الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة قراءة النص القرآني وتأويله وفق ما يتماشى مع تطورات العصر

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2022 / 5 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من أطروحات طيب تيزيني

الدكتور طيب تيزيني (1934- 2019) مفكر سوري ، من أنصار الفكر القومي الماركسي، اعتمد على الجدلية التاريخية في مشروعه الفلسفي لإعادة قراءة الفكر العربي منذ ما قبل الإسلام حتى الآن.
ارتكز الفكر الفلسفي للدكتور طيب تيزيني على فكرة أساسية محورية، وهي الفكرة المركزية التي يدور حولها مشروعه الفكري. لقد حاول، بصور متعددة، إثبات أن الفكر العربي، ويشمل ذلك ما قبل ظهور الإسلام، هو جزء من تطور تاريخ الفكر الإنساني بالمعنى العام. وهذا الإقرار تستتبعه نتيجتين :
- الفكر العربي ينطبق عليه المنهج الجدلي المادي على الرغم من أنه قد تطور وازدهر في ظل الحضارة الإسلامية.
- عدم قبول فكرة المركزية الأوروبية التي تنزع عن الفكر العربي (الإسلامي) أصالته الخاصة به وتجعله مجرد حامل للفكر اليوناني القديم. تظهر مركزية هذه الفكرة بشكل واضح من تحقيبه التاريخي للفكر العربي على أنه فكر ينتمي إلى "العصر الوسيط"، حيث يقسم الفكر الإنساني إلى فكر قديم ووسيط وحديث. كما يظهر ذلك أيضا في تحليله للفكر العربي ابتداء من "بواكيره الأولى" قبل الإسلام اعتمادا على المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قبل الإسلام وبعده.
تأسيسا على ما سبق، إن هذا الموقف من شأنه تحرير الفكر العربي المعاصر من سيطرة الفكر الغربي. ويمثل هذا الموقف، من جهة أخرى، سبيلا للخروج من سيطرة الفكر التقليدي وتنمّره، حيث يمكن إعادة قراءة الفكر العربي باعتباره جزءا من التاريخ الإنساني. وبالتالي ستمثل إعادة القراءة التاريخية هذه دافعا آخر نحو استئناف الفكر العربي كجزء من تطور الفكر الإنساني.
دعا طيب تيزيني إلى إعادة قراءة النص القرآني وتأويله وفق ما يتماشى مع تطورات العصر، وهذا حتى ولو اقتضى الأمر تعطيل تفعيل بعض الآيات والشرائع والأحكام على أرض الواقع. وقد أقرّ أن هذا النهج ليس غريبا على الإسلام والمسلمين، إذ كان معمولا به بشكل أو بآخر منذ الفترة المبكرة للإسلام. وما إعمال مبدأ الناسخ والمنسوخ مثلا إلا وجه من وجوه النهج المذكور.
ويتساءل تيزيني . . . فإن كان سابقا يُعتمد نهج إعادة النظر في آيات بعينها بفعل تطور الأحوال، فلماذا لا يصح هذا اليوم، خصوصا وقد طرأت الكثير من التحولات والتطورات؟
ويذهب طيب تيزيني إلى القول، إن احتواء القرآن على " المحكم والمتشابه" يحفز على إعادة قراءة النص القرآني واستمرار التمحيص والتدقيق اعتبارا لقانون التغيير والتحول. إن وجود " المحكم والمتشابه" هو دليل على فتح أبواب التدبر لمسايرة التطورات.
إن مشروع تيزيني في إعادة قراءة الفكر العربي، عبر تاريخه في إطار الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة به، يعتمد على المنهج المادي الجدلي. وكان عمله هذا، أول محاولة في قراءة الفكر العربي انطلاقا من تاريخيته وعلاقاته المادية، وباعتباره جزءا من التاريخ الإنساني.
ومنذ سنة 1997، اهتمّ تيزيني بمواجهة قضايا أساسية تمثل بالنسبة إليه عوائق أمام تحقيق النهضة، وأهمها :
- القضية الأولى، تتمثل في الفكر البنيوي غير التاريخي الذي يصدر أحكاما غير تاريخية على العقل العربي ويدفع، من وجهة نظره، إلى التخلي عن فكر النهضة.
- الثانية، هي قضية قراءة وفهم الفكر الديني عموما، والنص القرآني خصوصا. حيث يرى إمكانية قراءة النص القرآني قراءة جدلية تاريخية، وبالتالي الارتكاز عليه لطرح تصورات النهضة. وبذلك يتم حل إشكالية العلاقة بين فكر النهضة، المرتكز على العقل، وبين فكر الذات، المرتكز على النقل.
وبخصوص موقفه من الفكر العربي الإسلامي القديم، أنشأ طيب تيزيني أساسا نظريا يمكنه من التعامل مع الفكر العربي الإسلامي. فالفكر العربي الإسلامي هو جزء من تاريخ الفكر الإنساني يقبل التعامل التاريخي معه. والجانب المثالي و"الديني" فيه يمكن وضعه في إطار جدلي مع الجانب المادي فيه.
يرى تيزيني أن الكثير من المستشرقين والباحثين العرب لم يدرسوا العصر المبكر للإسلام في علائقه الاجتماعية-الاقتصادية والسياسية. لقد انطلقوا من أطروحة استقلالية "الفكر" تلقاء "الواقع الاجتماعي المادي"، فعجزوا، عن فهم استمرارية الفكر، في كل من فترات تطوره التاريخي. إن الفكر يتضمن في ذاته، ليس فقط استقلالية نسبية تلقاء الواقع الاجتماعي المادي، وإنما أيضا ارتباطا وجوديا بهذا الواقع.
ذهب تيزيني إلى القول إن التراث الفكري – والحضاري عموما – الإسلامي وصل إلينا بشكل مشوه ممسوخ، بحيث أبرزت منه الجوانب السلبية الغيبية والمناهضة للتقدم العلمي والاجتماعي إبرازا بدائيا مملا في طريقة عرضه.
حدّد تيزيني جملة من الشروط للتعاطي مع التراث الإسلامي منها :
- التأكيد على أهمية العامل الاقتصادي في قراءة التراث العربي، بدون اعتباره العامل الأوحد، وبدون الوقوع في مزالق "الاقتصادية الميكانيكية"، التي تمنح العامل الاقتصادي الدور الحاسم والوحيد في عملية النمو الاجتماعي والإنساني. فلا يمكن دراسة نمو "الفكر" بمعزل عن الإمكانات التي خلقتها له الجوانب الاجتماعية – الاقتصادية والسياسية والتقنية.
- اعتبار ظهور الإسلام في المجتمع العربي "حركة" اجتماعية تخضع لكافة الشروط العلمية لأي حركة اجتماعية. وبالتالي لا مندوحة عن دراسة الظروف الاجتماعية قبل ظهور الإسلام واستخلاص الظروف والدوافع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أدت إلى ظهور هذه "الحركة"، حينما يصنف مرحلة بحثه إلى "ما قبل الإسلام" و"ما بعده"، فإنه لا يعني بـ"الإسلام" عقيدة دينية فقط، بل أيضا، وبشكل أساسي، حركة اجتماعية جلبت معها نتائج عميقة. وسوف لن نستطيع استيعاب المرحلة الثانية اللاحقة بمعزل عن المرحلة الأولى. وهذا يقتضي الإحاطة بالوضع الاجتماعي العربي – الجاهلي – إحاطة واضحة.



وقد حلل تيزيني الظروف الاجتماعية التي أدت إلى ظهور هذه "الحركة" اعتمادا على كلاسيكيات الفكر الماركسي، من ذلك تحليلاته المعتمدة على جدلية السادة والعبيد، وأثر هذه الجدلية على التحولات الاقتصادية في المجتمع. وحسب تحليلات تيزيني الاجتماعية والاقتصادية أصبحت القبائل العربية مهيأة لاستقبال الرسالة المحمدية. وتفيد روايات إسلامية وغير إسلامية، أن الوضع في مكة وفي مدن عربية أخرى قبل بدايات الحركة الإسلامية كان مهيأ لاستقبال "مخلص" جديد للناس من البؤس الاجتماعي والاقتتال القبلي و"الأوهام" الوثنية. إن القبائل العربية، كانت على اتصال بالمسيحية في حياتها بشكل أو بآخر، وليس من الغريب يأمل الناس في "ملخص" أو "مرسل" لتخليصهم من الواقع المر في بيئة مطبوعة بصراع القبائل المتشتتة وتناحرها في مطلع القرن السابع الميلادي، هذا التوتر الذي أدى إلى تواجد العوامل الضرورية لنشوء وتبلور الحركة الإسلامية التي لعبت دورا كبيرا في تغيير وتحويل البني الاجتماعية والاقتصادية والقيمية للمجتمع العربي وقتئذ.

إن تفسير التغيرات الاجتماعية - حسب تيزيني- يتم من خلال العوامل المادية الجدلية وحدها. وسيرا على هذا الدرب، أكد أن الحركة الإسلامية قدمت مخرجا من خلال فكرة "الانسلاخ عن العالم المادي" وحققت بذلك الحرية للعوام والرقيق، وهذا لا يعني إرجاع التحول الكبير الذي حدث في بنى المجتمع العربي الجاهلي إلى عوامل خارقة ومفارقة. فالحركة الإسلامية، كأية حركة دينية أخرى، تضمنت تقاطبا بين الارتباط بنتائج في المجال الاجتماعي العملي من جهة، ومن جهة أخرى إلحاق المجتمع والطبيعة والإنسان بمحركات غيبية مفارقة وخارقة. لكن تيزيني لا ينفي جوانب الفكر الإسلامي الناشئ الإيجابية التي أدت إلى تحقيق التحول غير المسبوق في المجتمع الجاهلي. فالإسلام، الذي نشأ في القرن السابع ضمن ظروف حرجة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، قد جسد مرحلة جديدة هامة من مراحل عملية تجاوز الأطر الماورائية الموغلة في انغلاقها الماورائي. لم يتكون جهاز كهنوتي مستقل عن البنية الاجتماعية السائدة، فصفة الإمام أو الفقيه لم تكن "وظيفة دينية" ، بل كان الفقيه يمارس في نفس الوقت مهنة يعتاش منها خلافا لما حدث بعد ذلك.

ويرى تيزيني أن تحديد الوجوه النيرة للقرآن ليس مهمة حصرية ونصية ذاتية يتفق عليها الفقهاء أو يختلفون، دونما أخذ بعين الاعتبار التطور التاريخي البشري. وهذا يحيلنا على سؤال كيفية التعاطي مع النص القرآني وتناوله، خصوصا عبر الاستفادة من التطور الكمي والنوعي الهائل لمناهج البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية وما يقترن بها من أنساق علمية فرعية.
فالقرآن أتى، في حينه، ليخاطب بشرا في سياق تاريخي ومجتمعي معين مشخص، ولتقديم أجوبة وحلول لأسئلة ومشكلات ومعضلات؛ وهذا بشكل مواز مع التبشير بالمبادئ الاعتقادية ذات الطابع الشمولي والمجرد.

ويقر تيزيني أن القرآن – في الأساس والجوهر – "كتاب هدى ورحمة وبشرى وموعظة واطمئنان للمسلمين...إنه كتاب مودة وأخلاق، يقول كل شيء ولا يقول شيئا، ولكنه يترك للبشر أن يضبطوا مفهومي المودة والأخلاق ويجعلوا منهما حالة تعج بالحياة البشرية المشخصة؛ وإنه كتاب معاملات وأحكام وعقائد، ولكنه لا يملي على البشر كيف يفهمون – بالمعنى الدلالي – ذلك ويدرجونه في منظوماتهم القيمية إدراجا وظيفيا.. وكتاب عدالة ومساواة، ولكنه يترك للناس أن يحددوا ذلك ويضبطوه وفق شروطهم الاجتماعية التاريخية والمعرفية.. وهو كتاب يحث على التقدم الاجتماعي والعلمي، ولكنه يقر – في ضوء قراءة محددة له – بآليات وضوابط هذه العملية الخاصة ويدع العلماء والمختصين أسيادا في مجالهم..."

انكب تيزيني على قاعدة فقهية لأنها تكرس بوضوح الجدلية التاريخية ؛ وهي قاعدة : "تتغير الأحكام بتغير الأزمان..."، وطبعا هذا أمر يتصل مباشرة بأهم النصوص الإسلامية، الكتاب و السنة. ويرى تيزيني أن المخرج من المأزق التاريخي الراهن، أول ما يقتضيه، اعتبار جملة من العناصر منها:
- الحرية في البحث العلمي وما تتطلبه من حوار مفتوح؛
- العقلانية، وما تشترطه من رؤية نقدية؛
- التاريخية، سيما في عملية الضبط للأحداث والنوازل ضمن مسار تجليها البشرية؛
- الجدلية، التي تشترط النظر إلى النوازل والأحداث ضمن سياقاتها وعلائقها ونموها واضمحلالها، في عملية التحول والتغيير.
فالقرآن هو نص "حمال أوجه ويعبر بلغة البشر"، كما أقر بذلك مبكرا جدا على ابن أبي طالب. فهل هذه إشارة واضحة "لتعددية قرائية قرآنية"؟

بخصوص القراءات ، يرى تيزيني أن مختلف القراءات تمتلك – بصيغة أو بأخرى – "مشروعية اجتماعية". فهي لم تنشأ من "فراغ اجتماعي"، وإنما أنتجها وأعاد إنتاجها بشر ينتمون لعصر و لمجتمع معين.
ومن سمات القراءات أنها قراءات نظرية اجتماعية (سوسيولوجية)، وكذلك – بحكم التركيب السياسي للعصر الذي ظهرت فيه – سياسية. وقد تتحول إلى "خطاب" تتدخل فيه وتخترقه فواعل وآليات الصراع أو الجدال السياسي والديني بين الأطراف المتعددة. لذا ذهب تيزيني إلى اعتبار أنه لا يصح القول بقراءة "بريئة" أو بخطاب "بريء" على صعيد الفكر الإسلامي.

ينتمي مشروع الطيب تيزيني إلى المقاربة العلمية، التي تفسر الظواهر الدينية من خارج دائرة الدين، باستخدام أدوات معرفية ونهجية لا تقر بالغيبيات، إذ تعتبر أن مختلف الظواهر قابلة للتفسير عقليا، بما في ذلك الوحي والقداسة ، وهذا المسار قد يؤدي إلى محو الدين. علما أن تيزيني، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك الماركسية اللينينية، قد اعتبر من الخطأ إبعاد الدين ودوره الكبير في المجتمع وضرورة أخذه بعين الاعتبار في التحليل للواقع وعدم لفظه جملة وتفصيلا، بحكم طبيعة الإنسان وحاجة الناس إلى الدين ، إذ لا يجوز قطع تماماً مع هذا المجال.

تناول تيزيني الإسلام المبكر، من موقع لا ديني، ونزع القدسية عن أحداث ونوازل لا يطالها الشك في الوعي الإسلامي.
وبخصوص علاقة النبي محمد مع الأحناف - لاسيما مع ورقة ابن نوفل- أقر تيزيني بدور هذا الأخير في مسار الدعوة المحمدية و" كمصدر الوحي"- دنيوية المصدر. كما أنه اعتقد أن الجاهلية حوت كل مقدمات الإسلام. وقد ذهب إلى تمحيص ظروف الجزيرة العربية قبيل بروز الدعوة المحمدية لتحديد الأسباب التي دعت إلى بروز الدعوة ومنحتها المشروعية الاجتماعية والتاريخية. وجاء على قلم تيزيني : "يمكن القول إجمالاً وعموماً، بأن الأحوال أفضت – عشية ظهور الإسلام – إلى أن الجميع لم يعد راضياً بوضعيته، مطمئناً إلى غده: الأدنون، الذين أخذوا يخضعون لأشكال متصاعدة، نوعياً، من القهر والاسترقاق والإذلال، والمتوسطون، الذين أخذت عملية إفقارهم تتسع من قبل أولئك، بحيث راحت أرهاط منهم ترغم – بفعل ضرورة اقتصادية قاهرة – على الهبوط باتجاه الأدنين بصيغة أرقاء دين أو صعاليك أو مخلوعين أو مشردين .. الخ، والأعلون، الذين راحوا يحسون – من موقع أنانية طبقية ضيقة وجشع اقتصادي لاهث – وطأة الأحداث المتعاظمة، من مرابض هؤلاء وأولئك الباحثين عما يعزز أمنهم المهدد، كل بطريقته وضمن احتمالاته".

يرى تيزيني - في نظرته للإسلام المبكر- أن اللب في "الثورة المحمدية" كان ذا طبيعة سياسية أكثر منها ثقافية، وكان التوحيد الديني هو المدخل الأنسب لتحقيق التوحيد السياسي وإنشاء مركز سلطة دنيوية. إن العلاقة التي أنشأها محمد بين الديني والدنيوي كانت، في حينها، علاقة خصبة ومجدية ومدخلا مناسباً للخروج بأهل الجزيرة العربية من الاقتتال إلى الغزو والظهور على الشعوب الأخرى، و هذه العلاقة ما يعبر عنها بالقول "إن الإسلام دين ودنيا" وقد وجدت تجسيدها – مع مرور الزمن - في "الإسلام السياسي" أو "الإسلاموية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 7- Al-Baqarah


.. #shorts -10- Al-Baqrah




.. #shorts -12- Al-Baqarah


.. #shorts-1- Al-Fatihah




.. #shorts -2-Al-Fatihah