الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دقيقة صمت.. رجاء

حسام علي

2022 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


فوق ركام تلك المنازل، كان الاطفال يقفزون مرة هنا ومرة هناك. ولما كانوا يريدون اللعب، لم يكن أمامهم غير ان يلعبوا بما خلفته تلك الغارات الوحشية الهمجية من حطام أو أجسام غريبة لم يشاهدها هؤلاء الأطفال المساكين، من قبل. فحتى لعبهم الحقيقية قد دمرتها قنابل العدو.
في ذلك اليوم، بعد أن ارتفع صوت الغارة الجوية التي أرعبت الكل إيذاناً باقتراب طائرات العدو نحو سماء المدينة. راح الجميع يسابقون الخطى للوصول الى الملجأ قبل أن تصل الطائرات، تلك الطائرات التي عودتهم أن تقصف بعشوائية ودون تمييز بين هدف مدني أو عسكري. حتى المدارس والمستشفيات لا تنجوا من هجماتها.
انتبه في تلك اللحظة، عماد، الى صوت أبيه المرتعب وهو يناديه، أسرع يا عماد أسرع، أترك اللعب الآن وهلم معي الى الملجأ. ألا تسمع صوت الغارة الجوية. وفعلاً ترك عماد وباقي رفاقه اللعب وتوجهوا مسرعين الى الملجأ بصحبة ذويهم الذين لحقوا بهم أيضاً.
كان عماد في كل لحظة يتأخر فيها قليلاً عن أبيه، يصرخ أبوه به لكي يعجل في خطواته لئلا يبدأ القصف. فيقول له: هيا يا عماد، هيا يا بني، أسرع في خطواتك أكثر. لكن عماد .. الطفل المسكين لم يكن بيده حيلة، إلا أن يجبر نفسه على الركض أسرع تلبية لطلب ابيه.
في ذلك اليوم، لم يشأ القدر أن يبتسم مرة أخرى للاثنين، بعد ان تعود عماد وأبوه الوصول الى الملجأ والاختباء فيه في الوقت المناسب. لأن القصف العشوائي قد بدأ، وهذه المرة، سقطت قنبلة قرب عماد وأبيه، وماهي إلا لحظات حتى انتشرت الشظايا هنا وهناك، بلمح البصر.
لم يدرك عماد ما حصل بالضبط، سوى أنه لا يزال يتذكر أن أبيه قد احتضنه بأسرع من لحظة انتشار الشظايا، لقد كانت كلتا يدي أبيه تلتفان حوله ورأس أبيه يغطي رأسه، استمر القصف العشوائي فترة تحليق طائرات العدو طويلاً في سماء المدينة، كانت الاجواء مخيفة ومرعبة، لم يدر بخلد أحد ماذا سيجري له أو ما سيجري للآخرين، الكل كان ضحية لتلك الغارة اللئيمة، والكل كان متهيئا ومستبسلاً لأن يكون هو الشهيد المنتظر، فليس باليد حيلة سوى ذلك ولم يتبق من مفردات الكلمات لهم سوى بعض منها، قليلات. طائرات تقصف وأحياء تنتظر المصير، وبعد أن نفذت تلك الطائرات فعلتها الوحشية، ساد بعدها صمت طويل، كانت المدينة بحاجة إليه، وظل الناس الذين لم يسعفهم الحظ لدخول الملجأ، ظلوا بانتظار أن يتأكد لهم خلو السماء من تلك الطائرات تماماً، مثلما كانوا يتأكدون بعد حين خلو أجسادهم من شظايا الانفجارات.
وبعد برهة، فتح عماد عينيه، فوجد أباه وقد تراكمت فوقه الأتربة وبعض الاحجار الصغيرة. همس باذنه وقال بصوت الخائف المرتبك: أبي، أبي، ممكن أن تنهض، فجسمك ثقيل، وأنا لا أكاد أتنفس. ولكن عماد لم يسمع جواب أبيه، فأعاد عليه رجاءه وطلب منه أن يتركه ينهض هو على الاقل، لكن الجثة بقيت هامدة على صدر عماد، أدرك عماد شيئاً، فحاول أن يبعث في نفسه الثقة والطمأنينة من جديد، فقال: يا ابتاه .. ألا تنهض، فصدري لا يحتمل وزنك، أيضاً لم يأت لعماد جواباً. وبعد أن فهم عماد وأدرك معنى صيحات نسوة كنّ على مقربة، استسلم للأمر الواقع، بدأت دموعه تنهمر وتتساقط شيئا فشيئا، حين وعده القدر، أن يبقى وحيداً في الحياة، هذه المرة !!
وهو يذرف الدموع، جالت عينا عماد يمينا ويسارا، صوب الابنية الأخرى التي دمرتها قنابل العدو، فشاهد الجثث الاخرى وقد غص بها الشارع، فتناول قبعته الصغيرة الزرقاء وحمل نفسه لينهض، لكنه وجد في ذلك صعوبة، لكن العزيمة والاصرار لدى عماد، جعلاه يقف على قدميه بعد أن حمل أبوه عنه ودفع به جانباً. وما هي إلا لحظات حتى طافت كل اطراف المدينة سيارات الاسعاف وسيارات الشرطة والاطفاء، وراح الرجال الشجعان، ينتشلون الجرحى الذين أصابتهم شظايا القنابل أولا، ثم الجثث التي انتشرت هنا وهناك. ولما جاء الدور لابيه، أذرف عماد دموعه كثيراً، لانها كانت اللحظة الاخيرة التي يشاهد فيها ابيه .. الشهيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا