجاهرزة التي في ذهنك (الفقهي التاريخي، وليس الصوفي الفاهم الواعي).
بل أكثر من هذا (وأرجو أن تتسع لفهم هذا) : هل تظن أن الله يأبه بأن تسميه الله أو الوعي أو العقل الأول أو العلة الأولى ؟
هل يبالي إن سماه محي الدين بن عربي (وحدة الوجود) أو سماه إيكارت تولي Consciousness ؟
إطلاقاً..! هو يريد أن يظهر، ولا يعنيه بأي طريقة أو أي سبيل سوف تختار أنت لتحقيق هذا الظهور.
لكن المهم ألا تمنع أحداً من أن يُظهر ما في قلبه.. يقول ما يشاء، ويلبس ما يشاء، ويكتب ما يشاء دون خوف من سلطة دينية أو غضب إلهي مُتَوَهّم سببه قلة العلم والمعرفة بمن نحن، ومن هو..

___________________________________________
(1) https://www.youtube.com/watch?v=BkkgnhEe42Q








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س