الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرات نقدية في الاعتكاف بالعشر الأواخر من رمضان

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2022 / 4 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بالنسبة للاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان جائتني رسائل تطلب بشكل متكرر رأيي فيه، وسأجيب في هذا المقال بشكل مفصل دون استطراد

وفي البداية تعريف الاعتكاف من حيث الاصطلاح: هو المداومة على البقاء في المسجد بالعشر الأواخر من رمضان، حيث يتحرى فيه المعتكفون ليلة القدر، ومن حيث اللغة: هو الاستمرارية والدوام على الشئ ، عكف على شئ أي استمر في عمله والحرص عليه..

معظم فقهاء المسلمين يقولون بسنة الاعتكاف لأحاديث في ذلك وردت في السنن، أن الرسول كان يعتكف في المسجد ليتحرى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، لكن ما هو المسجد وهل يجوز ذلك في كل المساجد ففي الأمر تفصيل:

أولا: يوجد فارق بين كلمة "المسجد" وكلمة "الجامع" الأولى تعني مكان السجود، فيمكن أن تسمى السجادة أو الأرض الفضاء مسجدا مهما كانت مساحتها صغيرة أو كبيرة، بينما الجامع هو المكان الذي يتجمع فيه المصلون بأعداد للصلاة، فكل جامع هو مسجد إذا ذكر في مقام العبادة، لأن هناك جوامع ليست للعبادة كالأسواق، بينما كل مسجد ليس شرطا أن يكون جامعا لأن مسجد الفرد قد تكون غرفة نومه، وبذلك فقوله تعالى "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" [البقرة : 187] لا يعني الاعتكاف الجماعي، بل يدل على عكوف ومداومة في مسجد صغير بالبيت أو أي مكان للصلاة..

ثانيا: مساجد الناس قد تكون في البيت أو العمل كالبيع والتجارة والرعي..إلخ، فيظهر من الآية أن الله قد نهي العاكفين بتلك المساجد للصلاة عن مباشرة النساء التي اختلف في معناها بين الفقهاء، هل تعني الجماع أو الشهوة بكل أنواعها، وهذا ليس بيت القصيد..ويظهر أن بعض الناس لم يكونوا يحترمون مساجدهم في صدر الدعوة لحداثتهم بالإسلام وخلطهم بين الدعوة الجديدة وطقوسهم القديمة التي لم تكن تحرم هذا الشئ، فنزل النهي عن المباشرة في مكان العبادة – أيا كان هو- احتراما وتقديرا للمكان..

ثالثا: الله في القرآن لم يذكر لفظ "الاعتكاف" الذي يعني العُزلة والانقطاع، بل ذكر العكوف بلفظين "عاكفون" "وعاكفين" وكلاهما يعني الدوام والاستمرارية في العبادة أو الشرك كما في قوله تعالى " يعكفون على أصنام لهم " [الأعراف : 138] وقوله تعالى " إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" [الأنبياء : 52]، والخلط بين اللفظين (اعتكاف وعكوف) حدث لطغيان الرواية على القرآن في عصر متأخر، (فالمعتكف) هو منقطع عن الدنيا ومعزول كمن يعتكف في الصحراء أو عن المجتمع والناس، بينما (العاكف) هو الحريص والمداوم على فعل الشئ، وبالتالي فالقرآن يقصد المعنى الثاني وهو الاستمرارية والدوام في العبادة التي قد تكون جزئية ثم تعود، وهو لا يعني العزلة، فالعاكف على صلاته والمداوم عليها بالتهجد والقيام وغيره قد يختلط بالناس عادي ويذهب لعمله ويعيش كإنسان بشكل طبيعي..

رابعا: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان بمعنى الانقطاع والعزلة عن العالم جاء في الأحاديث والروايات بخبر الواحد، ولم يذكر في القرآن مطلقا ولا يوجد في كتاب الله ما يدل على معناه ولا حتى توقيته..

خامسا: اختلف في مكان الاعتكاف ويقول في ذلك الإمام وشيخ المفسرين " فخر الدين الرازي" المتوفي سنة 606 هـ: " اتفقوا على أن شرط الاعتكاف ليس الجلوس في المسجد وذلك لأن المسجد مميز عن سائر البقاع من حيث إنه بني لإقامة الطاعات فيه، ثم اختلفوا فيه، فنقل عن علي رضي الله عنه أنه لا يجوز إلا في المسجد الحرام، والحجة فيه قوله تعالى: أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين [البقرة: 125] فعين ذلك البيت لجميع العاكفين، ولو جاز الاعتكاف في غيره لما صح ذلك العموم وقال عطاء: لا يجوز إلا في المسجد الحرام ومسجد المدينة، لما روى عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي» وقال حذيفة: يجوز في هذين المسجدين وفي مسجد بيت المقدس لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» وقال الزهري: لا يصح إلا في الجامع وقال أبو حنيفة: لا يصح إلا في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب، وقال الشافعي رضي الله عنه: يجوز في جميع المساجد، إلا أن المسجد الجامع أفضل حتى لا يحتاج إلى الخروج لصلاة الجمعة، واحتج الشافعي رضي الله عنه بهذه الآية لأن قوله: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد عام يتناول كل المساجد" (التفسير الكبير 5/ 276)

سادسا: من كلام الرازي تبين ما يلي:
1- الاعتكاف لا يعني العزلة والانقطاع في المسجد، فرد الكلمة لأصل العكوف ودرج عليها من حيث اللفظ، وهنا الرازي يبطل مذهب المعتكفين قولا واحدا ويقول أن ما يفعلوه خطأ، بل قال أن في رأيه اتفاقا بين العلماء في عصره مما يدل على أن صيغة الاعتكاف التي نراها الآن في العشر الأواخر لم تكن موجودة في عصر الرازي..
2- المساجد أنزه وأجلّ من الإقامة الدائمة فيها، كونها لم تخلق لذلك
3- الإمام علي بن أبي طالب يقول: لا اعتكاف سوى في المسجد الحرام
4- الإمام عطاء أحد كبار المفسرين يقول : لا اعتكاف سوى في المسجدين الحرام والنبوي
5- الإمام حذيفة يقول ثلاثة مساجد فقط (الحرام والنبوي والأقصى)
6- الإمام الزهري أحد كبار المحدثين يقول: لا يصح إلا في الجامع أي مكان تجمع الناس
7- أبو حنيفة: الاعتكاف في كل مسجد له مؤذن وإمام
8- الشافعي: يجوز في كل مسجد بالعموم إلا أن الجامع أفضل

سابعا: من النقطة السابقة تبين أن الاعتكاف مختلف عليه بشدة بين سلف المسلمين، وأن الذي يحدث الآن هو ترجيح المذهب الشافعي في العكوف الذي أوّل كلمة المساجد في القرآن بالجوامع فخرج عن منطوق اللفظ ومعناه في اللغة ، لكنه مع ذلك يخالف المذاهب جميعها – وفقا لرأي الرازي – بالعزلة والانقطاع، فيكون المعتكف حاليا يلزم المذهب الشافعي في العكوف والاستمرارية في العبادة لكن يخالفه في أصل النهي عن الإقامة الدائمة والجلوس..

ثامنا: مفاسد الاعتكاف بصورته الحالية كثيرة، فهي تعني إهانة للمسجد من حيث كون المعتكف ينام ويقوم ويطبخ ويأكل ويحدث أصواتا وضجيجا داخل المسجد، غير الأرواح الكريهة التي تخرج منه في النوم ومن أثر إقامته الدائمة، فالأصل أن الجوامع ليست للإقامة بل للعبادة والتأمل والخشوع في الصلوات، والخطب العامة للتهذيب والتربية، علاوة على استغلال موسم الاعتكاف سياسيا للتجنيد والحشد المذهبي والأيدلوجي والسياسي ضد الدولة والخصوم من الأحزاب والمذاهب..وأنا شخصيا تم تجنيدي في الإخوان عن طريق الاعتكاف في طفولتي أنا وسائر زملائي دون اسثناء، حيث كان موسم الاعتكاف الرمضاني فرصة كبيرة للتجمع والتعارف بين الجماعة والتنظيم وطمأنة وتشجيع العناصر الجديدة..

تاسعا: الاعتكاف الحقيقي يجوز بصوم أو بدون صوم، يعني تفسير العكوف القرآني على أنه يحدث في غير رمضان شئ عادي، قال الرازي :" يجوز الاعتكاف بغير صوم والأفضل أن يصوم معه، وقال أبو حنيفة لا يجوز إلا بالصوم، حجة الشافعي رضي الله عنه هذه الآية، لأنه بغير الصوم عاكف والله تعالى منع العاكف من مباشرة المرأة ولو كان اعتكافه باطلا لما كان ممنوعا ترك العمل بظاهر اللفظ إذا ترك النية فيبقى فيما عداه على الأصل واحتج المزني بصحة قول الشافعي رضي الله عنهما بأمور ثلاثة الأول: لو كان الاعتكاف يوجب الصوم لما صح في رمضان، لأن الصوم الذي هو موجبه إما صوم رمضان وهو باطل لأنه واجب بسبب الشهر لا بسبب الاعتكاف، أو صوم آخر سوى صوم رمضان، وذلك ممتنع وحيث أجمعوا على أنه يصح في رمضان، علمنا أن الصوم لا يوجبه الاعتكاف والثاني: أنه لو كان الاعتكاف لا يجوز إلا مقارنا بالصوم لخرج الصائم بالليل عن الاعتكاف لخروجه فيه عن الصوم، ولما كان الأمر بخلاف ذلك، علمنا أن الاعتكاف يجوز مفردا أبدا بدون الصوم والثالث: ماروى ابن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف الله ليلة فقال عليه الصلاة والسلام: «أوف بنذرك» ومعلوم أنه لا يجوز الصوم في الليل.

