الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الانتحار

احمد المغربي

2022 / 4 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


همَستْ في أذني بخجل في البداية ثم كرَّرَتْ طلبها بإلحاح و جرأة أكبر فيما بعد إنها تقترح علي كتابة شيء ما عن الانتحار و تتوسلني للقيام بذلك رغم عناد لا مبالاتي
لكن ماذا عساي أن أكتب عن الانتحار فجُل ما يمكن أن أقوله عنه قد قلته في سنة 2018 و لم أنشره لا فقط لأنه لم يكن معدا للنشر بل و أساسا لنفس السبب الذي دفعني لعدم الحديث عنه مجددا فواجبي كمناضل يلزمني بمحاربة الإحباط أما واجبي تجاه الحقيقة فيلزمني بأن أقولها كما هي أو كما رأيتها مهما كانت نتائجها و لكوني أحب واجبي و الحقيقة في آن واحد وبنفس القدر فقد آثرت ألا أقول أي شيء عن الانتحار و أن أوجه انتباهي و تركيزي إلى النضال بدل ذلك
و ماذا قد أقول عن الانتحار الآن إذن؟ هل أقول أنني أكتب عنه الآن و الأمطار تتساقط مثلما كانت تتساقط بغزارة حين كتبت عنه أول مرة ؟ أم أقول الكلام المعتاد حول ضرورة مواجهته بالأمل و الأفكار الإيجابية و بحقيقة أن دوام الحال من المحال؟
في الواقع لا يجعلني أتجنب الحديث عن الأمل و عن أن دوام الحال من المحال إلا حقيقة أن الأكراسيا(1)التي تجادل حولها اليونانيون أثبتت وجودها فكثيرا ما يقوم الناس بأفعال تناقض معتقداتهم و لهذا فأرى أنه ربما حتى لو أقنعت أحدهم بضرورة التمسك بالأمل و بحتمية زوال الألم فقد يهدد طول مدة الألم بزعزعة القناعات التي يجب أن نُسَلم بأن صلابتها تكون متباينة بين الأفراد و هكذا فربما تكون معرفة الانتحار أفضل وسيلة للتعامل معه
إن الانتحار ماكر و خبيث يتربص بالجميع بالأغنياء و الفقراء بالملحدين و المتدينين وتكشف الإحصاءات أنه ينجح في سلب العديد من البشر كما ينجح في إغراء عدد أكبر منهم(2) إن هذا الخبيث توليفة جدلية بين الشجاعة و الجبن بين الانتصار و الانهزام بين القوة و الضعف إن هذا هو الانتحار ماكر حقق وجوده وأسسه على التناقضات
لكن وصف الانتحار و تحديد صفاته غير كافٍ إذ ستظل الضرورة الأكثر إلحاحا هي تحديد سبب وجوده و مع أن ما ورد في السطور السابقة بإيجاز مفيد كنقطة انطلاق جيدة لتفادي الأخطاء التي ترتكب عادة عند التعامل مع الانتحار(من طرف الواعظين بالخصوص !) إلا أنها لا تكتشف سوى عن جزء من المسألة إذ أننا يمكن أن نقول أن من يُقْدِم على الانتحار يكون قويا لدرجة أنه ينتصر بشجاعة على غريزة البقاء التي وضح لنا التاريخ أنها فرضتْ على العديد تحمل البقاء في العبودية كما يُمكن أن نؤكد أنه في نفس الوقت يكون ضعيفا حين ينسحب منهزما أمام الانتحار بدل مواصلة القتال لآخر لحظة إلا أن السؤال الأساسي هو "لماذا يُضطر الناس أصلا لمواجهة إغراء الانتحار ومقاومته أو الاستسلام له؟" فمن المعلوم أن الانتحار يمثل الاستثناء لا القاعدة و مثلما نُدرِك أن الشك لا يبرز في أغلب الأحيان إلا كنتيجة موضوعية لبروز تناقض بين القديم والجديد ندرك أن الانتحار لا يمكن أن يجد لذاته مساحة للوجود في ذهن الفرد سواء كتحريض عابر أو كوسواس قوي إلا في ظروف معينة
أما التساؤل الآخر فهو عن تلك الحالات التي ينجح فيها الانتحار في اختطاف ضحايا يبدوا كما لو أنه يباغتهم بشكل مفاجئ و دون سابق إنذار ففي حين أن هناك حالات يصارع فيها الأفراد إغراء الانتحار لوقت طويل في مواجهة تنتهي بانتصارهم أو انتصاره هناك حالات ينقض فيها عدو الحياة اللدود على ضحاياه و يسحقهم منذ الوهلة الأولى بدون أي مقدمات ولعل حالة الشهيد البوعزيزي تقدم لنا مثالا تقريبيا لهذا النموذج الذي يمارس فيه الانتحار الإكراه المباشر بخلاف النموذج الأول الذي يخفي فيه هذا الماكر الخبيث إكراهه وراء قناع "الإقناع"
و قد يقدم لنا الاضطهاد أو المعاناة جوابا يبدوا مغريا و مقنعا لتلك التساؤلات إلا أننا سنخدع نفسنا إن قبلناه هكذا و ببساطة دون مسائلة ادعاءاته و مواجهتها بالوقائع التي تثبت أن هناك جوابا آخر للاضطهاد إد أننا نراه يدفع العديد لمواجهته بالمقاومة و التمرد أما من ناحية أخرى فهذا الاضطهاد ليس بالبساطة التي يمكن أن يوحي بها للبعض إذ أننا لو لخصناه في اضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان سنكون قد أخفينا العديد من الخصوصيات المهمة وراء هذه الصيغة العامة ففضلا عن أن الاضطهاد ينقسم لمادي و معنوي فهو ينقسم لاضطهاد طبقي و آخر غير طبقي (كاضطهاد الأسرة مثلا) كما أن هناك حالات أخرى تشير لنا لنوع آخر من المعاناة الغير مرتبطة بالاضطهاد بشكل مباشر فذلك الخبيث نجح في إغراء العديد بالإيمان به كحل لمشاكل غريبة كالفشل في الحياة الدراسية أو العملية أو غيرها من المشاكل التي قد يندهش المرء من أنها دفعت البعض لمغادرة الحياة(3)
و باستثناء الأتباع الأوفياء لكهنة العصر الجديد فلا أعتقد أن هناك من ستقنعه الادعاءات الإيديولوجية السخيفة التي تحاول تبرئة الظروف الاجتماعية و توجيه الاتهام للضحايا أو للجينات و التفاعلات الكيمياوية المزعومة في أحسن الأحوال وإن كان صحيحا أن نسبة كبيرة ممن يقدمون على الانتحار يكونون قد زاروا الطبيب قبل انتحارهم(4) فلن يكون بإمكاننا الشك في قدرة الأطباء أو كفاءتهم بل قد نقول آنذاك بثقة كبيرة أن من الصعب على الطبيب مساعدة فرد موجود في محيط وظروف مأساوية إذ ستكون الوقاية الفعالة الوحيدة من الانتحار هي تغيير تلك الظروف(5) لكونها السبب الذي له النصيب الأكبر في حدوثه
وقد أشرنا لأنه من الصعب أن نقبل اختزال أسباب الانتحار في الاضطهاد و المعاناة لكوننا نرى أن هذين الأخيرين يثيران أيضا المقاومة و التمرد لكن الانتحار الماكر يمكن أنْ يدّعي أنه هو أيضا يمثل تمردا ضد الحياة (أو حياة الاضطهاد و المعاناة) في جوهره و قد يبدوا كما لو أن ادعائه مقنع إلا أنه مضلل في الحقيقة لكونه يخفي أنه يمثل تمردا و احتجاجا سلبيا بخلاف المقاومة و التمرد الإيجابي و يبدوا لي أنه إن شبهنا الثورة بالانفجار و الانتحار بالانبجار ثم تعاملنا مع هذين التشبيهين في ضوء الخطوط التي طرحناها في المقدمة لتحديد الانتحار كتوليفة جدلية بين القوة و الضعف فسنسير إلى أبعد ما قد يبدوا في الوهلة الأولى إذ أننا سنفهم بشكل أفضل ذلك الوضع الذي يكون فيه اليائس البئيس و الذي يضطره للانتحار بدل الانفجار أو يعبر عن انفجاره عبر الانتحار رغما عن إرادته و حين نقارن بين حالتين مختلفتين رغم كونهما نتيجة لنفس السبب الذي سنحصره هنا في الاضطهاد و الحرمان فسيكون لازما علينا التعامل مع المسألة بطريقة جدلية لا ميكانيكية و سنفهم أن هذا ما يحدد النتيجة النهائية للتفاعل مع الاضطهاد كعامل موضوعي خارجي هو الحالة الذاتية للطرف الآخر و قد قلنا سابقا أن الانتحار يمثل حالة يمتزج فيها الضعف بالقوة و جوهر مسألتنا يتلخص في أنه (في حالات معينة) بينما يلتقي الثوري و المُقدم على الانتحار في عدم تحملهما للاضطهاد و في كون كل منهما يقدم احتجاجه عليه فهما يختلفان جذريا في الجانب الآخر الذي يمثل الفاصل الرئيسي بينهما فقد يبدوا عمال هنغاريا و شباب مصر الذين واجهوا الدبابات أشبه بالمنتحرين(حتى لا نخلط بينهم و بين الانتحاريين) إلا أنهم كثوريين(6) يختلفون عنهم في أنهم يقومون بسلوكهم من منطلق القوة و التحدي بينما يقوم به المنتحرون(مجبرين) من منطلق الضعف و تبرز هذه الحالة الأخيرة بشكل واضح حين تتجلى في حالات اللائي يتعرضن للاغتصاب أو في حالات النساء اللائي ينتحرن تفاديا للتعرض للاغتصاب(7) و في حالات هؤلاء الشهداء الذين الحقوا الأذى الخطير بأجسادهم احتجاجا على سلط تسلطها واضح للجميع(المجد للبوعزيزي و السلام و الرحمة لمي فاتحة و زكريا الشويخ)
و هكذا فكما تبين لنا تلك الحالات فالانتحار يكون في العديد من الحالات احتجاجا يائسا من طرف أناس أُقحموا في وضع وجدوا نفسهم عاجزين عن مواجهته من جهة و عن تحمله من جهة أخرى و لمساعدة من قد يضطرون لمواجهة إغراء هذا الملعون علينا أن نحدد أولا بضع نقاط يجب أن ننتبه لها:
1. إن قلنا الانتحار عبارة عن توليفة جديلة بين القوة و الضعف فعلينا أن نتفق أولا على أن القوة و الضعف ليسا ثابتين لكي نتعامل مع المسألة بعقلانية و ندرك أنه يمكن مساعدة الآخر الذي قد يجد نفسه في موقع ضعف لسبب أو آخر لأنه يمكن أن نكن نحن مصدر قوة بالنسبة له فيلغي من خلالها ضعفه و يتجاوزه و بمعنى آخر فالناس الجيدين يكونون مصدر قوة لأصدقائهم و طالما ذكرنا الشهيد البوعزيزي في المقال فمن المهم أن نُذَكر بأنه أخبر أصدقائه بنيته في حرق نفسه لكنهم لم يأخذوا كلامه بجدية...بالطبع علينا أن نضع بعين اعتبارنا أن أصدقائنا و صديقاتنا لن يعلمونا بنواياهم في معظم الاحيان و بالتالي فيقع على عبئنا الاهتمام بالمقربين لنا...
2. إن استثنينا حالات الاكتئاب الحادة التي يحرم من يعانون منها حتى من النوم و التي يكون من الضروري على من يعانون منها اخد ادوية مساعدة فسنجد أن الأصدقاء و الرفاق يمثلون أفضل مساعدة و أمثل حل بالنسبة لأصدقائهم الذين يمكن أن يكونوا في وضع قد يجعلهم عرضة لإغواء الانتحار غير أن هذه المساعدة رغم كونها غير مكلفة نسبيا تظل معقدة نوعا ما ففضلا عن انها يجب أن تتم بطريقة ودية و ذكية بحيث لا يشعر الطرف الآخر بأي شيء غير طبيعي فلا يخفى عن العديد أنه في منطقتنا يتم إقحام الدين في كل شيء مما يؤدي لتأزيم الوضع أكثر كما أن أزمة الثقة الناتجة عن عوامل موضوعية تزيد تعقيد المسألة و نظرا لما سبق فأقترح على كل العقلانيين (و إن كنت واثقا من أن معظمهم في عنى تام عن اقتراحي) أن يعملوا في محيطهم على الأقل على الحذر الشديد في علاقاتهم الأخوية حيث ينبغي أن يجعلوا الآخر يلجأ لهم عفويا من جهة و أن ينتبهوا بشدة للآخرين حتى يتمكنوا من مساعدتهم من جهة و من تجنب ما قد يجرحهم من جهة أخرى و أؤكد بشدة على فعالية المساعدة الأخوية و الرفاقية و ضرورتها أكثر من أي شيء آخر و إلى جانب أي شيء آخر
3. و قد تبدوا هذه النقطة غريبة نوعا ما إلا أن القارئ إن وضع في عين اعتباره أن كاتب هذه السطور غير متحزب سيتفهم أنها منزهة عن أي رغبة في الاستقطاب و إن وضع أيضا بعين اعتباره أن اليأس و الإحباط من العوامل التي تدفع للانتحار فسيدرك عقلانية الالتزام النضالي كحل فعال لمكافحة اليأس و العدمية فمن الشائع من أن يتم اعتبار المناضلين بائعي أمل سواء من باب القدح أو من باب المدح و إن تأملنا فلسفة النضال جيدا سنجد أنها تمثل الغاية و الرابط الأصيل بالحياة فهي الأمل الثوري الذي يقول للمناضل "مازال لديك ما تقوم به هنا" مقابل اليأس و الاحباط العدمي الذي يقول "لم يعد هناك غير البؤس هنا" و يكفي أن نذكر أن المناضلين في معظم الأحيان لا يسقطون إلا خلال المعركة و لا تزيدهم السجون و الاضطهاد إلا تصلبا

******
الآن أتأمل العديد من الحوادث و الشخصيات إلا أن تركيزي استقر على حياة تروتسكي و مأساة تازمامارت ففي بداية مساره و في مطلع القرن العشرين(1901) أعلن تروتسكي الشاب من منفاه في سيبيريا ولائه للتفاؤل و عدائه للتشاؤم و استهل نصه قائلا"ما دمت حيا فأنا آمل" كما وضع غايته و هدفه من الوجود قائلا "طالما أتنفس، سأناضل من أجل المستقبل. مستقبلٍ مشرقٍ يغذو فيه الانسان القوي البهي سيداً لمجرى حياته الخطِر يوجهه نحو آفاق لامتناهية من الجمال والفرح والسعادة!..."(8) و بعد 39 سنة و قبل وفاته (1940) بوقت قصير أعلن تجديد ولائه و وفائه لتفاؤل و كتب في وصيته(9):
"إن إيماني في المستقبل الشيوعي للبشرية ليس أقل حماسا، بل صار في الواقع أكثر حزما اليوم، مما كان عليه في أيام شبابي."
"إن الحياة جميلة. فلتعمل الأجيال القادمة على تطهيرها من كل شر وكل اضطهاد وكل عنف ولتستمتع بها على أكمل وجه."
"... لكن مهما كانت ظروف وفاتي فإني سأموت بإيمان راسخ في المستقبل الشيوعي. إن هذا الإيمان بالإنسان ومستقبله يعطيني قوة مقاومة لا يمكن أن يعطيها أي دين"
إن إصرار هذا الرجل العظيم على التفاؤل يثير الاعجاب و الاستغراب المنبهر في آن واحد ففي بداية حياته لعن التشاؤم لكن المرء يمكن أن يتساءل عن سبب حفاظ هذا الثوري على تفاؤله بعد 39 سنة عاصر فيها حروبا طاحنة(الحرب العالمية الأولى – الحرب الأهلية...) و هزائما لثورات كبرى منها الثورة التي قادها إنني أتساءل بإعجاب لا يخلوا من الاستغراب عن كيف حافظ هذا الرجل على تفاؤله عشية الحرب العالمية الثانية و هو الذي رأى صعود الفاشية في أوروبا و فشل الثورة الاسبانية و كل جرائم الستالينية التي أغرقت الثورة في الدماء و استعبدت العمال الذين ناضل من أجلهم تروتسكي طوال حياته
إنه لملهم جدا تفاؤل هذا الرجل الذي فقد أبنائه و تحول من قائد ثورة عظمى إلى منفي منبوذ ترفض جميع دول العالم استقباله كما هو جد مبهر حفاظه على الأمل بالمستقبل الشيوعي رغم أن المحاولة التي كان له فيها دور عظيم أخفقت و انحطت الثورة في مستنقع الهمجية الستالينية التي دفنتها و دفنت كل من قاتلوا لأجلها و كل من علقوا عليها آمالهم...
أما مأساة تزمامارت فهي تعرض لنا لوحة مبهرة للصمود و هيمنة غريزة البقاء إذ أن من بين كل من عانو من تلك المأساة الرهيبة لم يسقط سوى شهيد واحد ضحية للانتحار و أشار المرزوقي لأنه لم يقدم على الانتحار إلا بعد تدهور صحته العقلية(بسبب ظروف كفيلة بكسر أصلب الصخور...) في نهاية المطاف لكن تزمامارت تطرح أيضا تساؤلا حول الدين الذي نسب له المرزوقي الفضل في صمودهم و قد تطرقت لدور الدين سابقا(في المقال الغير منشور) و يمكن أن أكرر و ألخص ما قلته سابقا في أنه صحيح ان الدين قد يؤجل الانتحار لكنه لا يلغيه لأننا نرى أن العديد ممن يسقطون ضحية لهذا المخادع الذي يدعي أنه منقذهم من جحيم البؤس و الاضطهاد هم أيضا فقراء متدينون لكنني أرغب أن أضيف شيئا أراه في غاية الأهمية بكل ففي حين أن الدين قد لعب دورا كبيرا في صمود المرزوقي و رفاقه فما يقترحه رجال الدين و من يسير في طريقهم يجعل الدين في السياقات الأخرى أسوء من الانتحار نفسه إذ بينما يمثل هذا الأخير الموت(10) كنقيض للحياة يمثل نمط الحياة الذي يروج له رجال الدين(11) الموت أثناء الحياة ففي حين أن الأزمة تكون بحاجة لحلول عملية(مادية ومعنوية) تعظ خطب هؤلاء المفلسين بالإذعان للبؤس و العبودية و اعتبارهما قدرا إلهيا(و قد تطرقنا للأكراسيا...) فيحولون الدين لسم يتجاوز الأفيون مع أن الدين في حد ذاته يمكن أن يكون إيجابيا إن تم التعامل معه بعقلانية ولم يتم إقحامه في كل شيء
إن العالم مقبل على أزمة لا شك أنها ستؤثر على الكثير و واجبنا المقدس هو مساعدة بعضنا البعض لا كشيع و إنما كأبناء للإنسانية من جهة و مساعدة الانسانية على دفن هذا النظام اللاإنساني من جهة أخرى وسيكون من الاجرامي أن نترك الطاقات العظيمة التي ستفجرها الأزمة تبدد في أعمال عبثية بدل توجيهها نحو النضال ضد مصدر البؤس
نحن لا نخشى الموت و علينا أن نتعلم مواجهته كما واجهه سقراط لكن علينا أيضا أن نحيا مثله و نحارب ما نراه فسادا من أجل ما نراه خيرا و حتى إن كانت طريق الخير تقود نحو الموت فسنعيش أحرارا و نموت شهداء إذ أننا سنسقط آنذاك في معركتنا و نحن نحارب من أجل الخير
إن مأساة الانسانية اليوم تكمن في أن النظام الحالي يفرض على الانسان الواعي بإنسانيته العيش في ظروف غير إنسانية و الواجب الأساسي لكل من يدعي أنه عقلاني هو مساعدة الناس ليعيشوا بعقلانية من جهة و توجيه جهوده لمحاربة الظروف التي تدفع الناس ليروا الموت خلاصا من جهة أخرى لأن هؤلاء الذين يسعون لتدجين الناس و حثهم على الخضوع و التعايش مع الظروف اللاإنسانية يتسببون(عن غير قصد في العديد من الأحيان) في كوارث خطيرة تخرب المجتمع لأنها تخرب ذلك الانسان الذي يعيش في نِزاع مع نَزَعاته المتناقضة
و لا شك أن هناك من يلاحظ بروز الدعاية الداروينية لليمين الفاشي التي تروج لأفكار معادية للإنسانية(يروجها حتى بعض الستالينيين) و في مواجهتها علينا أن نؤكد بحزم وصرامة على أنه ليس الضعفاء من يستحقون الدفن و إنما هذا النظام الحيواني الذي يفترسهم رغم توفر الامكانات اللازمة لإطعامهم و رعايتهم و يجب كما يجب أن نؤكد على أن النظام الذي يرفع شعار البقاء للأقوى محكوم بالزوال و السقوط في مستنقع الحيوانية
إن تنامي ظاهرة الانتحار يمثل وصمة عار تدين هذا النظام الذي يبدوا كما لو أنه يتلذذ بتعذيب الناس و حرمانهم و تشويههم رغم وان وسائل التنوير و تحقيق حلم الانسان بالحرية والإخاء و المساواة متاحة و لا يمنع استخدامها لصالح أغلب أبناء البشرية سوى المصالح الضيقة للأقلية الطفيلية
فلنناضل من أجل حياة أفضل...و ما أفضل الحياة والموت من اجل هذا الهدف
ملاحظات و توضيحات
• (1)عن الأكراسيا: هي الظاهرة التي يقوم فيها الشخص بعكس ما "يعتقد" أن صحيح بالنسبة لسقراط فهي تنتج عن الجهل أو بدقة أكبر فهو يقول أنها غير موجودة لأن من يعرف الخير حقا لن يقوم بنقيضه وبالتالي فالأكراسيا غير موجودة حسب سقراط لأن الشخص الذي يقوم بعكس ما يقول لا يملك معرفة حقيقية أما أرسطو فقد استند على الواقع ليؤكد وجودها لكنه نسب سبب وجودها للفرق بين معرفة المقدمة الكبرى(العام) و معرفة المقدمة الصغرى(الخاص) فقال أن الأكراسيا يمكن أن تحدث ان امتلك الشخص المقدمة الكبرى دون الصغرى أما أنا فرغم تقديري الكبير لمساهمة سقراط/أفلاطون في القضية و رغم ميلي لأطروحة أرسطو إلا أنني تعاملت مع كل رأي على أنه معتقد(يعتقد أن معرفة صحيحة) كما أنني أرى أن السبب الأساسي لزعزعة القناعة/المعتقد هو حالة السكر و الغضب التي تحدث عنها أرسطو و قال أن من يكون فيها لا يستخدم المعرفة التي يملكها و رغم أنني أرى أن فعالية القناعة أو المعرفة هي وقايتك من حالة السكر و الغضب و هي أن تكون ملكا لك مثل المناعة بحيث تحميك بشكل عفوي إلا أنني أُسَلِّم بالتباين بين الأشخاص ففي حين أن هناك من لن تُسكرهم الظروف الصعبة هناك أيضا من ستتغلب عليهم و تتحايل على قناعاتهم و لكون هذا المقال يتطرق للانتحار في علاقته بالجميع لا فقط المتميزين فقد كان من اللازم أن يأخذ المرء جميع الحالات و الامكانات بعين الاعتبار
• (2): بحسب منظمة الصحة العالمية ففي كل عام ينتحر أكثر من 700000 شخص كما تقابل كل حالة انتحار حالات أخرى عديدة من محاولات الانتحار.
• https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/suicide

• (3):مع أن تلك الحالات يمكن أن تبدوا مثيرة "للاستغراب" إلا أنها ترتبط بالضغوط و الاحباط و بالتالي فهي ليست أسبابا جوهرية لكنها في سياق ارتباطها بالضغوط الاجتماعية تؤدي للانتحار و يشير البعض لأن الضغوط الأسرية على المراهقين مثلا تلعب دورا في المسألة(الانتحار هو السبب الرئيسي الرابع للوفاة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاما) فقالت الدكتورة هالة حماد: "الضغوط التي تضعها الأسر على المراهقين لتحصيل درجات دراسية أفضل للحصول على وظائف مرموقة في المستقبل. فضلا عن الخوف المبالغ به عليهم في تلك المرحلة العمرية ما يجعلهم يشعرون بأنهم محاصرون ويريدون التخلص من هذه القيود."

• https://www.bbc.com/arabic/59568886

• (4):فيما يقرب من 80% من حالات الانتحار المكتمل، يكون الفرد قد راجع الطبيب خلال السنة الأخيرة قبل وفاته، ومنهم 45% في الشهر الأخير قبل الوفاة. ومن أولئك الذين أتموا الانتحار، هناك ما يقرب من 25-40% كانوا على اتصال بخدمات الصحة النفسية في السنة السابقة للوفاة.

• https://ar.al-anwar.com.au/%D9%84%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%B9%D8%B1/

• (5):و مع أن التغيير الإيجابي و الثوري يظل هدفنا باعتباره حلا للعديد من أزمات المجتمع الحالية إلا أننا لسنا أطفالا أو مجانين فحين نتحدث عن تغيير الظروف لا نقول انتظروا الثورة لأنها هي الحل الوحيد و النهائي بل نقترح فقط ضرورة طرح حلول عملية لمعالجة الوضع المعين

• (6):في مصر و في البلدان التي استخدم فيها العنف الدموي كان يبدوا كما لو أن شهداء الثورة الأبرار يذهبون للموت بأرجلهم إذ أن أخبار القمع ومشاهد الجثث الغارقة في دمائها الطاهرة لم تكن خافية عنهم لكنهم كانوا من خلال سلوكهم يُبدون الازدراء للحياة والموت بنفس القدر و في رأيي فهذه النزعة تقدم مثالا لما حاولت الاشارة له و مثلما نُدين الدول القمعية التي تدفع الناس لتفضيل الموت(سواء عبر الهجرة السرية الخطرة أو الانتحار أو تحدي القمع الدموي...) و لا ندين جينات "الهجرة والترحال"(أو الدافع لتدمير الذات...) فمن واجبنا محاربة الخرافات التي تتهم الضحايا و تبرئ النظام من جهة أخرى إذ أننا كما نرى فحتى من لا يقدمون على الانتحار يخاطرون بحياتهم مما يجعلنا نصر و نؤكد على أن المرضى هم من لا يرون أن هذا النظام القمعي هو أصل الأمراض و الآفات

• (7):في حين أن الاحتقار و الاهانات الغبية التي تقوم بها المجتمعات المتخلفة ضد المرأة التي تكون ضحية للاغتصاب تكون من اسباب انتحار النساء فهناك حالات و أسباب أخرى كالاغتصابات التي تحدث في الحروب مثلا و يمكن أن نذكر الانتحار الجماعي للنساء الألمانيات بعد دخول الجيش السوفييتي و جيوش الحلفاء لبرلين كمثال على سبيل الذكر لا الحصر

• (8): حول التفاؤل و التشاؤم في القرن العشرين وأشياء أخرى

• https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=638165

• (9): وصية ليون تروتسكي

• https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=569743
• (10): على الانسان أن يضع في عين اعتباره أن تأثير موت الشخص على أقربائه الذين يحبونه قد لا ينحصر فقط في الحزن بل ربما يسبب حتى ألما مدمرا لدرجة قد لا يتخيلها الانسان...
• (11): بل و يتحمل جزء من رجال الدين قسطا من المسؤولية في بعض الأزمات إذ أنهم بتشجيعهم و تحريضهم على التعصب الديني الشديد يخلقون أزمة بين الأسر و لعل هؤلاء بذلك يتسببون في إزهاق حياة العديد من المراهقين الذين يعانون من ضغوط الأسر المتزمتة و لا ينبغي أن نقلل من شأن هذه القضية أو نهون منها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة