الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصمت منصور: واجب النقد وحق الاختلاف

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2022 / 4 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


نهاد أبو غوش
من الروايات المعروفة في تاريخنا العربي الإسلامي، تلك المنسوبة للخليفة الثاني عمر بن الخطاب، والتي دعا فيها الناس إلى تقويم أي اعوجاج يرونه في أدائه، فردّ عليه القوم أو بعضهم، ب"أننا لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بسيوفنا"، فقبل عمر ذلك ولم يأمر أصحابه ومرافقيه بضرب عنق من تجرّأ عليه.
وفي تاريخنا الحديث رواية عن واقعة جرت في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، في بداية عهد السلطة أواسط التسعينات بين الرئيس الشهيد ياسر عرفات والشاعر الكبير المرحوم سميح القاسم، حيث أشار الشاعر إلى وجود "اعوجاج" في أداء السلطة، فما كان من أبو عمار إلا أن استل مسدس مرافقه محمد الداية، وأعطاه لسميح طالبا منه أن يقوّم الاعوجاج بالمسدس.
أما في زمننا الراهن، زمن الانقسام، فيبدو أننا لا نقتدي بعمر الفاروق ولا بأبي عمار، وكلاهما رحب بالنقد وحق الاختلاف وأجازه واعتبره أداة إصلاح وتقويم، بل دفعتنا ثقافة الانقسام إلى تبني رؤية أسامة بن لادن للعالم المقسوم إلى فسطاطين، وهي، وليس ذلك صدفة، نفس رؤية الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن الذي قال " من ليس معنا فهو ضدنا".
أسوق هذه المقدمة للحديث عما تعرض له الأسير المحرر والأديب الكاتب عصمت منصور الذي لم تشفع له السنوات العشرون التي قضاها في سجون الاحتلال، ولا منجزه الأدبي الذي وصل حتى الآن أربع روايات، ولا دفاعه الموصول عن إخوته ورفاق دربه من جميع الفصائل الذين ما زالوا في السجون، ولا عشرات المقالات ومئات المشاركات على أبرز الفضائيات في كشف وتحليل المشهد الإسرائيلي والسياسات العنصرية الإسرائيلية، كل ذلك لم يحمه من هجمة منظمة ومنسقة شارك فيها العشرات من أصحاب الحسابات الوهمية والحقيقية الذين هاجموا عصمت في وقت واحد وبنفس العبارات تقريبا، لمجرد انتقاده ظاهرة رفع راية فصائلية، على حساب العلم الوطني الموحد، في المسجد الأقصى يوم الجمعة الثالثة من رمضان، وهكذا أصبح عصمت وفق هؤلاء زنديقا وسحيجا، ومع أن النقد المشار إليه كان في سياق الاعتزاز بالمقاومة وتمجيدها، والخشية من توظيفها الفئوي، إلا أن ذلك لم يمنع هؤلاء الذين يسميهم البعض ب"الذباب الأليكتروني" من اتهام عصمت بالعمل بالتنسيق مع المدعو أفيخاي درعي.
لم يكن من الصعب اكتشاف أننا أمام هجمة مُنسّقة، فالتوقيت وتطابق العبارات والمفردات كلها أمور يسهل اكتشافها على أي مبتدىء في مجال الاعلام الاجتماعي، لكن المؤسف أن هؤلاء لا يمكن لهم أن يتحركوا إلا بأوامر وإيعازات من طرف مسؤول حتى لو كان هذا الطرف هامشيا وصغيرا.
القضية شغلت وسائل التواصل الاجتماعي على امتداد يومي الجمعة والسبت (22 و 23 نيسان 2022)، بين متضامن مع عصمت صاحب الرأي النقدي، وبين منتقد له، مع ميل جارف من مراكز التاثير إلى الدفاع عن حق عصمت في إبداء رأيه والإشادة به وبمواقفه وتضحياته، ولا شك أن حملة التضامن الواسعة التي انطلقت من جميع الأطراف وخاصة من قبل الجهة المعنية بالانتقاد، فضلا عن مختلف القوى السياسية وقادة وممثلي الحركة الأسيرة، والأسرى المحررين، ومن الكتاب والصحفيين والمثقفين، كلها ساهمت في تقليص الضرر، بل على العكس، وعلى طريقة المثل القائل"ربّ ضارّة نافعة" ساهمت في قرع أجراس الإنذار للحالة المفزعة والمقلقة التي بات مجتمعنا الفلسطيني ينساق إليها، أو يُدفع إليها دفعا، وتكاد تطيح بقيمه وتقاليده الديمقراطية والتعددية.
ولكن من المهم جدا هنا تسجيل أنه لا قداسة ولا عصمة لأي فصيل أو تنظيم او قائد سياسي من النقد والتقييم، القداسة للخالق والعصمة للأنبياء، أما البشر فكلهم أهل للانتقاد، ومن حق الجميع أن ينتقد الجميع شريطة ان يجري ذلك بلغة مقبولة يسودها الاحترام وأدب الحوار ومواثيق الشرف الصحفي، وأخلاقيات وتقاليد مجتمعنا إلى جانب أخلاقيات النشر وقوانينه التي تجرّم التشهير والافتراء والتحريض والقدح والذم، وعلى هذا النقد أن يفصل تماما بين الشخص وفكرته التي يطلقها أو موقفه.
حق النقد والتعبير عن الرأي يجب أن يكون مكفولا ومصانا لكل شخص ولكل صاحب رأي وليس فقط للمناضلين الذين أفنوا حياتهم في السجون وقدموا التضحيات وظلوا ملتصقين بقضيتهم، وحق النقد وحرية التعبير ليسا ملكية للفرد الذي يعبر عن رأيه، بل حق للمجتمع الذي لا يمكن أن تستقيم أموره و"يُقوَّم اعوجاجه" من دون إشاعة هذا الحق وتوفير الحماية المادية والمعنوية لمن يدلي برأيه.
خاتمة: سبق لعصمت منصور أن تعرض لهجمات كثيرة ومريرة من الجانب الاخر في معادلة الانقسام، أي من السلطة ومن يدافعون عنها، لا بل إنه تعرض لهجمات حادة من بعض رفاق دربه الوطني والسياسي مع أن النقد والنقد الذاتي هو في التقاليد اليسارية والثورية عموما، حق وواجب في نفس الوقت، أي أننا، ويا للمفارقة، إزاء جبهة عريضة ضد حرية النقد وإبداء الرأي! فيا ليت هذه الجبهة تتسع وتتحد فعلا ضد عدوها الحقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على