عاشرا: من النقطة السابقة تبين بالأدلة أن العكوف القرآني الجائز في الشريعة يحدث في رمضان وغير رمضان، وأن تخصيصه في رمضان جاء بأثر الروايات الموضوعة في حق تقديس شهر رمضان وليلة القدر، وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره " وقد ظن الذين تصدوا للتفسير منذ عصر الرواية أن الآية مشكلة ، ورووا في حل الإشكال أن القرآن نزل في ليلة القدر من رمضان إلى سماء الدنيا ، وكان في اللوح المحفوظ فوق سبع سماوات ، ثم أنزل على النبي منجما بالتدريج ، وظاهر قولهم هذا أنه لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان منه شيء خلافا لظاهر الآيات ، ولا تظهر المنة علينا ولا الحكمة في جعل رمضان شهر الصوم على قولهم هذا لأن وجود القرآن في سماء الدنيا كوجوده في غيرها من السماوات أو اللوح المحفوظ من حيث إنه لم يكن هداية لنا ، ولا تظهر لنا فائدة في هذا الإنزال ولا في الإخبار ، وقد زادوا على هذا روايات في كون جميع الكتب السماوية أنزلت في رمضان ، كما قالوا : إن الأمم السابقة كلفت صيام رمضان .
قال الأستاذ الإمام : ولم يصح من هذه الأقوال والروايات شيء وإنما هي حواش أضافوها لتعظيم رمضان" (تفسير المنار 3/ 130)

والشيخ رضا يقصد بالأستاذ الإمام يعني (محمد عبده)

أي كان الشيخ محمد عبده يستنكر هذه الروايات الموضوعة لتعظيم رمضان وجعله من مجرد شهر وموسم سنوي للصيام إلى كونه أصل الدين والمبالغة في شحن الجماهير للعبادة فيه دون غيره، وهو ما ورثه المسلمون إلى اليوم، حيث يظنون أن عبادة هذا الشهر بالذات تكفيهم لغفران ذنوبهم طول العام..وهو غير صحيح بالمجمل، فالإنسان سوف يحاسب على كل صغيرة وكبيرة فعلها بالدنيا، وهو ما يتفق مع القرآن المحكم فلا مجال لرده..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طريق وعر وسالكه مجنون
سهيل منصور السائح ( 2022 / 4 / 27 - 04:59 )
اخي الكريم بعد التحية. انت اتيتنا بتفاسير المذاهب السنية وماذا عن المذاهب الشيعية (الاثنا عشرية والاباضية والزيدية والاسماعيلية)؟؟؟؟؟.انا يا خي اسال هل حقا ان دين من عند الله يترك مجهولا وتاتي ارباب المذاهب لتفسره لنا وكل له رايه بعد 200 سنة من بدء الدعوة؟؟. ما هو اجتهاد الامم المتحدة ومجلس الامن في هذا الخصوص؟؟. وهل لـ George Bush الاب راي في هذا لان التجمعات في المساجد ربما يخلق الموآمرات التي تتعارض مع مصالح الدول الكبرى. وهل الاعتكاف في المساجد هو السبيل لدخول الجنة ؟؟؟. وهل كل ما حدث في صدر الاسلام ساري المفعول الى يوم القيامة والزمن غير الزمن والبشر غير البشر وهل الله الحقيقي محتاج لهذه الفوضى ام لكل دين الآهه الخاص ؟؟؟.شيء محير!!!.واخيرا: طريق وعر وسالكه مجنون.


2 - سيد سهيل
ابو ازهر الشامي ( 2022 / 5 / 2 - 21:55 )
الاباضية ليست مذهبا شيعيا
وهي الطائفة الاسلامية الوحيدة القديمة التي لا تنتمي للتيارين السني والشيعي
وبقيت موجودة
هنالك طوائف اخرى لا تنتمي للسنة والشيعة مثل القدرية والخوارج
ولكن كلهم انقرضوا للاسف

اخر الافلام

.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل


.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل




.. العقيدة النووية الإيرانية… فتوى خامنئي تفصل بين التحريم والت


.. العالم الليلة | ليست نيتساح يهودا وحدها.. عقوبات أميركية تلا




.. شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