الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
البرديسى !!؟
حسن مدبولى
2022 / 4 / 24العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان إندحار الحملة الفرنسية وهروبها من مصر عام 1801م بداية لمرحلة جديدة من محاولات عودة القوى القديمة للهيمنة والسيطرة على مقدرات هذا الشعب المسكين مرة أخرى ، رغم أن هذا الشعب لم يجد حقيقة من تلك القوى من يحنوا عليه أو يسانده وقت العدوان الخارجى، ودفع وحده ثمنا غاليا تمثل فى سقوط آلاف الشهداء على يد المحتل الفرنسى الغاصب ؟
فعقب جلاء الفرنسيين حاول المماليك إعادة تنظيم صفوفهم وقواعدهم ومراكز نفوذهم وهيمنتهم ومصادر مواردهم وسلطانهم مرة أخرى، والبحث عن زعيم قوى بعد أن تشرذمت قواهم اثناء الغزو الفرنسى وباتوا متشتتين منقسمين ؟
أما الألبان والجند المرتزقة الذين وفدوا للبلاد على متن السفن العثمانية ليكونوا أدوات للجيش العثماني، فقد إستقروا في مصر وشكلوا مركزًا جديدًا للقوة موازيا لقوة للمماليك ومناوئا ومنافسا لهم على السلطة والنفوذ ، كذلك أعاد السلطان العثمانى إصدار الفرمانات بتعيين الحكام و الولاة على البلاد ، وهؤلاء كان لهم ذويهم وخاصتهم من المساعدين والأتباع والمعاونين،لكن تغيير الولاة بإستمرار تسبب فى ضياع هيبتهم وتقلص نفوذهم وقوتهم،مما أدى إلى فقدان الأمن والإستقرار ؟
وقد عاش المصريون تلك الأوضاع المضطربة خلال الفترة ما بين 1801 إلى1804م وتحملوا كل ما وقع عليهم من مآسى وكوارث ، فتارة تُزاد الضرائب لحساب الوالي لكى يسدد منها رواتب الجند والمرتزقة،و تارة أخرى يفرض المماليك عليهم الإتاوات والجبايات بشكل جبرى قسرى منفرد ومباشر، ودامت الأمور على هذا الحال إلى أن تولى محمد علي زعامة كتيبة الجند الألبان،وأرسل السلطان العثماني واليا جديدا على مصر هو حسن بك الجزائرلي ، بينما ظلت قوى المماليك منقسمة إلى فئتين متصارعتين،فئة بزعامة عثمان بك البرديسي المعروف بولائه للفرنسيين،وفئة أخرى بزعامة محمد بك الألفي العائد لتوه من إنجلترا والمدين بالولاء لها،وتوقع الناس تحسن الأمور وتبدلها مع مجئ الوالى العثمانى الجديد وتولى محمد على رئاسة الجند الألبان بعد مقتل القائد السابق،ورأوا إن تلك التغييرات قد تستطيع أن تجلب الأمن والإستقرار، وتلجم جنوح المماليك ، لكن عداء المملوك البرديسي لنظيره المملوك محمد بك الألفي وصراعهما الذى يعكس تنافس فرنسى - إنجليزى طامع فى خيرات مصر، أدى إلى إستمرار حالة التخبط وعدم الإستقرار الأمنى والإقتصادى والإجتماعى فى البلاد، ونتيجة لعدم قدرة البرديسى او الألفى على حسم الأمور لأى طرف وتساوى كفتيهما ، فقد حاول كل منهما البحث عن حليف داخلى يسانده لحسم الأمور ،وكان البرديسى الأسرع فى العثور على بغيته، حيث وجد ضالته فى محمد على قائد الجند الألبانية،وساعده فى المقابل أن محمد علي نفسه كان بحاجة إلى من يتستر خلفه لضرب المماليك بعضهم ببعضهم لتحقيق مآربه،فتوافقت بالتالى رؤية محمد على مع رغبة البرديسى وتحالفا سويا،و سرعان ما اتفق الإثنان على خطة عمل بدأت بتسيير الجند لقتال الوالي العثماني الجديد الجزائرلي لعزله،وبعد أن تمكنوا من هزيمة الوالى الجديد،تم تنصيب البرديسي حاكمًا للقاهرة،ثم قاد محمد علي جنده لمقاتلة الألفي بك منافس البرديسى،و تمكن من هزيمته بالجيزة ولم يجد الألفي ملجأ له إلا الصعيد.،،
بعدها عاد البرديسي ومحمد علي إلى القاهرة وقد أنجزا مهمتهما،وشعر البرديسى بأنه قد حقق حلمه بإزاحة منافسه على الرئاسة،لكن في أيام قليلة فوجئ البرديسى بأزمات مالية وإقتصادية عاتية نتيجة القلاقل وعدم الآمان و نهب البضائع ونضوب مياه النيل،وزيادة الأسعار بسبب إنعدام الإنتاج،كما ندرَ وجودُ القمح وزاد سعره للضعف،و قد تزامن كل ذلك مع مطالبة الجند الألبان والمماليك برواتبهم،
و مع تفاقم تلك الأوضاع وتصاعدها فإن الحاكم الجديد البرديسى لم يقدم أية حلول مبتكرة وعادلة لعلاجها أو إحتوائها أو التقليل من آثارها،ولجأ إلى الحلول التقليدية التى يتحمل أعبائها الخلق البسطاء،حيث أمر بزيادة الضرائب على العامة لكى يسدد منها رواتب الجند ليحوز رضاهم وحدهم،ولم يكتفى بذلك لكنه أطلق أيدى هؤلاء الجند للإستيلاء على البضائع المملوكة للتجار وبيعها ونهبها،فزاد ذلك من تأزم الوضع الاقتصادي وقلةالأقوات وتوقف التبادل التجارى ؟
ولم يكتفى البرديسى بما فرضه من ضرائب ومكوس وأتاوات وإباحة للنهب، لكنه قام بإختراع ضريبة جبرية جديدة على العقارات فى عام 1804 صاحبها حدوث جفاف جديد أصاب الاراضى الزراعية لانخفاض منسوب مياه النيل،كما نقصت الغلال و إرتفعت الاسعار مرة أخرة بالاسواق،وكان السبب المباشر لفرض تلك الضريبة هو تنفيذ البرديسى لوعده للجنود الألبان بدفع الرواتب المتأخرة خلال عدة أيام،حيث أمر عماله فشرعوا فى تنظيم الفردة والإتاوة على أهالى البلاد جميعا دون أستثناء،فقام هؤلاء العمال والجباة بإعداد قوائم إسترشادية لحصر العقارات والأموال،وفى 6 مارس 1804 قام الجباة والمهندسون بالمرور على المنازل يكتبون الاملاك ويقدرون ويفرضون الأجور والضرائب على كل بيت وزقاق، فحزن الناس و أصابهم الغم بسبب الغلاء ووقف الحال، و الظلم الواقع عليهم بسبب فرض هذه الضريبة،و فى يوم 7 مارس ( يوم الثورة ) ومع استمرار الجباة فى عملهم لحصر الاملاك و الأموال و تقدير الإتاوة الرسمية،و عند دخولهم منطقة باب الشعرية،سخط عليهم الفقراء والعامة،
وخرجوا يصرخون و يسبون ويلعنون فى البرديسى وأعوانه،كما اغلقوا الدكاكين و تجمعوا عند جامع الازهر ،وتابعهم بقية الخلق بكافة المناطق،فإنتشرالتجمهر من الرجال والنساء بجميع شوارع القاهرة والمحافظات الأخرى وأغلقت الحوانيت وسار الناس حاملين الرايات السوداء والدفوف والأوانى المعدنية والنبابيت،وهم يستمطرون اللعنات على الحكام ومؤيديهم،وتحولت الهوجة إلى ثورة عارمة شهدت عراكا دمويا وقتالا عنيفا عندما حاول الجند المماليك التابعين للبرديسى قمع المحتجين باستخدام القوة، إلا أن الجنود الألبان التابعين لمحمد على تدخلوا لحماية الجموع المتظاهرة، وأخبروهم بأنهم لا علاقة لهم بالضرائب وأن البرديسى لم يستشرهم ؟ ولجأ الكثيرون للأزهر وعلمائه يستنجدون بهم فإستجابوا لهم ، ورفعت المآذن الهتافات بالنداء التاريخي الشهير «إيش تاخد من تفليسي يا برديسي» وظلت تلك القلاقل والثورات مستمرة حتى هرب البرديسى إلى خارج القاهرة وخارج الحكم أيضا ليموت ذليلا ويدفن فى الصعيد ؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الشريعة والحياة في رمضان| سمات المنافقين.. ودورهم الهدّام من
.. كيف تحول متجر بجوار المسجد الحرام إلى قبلة لمحبي التراث المك
.. نور الدين - إزاي إبليس وسوس لآدم في الجنة ...فضيلة الشيخ علي
.. نور الدين - لماذا أخذنا الله بذنب سيدنا آدم وخرجنا كلنا من
.. مصر بلد الحكماء وليس بلد الأنبياء