الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراجعة لمفهوم (الله)

عدنان إبراهيم

2022 / 4 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعض الأطفال فيما مضى كان يظن أن المذيعة أو الإعلامية مقدمة البرامج تجلس داخل التلفاز، وكانت تتجاذبه الرغبة في أن يكسر الشاشة ليصل إلى حقيقة الأمر، بدلاً من الحيرة التي هو فيها ! فهو يعرف الناس الحقيقيين، وأما هذا الخيال فما هو!
نعم.. ذلك لأن العقل يدرك المحسوس المعروف، أي الواقعي المُدرك بالحواس، وقد يقيس عليه ولكن في حدود ما يعرفه أيضاً، ولا يتعدى هذا الإطار..
إن معرفة الله أمر عسير ليس بالسهل ولا يمكن بالعقل، ولكن الإيمان بوجود الله ‏غريزة في الإنسان.. ولذلك حار الإنسان ولا زال يتيه في تلك البيداء، ولا ‏يرشده فيها إلا الأرواح المتطورة والعقول الكبرى التي يرسلها الله من وقت ‏لآخر لتدفع البشرية خطوة إلى الأمام في هذا المكان المعتم.
يقول الإمام أبو ‏العزائم: (معلوم أن الأمم الغابرة عاشت قرونا طويلة في مهاوى الجهالة وتيه ‏الضلالة، لم يبعث الله منهم ‏رسولا، ولم يقم منهم عالما مفكرا، ومكثوا في تلك ‏الجهالة العمياء حتى عبدوا الأصنام، وكانت ‏عبادة الأصنام خيرا مما كان ‏عليه قومهم، ثم ارتقت الأفكار فاتخذوا النجوم آلهة, ثم ارتقت ‏الأفكار فاتخذوا ‏الشمس إلها حتى رأوا أن الملك الحاكم عليهم هو الإله ولذلك ترى أن ‏في ‏تاريخ الفراعنة ما يدل على أن الآلهة حكموا مصر ثماني عشر ألف سنة ‏وأن الإله أوزوريس " ‏أبو الآلهة " علمهم الزراعة، وأجرى لهم النيل وأن ‏الإله " أوزيس " علمتهم غراسة الكرم، وأن ‏الإله " آمون راع " " ابن الإله ‏‏" بين سبل العدل بينهم حتى اتخذوا الملوك آلهة بعد. ومن هذا ‏الزمن ظهر ‏التثليت في بني الإنسان، وقد وجد في آثار الهند الثالوث المقدس رمز إلى ‏التثليت ‏وهو ثلاثة رؤوس على جسم واحد. مكث الإنسان يتخبط لأنه ديني ‏فلا يظهر بين الإنسان ‏رجل يفكر باحثا وتلوح له ظلمة هي أقل مما هم فيه ‏من الظلمات إلا قلدوه.‏
و ليس تاريخ الأمم الغابرة ببعيد. كل هذه البلايا أساسها اعتناق دين ‏باطل فمحا ‏الله تلك الظلمات والضلالات عمن اقتدوا بالأنبياء صلوات الله ‏وسلامه عليهم وكان كل نبي ‏إذا مات انتسخت شريعته وضعف أتباعه عن ‏تأييد سنته وانتشار دينه، حتى بعث الله خاتم ‏النبيين بالحق بشيرا، ونذيرا. ‏وسراجا منيرا.، و أراد الله تعالى أن يبقى نوره عليا ودينه جليا.‏
إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مفكرا عاقلا، فيعمل في جلب ما ينفعه في ‏عالم الكون ‏والسعادة من قوت، ولباس، ومسكن حفظا لصحته أو استرجاعا ‏لها إذا ألم بها السقم، وخلقه ‏مفكرا ليبحث بعقله في الغاية التي خلق مؤهلا ‏لها، والحكمة التي أوجد لأجلها، وكيف خلق ‏ولم خلقه. ولما كان العقل لا ‏يصل إلا إلى ما يستنتجه مما حكم عليه بحسه، وكان الحس لا ‏يدرك إلا ‏ظواهر الكون فليس للعقل وإن كمل أن يقتبس من الغيب المصون إلا بقدر ما ‏وصل ‏إليه من أنواع الكائنات المختلفة بحسب مراتب الوجود بأن دائرة ‏اختصاصه الجمادات، ‏والنباتات، والحيوانات، وقد بلغ به البحث إلى أن حكم ‏بأن ما يحس بتأثيره ولم يره هو الجن.‏ ‏ ولما كان الإنسان حيوانا دينيا، كان يعبد ما ينفعه من المادة أو ما حكم عليه ‏بالوهم ‏مما شعر بتأثيره فقد عبد الأنهار، وعبد الأحجار، وعبد البقر، ولما ‏اتسعت دائرة الوهم عبد ‏الصور، حتى قوى العقل فعبد الأفلاك، ثم عبد ‏الملائكة، ثم عبد الإنسان ولو أن العقل له ‏السلطان على الغيب المصون لما ‏ضل الإنسان هذا الضلال وجال العقل جولته فيما حوله فقهر ‏المادة ‏واستخدمها حتى كان السلطان الأكبر عليها وعلم خواصها، وفوائدها، ‏وتحليلها، ‏وتركيبها فعلم أنه فوقها قدرا وأنها دونه منزلة ولكن ‏العقل الإنسانى ‏لم يصل إلا إلى علم خواص المادة بما أودعه الله فيه كما انتفع كل نوع ‏من ‏الحيوانات بما أودعه الله فيه بقدر رتبته فالإنسان بقدر ضروراته انتفع. ‏هذا أفق العقل وليس له ‏أن ينفذ من أقطار السموات والأرض ليطلع على ‏الغيب المصون إلا بسلطان، لذلك أرسل الله ‏الرسل مبشرين ومنذرين ﴿لئلا ‏يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾.‏

‏**‏

"كان الله ولا شيء معه
وهو الآن على ما عليه كان"

المفهوم المتفق عليه حالياً في كل التيارات الروحية الناضجة في العالم أن الله ‏هو المصدر ‏Source‏ أو ذاتنا الداخلية ‏The inner being (1‎‏) أو الذات ‏الكلية (2) وهو يختلف عن المفهوم البدائي لله أنه قوة عليا مباينة منفصلة عن ‏الإنسان والكون وهما منفصلان عنها، وأن الإنسان مطالب بأن يقدم لهذا ‏الإله عبادات وقرابين، نجد هذا المفهوم بأوضح ما يكون في اليهودية، ثم ‏حدث تغيير جذري على يد المسيح، حيث نجد في الأناجيل تحديثاً لهذا ‏المفهوم وتقريبه من مفهوم الأبوة، فكان يعلم تلاميذه أن يقولوا: (أبانا الذي في ‏السماوات) وكان يقول عن الله (أبي وأبيكم) بشكل واضح، وهو محاولة ‏للقربمن مفهوم المصدر، لأن المفهوم البدائي يرى أنه لابد من الفصل، فكان ‏أقرب تعبير هو الأبوة، ولكن بسبب التأثر باليهودية وماديتها، لم يستطع هذا ‏الجيل من البشرية أن يستوعب مفهوم الأبوة أيضاً إلا في حق المسيح فقط، ‏فقالوا أن ابن الله وأنه إله نزل وعاش بيننا وصعد إلى أبيه، وهذه المنظومة ‏موجودة في عدة ديانات قبل المسيحية في أماكن عديدة في العالم وفي ‏حضارات مختلفة، لأن هذا تكرر وتكرر معه نفس الفهم البدائي الذي أدى ‏لعبادة هؤلاء الرسل أو الأرواح المتطورة المرلة لتطوير البشرية في تلك ‏الفترة.‏
وجاء الإسلام والوثنية تعم العالم، فقام النبي محمد ص بإحداث نقلة وطفرة ‏بعيدة ونجح في إدخال مفهوم التنزيه أو (التجريد) إلى الوعي البشري، ثم ‏زاد عليه أن هذا الرب ليس منفصلاً عنا، ولكنه يقول أنه أقرب إلينا من حبل ‏الوريد، أي أنه هو مصدرنا (نفس الفهم المعاصر) ولكن لم يفهمه أحد إلا ‏الصوفية وعلى رأسهم إمامهم علي بن أبي طالب من الصحابة فمن بعدهم.‏

‏** ‏

سبب عدم الفهم هو الصراع بين الفقه والتصوف من جهة، وبين علم الكلام ‏والفلسفة من جهة أخرى، فقال الفقهاء - باستثناء المتصوفة منهم - أن القول ‏بهذا يعني إنكار الصانع ونفي وجود الله (تفكير سطحي ظاهري وجهل ‏ممزوج بالعدوان، فكفروا محي الدين بن عربي، ودافع عنه بعضهم كالإمام ‏السيوطي وعبد القادر الجزائري وأمثالهم من المحققين) وأما الفلسفة فهي ‏تستخدم العقل الذي يمكن أن يفهم النسبة بين المصدر والمظهر، دون أن يلغي ‏أحدهما الآخر بالضرورة. بينما التصوف يرى الوحدة كشيء "بديهي"! ولا ‏يتصور الإيمان بدونه، وأن القول بالمثنوية في الوجود شرك وكذب.‏

‏**‏

مفهوم الوحدة هذا يترقى الإنسان من خلاله، لأنه يتطور وينمو بالعلم ‏بالحقائق الكبرى التي تتصل بنفسه وكيانه، فهذا العلم ثورة أو طفرة أخرى ‏تقفز بالبشرية كالقفزة الأولى التي تخلص بها الإن سان من عبادة الملوك.‏
ولذلك فإن هذا العلم هو الغاية التي تطمح الأرواح إلى حدوثه وتطبيقه، ‏بمعنى أن تعيه وتشعر به في ذاتها وتراه واقعاً حياً بعدما كانت تعلم به وتراه ‏معرفة علماً، ولذلك تزور الأرواح المجردة هذا العالم وتتجسد هنا من أجل ‏تحقيق هذا. بينما وطأة المفهوم البدائي لا زالت ثقيلة، وغياب التفكير وإعمال ‏العقل يحول دون جهو العارفين بهذه الحقيقة، خشية الإتهام بالكفر والزندقة ‏وإنكار وجود الله.. فهذا يحتاج إلى عمل وجهود فلسفية وثقافة صوفية عامة ‏كتوطئة وتمهيد.‏
ولكن الخمود الذي نعيشه يحرم البشرية من تطور كبير ويؤخرنا كثيراً، لأن ‏الحب والسلام لا يعم إلا من خلال الشعور بالوحدة، بشكل أو بآخر، ولكن ‏الشعور الصوفي هو أعمق صوره.‏

‏**‏

الوجود هو ظهور الأسماء، أي أن الخلق هو تجلي الحق، فلولا ظهوره لما ‏وُجدت المخلوقات، ولذلك فإن وجودها – وعلى رأسها الإنسان – وجود ‏إضافي لا أصلي، بمعنى أنه وجود معلق على ظهوره هو، أو وجود نسبي ‏يشير وينتسب بكل صفاته إلى صاحب تلك الصفات ومالكها الذي ائتمن ‏الإنسان عليها (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن ‏يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان).‏
يقول الإمام أبو العزائم: (حالة التوحيد: شهود المعانى الربانية قائمة ‏بالإنسان) ويقول: (والموحدون: نظروا بعين المحبة الأزل، على أنه على ما ‏هو عليه لم يزل ‏ولكنهم ميزوا بين الحادث والقديم فلم يلتبس عليهم الأمر ‏بخلق جديد) ويقول (التوحيد هو تمييز الحادث من القديم، حتى يذوق حلاوة ‏التوحيد، ولم يكن فى ‏لبس من خلق جديد، ومن حكم عليه خياله ووهمه، نظر ‏إلى المادة ‏وأعراضها، فنسى الله تعالى) يعني ملاحظة الفرق بين المخلوقات ‏المتعددة وبين خالقها الأزلي الواحد الظاهر فيها، فالوجود الأزلي وجود ‏واجب أصلي غير مسبوق بالعدم ولا يتغير وهو باق لا يزول، وأما الوجود ‏الحادث (المخلوق) الجديد فهو وجود ممكن إضافي يتغير ويتجدد ويزول. هذا ‏التغيير لابد لحدوثه من قوة خارجية لها مصدر قبل ذلك الجسم. ولولا ‏هذه ‏القوة لما ثبت الجسم فى الوجود ولا انعدم، فهو لا يوجد تلقائياً ولا ‏يستطيع ‏ايجاد نفسه كما لا يمكنه ايجاد غيره.‏ (ولم يكن فى ‏لبس من خلق جديد): لم يقع في التباس من تجدد المظاهر فينسى ‏الظاهر الواحد الذي هو مصدر تلك الصفات العامة التي يشترك فيها الناس، ‏فيرى الوحدة في الكثرة.‏
ويفرق الإمام أبو العزائم بين مراتب الوجود فيقول: (‏ومن شهد القدرة وتاه عن شهود الحكمة ‏هلك لأنه يرى القدرة بدون حكمة ‏فتخفى ‏عنه المحدثات ويحكم بما يقول الفساق من ‏وحدة الوجود والوجود ‏ليست له وحدة إلا ‏عند من أوقعهم الله فى التيه) وقال: (إن الفاعل المختار ‏أحد، وهو الذى وضع الأسباب، وأقامها أواسط بينه وبين خلقه، فظهر ‏سبحانه بمعانى ‏صفاته فى تلك الأسباب والأوساط، وجهل من قال وحدة ‏الوجود، لأن الوجود ليس بوحدة، إنما هو ست وستون ‏مرتبة، وما تاه من تاه ‏إلا من وحدة الأفعال فنسب الفعل للأسباب وهذا شرك).
ويقول: (‏والخلق واحد وإن كثرت أفراده، والحق واحد وإن كثرت ‏أسماؤه) ‏‏(إذا نظر القلب إلى الحادث الجديد، صار محجوباً، قال تعالى: (بل هم في ‏لبس من خلق جديد) ‏ق: ١٥ وإنما الجديد ليشير القلب إلى ما فيه من سر ‏الحى القيوم، ونور ‏القادر الخلاق العليم فإذا تجرد القلب من نظره إلى ‏الجديد، أشرقت أنوار ‏الآيات، وصار للغيب شهيداً) (ومشاهد التوحيد: فوق ‏العمل ألف ألف مرة). ويقول: (وأسماؤه سبحانه: مظاهر حقية وهى باطن الخلق ‏والأشياء) والأشياء: ظاهر ‏الخلق.
وباطن الخلق: أسماء مقدسة ‏* وظاهر الخلق: أكوان وأشياء

وينقل التهانوي صاحب (كشاف اصطلاحات العلوم والفنون) عن ‏كتاب ‏‏«مجمع السلوك» : التوحيد لغة جعل الشيء واحدًا، وفي عبارة العلماء ‏اعتقاد وحدانيته ‏تعالى، وعند الصوفية معرفة وحدانيته الثابتة له في الأزل ‏والأبد؛ ‏وذلك بألا يحضر في شهوده (أي شهود الصوفي العارف) غير ‏الواحد ‏جل جلاله.‏
وعليه: فما نراه ليس وجوداً مستقلاً، وكل جمال نراه هو ظهور للحق، ومن ‏ثم يقول ابن عربي في فصوص الحِكَم: (إنما الكون خيال) أي مرآة لا حقيقة ‏أصلية. ويقول القاشاني في شرحه على الفصوص: (كل خلق تراه العيون فهو ‏عين الحق، ولكن الخيال المحجوب سماه خلقاً، لكونه مستوراً بصورة ‏خلقية). ‏

ويقول محمد الحفناوي في الجوهر النفيس: (وعند السادة الصوفية للوجود ‏مفهومان: عام، وهو الأفراد الإضافية، وخاص، وهو حقيقة واحدة مطلقة ‏موجودة وجوداً حقيقياً واجبياً. وأما العام، فأمر اعتباري لا وجود له إلا ‏تخيلاً، وهو مظهر لحقيقة الوجود الحق الواحد، واختلاف أفراد هذا الوجود ‏بحسب استعدادها، فلا يوجب تغيراً ولا تكثّراً في تلك الحقيقة، ومثلوه ‏بالصورة الواحدة الظاهرة في مرايا متكثرة متعددة مختلفة بالكبر والصغر ‏والطول والقصر والاستواء والتحديب والتقعير وغير ذلك فالحق ولله المثل ‏الأعلى بمنزلة الصورة الواحدة والماهيات بمنزلة المرايا المتكثرة المختلفة ‏بحسب استعداداتها فهو سبحانه وتعالى يظهر في كل عين بحسبها من غير ‏تغير وتكثر في ذاته، كظهور شخص واحد في المرايا الكثيرة وليس هناك إلا ‏وجود واحد حقيقي وللبواقي وجودات متخيلة موهومة، فليس للممكنات وجود ‏مستقل غير الوجود الواجب، بل هي موجودة بوجود الواجب. ثم أن تلك ‏الأعيان الثابتة - ويسميها الاشراقيون بالهياكل - التي ظهر بها الوجود ليست ‏هي مع وصف المظهرية حقيقة الوجود الواجب، إذ لا يكون الظاهر عين ‏المظهر قطعاً، أو يكون الشيء عين ما في علمه، فالوجود الواجبي وإن كان ‏هو المشهود في الحقيقة من تلك الأعيان إلا أنها لها في أنفسها حقائق مستقلة ‏مغايرة لحقيقة الواجب قطعاً، لكنها في الحقيقة حقائق موهومة متخيلة كحقائق ‏الصور المتخيلة في المرايا. ولذا قالوا أن الأعيان الثابتة ما شمت رائحة ‏الوجود أي الوجود المستقل المغاير للوجود الواجب). والأعيان الثابتة: ‏مظاهر الخلق المتنوعة الأعيان الثابتة الصفات.‏

ويقول أحمد السرهندي في المكتوبات: (أن التوحيد الوجودي هو أن يعلم ‏ويعتقد أن الموجود واحداً، ويعتقد أن غيره معدوماً، وأن الغير مجالي ذلك ‏الواحد ومظاهره) ‏

ويقول داود القيصري في شرحه على فصوص الحكم لابن عربي عن مرتبة ‏الخُلة : (إنما سمى الخليل خليلا، لتخلله وحصره جميع ما اتصفت به الذات ‏الإلهية.‎‏ قال الشاعر‎:‎‏
قد تخللت مسلك الروح منى * وبه سمى الخليل خليلا)
‏الحق يتخلل وجود العبد ويظهر فيه بالصفات الكونية، كالاستهزاء، والمكر، ‏والتأذي، والسخرية، والضحك، و غير ذلك مما أخبر عن نفسه في قوله: (الله ‏يستهزئ بهم ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) (إن الذين يؤذون الله ‏ورسوله) (سخر الله منهم). وفي الحديث‎:‎‏ ضحك الله مما فعلتما البارحة.‏
‏(ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات، وأخبر بذلك عن نفسه، وبصفات ‏النقص وبصفات الذم؟) استشهاد لتخلل الحق وجود العبد واتصافه بصفات ‏الكون. وذلك كقوله: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) (ولنعلم من يتبع ‏الرسول ممن ينقلب على عقبيه) (ومرضت فلم تعدني) وأمثال ذلك
‏(ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها؟) استشهاد لتخلل ‏العبد وجود الحق واتصافه بصفاته (وكلها حق له) أي وكل صفات الحق حق ‏ثابت للمخلوق الذي هو الكامل بحكم (ولقد كرمنا بنى آدم) (وإن الله خلق آدم ‏على صورته) (وعلم آدم الأسماء كلها) أي أعطاه الأسماء والصفات الإلهية.‏
ولما كان في الحقيقة يسمى خلقا عدما، لا وجود له، والموجود هو الحق لا ‏غيره، عمم الحكم وأكد ب‍ (الكل)، وقال: (وإليه يرجع الأمر كله).، أي، سواء ‏كان محمودا أو مذموما. والسر فيه أن ما في الوجود خير كله، وكونه مذموما ‏ليس إلا بالنسبة إلى بعض الأشياء. ألا ترى أن الشهوة من حيث إنها ظل ‏المحبة الذاتية السارية في الوجود محمودة؟ وعدمها، وهو العنة، مذمومة؟ ‏ومن حيث إنها سبب بناء النوع وموجبة لللذة التي هي نوع من التجليات ‏الجمالية أيضا محمودة؟ وعند وقوعها على غير موجب الشرع مذمومة، ‏لكونها سببا لانقطاع النسل وموجبا للفتن العائدة إلى العدم؟ وهكذا جميع ‏صور المذام، فالكل منه وإليه من حيث الكمال. ‏
وإن كان الخلق هو الظاهر في مرآة الحق، فالحق مستور فيه وباطنه، فالحق ‏سمع الخلق وبصره وجميع قواه الباطنة. (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره ‏الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها) وفي الحديث ‏تنبيه على أن الحق عين باطن العبد وعين ظاهره، لما جاء بالسمع والبصر، ‏وهما أسماء القوى، وباليد والرجل، وهما أسماء الجوارح، فالحق عين قوى ‏العبد وجوارحه (ثم، إن الذات لو تعرت عن هذه النسب لم تكن إلها) واعلم، ‏أن الإله اسم الذات من حيث هي هي، مع قطع النظر عن الأسماء والصفات ‏باعتبار، واسم الذات مع جميع الأسماء والصفات باعتبار آخر. والمراد هنا ‏الاعتبار الثاني. ‏
‏(وهذه النسب أحدثتها أعياننا) أي هذه الصفات إنما ظهرت بأعياننا، إذ لو لم ‏تكن، لما كان يظهر (الخالق) و (الرازق) و (القادر)، ولا (السميع) و ‏‏(البصير)، وغير ذلك من الأسماء والصفات الإضافية. وليس المراد ب‍ ‏‏(الإحداث) الجعل والإيجاد، لأنا مجعولون وموجودون بها، فبجعل الحق و ‏إيجاده إيانا تظهر تلك الصفات (فنحن جعلناه بمألوهيتنا إلها) ومعناه: نحن ‏أظهرنا بعبوديتنا معبوديته، وبأعياننا إلهيته، إذ لو لم يوجد موجود قط، ما ‏كان يظهر أنه تعالى إله. بل العلة الغائية من إيجادنا ظهور إلهيته، كما نطق ‏به: كنتُ كنزاً مخفياً فأحببتُ أن أُعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني (فلا ‏يُعرف حتى نُعرف، قال عليه السلام: من عرف نفسه فقد عرف ربه، وهو ‏أعلم الخلق بالله) أي فلا يعرف الحق من حيث إنه إله حتى نعرف، لتوقف ‏تعقل هذه الحيثية - التي هي النسبة - إلى تعقل المنتسبَيْن، كما قال عليه ‏السلام: (من عرف نفسه، فقد عرف ربه) أي: أوقف معرفة الرب على ‏معرفة النفس التي هي المربوب. فإن الرب من حيث هو رب، يقتضى ‏المربوب (وأن العالم ليس إلا تجليه في صور أعيانهم الثابتة التي يستحيل ‏وجودها بدونه). أي، يعطيك الكشف أيضا أن وجود العالم ليس إلا التجلي ‏الوجودي الحقاني الظاهر في مرايا صور الأعيان الثابتة التي يستحيل وجود ‏تلك الأعيان في الخارج بدون ذلك التجلي الوجودي، فالعالم من حيث الوجود ‏عين الحق الظاهر في مرايا الأعيان لا غيره. (وأنه يتنوع ويتصور) - بفتح ‏الياء، على البناء للفاعل - (بحسب حقائق هذه الأعيان وأحوالها). أي، ‏يعطيك الكشف أن الحق هو الذي ظهر في صور العالم وتنوع بحسب أنواع ‏الأعيان وتصور بصور هذه الحقائق وأحوالها. فالأعيان باقية على عدمها، ‏والمشهود هو الوجود الحق لا غير.‏

ويقول صدر الدين القونوي في مفتاح الغيب: اعلم أن الحق هو الوجود ‏المحض الذي لا اختلاف فيه، وانه واحد وحدة حقيقية لا يتعقل في مقابله ‏كثرة، ولا يتوقف تحققها في نفسها ولا تصورها في العلم الصحيح المحقق ‏على تصور ضد لها، بل هي لنفسها ثابتة مثبتة لا مثبتة، وقولنا: وحدة، ‏للتنزيه والتفخيم، لا للدلالة على مفهوم الوحدة على نحو ما هو متصور في ‏الأذهان المحجوبة‎.‎
إذا عرفت هذا فنقول: انه سبحانه من حيث اعتبار وحدته المنبه عليها ‏وتجرده عن المظاهر وعن الأوصاف المضافة إليه من حيث المظاهر ‏وظهوره فيها، لا يدرك ولا يحاط به ولا يعرف ولا ينعت ولا يوصف.‏
ولم يصح الادراك للانسان من كونه [أي الحق] واحدا وحدة حقيقية كوحدة ‏الوجود، بل انما يصح له ذلك من كونه حقيقة متصفة بالوجود والحيوة وقيام ‏العلم به والإرادة، وثبوت التناسب بينه وبين ما يريد ادراكه، مع ارتفاع ‏الموانع العائقة عن الادراك، فما أدرك ما أدرك الا من حيث كثرته، لا من ‏حيث أحديته. وكثرة الجميع محسوسة والأحدية فيها معقولة
وحقيقة كل موجود عبارة عن نسبة تعينه في علم ربه أزلا وابدا، ويسمى ‏باصطلاح المحققين من أهل الله عينا ثابتة. والحق سبحانه من حيث وحدة ‏وجوده لم يصدر عنه الا الواحد - لاستحالة اظهار الواحد غير الواحد - ‏وذلك عندنا هو الوجود العالم المفاض على أعيان المكونات - ما وجد منها ‏وما لم يوجد مما سبق العلم بوجوده - وهذا الوجود مشترك بين القلم الاعلى ‏الذي هو أول موجود المسمى أيضا بالعقل الأول، وبين سائر الموجودات.‏
ثم إن هذا الوجود الواحد العارض للممكنات المخلوقة ليس بمغاير في الحقيقة ‏للوجود الحق الباطن المجرد عن الأعيان والمظاهر الا بنسب واعتبارات: ‏كالظهور والتعين والتعدد وقبول حكم الاشتراك ونحو ذلك من النعوت التي ‏تلحقه بواسطة التعلق بالمظاهر.‏
فللوجود المطلق - ان فهمت - اعتباران: أحدهما: من كونه وجودا فحسب، ‏وهو الحق من هذا الوجه - كما سبقت الإشارة إليه - لا كثرة فيه ولا تركيب ‏ولا صفة ولا نعت ولا اسم ولا رسم ولا نسبة ولا حكم، بل وجود بحت - ‏وقولنا: هو وجود للتفهيم، لا أن ذلك اسم حقيقي له، بل اسمه عين صفته ‏وصفته عين ذاته - إذا اعتبرت فيه - فكماله نفس وجوده الذاتي الثابت له من ‏نفسه لا من سواه، وحياته وقدرته عين علمه، وعلمه بالأشياء أزلا عين ‏علمه بنفسه، تتحد فيه المختلفات وتنبعث منه المتكثرات، وله وحدة هي نفس ‏كل كثرة وبساطة هي عين كل تركيب آخر، وكل ما يتناقض في حق غيره ‏فهو له على أكمل الوجوه ثابت، لا ينحصر في المفهوم من الوحدة أو الوجود، ‏ولا ينضبط بشاهد ولا مشهود. فانيته تعالى لا تدركها من هذه الحيثية العقول ‏والأفكار ولا تحويه الجهات والأقطار، ولا يحيط بمشاهدته ومعرفته البصائر ‏والابصار، وعنايته في الحقيقة إفاضة نوره الوجودي على من انطبع في ‏مراة عينه، واستعد لقبول حكم ايجاده ومظهريته، ليس كمثله شئ من الوجه ‏الأول، وهو السميع البصير من الوجه الثاني‎.‎
‏ وهو سبحانه من هذا الوجه إذا لمح تعين وجوده مقيدا بالصفات اللازمة لكل ‏متعين من الأعيان الممكنة، وما يتبع تلك الصفات من الأمور المسماة شئوناً، ‏وخواص وعوارض الآثار التابعة لاحكام الاسم الدهر المسماة أوقاتاً، ‏والمراتب والمواطن، فان ذلك التعين والتشخص يسمى خلقاً وسوى، ‏وينضاف إليه سبحانه، إذ ذاك كل وصف ويسمى بكل اسم ويقبل كل حكم ‏ويتقيد في كل مقام بكل رسم، ويُدْرَك بكل مشعر من بصر وسمع وعقل وفهم ‏وغير ذلك من المدارك والقوى، فاذكر واعلم‎.‎

ويقول عبد الكريم الجيلي في (الإنسان الكامل) : (إذا تجلّت ذات الحق ‏سبحانه وتعالى على عبده بصفة من صفاتها، سبح العبد في فلك تلك الصفة ‏إلى أن يبلغ حدّها بطريق الإجمال لا بطريق التفصيل. فإذا سبح العبد في فلك ‏صفة واستكمالها بحكم الإجمال استوى على عرش تلك الصفة، فكان ‏موصوفاً بها، فحينئذ تتلقاه صفة أخرى، فلا يزال كذلك إلى أن يستكمل ‏الصفات جميعها‎.‎
ثم يا أخي لا يشكل عليك هذا ، فإن العبد إذا أراد الحق سبحانه وتعالى أن ‏يتجلى عليه باسم أو صفة، فإنه يُفني العبد فناء يعدمه عن نفسه، ويسلبه عن ‏وجوده؛ فإذا طمس النور العبدي، أقام الحق سبحانه وتعالى في الهيكل العبدي ‏من غير حلول من ذاته لطيفة غير منفصلة عنه ولا متصلة بالعبد عوضاً ‏عما سلبه منه، لأن تجليه على عباده من باب الفضل والجود، فلو أفناهم ولم ‏يجعل لهم عوضاً عنهم لكان ذلك من باب النقمة، وحاشاه من ذلك، وتلك ‏اللطيفة هي المسماة بروح القدس‎.‎
فاذا أقام الحق لطيفة من ذاته عوضا عن العبد ، كان التجلي على تلك ‏اللطيفة. فما تجلي الا على نفسه، لكننا نسمي تلك اللطيفة الإلهية عبدا باعتبار ‏أنها عوض عن العبد، و الا فلا عبد ولا رب، اذ بانتفاء المربوب انتفي اسم ‏الرب، فما ثم الا الله تعالي وحده).‏

‏___________________________________________‏
‏(1) ‏What is source Esther Hicks
https://www.google.com/search?sxsrf=APq-‎WBtIVvYrHhkrkpuYiJ6WEPs5yEJ0Hg:1650856516859&q=What+is+source+Esther+Hicks%3F&sa=X&ved=2ahUKEwjpsIzin673AhWx57sIHTAuBs8Qzmd6BAgUEAU&biw=1366&bih‎=635&dpr=1
‏(2) للتوسع أحيلك على كتب لازاريف وكتاب نيل دونالد والش (حديث مع ‏الله) والمترجم تحت عنوان (سماؤك الداخلية).‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو