الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا نقد الإسلام وليس الاديان الأخرى؟

عذري مازغ

2022 / 4 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في الفضاءات المفترضة غالبا ما يطرح هذا السؤال: لماذا العلماني واللاديني دائما يتعاطف مع المسيحية وينتقد الاسلام؟ والإشكال في كل هذا هو وحتى لو كان العلماني هذا موضوعيا يلتزم بنفس المسافة من الأديان سيبقى نفس السؤال مطروحا لاعتبارات خاصة بالمجتمعات في المشرق وشمال إفريقيا لسبب هو ان الدين في هذه المجتمعات يدخل في نمطية الحياة الاجتماعية باعتباره عامل يدخل في بنية هذه المجتمعات ويؤطر حتى تلك التفاصيل الدقيقة والخاصة: كيف تلج باب منزلك، كيف تنام في فراشك، كيف تأكل وغير ذلك من التفاصيل اليومية الدقيقة، لكن هذا كله لم يطرح إشكالا فيما سبق لاعتبارات تتعلق بالتربية الموروثة، أي ان الأفراد يرثون هذه الأمور منذ الصغر لدرجة يعتبرها المرأ فطرية رغم انها ليست كذلك. لكن لماذا عادت هذه الأمور إلى الواجهة رغم أن الناس اخذت عليها بالوراثة؟ هذا هو الذي لا يطرحه المتدين والشيخ.
بدئيا يجب ان نعلم ان هذه الأمور كانت متناغمة مع الذت إلى أن حصل إكراه فيها، اجتماعيا كانت أمورا تلقائية لا تثير أي انتباه، كانت إرثا تربويا وكان الناس يتفهمون مسلكيات اجتماعية استثنائية كالذي يستعمل يداه اليسرى اكثر من اليمنى، إنهم جميعا مومنون وكان معذورا اجتماعيا الي يستعمل يسراه، حتى وإن لم تكن مجتمعاتنا علمية لدرجة تفهم لماذا بعض الناس يولدون مفطونين بتقديم حركاتهم باليسرى اكثر من اليمنى، أي ان المجتمع أصلا ورث أيضا وجود هذا الاستثناء ولم يكن يلح على تصحيحه إلى أن جاءت التيارات الراديكالية المتدينة لتعيد توزيع نمط التكفير وفق سياسات تصويغ هيمنتها من خلال الإلحاح على الأفراد في توريث نوعها لهم: نفسانيا إن الذي يقنعني على تقديم يمناي على يسراي يسبقني درجة في الإيمان، إنه ساعدني في نجاة يدي اليسرى من الاحتراق في الآخرة (هؤلاء أذاعوا حتى مسألة احتراق الأطراف وفقا أو تماهيا مع قانون حمورابي:"تحرق العين التي رات شرا ولم تقومه، واليد التي لم تتدخل في فك خصام، بخلاصة: توزيع الذات إلى أطراف تحاسب في "القيامة واليوم الآخر"، هو شكل من تكفير الأطراف لتكفير الذات)، إنها بذرة التابع للمتبوع وإغراق الذات بالذنوب ليسهل السيطرة عليها، وهكذا في باقي التفاصيل الدقيقة الأخرى، بشكل عام، إن أغلب الناس مومنون لكن الركب على بعض "سلبياتهم" يمنح تفوقا للتيارات المتدينة باعتبارهم يمثلون القيم الكاملة، الذات الكاملة التي لا أطراف لها شريرة، هذا بشكل ما، طريقة توغل تيار ديني مذهبي معين لتأطير الناس وإقناعهم ثم خضوعهم له.. هذا الأمر مارسته المسيحية قبلا وديانات أخرى وليس من داخل الإسلام فقط، لكن في المسيحية حسم الأمر لصالح التعايش المبني على المدنية، الآن في زمن تعويم أو كوننة القيم الأخلاقية، تلتزم الكنيسة في حيادها عن قناعات الناس بعد صراع تاريخي طويل كما قلت في البداية بينما الإسلاميون والمتأسلمون انتبهوا فجاة دفاعا عن القيم، هذا هو الظاهر، لكن التوجه إلى الهيمنة السياسية هو الباطن الذي لم تفصحه في البداية رغم انه هو الهدف: إغراق الناس بالذنوب من خلال أطراف جسمها يحيل النظر في نفس الوقت إلى الحاكم الغارق بالذنوب أكثر لأجل تأكيد أحقية الواعظ المتأسلم بالسلطة، لكن هناك إشكال آخر: لماذا التركيز على الأخلاق بالإسلام في الصراع السياسي وليس التركيز على قضايا الاقتصاد والتنمية وغير ذلك؟ ببساطة لأن حقول الصراع الأخرى تحتلها أحزاب مدنية أخرى: الإسلاميون لا يملكون مشروعا مجتمعيا يساهم في التنمية، في التعليم، في الصحة والبطالة وغيرها ولم تكن لديهم في البداية آليات نضالية غير النص القرآني والحديث الذان بهما تذنب الأطراف لإغراق المجتمع بالذنوب، وفي هذا تتقاسم الدولة معهم هذا الحقل من خلال نظام مأسسة الإسلام الذي تمارسه الدولة: الناس على دين ملوكها كما قال ابن خلدون، والدولة أيضا تشرعن وجودها دينيا من خلال هذه المؤسسات التي لها تأطير اكبر من اي تيار إسلامي، لم تكن لديهم قاعدة اجتماعية مناضلة وهذا ما سيتداركوه تاليا من خلال تقسيم الطبقة العاملة بالدين: النقابات ملحدة وعليه يجب خلق نقابات إسلامية، وهو توجه انتهازي اكثر منه عمل نقابي: النقابات العمالية لا تجبر الناس على ترك إيمانها. انتهازية لسبب بسيط: استغلال دور العمال في نضالهم الاجتماعي الاقتصادي بدرجة اولى وتوجيههم ليكونوا جبهة سياسية بالدين: "نريد دولة إسلامية"، ها هو إذن الدين يتحول من علاقة الفرد بالله إلى علاقة الفرد بالسياسة، أي انه يتحول إلى صراع سياسي اجتماعي وحين يصبح الدين سياسيا يصبح في الآن نفسه شكلا من اشكال الصراع الاجتماعي ، أي أنه يتخلى عن دوره الروحي، يتخلى عن تنزيهه، وحين يصبح هكذا يصبح في نفس الوقت طرفا في الصراع لا يمكن للعلماني او لا ديني في المشرق او شمال إفريقيا أن يتجنبه، لم يعد الله الإسلامي النزيه هو المشكلة بل الله غير النزيه بالسياسة هو المشكلة، فهو من جانب توظفه الدولة من خلال مأسسة الدين وتوظفه التيارات الإسلامية من خلال إغراق الأفراد واطرافها بالذنوب..
نعم في الغرب هناك أحزاب مسيحية مسيسة تلعب نفس دور ما تلعبه الأحزاب الإسلامية لكن الكنيسة باعتبارها مؤسسة مستقلة لا تتدخل كما تتدخل المساجد في العالم الإسلامي، ولها مشروع اجتماعي واقتصادي وكل ما تطرحه مسيحيا هي امور قد يتبناها حتى العلماني واللاديني مثل قضية الإجهاض (هناك علمانيون مثلا لا يتبنون قضية الإجهاض باعتبار الجنين كائن حي وله الحق في الحياة وليس لسبب ديني) لكن هذه الاحزاب لا تتدخل في فرض سياسة إغراق الجسم بالذنوب من خلال فرض حجاب أو مدرسة للإناث وأخرى للذكور وغير ذلك من تفاهات الإسلاميين المناهضين لغريزة الافتتان) وهذا الدور تلعبه في المشرق وشمال إفريقيا كل الأحزاب اليمينية إضافة إلى الدولة نفسها.
ينتقد علمانيو المشرق وشمال إفريقيا الإسلام ليس لأن الأمر يتعلق بتناقض خاص بالإسلام فقط ولا ينتقد الأديان الأخرى بل فقط لأن الإسلام في بيئتنا منمط بالحياة العامة، إذ يجده موجود في كل شيء بشكل لا يمكن تجنبه نقدا أو إيمانا وفي البلدان المسيحية مثلا لا يمكن لعلماني ان ينتقد المسيحية إلا فيما يتعلق بالمشترك الاجتماعي، العلماني مثلا يؤيد حقوق المثليين والكنيسة لا وإن كانت مواقفها متفاوتة في هذا الأمر، أي هناك تيارات من داخلها تؤيد حقوق المثليين، في الإسلام مثلا هناك نصوص تتكلم عن مثليين عايشوا الرسول ولم يكن له موقف سلبي منهم ومع ذلك لا نجد هذه النصوص إلا في مراجع نادرة جدا وهذا يعني ان رفض حقوقهم في مجتمعاتنا ليس أمرا دينيا بل أمر ذكوري محض.
عندما يتمأسس الدين سواء في تحوله كمؤسسة الدولة او كمؤسسة حزب او تيار (نلمس هذا من خلال وجود مساجد خاصة بتيارات إسلامية معينة: مساجد للشيعة، أخرى للسنة، أخرى لتيار عبد السلام ياسين بالمغرب وأخرى لجماعة التوحيد) فهذا يعني ان تلك التيارات وتلك الأحزاب أو تلك الدولة قتلت تنزيه الدين، لم يعد منزها بل اصبح موضوعا اجتماعيا، أي انه تحول إلى صراع اجتماعي لا يمكن الحياد معه او الوقوف منه بمسافة بعيدة كالوقوف من الديانات الأخرى التي أصلا وجودها في دولنا مقنن ولا تأثير كبير لها.
دسترة القرآن هو شكل من اشكال تجسيد السلطة المطلقة، في هذا السياق كان القرآن بما هو نص ديني يحتفظ بجدلية التأويل فعبر التاريخ خضع الفقه فيه لاجتهادات عديدة (هذه الاجتهادات كما يقول حسين مروة هي تعبيرات لصراعات اجتماعية معينة) لكن لا باس هنا فالأمر كان مقبولا اجتماعيا فالناس بشكل عام تقبل به كنص إلهي وتختلف حوله بحسب اجتهادات المذاهب والمذاهب في الاسلام، بشكل عام لا تكفر بعضها إلا في ذروة الصراع السياسي اثناء قيام دعوة دولة أو إمارات معينة ضد أخرى كانت سائدة (قد تتناحر هذه الإمارات فيما بينها ايضا في وقت الذروة هذه، هذا كان تاريخيا وهكذا ايضا نراه اليوم في العراق وسوريا وقبلهم لبنان)، لكن بشكل عام في مجتمعات الفقه الإسلامي نجد هذا الاستئناس، استئناس إمام باجتهاد او تأويل إمام آخر في موضوع معين، استئناس يبرر ما ذهب إليه فقه معين في إصدار فتوى كذا او كذا، وبشكل عام وتاريخيا كان القرآن مصدر تأويل ولم يتكلم احد على انه دستور إلا في قيام الدعوات القومية بالإسلام ، كان سابقا يشرع لغويا (ظاهر اللغة وباطنها)، كان يشرح باسباب التنزيل، ثم اصبح في الفلسفة يشرح بالعقل (مقولة ابن رشد في هذا السياق وإن كان العقل نفسه في شروط تاريخية معينة يخضع للمنطق النسبي)، لكن طرح دستوريته في هذا الزمن تثير أكثر من تساؤل باعتباره نص غير فصيح بمعنى انه لازال يعد نصا قابلا للتأويل وليس نصا واضحا تماما، إنما تعني دسترته في تناوله من طرف الأحزاب السياسية بالإسلام شكلا معينا من التشريع يخدم هيمنة هذه الاحزاب وتأبيد هيمنتها، نفس الشكل الذي به الدولة تمأسس الإسلام من حيث تجعله يخم مصلحتها في السيطرة حيث كل المجتمهات المناهضة لها، بم فيهم الأحزاب الإسلامية نفسها، تطعن في جانب دسترة الدولة للقرآن، أي انها تمارس نقضا للنصوص من حيث تخدم مصلحتها في هزم الدولة، ومعنى هذا ببساطة ان دسترة القرآن، وضعه كدستور للأمة لا يختلف كثيرا عن دسترته من خلال مأسسة الدولة المسيطرة للإسلام، اي تسييد تأويل معين على حساب التأويلات الأخرى وفي كل هذا، الامر السياسي لا يتعلق اساسا بالنص القرآني بل يتعلق بسياسات تخلق مجتمعا متقدما غير مأزوم اقتصاديا وتعليميا وصحيا وسكنيا وغير ذلك: نصوص القرىن لا تحث على بناء مساكن ومصاحي وتوفير الشغل وغير ذلك فكيف سيكون دستورا؟
في المغرب مثلا، نقد الدولة القائمة، في جانب منه، هو نقد للتوظيف الديني لهذه الدولة، في المحصلة الأخيرة هو نقد للدين باعتباره واحد من ثوابت الدولة، نفس الشيء حين يحكم حزب بالإسلام ويدستر القرآن.
كيف نتجنب نقد الدين وهو منمط في حياتنا السياسية؟
بتنزيهه من السلطة السياسية وعدم تنميطه بحياتنا الاجتماعية لكن هذا من داخل الإسلام غير ممكن، ما العمل؟
العمل هو نقده ونقضه، هذا الفعل الإرادي في النقد والنقض هو قبل كل شيئ رد فعل على سياسة تنميطه والمسؤولية هنا تعود بالدرجة الأولى إلى من ينمطوه وليس للعلماني او اللاديني .
الإشكالية في المجتمعات الإسلامية في كون المسألة الدينية تواجه بقوة من طرف العلماني واللاديني هي كونها تحتل جزءا كبيرا في الصراع الاجتماعي، نقض النظام القائم بالدين نفسه من موقع الدين في تأويل آخر له ليس حلا بل تسييد فهم معين لتأويل معين للدين على آخر، إن مثلا حلا اقترحه وزير سابق في الحكومة الاسلامية بالمغرب وهو استاذ فلسفة بخصوص سياحة الفقراء بالمغرب لخير دليل على ان الحزب السياسي ذاك الذي ينتمي إليه ذلك "الفيلسوف" يشبه الحل الذي يقدمه الإسلام لعاشقي النبيذ: محروم عليكم في دنياكم، لكنه حلال في الجنة، اقتراح الوزير كان: تخيل انك تتسيح في مكان رائع وجميل (يقصد سياحة في الخيال ). هذا الاقتراح بكل سذاجته يعني أن الإسلاميين بالمغرب يفتقدون برنامج تحسين وضع المواطنين، تحسين وضعيتهم الاجتماعية بشكل تسمح لهم بالسفر والسياحة. بينما نقض السياسي من موقع سياسي امر مشروع لسبب بسيط، السياسة غير مقدسة، هي نمط متحول وليست نص ثابت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أشاطرك الرأي
حميد فكري ( 2022 / 4 / 28 - 02:45 )
تحليل علمي رائع ،والحقيقة أن الإسلام منذ أن ظهر كان حقلا للصراع الطبقي بما هو صراع سياسي بين مصالح متناقضة .
لكن الحقيقة الثابة هي أن الإسلام ،مجرد فكر بدوي ارتبط بواقع إجتماعي وتاريخي معين لا علاقة له البتة بواقعنا التاريخي المعاصر،بل هو لايصلح الأن حتى لشبه الجزيرة العربية ،نظرا لاختلاف السياق . الإسلام بات مجرد إرث متوارت كأي شيء ٱ-;-خر مثل التقاليد والعادات ،وأغلب المسلمين ،يمارسونه بهذا الشكل بدون وعي منهم . تحياتي رفيقي مازغ