الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة الإتتماء

عدنان إبراهيم

2022 / 4 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جميل أن نتخذ الإسلام كانتماء لأمة لها مجد وتاريخ حضاري نعتز به ونبني على أساسه مجتمعاً متقدماً بعتمد على نفسه، ونقطة ومن أول السطر.
أما الفهم القديم أن الإسلام دين منفصل عن الدنيا، فهذه حقبة وانتهت بلا عودة.
جميل أيضاً أن يلتزم العلمانيون الخطاب العلمي الرصين في مواجهة الناس، ابحث عن إحياء قيم الحرية والعدالة والمساواة داخل النصوص الدينية وعرف الناس بها وما أكثرها (استعن بكتب المفكرين الملمين ستجد الكثير في كتابات رواد حركة النهضة وفي كتتب جمال البنا) ولا تهاجم الإسلام ككل، هناك فرق بين الدين وبين الموروث الديني.. الدين يمكن تفسيره من جديد طالما أن هناك مساحة للحوار.. فالجماهير لديها رصيد لا يعلم به إلا الله عن (العلماني الكافر) فلا تأتي أنت وتزيد الطين بلة.
لا يوجد شخص يقول عن نفسه: (افعلوا ما شئتم.. أنا كافر) هكذا ! لا يوجد مثل هذا، ولكن هناك اختلاف في الآراء وتباين في الرؤى وتنوع في التجارب البشرية وتفاوت بين العقول.. كل هذا يؤدي إلى تبني مذاهب مختلفة في فهم الحياة والتعامل معها.
الإختلاف في الرؤى لم يشكل خطراً عبر التاريخ طالما كان في مساره الطبيعي، ولكن الخطر كان حين تدخّل عامل الأطماع السياسية والسلطة الدينية، فافتعلا الخلافات وليس الإختلافات، ابتدعا الصراعات الدينية والمذهبية (استخدام الدين في السياسة) ووظفوها لخدمة مآربهم.
إذن باديء ذي بدء يجب أن نفرق بين التنوع العقائدي وبين الشقاق أو النزاع السلطوي الذي يتسربل بلباس ديني. وهذا نوع آخر من المذاهب له خلفية أيدولوجية (له ولاء لنظام فكري وعاطفي شامل له رؤية للعالم والإنسان والمجتمع، وله انتماءات سيياسية)

**

التنوع المذهبي أمر حتمي يرجع لتنوع الثقافات والحضارات واختلاف الشعوب واللغات، ولا ينبني عليه ولاء أو عداء لذاته، فهو أمر طبيعي وسنة من سنن الله، وهو القائل (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) وقال (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
المشكلة تقع مع النوع الآخر، ولذلك لم ينجح الإخوان المسلمون في ثورات الربيع العبري، مع أنهم كانوا مدعومون بقوة من البيت الأبيض بشكل سافر بلا مواربة، ومع ذلك سقطوا بعد وقت وجيز، مع أن الشعوب شعوب مسلمة وهي التي انتخبتهم، ولكن لما اتضح لها أنهم أصحاب مشروع سياسي شمولي سحبوا منهم الثقة وبدأوا يفهمون طبيعة الفصل بين الدين والسياسة وضرورته حتى لا يُخدعون مرة أخرى.
الواقع أنه ليست الجماعات المتطرفة وحدها هي التي لديها أيدولوجية معادية للذات، ولكن هناك ضمن التيار العلماني أصوات تتبرأ من كل شيء عربي وإسلامي وتوالي كل شيء له علاقة بالغرب، يتنكرون للتاريخ والثقافة والحضارة الإسلامية، حتى في المسلمات التي أقرها بعض المستشرقين كفضل العرب على أوروبا وتوصيلهم إليها مشعل الحضارة اليونانية عبر كتب ابن رشد، فيقولون عن الفلاسفة والمخترعين والعلماء المسلمين أنهم لم يكونوا ذوي توجهات دينية.. فتشعر أنهم يستهدفون تعبيدك للآخر، وليس من شأنهم أن تقوم وتنهض على قدميك وتشق طريقك معتزاً بنفسك واثقاً من تاريخك كأمة من أبرز الأمم التي حكمت العالم في وقت من الأوقات.. فكما أنه من الخطأ الفخر بالآباء مع الرضا بالتخلف، كذلك من الخطأ الأكبر منه التبرؤ من الإنتماء والإنسلاخ من الواقع المتخلف كحل عملي سهل يؤدي إلى الإنضمام لكيان حضاري آخر فنتحضر معه أو تحت لوائه، فهذا لو لم يكن خبثاً لكان حُمقاً وغفلة، لأن هذا لن يحدث، ولو حدث الذوبان فسوف تكون عبداً من عبيد الإمبراطورية الرومانية القدماء، لا تخترع ولا تكتشف - كما أنت حالياً - ولكن تعمل لحساب العقول المفكرة الكبرى.
إن أوروبا ضحت تضحيات بالغة وكبيرة في سبيل النهوض الحضاري الذي وصلت إليه، ونحن الآن في ظروف مختلفة تماماً ولا نحتاج سوى أن نثق في أنفسنا وقدرتنا على الإستقلال ليس كالصين واليابان، بل كدولة بالغة الصغر والموارد مثل سنغافورة، من يعلم أن سنغافورة كانت في الستينات جزءاً من ماليزيا ؟ كانت واحدة من 14 ولاية في ماليزيا منذ عام 1963 وحتى عام 1965 حيث أعلن البرلمان الماليزي طردها من الإتحاد لتواجه طريقها منفردة وتبدأ رحلتها من الصفر تقريباً بلا أي موارد.. ونجحت لأنهم أهل أخلاق وعمل.. نحن مشكلتنا أننا بلا أخلاق ولا نعمل، ومع ذلك نريد أن نكون مثل ألمانيا واليابان، وبعض المستنيرين يريدون أن يأخذنا الخواجات (على جناحهم) حين نمسي بلا هُوية ولا تاريخ.
هذا تثبيط للهمم وخيانة للأوطان.

**

الصراع بين الخير وقوى الشر ظاهراً وباطناً أمر واقع في عالمنا، وهناك أطماع توسعية ومآرب نفسية لنفوس يمكن أن تتغنى بالرفق بالحيوان بينما لا ترفق بشعوب تموت جوعاً بالآلاف كل يوم.
ولها أيدولوجيات تظهر كل قرن!
ظهر محمد بن عبد الوهاب في نجد بدعم بريطاني
ثم ظهر حسن البنا بدعم بريطاني كذلك
وأخيراً ظهرت القاعدة وداعش وأخواتها بدعم أمريكي
إن تكييف هذا الكيان الشرير الذي يدعم الحروب والشرور ويصف نفسه بأنه يريد الخير والسلام، أمر عسير ولا يمكن وصفه بكلمة وجيزة سوى (الدجّال) كما هو في المصطلح النبوي.
الآن يظهر دين جديد يسمى الدين الإبراهيمي، وله معابد في دلول كثيرة في العالم، ومنها الإمارات العربية المتحدة.
وهناك باحثة جامعية اسمها د. هبة جنال الدين، لها كتابين عنه ومقالات كثيرة ولقاءات تليفزيونية حول الديانة الإبراهيمية، خلاصة ما توصلت إليه أن اسرائيل تسعى من وراء هذه الأيدولوجية إلى السيطرة على العالم.
فحين تملك عقلك وقلبك من خلال الدين ستكون عبداً عندهم، كما كان شباب الجماعات المتطرفة عبيداً عند وهابية السعودية، وهنا لن يكون لك هوية مستقلة ولن تكون سيداً كما أنت الآن على الأقل، ولكن سيختلف الحال كثيراً
يجب أن نفهم أن الإسلام كدين فقط، لا مشكلة معه، فالدين لا يتكلم إلا حين يوظفه الفقهاء والسلاطين لمصالحهم.. فقبل ظهور الإخوان منذ مائة سنة ثم ظهور داعش، لم يعرف المسلمون ما معنى كلمة تطرف ديني، ولم تكن واردة في القاموس.
والآن فالإسلام لا يحتاج إلى من يدافع عنه ويثبت أنه حق، هذه عقلية سلفية انتهت مع انتهاء زخم التيار السلفي المتطرف، الإسلام يحتاج للتجديد (بمعنى ترميم فهم المسلمين له من جديد، بناء على مفاهيم العصر الحديث، والحكمة ضالة المؤمن، وليست هناك حضارة تستعيد قواها دون استفادة من غيرها)
"أمة الإسلام" هي التي تحتاج أن تدافع عن نفسها وعن وجودها وبقائها على قيد الحياة، من خلال الإعتماد على نفسها حضارياً في كل المجالات خصوصاً في الصناعة والزراعة لا نتحدث عن الرقمنة والتكنولوجيا مع وجوب التقدم فيها أيضاً، لأن الأوضاع الدولية متغيرة ومتقلبة، والنظام العالمي تتغير معالمه كما نرى الآن ولم يعد لها شكل ثابت، ومن الخطر الكبير استمرار الإعتماد على الآخر في كل شيء حتى في القوت والسلاح.
يمكن في أي وقت أن نحاصر اقتصادياً وتكنولوجياً ونجبر على ما يملونه علينا أو نموت جوعاً.. ولذلك فإن تأسيس البنية التحتية التكنولوجية والمعرفية في بلادنا هو واجب الوقت الحالي.
كذلك من الخطأ ان يحارب العلمانيون الدين بزهم التحرر من الخرافة، حارب الخرافة التي لصقت بالدين ولا تحارب الدين كانتماء، فالإنتماء ضرورة للعيش الكريم والمستقل، واستغلال قوى الشر للدين مستمرة من خلال الدين الإبراهيمي كما نرى.

**

في عهد تشكل القوميات ظهرت عدة تكتلات وأحلاف سياسية، ثم ظهرت الأحلاف الإقتصادية والعسكرية كحلف الناتو والسوق الأوروبية المشتركة، ولكن العرب لم يفكروا في أن يتحدوا مع أنهم يملكون من عناصر الوحدة والتقارب ما لا يملكه غيرهم، من حيث وحدة اللغة والثقافة والتاريخ والدين وكل شيء تقريباً، ولا يفصل بينهم إلا الحدود الجغرافية المصطنعة التي رسمها المستعمر (أحد الباحثين الغربيين يقول أنها مرسومة بالقلم على الطاولة! لأنه لا توجد فواصل طبيعية على حدود تلك الدول سواء سلسلة جبال أو أنهار) وهو أمر مضحك ومحزن في نفس الوقت.
ما الذي يجعل المؤامرة تستمر بينما يمكننا الإتحاد والتعاون لنقوى وتكون لنا كلمة مسموعة في العالم؟
هذه القارة الإفريقية المقسمة إلى 55 دولة لو اتحدت جميعاً لكانت في حجم البرازيل وأقل حجماً من روسيا بمراحل.. ومع هذا لو لم يتحدوا لكان لهم مبرر التخلف البالغ، وأن شعوبهم ليس لها وعي ومن ثم ليس لها رأي أو رؤية - لكن نحن ما هو مبررنا ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص