الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المايسترو باركييڤ تسلاكيان أحد رواد الموسيقي في لبنان

عطا درغام

2022 / 4 / 28
مقابلات و حوارات


يُعتبر المايسترو باركييف تسلاكيان أحد رواد الموسيقي في لبنان، إذ استطاع أن يحفر اسمه في التاريخ الموسيقي بأحرف ذهبية ، وخصوصًا بعد تأسيس كورال" الفيحاء" في طرابلس لبنان ، الذي امتد تأثيره خارج لبنان، وقدَّم عدة حفلات في لبنان وعدد من الأقطار العربية وأرمينيا وأوروبا ، وحصد مع" الفيحاء" علي العديد من الجوائز العالمية، كما مثَّل لبنان في عدد كبير من المؤتمرات الموسيقية الدولية والعالم العربي.واستطعنا أن ندخل عالمه الموسيقي ، وننضم إلي " الفيحاء" ؛ لنتمازج مع روعة أدائها، وننسجم مع كلماتها العذبة، فخرج لنا هذا الحوار ،الذي تناول مسيرته الفنية ، ودور "الفيحاء" في نشر الموسيقى في المنطقة العربية والعالم.
- ماذا عن النشأة والبدايات ..؟
ولدت في بلدة عنجر في بقاع لبنان عام 1964 حيث لجأ والديَّ بعد الإبادة الأرمنية من لواء إسكندرون. كان والدي يعمل شيف "الباتيسري" في كازينو لبنان وتعرّض لحادث سير قاسٍ قبل ولادتي. فقد قسم الكلام في دماغه، وبات نصف أخرس وبدّل لاحقاً مهنته وبات مزارعاً. تحمّلت والدتي مسؤولياتها ،وامتهنت الخياطة وعشنا فقراء. كان والدي يمتلك أوكورديون، بدأت العزف عليه حين اكتشفته، وكان العقاب "قتلة" من أمي التي قررت منع تعاطي الموسيقى بحجة أنها لا تُطعم خبزاً. بدأت فك رموز النوتة وقراءتها بنفسي. وصدفة بدأت تدريب كورال الكنيسة عام 1986 ،وبالكاد كنت أعرف تحريك إصبعي. وعندما كنا بصدد حفل كان لا بد من قيادة الكورال. هكذا كانت البداية ،فيما كنت قبلها أعزف آلات النفخ جميعها. مع العلم أنني لم أقتنِ خلال طفولتي أي آلة موسيقية، فنحن كنا فقراء بمعنى الكلمة ،والحمد لله سنة 1992 تمّ فتح صف قيادة كورال في بيروت مع أستاذي المايسترو "هاروتيون طوبيكيان "( قائد الكورال الوطني في أرمينيا)، وكنت أول تلميذ بدأ معه، وآخر تلميذ يتركه على مدار ست سنوات. كما درست الموسيقى مع البروفيسور "يرفانت يرغانيان". بتّ محترفاً رغم كوني رغبت بأن تكون الموسيقى هوايتي فقط. تخلّيت عن مهنتي في مختبر الأسنان بعدما بدأت أتقاضى راتباً من بلدية طرابلس وتفرّغت للموسيقى.
- متى بدأت صلتك بالموسيقي ومن شجعك؟
لم يشجعني أحد في بداياتي، كان شغفي يقودني وراء الموسيقى أينما وجدت. والفضل الأكبر يعود إلى أستاذي الذي فقدته مؤخّرًا، المايسترو "هاروتيون طوبيكيان" الذي لم يقتصر تأثيره بي على الموسيقى فقط، بل كان له تأثير كبير أيضًا على بناء شخصيّتي كقائد كورال وكإنسان.
- قال أستاذك "العرب عندهم أعظم موسيقي"..ماذا تعني هذه الجملة؟ وكيف تأثرت بها؟
ولدت وكبرت في "عنجر" في بيئة أرمنية، وقد لا تصدق بأنني كنت أكره الموسيقى العربية. وعندما كنت أدرس الهارموني مع استاذي البروفسور" ييرفانت ييرغانيان" الآتي من أرمينيا، أخبرني إن أعظم موسيقى العالم سمعها الموسيقي العربية استغربت أمامه وتساءلت يومها عن الأسباب. وعندما بدأت التقرُّب من الموسيقى العربية أكثر منذ سنة 2003، بدأت اكتشاف عظمتها. وفي كل زيارة لي إلى أرمينيا التقي أستاذي مجدداً، وأشرح له جديداً تعلمته عن عظمة موسيقانا. وثمة واقعة مؤثِّرة في حياتي فعندما سمعت "أحمد العربي" لمرسيل خليفة وجدت نفسي منجذباً جداً إلى الموسيقى العربية، وهي بالتأكيد شكَّلت بداية لعملي الحالي مع كورال "الفيحاء" بفروعه كافة. ولست مُغرماً الآن بالموسيقى العربية بل أزحف نحوها حيثما كانت. إنها عشقٌ أبدي.

- الموسيقي هي لغة الإحساس والتعبير الصادق عن المشاعر، فكيف تعاملت مع الإبادة الأرمنية؟ وهل عبرت عنها في فنك؟
القضيّة الأرمنية هي القضيّة الأسمى بالنسبة لي، ترافقني في حياتي كجرح دامغ يصعب شفاؤه. ولكننا نحن الأرمن تعلّمنا أن نتمسّك بالحياة رغم الظلم. حتى في الموسيقى والغناء، تجدنا ننشد الأمل. ولكن هناك أيضًا القضية الفلسطينية التي تعني لي الكثير، فأنا مدافع شرس عن فلسطين العربية ،وأؤمن بأن هذه الأرض لنا ،وإنني يومًا ما سأغنّي مع كورالي في القدس. وأحرص دائمًا من خلال الكورال على نشر التراث الموسيقي الأرمني ،كما الفلسطيني وفاءً للقضيّة.
- ماذا تعني لبنان للأرمن في لبنان؟
لبنان هو القلب الذي شرّع لنا أبوابه ورحّب بنا أبناء دائمين. هو الحضن الذي لملم جراحنا وأعطانا الأمان، و هو الوطن بكل ما للكلمة من معنى، و يُعتبر لبنان عاصمة الاغتراب الأرمني، حيث يتمتّع الأرمن في لبنان بكامل الحقوق المدنية والحرية للحفاظ على قوميتهم.

- لبنان أم أرمينيا..أم الاثنان معا...لماذا؟
الأب أو الأم؟ بالطبع الاثنان معًا. أرمينيا هي الجذور ،ولبنان هو الماضي والحاضر والمستقبل. دائمًا ما أعرّف عن نفسي كلبناني من أصل أرمني.
- كيف أثَّر وتأثَّر الأرمن في الأماكن التي تواجدوا فيها؟
معروف عن الجاليات الأرمنية في العالم أنهم يلعبون دورًا أساسيًا في المجتمعات التي استقبلتهم في كثير من القطاعات منها الحرفية والصناعية ،وخاصة الثقافية والفنية. وهم يتميّزون في الدّقة والاحترافية في العمل، لذلك استطاعوا كسب الثقة والتقدير.هي علاقة تخطّت معاني اللجوء ،فعلى قدر ما أعطت الأرض للأرمن أعطوها أكثر حتى أصبحوا جزءًا لا يتجزّأ منها.
- ماذا عن النشاط الموسيقي للأرمن في لبنان؟
في لبنان كان للأرمن تأثيرٌ كبيرٌ على الفنون منذ البداية، ولديهم بصماتهم في المسرح والموسيقى منذ أيام "فيروز" و"الأخوين رحباني" وحتى اليوم. خرّجوا الكثير من الموسيقيين اللبنانيين البارزين محلّيًا وعالميًّا. تسلّموا مواقع ريادية في القطاعات الفنيّة المختلفة وخاصّة الموسيقيّة. يكفي أن الفن الكورالي أتى إلى لبنان من خلال الأرمن، حيث كان من قبل محصورًا في الكنائس.
- كيف أثر الإبعاد القسري للأرمن عن موطنهم علي الموسقي الأرمنية في المهجر عامة ولبنان خاصة؟
حمل الأرمن تراثهم الموسيقي إلى حيثما لجأوا ،فنشروا موسيقاهم في العالم. تأثّرت الموسيقى الأرمنيّة بتراث البلاد التي لجأ إليها الأرمن، كما تأثَّرت موسيقى هذه البلاد بالتراث الموسيقي الأرمني وهذا شيء طبيعي وجميل على أن لا تفقد الموسيقى هويتها الأصليّة. أنا شخصيًّا مع تعدّد الثقافات وتبادلها، ولكنّني لست مع تغييرها وتشويهها.

- كيف يمكن للموسيقى أن تحافظ على الهوية الأرمنية؟
الموسيقى الأرمنية مدوّنة منذ التاريخ ،وهذا ما ساعد على الحفاظ عليها وعدم تماهيها وذوبانها في تراث البلدان الأخرى ،فالراهب "كوميتاس" هو الموسيقي الأشهر لدى الأرمن. "كوميتاس" أجرى أبحاثًا عن الموسيقى الأرمنيّة ودوّنها بعدما أخرج منها آثار موسيقى البلدان المجاورة كالفارسية والتركية والچورچية والكردية والعربية- للأسف- بعد أن رأى بعينه المجازر التي حلّت بالأرمن، والتي نجا هو منها بأعجوبة، توقّف عن الكتابة في آخرعشرين عامًا من عمره، قضاها في مصحّ طبّي في فرنسا.
- هل استطاعت الموسيقي أن تعبر عن مأساة الأرمن..؟ وكيف استطاعت؟
دلّني على موسيقي أرمني واحد في العالم، لا يذكر القضيّة الأرمنيّة في حفلاته أو مقابلاته، أو لا يقدّم مقطوعات أو أغاني أرمنية ضمن برنامجه. حفلات "شارل أزنافور" كانت لا تخلو من الموسيقى الأرمنيّة أينما كانت. كذلك كورال "الفيحاء"، ففي رصيدنا العديد من الأغاني الأرمنية التي يعشقها الكورال رغم أنها لغة غريبة عنهم ويصعب تعلّمها. بالنسبة لي، يجب التذكير بالقضية من خلال الموسيقى لأنها قضية إنسانية.

- هل استطاع الأرمن في المهجر أن يحافظوا علي بقاء الموسيقي الأرمنية رغم الإبادة والشتات؟
الموسيقى حاضرة دومًا بين الأرمن. في الأفراح والأحزان، في المناسبات الدينية والوطنية، في كل لقاء للعائلة أو للأصحاب، في الثورات وحتى على موائد الطعام... الموسيقى تجري في دمنا، هي تعيش طالما نحن أحياء.

- لماذا تظل الإبادة الأرمنية باقية وحية في الذاكرة الأرمنية رغم مرور أكثر من مائة عام؟
لأنّه وبكل بساطة لم يتمّ الإعتراف بها والإعتذار عنها.؛لأن من ارتكبها يتباهى بها ويلقّنها للأجيال الجديدة على أنّها انتصارات قوميّة.

- هل تتابع التطورات الحديثة في الموسيقي الأرمنية؟
طبعًا ! أنا على علاقة جيّدة بمعظم الموسيقيين والمؤسسات الموسيقية في أرمينيا وأزورهم مرارًا وهناك مشاريع مشتركة بين كورال "الفيحاء" وكورالات ومؤسسات ثقافية أرمينية.
- ما الذي يستند عليه الأرمن في المهجر عليه في تأكيد الهوية وإثبات الذات؟
الموسيقى أوّلًا، فهي لغة عالميّة مفهومة لدى الجميع. واللغة ثانيًا، فالحفاظ على اللغة شيء أساسي لحماية الهوية. وبالنسبة لي، الحفاظ على اللغة يعني طبعًا توارثها ولكن أيضًا حمايتها بمعنى أن لا يتخلّلها تعابير من لغات أخرى. معروف عني بين أعضاء كورال "الفيحاء" أنني أنتقد بشدّة استخدام اللغات الفرنسية والإنكليزية وغيرها لدى اللبنانيين مع اللغة العربية، و أعتبره تخلّفًا وتشويهًا بينما يعتبره البعض تطوّرًا وانفتاحًا.

أكابيلا والفيحاء
- ماذا تعني" أكابيلا "؟
Cappella ،هي كلمة لاتينية تعني موسيقيًّا " كورال". A Cappella تعني فقط كورال، أي الغناء بالأصوات البشرية من دون أي مرافقة للآلات الموسيقية.

- كيف استطعت إعداد فريق غنائي منسجم يتجاوز الخمسين فردًا؟
عددنا اليوم مائة، وقد تخطّينا المائة والخمسين سابقًا قبل كورونا. السرّ هو الحب ! تربطنا علاقة وطيدة لا تتزعزع، أساسها الحب. نلتقي جميعًا على أهداف مشتركة ،ونعمل لأجل المصلحة العامة. التمارين كثيرة ومقدّسة ،العمل جاد جدًّا والقوانين صارمة. الشغف والحب والجديّة في العمل بالإضافة إلى ثقتنا ببعضنا، احترامي ودعمي لكل فرد في الكورال وثقتهم بي كقائد... كل هذه عوامل تؤثّر على التناغم في الفريق.
- هل ساعدت التكنولوجيا علي انتشار "أكابيلا" والتعريف بالفيحاء؟
طبعًا من دون شك ! مع أنّني شخصيًّا لا أقارن الشاشات بالحضور المباشر، فكل شيء طبيعي أجمل، ولكن لا شك أن التلفزيون والإنترنت ساعدا كثيرًا لنشر فن "الأكابيلا" خاصة في العالم العربي ،حيث يُعتبر الفن الكورالي جديد على الثقافة العربيّة. فكورال الفيحاء بعدما حصد جوائز عالمية عام 2005 و 2007 كأفضل كورال وأفضل قائد كورال في العالم، لم يتعرّف عليه الجمهور العربي إلا بعد مشاركته في برنامج "للعرب مواهب" عام 2010.

- هل تعتمد الفيحاء علي الجهود الذاتية أم دعم مؤسسي؟
نحن على الأرجح الكورال الوحيد في لبنان الذي لا يتبع لأي مؤسّسة دينية أو تعليمية. نتلقى الدعم من الجميع، ولكننا مستقلون تمامًا.

- كيف يمكن نشر "أكابيلا" خارج "الفيحاء" في الوطن العربي؟ وهل بالفعل امتد نشاطها؟
إن نشر هذا النوع من الغناء الجماعي هو من أهم أهداف كورال "الفيحاء". في لبنان، أصبح للفيحاء ثلاث فروع: طرابلس، بيروت والشوف. ،كما أسّسنا فرعًا رابعًا في القاهرة. ونحن نشجّع الكورالات اللبنانية والعربية وندَّعمهم دائمًا إمّا عن طريق تزويدهم بأغان عربيّة موزّعة لكورال "الفيحاء" من دون أي مقابل، أو من خلال زيارتهم وتدريبهم مباشرةً. وقد ساهم كورال الفيحاء حتى الآن بتأسيس العديد من الكورالات العربية ودعمها، منها في لبنان، سوريا، الأردن، مصر، المملكة العربية السعودية، قطر، المغرب... وغيرها

- من الفنان أو الفنانة الأقرب إلى "أكابيلا" واستطاع التناغم والتعبير بإحساس متناغم مع الأكابيلا؟
خلال مسيرتنا استضفنا العديد من الموسيقيين والمغنيين الذين شاركوا بحفلاتنا وعزفوا وغنّوا بمرافقة الكورال. أذكر منهم عازف التشيلو العالمي" يويوما"، و" مرسيل خليفة"، و"جمال أبو الحسن"، و"أميمة الخليل"، و"عبير نعمة"، و"جاهدة وهبي"، و"جورج خباز"، و"شربل روحانا" بالإضافة إلى عدة فنانين من أرمينيا وغيرهم... جميعهم كان لهم بصماتهم الخاصة في مشاركاتهم مع الكورال خاصّةً أنه من الصّعب التأقلم مع فريق يغنّي "الأكابيلا" بأصوات متعددة كما أنه أمر غير مألوف لدى العرب.، وبعض هذه المشاركات تحوّلت إلى مشاريع كبيرة، كألبوم "صوت" مثلًا: لحنّه "مرسيل خليفة" ووزّعه" إدوار طوريكيان "وغنّته "أميمة الخليل" مع كورال الفيحاء. ويُعتبر ألبوم صوت الأوّل من نوعه في العالم، إذ يتضمّن ألحان شرقيّة عربيّة بامتياز، موزّعة على ثماني أصوات وأكثر.
- ماذا يمثل لك عندما تسافر "الفيحاء" أي مكان ويحدث التجاوب والانسجام رغم اختلاف اللسان والثقافات؟
أحيا كورال "الفيحاء "مئات الحفلات في بلدان مختلفة في الوطن العربي وأوروبا وصولًا إلى الصين وكندا. كم جميل أن ترى الأوروبيين يتأثّرون بالموسيقى العربية فيبكون ويفرحون ويصفقون مطوّلًا تقديرًا للتراث الموسيقي العربي، و للأسف إن صورتنا كعرب مشوّهة جدًّا في الغرب.،فهم لا يعرفون عنا إلا أخبار الحروب والعنف. نحن في "الفيحاء"، نسعى إلى إظهار الصورة الحضارية الحقيقية للعرب، من خلال آداء التراث الموسيقي العربي بطريقة محترفة وقريبة الى آذان الجمهور الغربي. فبدل من الغناء بصوت واحد نحن نغني الألحان بتوزيع موسيقي متعدد الأصوات على مستوى عالمي يتفوّق على الموسيقى الغربيّة ويظهر ميّزات الأنغام العربية والشرقية. الإثبات الأكبر لذلك هو أن كورال "الفيحاء "يتلقى دعواته إلى العالم من جهات غير عربية، بخلاف الدعوات التي يتلقاها الفنانون العرب من الجاليات العربية حصرًا.

- هل يتفاعل كورال الفيحاء مع المناسبات العربية والعالمية؟ وكيف يعبر عنها؟
كورال الفيحاء يعيش مع جمهوره ويحتفل معه بمناسباته أينما كان. تتمّ دعوتنا إلى العديد من الاحتفالات الرسمية لتمثيل لبنان أو الوطن العربي بمناسبات مختلفة. نغنّي للأعياد الوطنيّة والدينيّة وغيرها، و برنامجنا يتناول العديد من المواضيع فهو متنوّع، ونُهدي جميع الأغاني إلى المناسبة مهما كانت.

- سبق وأن صرحت: "الكورال لا يحتاج إلى أصوات جميلة؛ بل أداء جيد" معنى هذا أنها دعوة للجميع بالانضمام إلى "الفيحاء"؟
يكفي أن يكون للشخص أذن موسيقية لينضم إلى كورال "الفيحاء". معظم أعضاء الكورال لا يملكون أصواتًا جميلة، و الشرط الأساسي هو الالتزام بالتمارين: ثلاثة أيام أسبوعيًا، ثلاث ساعات ونصف في اليوم. نحن نرفع المستوى بتقنيات توحيد الأصوات. النجاح الحقيقي للكورال يكمن في تماهي الأصوات البشرية ببعضها، وهذا يأتي فقط نتيجة العمل الكثيف والجاد.

- كيف أصبحت "الفيحاء" واحدة من الصور الجميلة التي تبعث الإيجابية رغم الصعوبات التي تعيشها لبنان؟
الموسيقى هي دائمًا مصدر فرح وسعادة. نحن نغنّي لنفرح وننقل المستمع إلى عالم آخر، هو نوع من التأمل. لا شك أن الأوضاع الصعبة التي يمر بها وطننا تؤثّر على الكورال سلبيًّا، ولكننا لا نستسلم.،كلّما اشتدّت الصعاب كلّما عملنا أكثر. نحن ننسى ظروفنا القاسية عبر الغناء ،ونسعى إلى مشاركة فرحنا مع جمهورنا عبر الحفلات التي لم نتوقّف عن إحيائها مهما كانت الظروف.
- أين الموسيقي الأرمنية عند تساكلايان؟ وهل أنشدت "الفيحاء" بأغان من التراث الارمني؟ أو بتعبير أدق مزج بين التراثين العربي والأرمني؟
كما ذكرت مسبقًا، كورال الفيحاء في رصيده العديد من الأغاني الأرمنية. يستمتع الكورال بآدائها ويتقنها بالرغم من صعوبة اللغة. بالنسبة لي، لقد تلقّيت دروس الموسيقى وقيادة الكورال مع أساتذة من أرمينيا، وبدأت مسيرتي مع كورالات أرمنية. لست مع مزج التراثين العربي والأرمني في الغناء، فلكل موسيقى مميزاتها وأنا مع الحفاظ على الموسيقى العربية وتطويرها من دون تغييرها. لا ننسى أن هناك أسسًا موسيقية مشتركة بين التراثين العربي والأرمني : كلاهما موسيقى شرقية وتعتمد على اللحن الأساسي.

- ماذا يعني ترنم "الفيحاء" بأسماء الله الحسنى داخل كنيسة؟
المعروف عن كورال "الفيحاء" أنّه يضمّ شبان وشابات من جميع الطوائف. نحن لا نتبع لأي مؤسسة دينية ،ولكننا لسنا ضد الأديان. نؤدّي الصلوات المسيحية والإسلامية ولدينا بعض الأغاني التي نمزج فيها الصلوات من مختلف الطوائف واللغات. "أسماء الله الحسنى" هي من المقطوعات المفضّلة لديّ. نغنّيها في حفلاتنا حول العالم على المسارح وفي الكنائس أيضًا. فهي بمضمونها لا تُعارض الدين المسيحي، فيها تمجيد للإله الذي تؤمن به، وتصلي له جميع الأديان. في ألمانيا مثلًا، قدّمنا "اسماء الله الحسنى" ضمن قدّاس مسيحي،وفي لبنان نغنّيها في حفلات إحياء عيد الميلاد أيضًا في الكنائس، وتلاقي ترحيبًا كبيرًا. وهذا شيء ليس مستغرب بالنسبة لي، فالمجتمع اللبناني مجتمع منفتح ويتقبل الاختلاف. دائمًا عندما أقدّم أنشودة "أسماء الله الحسنى"، أقدّمها على أنها تراث إسلامي من تأليف وتوزيع الموسيقي الأرمني "إدوار طوريكيان". كما أقول للجمهور، خاصّة عندما نكون في أوروبا، أن يستمع الى أصالة التراث الثقافي الإسلامي وأذكّرهم أن الشعوب التي تملك تراثًا لا يمكن أن تكون شعوب إرهاب، بل أن الإرهاب يأتي من المجتمعات التي ليس لها لا تاريخ ولا لغة ولا تراث.

- ذكرت أن دوركم هو عصرنة الموروث وجعله أقرب إلي التناول والرسوخ في العقل والقلب..فهل تمكنت من تحقيق ذلك.
من أهداف كورال "الفيحاء" الأساسيّة: الحفاظ على الموسيقى العربية، تطويرها ونشرها. الأكيد أنه لا يمكننا نشر الموسيقى العربية إذا بقيت تقدَّم على الطريقة التقليديّة أي بلحن واحد. حتى عندما يكون هناك مرافقة موسيقية، نسمع الفرقة تعزف اللحن نفسه الذي يؤدّيه المغنّي. وهذا مٌضجر بالنسبة للجمهور الغربي الذي تعوّد من زمن بعيد على الهارموني في الموسيقى، أي على التوزيع الموسيقي بحيث يترافق اللحن الأساسي مع نغمات أخرى تظهر جماله. هذا ما فعلناه عن طريق كورال الفيحاء. نجحنا في أداء التراث الموسيقي العربي الموزّع على عدة أصوات من دون أن تفقد الموسيقى رونقها وطابعها العربي الشرقي. كما أن المؤلّف استطاع أن يحافظ على المقامات العربية كما هي حتى مع إضافة التوزيع الموسيقي. وهذا إنجاز تاريخي في علم الموسيقى. في الغرب مثلًا، وحتى الأرمن اضطروا إلى إلغاء الربع صوت من الموسيقى، لأنه وبعد محاولات كثيرة وجدوا أنه لا يمكن توزيع هذه المقامات تقنيًّا.

- ماذا عن تجربتك الكورالية مع أطفال مخيم اللاجئين على الحدود الأردنية؟
ليس على الحدود الأردنية. عملت ولا زلت مع اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في لبنان عبر مشاريع دعم نفسي واجتماعي بالتعاون مع منظمات محلّية وعالميّة مختلفة ،هي من أجمل التجارب في حياتي فأنا ابن مجتمع أُبعد عن وطنه قسرًا ،وأعرف جيّداً معاناة اللجوء. من خلال هذه المشاريع، فاز كورال "الفيحاء" بجائزة الحقوق الموسيقية من المجلس الدولي للموسيقى التابع لليونسكو، وقد أتت النتائج مبهرةً على صعيد التطوّر الشخصي والمجتمعي للاجئين الذين ساعدتهم الموسيقى عامة والغناء الجماعي خاصة على تخطي الكثير من مشاكلهم النفسية والاجتماعية، ولعبت دورًا أساسيًّا في انخراطهم في المجتمع اللبناني. لذلك شاركنا أيضًا بمشاريع ودراسات مماثلة للاجئين في أوروبا حيث اعتبر تجربة كورال "الفيحاء" من أهم التجارب في العالم ،ويمكنك أن تلمس الفرق في السلوك والصحة النفسية لدى الأطفال والشباب منذ التمارين الأولى. واليوم تجد ضمن كورال "الفيحاء" العديد من المغنيين الأساسيين الذين بدأوا معنا في مشاريع اجتماعية للاجئين.

- كيف تسعى إلى عمل كورال شامل فيه عناصر من جميع الأقطار العربية؟
هذه التجربة موجودة عالميًّا. مثل الكورال العالمي للشباب والكورال الأوروبي للشباب. أنا أحلم أن يكون لنا كورال موحد للشباب من مختلف البلدان العربية نقدّم فيه الموسيقى العربية على طريقة "الأكابيلا" بمستوى عالمي ونُظهر من خلاله صورة حضارية وثقافية للعرب.
- ما الصعوبات التي واجهت "الفيحاء" في بداياته؟
كانت الصعوبات كثيرة وعلى عدة مستويات؛ فأنا شخص غريب عن مدينة طرابلس، لبناني ،ولكنني لست من أصل عربي، حتى لغتي كانت ضعيفة في البداية. كما أن الفن الكورالي كان جديدًا على المجتمع اللبناني، لم يكن لدي مغنيون ذوو خبرة أو علم بالغناء الجماعي. بالإضافة إلى أن المجتمع الطرابلسي ذا طابع إسلامي، وكثيرًا ما كنت أسمع أن الغناء حرام ولا يجوز، ولكنني لمست التغيير في آراء الناس بعدما أثبتنا أن كورال "الفيحاء" هو مشروع ثقافي بامتياز. بدأت مع سبعة أشخاص من أعمار مختلفة، بالنسبة إليهم الغناء يجب أن يكون بلحن واحد. الصعوبة كانت بتقبّل الهارموني والأصوات المتعددة، لكنني شعرت على الصعيد الإنساني أن أبناء طرابلس يشبهون أبناء الرّيف، ولو كانوا سكان المدينة. لديهم قلوب كبيرة ،ويرحبون بالضيف ويحتضنوه ؛فيصبح منهم. آمنوا بي ،وآمنت بهم، وكنت متأكدًا أنهم قادرون على تحقيق إنجازات عالميّة خاصّة في الموسيقى العربيّة. المشكلة االمادية كانت أيضًا أساسية، إلى أن أصبح الكورال برعاية بلدية طرابلس ومن بعدها أصبح لنا جهات داعمة مع الحفاظ على استقلاليتنا التامة. في البداية كنت آتي أسبوعيًّا من عنجر الى طرابلس التي تبعد حوالي الثلاث ساعات. اليوم أنا من سكان طرابلس وأزور عنجر دائمًا.
- ما النجاحات التي حققها كورال "الفيحاء"؟
النجاح الأكبر بنظري هو أن كورال "الفيحاء" نجح بإدخال فن الغناء الجماعي إلى ثقافة المجتمع العربي ،وأنّه أثبت للجمهور الغربي أن للعرب تراثًا غنيًا ينافس لا بل يتفوّق على غيره. أحيا الكورال منذ تأسيسه آلاف الحفلات في لبنان والعالم، حيث قدّم الموسيقى العربية بمستوى عالمي. بالإضافة الى الكثير من التكريمات، حاز كورال الفيحاء على الجوائز التالية:
• مهرجان وارسو الدولي للكورالات في بولندا عام 2005 ،حيث حصد الجائزة الثانية، وفي 2007 ،حيث حصل على جائزتيّ أفضل كورال وأفضل قائد كورال.،وتعتبر وارسو عاصمة كورالات "الأكابيلا" في العالم.
• مهرجان كورال في دبي عام 2015 ،حيث حصد المركز الأول، وفي 2018 جائزة الوصيف الأّول.
• مهرجان الموسيقى والبحر في اليونان عام 2016: الجائزة الأولى
• جائزة الحقوق الموسيقية من المجلس العالمي للموسيقى عام 2015، التي استحقّها الكورال بسبب إنجازاته ومشاريعه على صعيد الدعم النفسي والإجتماعي للاجئين والمهمشين عن طريق الغناء الجماعي. (هذه الجائزة تساوي بأهميتها جائزة نوبل العالمية).

وقد نجح الفيحاء بوضع الموسيقى العربية على الخارطة العالمية للغناء الجماعي ،فهو عضو منتسب في الجمعية الكورالية الأوروبية، والمنظمة العالمية للموسيقى الكورالية، وعضو مؤسّس في الشبكة الكورالية العربية ،والجمعيّة الكورالية اللبنانية.
وهو على الأغلب الكورال الوحيد في العالم الذي يعدّ ،ويقدّم برنامج إذاعي أسبوعي حول الموسيقى والغناء الجماعي خاصة: برنامج "مع الفيحاء" على إذاعة لبنان.
- ما خططكم الموسيقية المستقبلية؟
أحلامنا كثيرة وكبيرة ،ولكن الخطة الآن هي العمل على تأسيس كورالات أكثر في العالم العربي، ودعم الكورالات الموجودة. بالإضافة الى تطوير العلاقات بين الكورالات الموجودة وتوحيد الجهود لرفع مستوى الغناء الجماعي في الوطن العربي ،ونعمل حاليًّا على تدريب قادة الكورالات العرب ؛لأن هذه هي الطريقة الأهم لرفع المستوى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي