الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراقيون فوق القانون

حسام علي

2022 / 4 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَ لَا رِجَالَ، حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَ عُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ. من تبعات الاحتلال في أي بلد في العالم أنه يخلف صوراً عديدة تعكس حالة التراجع في المستوى الثقافي والاجتماعي نتيجة غياب الدور الرقابي لسلطة تشريعية وأجهزة الدولة الاخرى ذات العلاقة. ناهيك عن ضعف أو تواطؤ المؤسسات الأمنية والمخابراتية في تطبيق القانون أو ملاحقة المجرمين واللصوص والمتجاوزين، مهما كانت صفتهم المدنية أو العسكرية.
أما ما يخص تراجع المستوى الثقافي والاجتماعي (النسبي بكل تأكيد)، فإننا نعني بذلك، وطبقاً لقاعدة بيت الشعر المشهور؛ اذا كان ربّ البيت بالدف ناقراً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص. أو طبقاً لقاعدة حاميها حراميها. فلما تكون القدوة، قدوة سيئة وليست بالمستوى اللائق أو النزيه، بل تكون قدوة مشغولة بالملذات وتحقيق الشهوات، في محاولة فاشلة لتعويض حالة نفسية معقدة تتمثل فيما فات إبان الصبا و (التهجول) التسكع بين أحضان هذه العاصمة أو تلك، من الطبيعي وبدون أدنى شك، أن يكون مقلدي هذه النخبة أو القدوة، على ذات الشاكلة في التعامل في الحياة، والطيور على أشكالها تقع.
فعندما أتاحت قوات احتلال بغداد، المجال الواسع جدا جدا للسرقة وتنفيذ عمليات السلب والنهب للخيرات وعلى يد ثلة ممن عاشوا الحرمان والتيه وانعدام التوازن في تكوين الشخصية، وفقدانهم للمؤهلات الضرورية واللازمة حين تبوء أيٍ منهم مسؤولية إدارية حساسة في الدولة، مؤهلات علمية أو أكاديمية أو تربوية أغلب الأحيان، كانت تعي هذه القوات، أنه بالمال وحده يمكن تسيير الأمور السياسية على وجه التحديد في العراق، بل وقطع دابر أية فرصة لولادة أمل جديد يمكن أن يعيد مجد وتاريخ العراق الحضاري، خاصة تاريخ بغداد قلعة الاسود، وكعبة المجد والخلود، وجبهة الشمس للوجود، تاريخ بغداد العزيزة بين شقيقاتها العزيزات الأخريات، دمشق وبيروت والقاهرة.
وحين يرد الى الأسماع على سبيل المثال، أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد أصدر قرارا أميريا نتيجة ارتفاع طفيف في أسعار برميل النفط، بزيادة معاشات المتقاعدين اعتباراً تاريخ 1/ 4 / 2022، فأنه يحز بالنفس ويؤلمها أن أموال وعوائد النفط الخيالية في العراق، لم ولن يرى نور فوائدها العراقيون أبداً، وهم اللاهثون السباقون الى صناديق الاقتراع (بدعة الدول النامية) لانتخاب رئيسهم، ليس لشيء، إلا لأنه من مذهبهم فقط.
وأما ما يخص غياب الدور الرقابي لسلطة تشريعية، فإننا عنينا بالتحديد غياب لسلطة تشريعية وليس للسلطة التشريعية، ما معناه بكل تأكيد، أنه لا وجود لسلطة تشريعية حقيقية في العراق بكل مواصفات المكون الأساسي لها كهيئة تتمتع بامتيازات في المناقشة والتصويت على مسودات او مقترحات او طلب استدعاءات لشخصيات قيادية في الدولة أخلت أو قصرت في أداء واجباتها. لِم لا وقد أسس للبرلمان بكل اركانه الـــ بول برايمر، اللعين.
وفي هذا الحال، سوف تتولد شخصيات ديكتاتورية عنيفة جدا في تعاملها مع شرائح الشعب، بسبب امتلاكها مصادر المعيشة والأموال الخيالية والسلطة، كما كان يفعل ذلك، الأسلاف من حكام بغداد أيام زمان. و كما فسّر ذلك من قام بدور مسؤول المخابرات المركزية حينما أجاب على سؤال الممثل الفرنسي الشهير، إيف مونتان الذي قام بدور المدعي العام، في فلم " عملية إيكاروس" الذي يروي قصة اغتيال الرئيس الامريكي جون كنيدي، وكان سؤال مونتان: كيف تتمكنون من السيطرة على عموم الشعب؟ أجاب مسؤول المخابرات: نسعى باستمرار الى تجنيد أكبر عدد ممكن من المواطنين السذج وأملنا أن يصل عددهم الى نصف تعداد الشعب، ليقوموا بتنفيذ أوامرنا ضد النصف الآخر.
قبل يومين، ذكرتُ في مجموعة على الواتساب، خبر تفقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صباح يوم الأربعاء أعمال التطوير والتجديد الشامل لمسجد الإمام الحسين عليه السلام بقلب العاصمة المصرية القاهرة، والتي استمرت ما يقرب من شهر.
البعض ممن في المجموعة، اتهمني بترويج اخبار كاذبة ومفبركة لشخصية سنية قامت بتخريب وليس تطوير أو تجديد لمسجد الامام الحسين. لماذا كان هذا الاتهام لي؟ أقول، أنه أمر طبيعي أن تصل حالة التنافر الاجتماعي بين طبقات المجتمع العراقي الى هذا الحد والمتأتي من فرض حالة الفوضى واللااستقرار التي شملت العراق من وسطه الى جنوبه ومن شرقه الى غربه، حالة أتت بنتائجها المخطط لها بالضبط ودون تقصير يذكر. ولا ننسى ما مرّ ببغداد من قتل على الهوية عام 2006 والحرب الطائفية التي ألمت بالجميع واستهترت بحياتهم وأمنهم واستقرارهم طويلا.
نعم، عندما يشيع في أي مجتمع رجال فوق القانون، بل يكون هناك من يحكم بالغرائز والشهوات وحب التسلط، فلا يمكن أن نتوقع سيادة لقانون أو شمول عدالة أو منطق، خصوصاً في ظل غياب الوعي الذي غيبته جهات معينة وعملت على إخفاء سبل دعم المواطن والنهوض به عمداً مع سبق الاصرار والترصد. ولعل عمليات إرساء هيئات مؤسساتية تأخذ على عاتقها ترسيخ مفاهيم قانونية ودستورية ضمن أطر مرجعية متكاملة وفقاً لمسؤوليات يتحمل تطبيقها رجال وطنيون بمعنى الكلمة، قد كانت عمليات محظوظة حين لاقت تلك الهيئات التهميش والمواجهة بكل انواع الاسلحة المتاحة التي وفرتها قوات الاحتلال بالأشكال غير المباشرة.
وعليه، فإن الإصلاح، حالة تعتبر في الحسابات الحالية، غير متوفرة مع الأسف الشديد، ما لم يبدأ المواطن بتلقين نفسه، وتعويدها على رفع شعار .. لا.. لكل من يحاول أن يعبث بتحقيق الحلم ونيل المطالب وإنهاء ظاهرة رجال فوق القانون، رجال عاثوا فساداً واستهتروا بالمقدرات علناً وفي وضح النهار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر