الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين مرشد لا مقيِّد

عدنان إبراهيم

2022 / 4 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مصطلح (علماني) موجود في الكنائس العربية، ليس بالمعنى المعهود، ولكن بمعنى أنه رجل مدني وليس من رجال الكنيسة
هذا المفهوم وُجد في الغرب بالأصالة، وتم استيراده في عالمنا العربي.. فلماذا لم يشارك المسيحيون العرب في بناء الحضارة المعاصرة؟ ولو كان هذا المفهوم غير موجود في الإسلام والكل مدني، فلماذا لم يعتمدوا على أنفسهم حتى الآن ويستغنوا عن غيرهم؟
ربما لأن البناء التنظيمي للدولة ومعامل البحث العلمي ودعم العلم والإبكار، ليسوا بالكفاءة الموجودة في الغرب.
لكن السبب الرئيسي هو وجود العقلية السلفية لدى المسلمين والمسيحيين العرب، فهم أيضاً يرون أنفسهم ملتزمون بالطريقة التي عاشها المسيح، بينما المطلوب هو الإقتداء بالأخلاق لا بطريقة المعيشة ونظامها

**

أهم خصائص الإنسان التي تقويه وتصقل شخصيته هي الحرية..
ولذلك خلقه الله عاشقاً للحرية لا يقدّم عليها شيئاً آخر
وأرسل رسله ليرشدوا الناس إلى مصالحهم وإلى كل ما يؤدي إلى تطورهم وإدراكهم للحقائق على ما هي عليه، وأهم الحقائق هي أنفسهم (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم)
وألقى على عاتق بعض رسله الأقوياء الشجعان مهمة صعبة هي (التحرير) من الرق والإستعباد والخوف من السلطات التي تحكم باسم الله دجلاً وزوراً.. لأن الحرية هدف قريب للدين النقي الأصلي..


**

ارتباط الإسلام بالدنيا هو ارتباط عضوي، ولكن توجيهي لفهم الواقع وليس سلطوي، وهذا أمر جيد لأنه كان سبباً في التطور
وليس هناك دين رباني منفصل عن الدنيا عبارة عن مواعظ روحية فحسب، حتى رسالة المسيح لم تكن مجرد مواعظ، ولكن حياته العملية كانت جهاداً وجهراً بالحق أمام الحاكم الروماني واليهود الفريسيين المجسمة على حد سواء، هذا لأن الله خلق صورته روح وجسد، فلابد من تطوير المجموع بالكامل لا الروح فقط، ولذلك جاء بإرشادات عامة في حالة عدم المعرفة
وأما في حالة المعرفة وتطور العلوم، فيكون الدين قد أدى مهمته، ولا يكون هناك مبرر لأن نلغي عقولنا ونلتزم بأحكام سلفية عمرها ألف سنة، ونحن نعلم ونشعر أنها تقيد حريتنا.. الله سيحاسبنا على هذا، لأنه ضمن لنا كل ما يدعم حريتنا، ولكننا نفرض العبودية للناس علينا
نحن لا يمكن أن نحاسب الفقهاء والقصّاصين والوُضاع والحكام الذين اختلقوا هذا الكم الهائل من الأحاديث، ونخرجهم من قبورهم ونعاقبهم على هذه الجريمة النكراء، كان من الممكن وضع قوانين عامة دون اللجوء إلى وضع الحديث، لكننا نستطيع ما هو أهم من ذلك وهو: منع استمرار الباطل ومادة الفساد!
كذلك لم نعد بحاجة إلى أن نقول أن الإسلام يحث على العلم التجريبي، فهذا بديهي اليوم، أنت مطالب كرجل مشارك في الحضارة، أن تكون عالماً تجريبياً بحكم الواقع الذي يفرض نفسه ويقول أن الذي لا يتعلم ويبتكر في معامل البحث العلمي يصبح متخلف.. أنت لست مطالباً بأن تتلو آيات قرآنية إرشادية، فقد تجاوزنا مرحلة الإرشاد إلى مرحلة حتمية العمل والتجريب دون الرجوع إلى فتاوى أزهرية ولا غيرها.. فالعلم غير مقيد بشيء إلا الأخلاق فقط، فلا تصنع قنبلة نووية أو فايرس وبائي وتقول لي هذا علم، العلم ما كان مفيداً للبشرية وإلا فما كان غير ذلك مما يخدم فئة معينة على حساب البشرية فهو دجل وإجرام.
المقصود: أن الإسلام مرشد لا مقيد، مرشد ومنير للطريق، وليس مقيد للحريات ولا مائل للتحريم والنهي، ولكن هذه عقليتنا نحن، وقام بتفعيلها الفقهاء، كما فعلها رجال الدين في الكنيسة.

**

التيار المتأسلم المتطرف كان يزعم أن الإسلام دين جاء ليحكم واقع الناس وأنه وثيق الصلة بالدنيا من هذه الزاوية
ونقول: ومن الحاكم؟ فالله غيب لا يظهر بذاته لكي يحكم، إذن الحاكم يجب أن يكون أنتم، دينياً وزمنياً.. تحريم وكهنوت، عودة لمتلازمة الإمبراطور والكاهن مرة أخرى.
هذا الإتجاه الكريه (المُقرف) كان من عوامل ظهور الإلحاد في العالم العربي، وكان قبلهم ليس ظاهرة ولكن واحداً بعد واحد.. وهو بلا شك يبعد الإنسان عن فهم ذاته وأبعادها الحقيقية.
المهم أن علاقة الإسلام بالواقع ليست علاقة "حكم" وتحريم، ولكن علاقة توجيه ووضع للخطوط العريضة في عملية الإدراك.. وإن أملي أن يأتي يوم يكف فيه أهالينا البسطاء عن سؤال: (كذا وكذا - من التوافه - هل هو حلال أم حرام) ؟ ولا أدري كيف سيحدث هذا..
نحن لدينا موروث كهنوتي وعقلية سلفية متحجرة، إذا قال مالك أو الشافعي تجد نفسها ملتزمة بهذا حتى الآن، وهذا على شدة غرابته في ميزان العلم المتجدد المتسارع، لكنه واقع للأسف.

**

أكثر من هذا.. نحن لسنا مطالبين بأن نلتزم بالأحاديث النبوية التي تفسر النص القرآني، ونشد حزام الحياة بناء عليها.. نحن الذين نفسره من خلال واقعنا، فأكثر من 95% من تلك الاحاديث ظهرت في عصور الإمبراطوريات الإسلامية كقوانين ولوائح تساعد الخليفة على سد الحاجات التي ظهرت بظهور مستجدات ومستحدثات لم يعرفها الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والـ 5% الباقية إن صح سندها فهي مدونة بعد 150 عاماً بعده، فالإلتزام بها في أحكام الزواج والطلاق على وجه الخصوص حالياً خطأ كبير، لماذا..
لاختلاف حال المرأة بعد الثورة الصناعية، فقبلها كانت عاجزة عن الكسب والإستقلال بنفسها، وبالتالي بُنيت أحكام الأحوال الشخصية والنفقة والحضانة الخ من خلال عقلية فقهاء الإمبراطور الخليفة (أي رجال القانون) في تلك الفترة، وأما الآن فعلى أي أساس نلتزم بحديث منع الأم من الحضانة في حالة زواجها ؟ (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) هي الآن قادرة على النفقة عليهم لو تخلى عنهم الزوج، فلا داعي لتقييد حريات الناس العامة باسم الدين، هذا اسمه تخلف، قولاً واحداً.
وأرجو أن نفهم معنى كلمة "سلفية" من خلال هذا المثال ونقيس عليه كل شيء.
يا جماعة الدين مرشد لا مقيِّد.. ورسول الله لم يقل هذا الكم من الأحاديث يقيناً، ولكن نهى عن تدوين كلامه منعاً للتخلف الذي لا زلنا نعيشه
الله لا يتعامل معنا على أننا أطفال لا نعلم مصلحتنا.. هل تشعر بهذا ؟ لو غطى على هذا الشعور الواقع الفقهي يثقله وكلكله، فتذكر أنك صورته التي يحبها.
والإنسان المعاصر يعلم مصلحته على خلاف ماكان يعلمها الإنسان الأول، تهذب عقله وشهواته، بحكم تطور العلوم والفنون والثقافة والآداب..
ولو ظل مقيداً بعقلية الأوائل فهو إما مغفل أو"يستعبط".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س