الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- جودي بلول - ( إبداعٌ ينوسُ بينَ جرأة التجريبْ وتزاحمِ الأفكار)

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2022 / 4 / 22
الادب والفن


في البداية لا بُدّ لي من الإشارة، إلى أنّ هذه الكلمات والعبارات التالية، ليست بمقال نقدي أو تخصصي لمنجز فني منتهٍ، إنما هي مجرّد انطباعات أولية، لقارئ بسيط عن ابداع أنثوي سوري واعد .
والحق أن هذا الإبداع جاء عرضاً في مسار فهمي الحي، و ذائقتي الفنية بمحض الصدفة. وهو ابداعٌ ثري ، قدّم نفسه في أكثر من معرض ومشاركات محلية، ضمن حضور وإصرار لافتين، ومثابرة جهيدة نحو إيجاد براح شخصي خاص وبصمة فنية ذاتية متفردة في رحاب الرسم الزيتي، والحركة التشكيلية السورية .
انها الفنانة "جودي بلول" الطبيبة القادمة من كراسات العلم وبحوث الطب إلى عالم الموهبة الفنية للرسم. الموهبة القادمة برسالة فكرية فنية خاصة، مفادها أن كلا الأمرين من فن وطب ، هما في تناص دائم، وهما بالتحديد يتطلبان إبداعاً خاصاً على نحو ما .. فكما الطب يسعى لأن يوفّر فينا التوازن في رأب خلل الجسد والأبدان ، كذلك الفن يبتغي لنا التوازن في لواعج الروح وغمار الأذهان. ..
تتنوع المواضيع في أعمال الفنانة "جودي بلول" من رسم الطبيعة الحية والصامتة إلى رسم الأشخاص والوجوه ( البورتريه) ومنها إلى التشكيلات اللونية الصرفة، و تتنقل بفضاءات أعمالها بين المدارس التشكيلية المختلفة من تعبيرية وانطباعية وتجريدية. وغيرها..
لكن ليس من الصعب على المتلقي الحصيف معرفة أن بحر التجريد هو المنهل الاقرب لروح الفنانة،
وأن اكثر لوحاتها ، تغوص بضجيج اللون بعيداً، وتغرق في فيوض العقل وفضاء الأفكار ، و تدل ألوانها بجلاء، على ضيق روع الفنانة من حدود الشخصنة، و على رغبتها شيه الدائمة، في الهروب من أغلال الخط، وتحديد الموضوع، إلى فضاء حرية التعبير باللون والفكر المجرد. ..
بموسيقا تشكيلية قلقة للغاية، ومساحات تعبير مزدحمة، لا يبارحها الصخب اللوني الغريب، وبإيماءات متنازعة في خطوطها وتشكيلات معانيها، تعزف طبيبتنا الفنانة بألوان أعماقها ، و بما تكتنزه من مثيرات وتصورات وحساسيات تجاه الواقع بكل مجرياته وغرائبية مسارات أحداثه .
لوحات تبدو ككتل لونية غير مألوفة، وإيقاعات لمسارب خطوط غير معهودة لعين المتلقي العادي، تحاول اعادة توليد الانفعالات للنفس، وتنظيمها وفق حدس وفهم خاص، لتعبر عما تريد البوح به ، ومنح سيمفونية اللوحة معنى جديدا لا علاقة له بهذا العالم الغريب والمتغير.
يمكن القول أنها تعتمد على أسلوب " اللوحة الصدمة " التي تفصح عند تأملها بروية وصبر عن تزاحم مذهل للأفكار المتناقضة والمتصارعة في ذهن الفنانة .
ولهذا تعطي أعمالها أحيانا جرعات مرعبة من القلق الوجودي، وتدل كذلك على النزق الهائل، الذي كان يعصف في ذهن الفنانة، عند لحظة الابداع ، أو عند أوان الانبثاق لهذه اللوحات العجائبية، في المبنى والمعنى .
يمكن للناظر المدقق أن يلمس اصرار الفنانة جودي العجيب والمقلق عبر معظم لوحاتها على التشاكل مع أخطر الألوان قتامة و حضوره شبه الدائم .. ألا وهو الأسود .
فتبدو لوحاتها كما لو أنها تقول للرائي، أن هذا الاسود الذي تبصره، ليس مجرد فجوة مفروضة، تحتل ساحات البياض في وجود اللوحة عندي وحسب ، بل هو جوهر لحياة قلقة، و باعث سرمدي لحدود كثيرة، وأكثر من مجرد عدم ..
انه وجه العدم الذي بات يستوطن هذه الحياة الكئيبة والواقع المحزون، ويلوّن ليل ذاك القلق الخالق الذي تعيشه ذاتي الحيّة باستمرار ، في كل شعور وفكرة وسلوك أو عمل، بل في كل لحظة وهسيس أنيّة زمن .
لوحات "جودي بلول" تتدرّج على مسالك الصنعة والاتقان في فضاء الفن التشكيلي، و تنتمي - في تقديري- إلى منحى المنجزات الاشكالية في مناحي الفن للرسم الزيتي . لهذا يمكن اعتبارها اضافات خيالية شخصية من قبل حساسية الفنانة الموهوبة للواقع المعيش.
أو فهمها على أنها لوحات تعبر عن حالات شعورية مختلفة في عكسها، و طرق تجسيدها لأحوال نفسية لها غاية من الخصوصية تحاول ان تحقق للمشاهد بحبوحة من الجمال وبعضاً من المتعة
بالطبع لا يمكننا القول أن كل الأعمال الفنية لديها تتمتع بذات السويّة من الرفعة والصنعة والرهافة. فكثيرا ما نجد شطط في التعبير اللوني هنا أو غياب للدقة في انفعال الخط هناك .. ولكن هذا يعود في تقديري لطبيعة عالم التجريب في الفن عموماً، وهو مرجل الابداع الحقيقي لأية موهبة .. …
بعض اللوحات أظهرت مكابدة شديدة عانتها الفنانة في تطويع الخطوط واتساق التشكيلات اللونية المتنافرة .. ربما نجحت في مكان وربما أخفقت في أماكن كثيرة ..ربما بسبب تزاحم الأفكار في وعي المبدعة كما ذكرنا ، أو ربما بسبب تأخرها في القبض على تلابيب اللحظة الإبداعية تماماً ، أثناء تصورها لأفكار المساحات على سطح اللوحة، وهذا أثر بالطبع على مزج موسيقى الألوان بعضها ببعض، ضمن هارموني مقبول ، وأعطى نتيجة ربما لم تعبر حقيقة عما يجول في مخيالها أو وعيها.
ولكن رغم كل هذا تبقى اللوحات الفنية عند الفنانة جودي، عبارة عن نوافذ مشرعة لأعماق النفس، تنطق بانفعالات لونية مثيرة ، وتشكيلات عجائبية من الانفعالات المصبوبة على هيئة أعمال فنية متدرجة في صنعتها، كما في تذوقها تفرح المشاهد تارة وتحزنه تارة أخرى .
وكما نعلم جميعاً، فإن الفن هو شكل من أشكال وعي الانسان بالعالم المحيط به .لكن النضج في الوعي الفني ، وحسن التعبير عن الذائقة الفنية تماماً ، أمر ليس هينٌ ، و لا يأتي للمرء دفعة واحدة..
قصارى القول :
"جودي بلول "هي فنانة ذات موهبة مجتهدة، تسعى بدأبٍ، لأن تهدينا بجرأة أعمالها الفنية، واقعاً مختلفاً عما نعرفه .. و تخليص أفهامنا المتعبة، من فيض ذاك القبح المحيط بها، ولتقول لنا مع كل إنجاز :
أن الفن نوع من أنواع الجمال الإنساني، الضروري والمريح، الذي من خلاله تسمو النفس البشرية، وترقى إلى أعلى الدّرجات في الحساسية . والحرية في التعبير الحق .
وكما يقال : قد ترى الشمس على أنّها بُقعةٌ صفراء في كبد السماء، لكن الرسّام الماهر والفنان الحقيقي الموهوب هو الذي يجعلك ترى بقعة صفراء على سطح منجزه الفني، على أنها شمسٌ تدفئ مخيالك بكل حقيقة .. تسعى إليها
وبكل تأكيد أقول مع رسومات جودي بلول الإبداعية يوجد هناك دفئ وفير جداً للروح والخيال والذهن معاً
فلا غرابة أن نقول بعد تأمل أعمالها :
شكراً "جودي بلول" لحضور دفئك المبدع في حياة أفهامنا القاحلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا