الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوة الناعمة فى عصر العولمة الثقافية – الصين نموذجا

مجدى عبد الحميد السيد
كاتب متخصص فى شئون العولمة والتكنولوجيا

(Magdy Abdel Hamid Elsayed)

2022 / 4 / 30
العولمة وتطورات العالم المعاصر


أثار انفجار معهد كونفشيوس فى جامعة كراتشى بباكستان التساؤلات حول استخدام الصين القوة الناعمة عبر العولمة الثقافية والتعليمية منذ عام 2004 . إن القوة عادة ما تقسم إلى ثلاثة انواع رئيسية هى القوة المادية الصعبة أو العسكرية والاقتصادية والسياسية وغيرها والقوة الناعمة المتعلقة بالثقافة واللغة والدبلوماسية والتعليمية والتكنولوجية وغيرها ثم القوة الذكية التى هى خليط بين أنواع القوى المختلفة تستخدم حسب المواقف المختلفة. وقد عرفت الدول الغربية القوى الناعمة منذ فترة طويلة من خلال إنشاء المعهد الفرنسى عام 1907 لنشر اللغة والثقافة الفرنسية ثم المجلس الثقافى البريطانى لنشر اللغة والثقافة الإنجليزية عام 1934 ثم الكثير من المعاهد الثقافية التعليمية للدول الكبرى مثل المركز الثقافى الروسى ومعهد جوته الألمانى ومعهد سيرفانتس الإسبانى والمعهد الثقافى الإيطالى وغيرهم . أما الولايات المتحدة فقد عهدت بتلك القوة الناعمة إلى المنح الاقتصادية المباشرة وإلى الجامعات والمراكز البحثية والمنح التعليمية ومنح الجمعيات الأهلية منذ أكثر من ستين عاما وبعضها مستمر إلى الآن ، ولكن نظرا لطبيعة الولايات المتحدة التى تقبل الهجرة فقد أصبحت تلك المراكز داعمة لهجرة العقول وقنص الرؤوس المميزة من دول العالم المختلفة .
الشئ الغريب بالفعل هو تنامى قوة الصين الناعمة منذ عام 2004 حين استغلت فترة انشغال الولايات المتحدة بحروب العراق وأفغانستان وقررت اتباع نظام المجلس الثقافى البريطانى وغيره من المراكز الأوروبية فى إنشاء معهد كونفشيوس الذى بدأ نهاية عام 2004 بأفرع فى كوريا الجنوبية ثم امتد إلى اوزباكستان ثم تطور إلى إنشاء مراكز داخل الجامعات فى الولايات المتحدة واليابان وامتد إلى العديد من دول العالم فوصل عدد أفرعه عام 2019 إلى 530 مركزا حول العالم.
ومعاهد كونفشيوس مدعومة بالكامل من الحكومة الصينية بتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار سنويا متخطية الولايات المتحدة التى تنفق 2.2 مليار دولار سنويا ، وحاولت الصين من خلال تلك المعاهد ومن خلال الجامعات الصينية ومراكز البحوث نشر وتوسعة القوة الناعمة الصينية حول العالم عبر شركة غير حكومية تسمى هانبان تجعل لكل معهد ميزانية وإدارة مختلفة تتشارك فيها مع الدولة المضيفة لتعليم اللغة الصينية وعقد المؤتمرات والاحتفالات التى تنشر الثقافة الصينية المدعومة بالتكنولوجيا وحتى بدعم شركات القطاع الخاص الصينية ، ثم تمددت القوة الناعمة بعمل تبادل تعليمى وعلمى وتدريبى مع الدول المختلفة وبصفة خاصة الدول النامية التى منحتها عشرات الألوف من المنح الدراسية سواءً أكانت مجانية أو بمبالغ بسيطة تناسب دول العالم الثالث فى أفريقيا وآسيا مع فتح الباب للمؤتمرات وورش العمل والمعارض داخل الصين وخارجها وبدعم حكومى كامل. وتتمير القوة الناعمة الصينية بأن لها بعدين أحدهما محلى يجعل الشعب الصينى يعتز بثقافته ونظامه السياسى والدبلوماسى وحتى الصحى كما حدث فى جائحة كورونا ، والثانى خارجى يتمثل فى دعم التعاون مع الدول ثقافيا وعلميا وتعليميا ودبلوماسيا وسياسيا ثم تكنولوجيا وإبداعيا مع فترة حكم الرئيس الصينى الحالى الذى ركز على عقد الاتفاقيات مع الدول المختلفة ومن بينها اتفاقيات ثقافية بحيث يصل معهد كونفشيوس إلى العديد من الجامعات الوطنية ليمد جسور التبادل الثقافى التعليميى التكنولوجى مع تلك الدول بطريقة فريدة تتجاوز المركز الثقافى البريطانى والمنظمات المانحة الأمريكية ، كما أنه فتح الباب للمعروضات الصينية لتدخل معظم معارض العالم قبل جائحة كورونا وقبل تضييق الولايات المتحدة وإذكاء فوبيا الجنس الأصفر فى الولايات المتحدة. إن تطور وتنامى معهد كونفشيوس والمراكز الثقافية والتعليمية الصينية الداعمة للقوة الناعمة كان واضحا جدا منذ عام 2013 عبر الدبلوماسية والتعاون الاقتصادى والسياسى والصحى ( مثل جرعات لقاح كورونا) وهو ما أثار حفيظة الولايات المتحدة لإن تلك المعاهد لا تتبنى الديموقراطية والشفافية والليبرالية الجديدة من وجهة نظر الولايات المتحدة ومن هنا بدأت التضييق على الاتفاقيات الصينية إلى ان وصلت إلى صدور قوانين عام 2019 ضد تلك النوعية من المعاهد والتعاون الثقافى التعليمى مع الصين ، وبالطبع بدأت العديد من الدول الحليفة للولايات المتحدة فى تبنى تلك التضييقات على الصين فى كندا واستراليا ثم فى معظم الدول الغربية .
إن الصين مع تبنيها القوة الناعمة من خلال عدة طرق تتكامل مع بعضها لتصل جسور التعاون الثقافية والعلمية والتكنولوجية مع العديد من دول العالم قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من التعاون مع الكثير من بلدان العالم الثالث فوصلت بعدد المنح إلى حوالى 85 ألف منحة مختلفة معظمها مجانى لدول العالم الثالث ، ثم استقطبت جامعاتها كل الطموحين من الثقافات الأخرى لتفتح لهم الباب فى العمل بالجامعات الصينية بلغاتهم المختلفة لتنقل الثقافات إلى المجتمع الصينى أيضا فيتعرف الصينيون على ثقافات الدول العربية والإفريقية واللاتينية ويتعلمون اللغات المختلفة من أصولها ، ثم دعمت التواصل السياسى أيضا من خلال إنشاء مراكز مختلفة للتعاون الصينى مع معظم دول العالم بعضها أصبح الآن دوليا يضم خبراء دوليين لا يمكن الاستهانة بقدراتهم .
إن معظم الدول العربية ومن بينها مصر لم تلتفت إلى تطورات القوة الناعمة الجديدة التى تتبناها الآن الصين واليابان وحتى الهند فى عصر العولمة الثقافية والتعليمية ، لإن القوة الناعمة المصرية أصبحت أصبحت منذ فترة الثمانينيات ذات طابع دينى يتمثل فى الأزهر الشريف والمنظمات الدينية بصورة أساسية التى تدعم الدول الإسلامية وتقبل البعثات التعليمية والثقافية المدعومة من الدولة المصرية فى مجال الدعوة الإسلامية أو فى المنح الدينية التى تقدمها الكنيسة الأرثوذكسية للتجمعات الإرثوذكسية الإفريقية. وكذلك فعلت الدول الإسلامية من خلال منظمات واتحادات إسلامية تمثل القوة الناعمة للدول الإسلامية مثل السعودية التى تدعم الدول السنية وإيران التى تدعم الدول والجماعات الشيعية .
إن الصين قد استغلت بالفعل تطورات العولمة الثقافية التى جعلت العالم مترابطا ثقافيا لتنشر ثقافتها ولغتها مثلما فعلت من قبل انجلترا وفرنسا ولكن بطريقة تناسب عصر التكنولوجيا بعيدا عن الصراعات والأيديولوجيات السياسية لإنها لا تتدخل فى شئون الدول المتعاونة معها ولا يهمها إن كان نظام الحكم ديموقراطى او ديكتاتورى فهذ أمر من الأمور الداخلية للبلدان ولا يهم الصين كثيرا على عكس العولمة الأوروبية التى تهتم كثير بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان قبل أن تمد أيدى التعاون مع دول العالم الثالث وعلى عكس العولمة الأمريكية التى تجعل القوة الناعمة فى صالح السياسة الأمريكية وصالح رجال الأعمال الأمريكيين الذين غزوا العالم أجمع من خلال مواقع التواصل الاجتماعى التى أصبحت تضم أكثر من ربع سكان العالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح