الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكونُ الواسعُ والعقول الضيّقة 39

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2022 / 5 / 2
الطب , والعلوم


The vast universe and narrow minds 39

في الحلقة السّابقة قلنا أنّ التّناظر، له أهميّته في حالة الإفتراض بوجود جسيمين في فضاء الكون بشكل ما، وهو ترتيب طبيعيّ لأشكال متطابقة يمكن لها أن تكون كتلة ما أو مساحة ما أو شيئاً ما. والتّناظر الجّسيميّ إنْ وجِد فهو الوضع الذي يكون بشروطه التي وصفتها بالتّناظر في وضع خاصّ، لا كالتّناظر الذي نستخدمه في الرّياضيّات وفي مجالاتنا الأخرى. والجّسيمان يكونان في وضع التّماثل في كلّ شيءٍ، أي في تركيبيهما إلّا أنّ مكانيهما يكونان بحيث أحدهما مقابل الآخر. وفي حالة الإستعداد للدّوران أو الحركة الدّائرة ضمن وضعٍ تكون فيه الإحداثيات متعددة ويكون الدّوران في كلّ الإحتمالات المتوفّرة. فسيكون بالتّأكيد وضعاً يشمل الوجود أو المحيط الجّسيميّ كله. هذا إذا تعرّضا أو خضعا إلى نفس التّأثيرات بإستثناء الإختلاف في المكان كما قلنا. كما يمكن القول أنّ الحركة الجّسيميّة تعتمد على الكثير من التّأثيرات المحيطة إذا ما ثبّتنا التّركيب الجّسيميّ وما يتعلّق بهذا الجّسيم. وقد قلنا أنّ الحركة الجّسيميّة ستكون بإتّجاهين، أحدهما مع عقارب السّاعة والآخر عكس عقارب السّاعة، كحركة إبتدائيّة ثم تتطوّر إلى حركة بجميع الإتّجاهات، بشرط أن تكون لأحدهما حركة عكس حركة الجّسيم الثّاني كلّ الفترة الزّمنيّة. وكما قلنا في الحلقة السّابقة أنّ برم الجّسيمين سيدخل عاملاً مهمّاً في التّعامل مع الزّمن. وهنا نقول أنّ الحركة ينشأ منها تأثير آخر من فعل التّضاغط بوجود الفراغات الحتميّة. ونسهب هنا لنقول من خلال:
الضّغط والزّمن من جديد
لقد تطرّقنا إلى المناطق الثّلاث للزّمن في عدد من الحلقات والتي تتركّز كلّها على الزّمن وكيفيّة تعريفه ومن خلاله أو بلا ذلك أيضاً، كيف نعرّف اللازمن. هذه المناطق الثّلاث هي التي تتعلّق بالزّمكان كما أشار إليها آينشتاين ومن بَعْدَه من خلال دراسة وتعريف الزّمكان المذكور. هذه المناطق الثّلاث هي ما يتعلّق بالماضي، والآخر ما يتعلّق بالمستقبل، والثّالثة ما يتعلّق بالحاضر من خلال الحوادث المتتالية والتي يستمرّ الزّمن معها مرافقاً. وهذه المنطقة التي يمكن وصفها على أنّها لا علاقة لها بالماضي ولا علاقة لها بالمستقبل، لكن ربّما يكون هناك بعض التّكرار أو التّشابه في خواصّ الحدث من الماضي أو ذلك الذّاهب إلى المستقبل. ومن خلال هذا أكّد آينشتاين على نسبيّة الزّمن ولا مطلقيّته أبداً! ولكن من خلال ما ذكرنا في عدد من الحلقات وجدنا شيئاً من هذا المطلق الذي رفضه المحترم آينشتاين. ويمكن أن نفهم ما يعنيه آينشتاين من خلال هذا الطّرح هو أنّ الإنسان لا يمكن أن يقسّم الأحداث إلّا من خلال الماضي المشترك ومن خلال المستقبل المشترك. ولكنّ الغرابة في هذا عدم تطرّقه إلى إحتماليّة وجود الحدث في صيغة أخرى في مكان آخر من الكون بشكل إحداثيّات تتضمّنه أو تحتويه. ومن المهم الإشارة إلى أنّ الطّرح الذي نطرحه من خلال ما موجود من فرضيّات أو نظريّات إتّخذت على أساسٍ ما، فمن خلال هذه الفرضيّات نفسها أو من خلال المعادلات نفسها نفترض إفتراضنا بشكل معقول. حيث يستند الفرض الذي إفترض على أنّ الزّمن نسبيّ، ويكون التّعامل من خلال الرّبط ما بين الزّمان والمكان أو الحادثة. ولا مجال للتّفريق ما بين الزّمن والحادثة بأيّ شكلٍ من الأشكال. فلو قمنا برسم العلاقة المذكورة ما بين الزّمن والحادثة أو ما بين الزّمن والمكان فسيكون لدينا رسم بيانيّ، لا يمكن أن يكون هناك شرط الثّبات لقيمة ثالثة فيه. كيف؟ في المعادلة البسيطة ما بين قيم ثلاث يكون التّناسب ما بين إثنين من هذه القيم شرط أن تكون القيمة الثّالثة ثابتة كي يمكن دراسة العلاقة ما بين القيمتين الأخريين. بينما في دراسة الزّمن مع الحادثة فلا مجال لثبات أيّ شيء، حيث يكون الشّرط هنا هو التّطابق أو التّرافق ما بين الزّمان والمكان أو الحادثة. هنا تكمن المفارقة المهمّة، حيث يكون الثّابت هنا لا علاقة له بالقيمتين الأخريين. وقد لاحظنا كيف يمكن التّعامل مع الزّمن غير المستقل أو زمن آينشتاين أو الزّمن النّسبيّ. لكنّ الشيء المهمّ في التّعامل مع العلاقة المذكورة ما بين الزّمن والمكان أو الحادثة بحيث يكون الرّسم البيانيّ متضمّناً خواصّ الزّمن والحادثة مترافقين، لا يمكن الفصل بينهما حتّى في الصّفات أو المميّزات. حيث يمكن القول هناك خواصّ جديدة يمكن أن نطلق عليها بالخواصّ المشتركة بلا فصل. اي لا يمكن أن نعيّن مميّزات للزّمن بذاته. وكما قلنا سابقاً حول إتّجاه الزّمن (راجع الحلقة 28 و32 و 33)، حيث الحركة من الماضي إلى المستقبل لا غير، وبإتّجاه واحد. هنا يمكن أن ندخل إلى وضع أو تاثير الضّغط:
لقد تطرّق علماء الفيزياء إلى عدم إمكانيّة ضغط الزّمن من الماضي إلى المستقبل بهذا الإتّجاه الفريد، والتي (أي الإمكانيّة) وردت في النّظريّة النّسبيّة. ومن خلال بيان منكوفسكي الشّهير# لكنّ المهمّ قد أشرتُ إليه هو أنّ التّحدي الجّديد هو ما يتعلّق بشرح الضّغط لهذا الزّمن وفق الطّريقة العلميّة التي أشرت إليها في الحلقات 3 ، 8 ، 15 و 29 وقد ورد في عدد من الأماكن بصيغ أخرى سأشرحها لاحقاً. إنّ طيّ الزّمن، تبريد الزّمن يمكن أن نتطرّق إليهما بشكل أثير سابقاً، لكن لأهميّته وعلاقته بالموضوع نشير إليه هنا. فمثلاً قد أثار آينشتاين طيّ الزّمكان كما ورد في الحلقة 33 بمعنى واضح، ولكنّ الحديث عن طيّ الزّمن بلا الزّمكان وبلا ما يرتبط به، فمسألة أخرى بالتّأكيد. فطيّ الزّمن هنا هو أن يضغط بصيغة الضّغط أو بنفس معنى الطّي. كيف؟ حينما نتحدّث عن طيّ الزّمن أي جعله في مسار منحنٍ ينتقل فيه المسار إلى أن يقترب من المستقبل حتّى دون المرور بالحاضر كما شرحنا سابقاً، لكنّ الجّديد الآن هو التّعامل مع وضع الطّي أو الضّغط على حدّ سواء حينما نتحدّث عن أنّ الزّمن يضغط كما في شرح ساغال. إنّما يمكن أن يثار سؤال عن أنّ الضّغط لا يمكن أن يحدث دون وجود فراغ كي يحصل هذا التّضاغط، وهذا صحيح حيث الفراغ يلعب الدّور الأساس في حصول أو في تقدّم هذا التّضاغط إلى أن يغطي الفراغ كلّه أو جزءاً منه. إلّا أنّني يمكن أن أثير كذلك موضوع المسار، حيث الإنتقال والإنحناء دون الحاجة إلى وجود الفراغ. هذا هو الفرق الأساس ما بين الضّغط (أو التّضاغط مع إختلاف بسيط مع معنى الضّغط) والطيّ. حيث يمكن إعتبار طيّ الزّمن من الأفكار المهمّة التي وردت بأمثلة كثيرة، نقلها لنا التّأريخ من خلال حوادث عديدة. حيث وجود المستقبل بعيداً عنّا لا يعني عدم الإمكانيّة في التّفاعل معه وتقريبه إلينا، ولو في الجّانب الذّهنيّ أولاً كي يتمّ وضع الصّيغ المناسبة لهذا الحال كي يتمّ التّحضير إلى فكرة طيّ الزّمن بالأسلوب غير التّقليديّ، كما هو حاصل مثلاً عند أهل الباراسايكولوجيّ. يبقى الشّيء المهمّ الذي نحتاجه هو شكل المستقبل، كيف يكون؟ أثرتُ هذا في الحلقة 3 حيث قلتُ فيها أنّ المستقبل في كلّ الأحوال جزء من تركيب الكون الذي نحن جزء منه. وكذلك الماضي أي في حالة الطيّ سيكون لدينا جزءان مهيئان للإقتراب من بعضهما البعض، وبالتّالي سيكون نقطة هذا منطبقة على نقطة ذاك وهذا هو المطلوب من هذا التّصوّر. إن قلنا أن هذا الزّمن بأنواعه جزء من الكون فبالتّأكيد سيكون التّصرّف بهذا النّوع أو الأنواع بصيغ يمكن أن يقال عنها مقبولة رياضيّاً إذا ما قبلناها تصوّراً في بداية الأمر. لا ننسى ما للثّقب الأسود من تصرّفات أو خواصّ يمكن أن تجمل أو تضمّ هذا الطيّ بسهولة بحكم الإنطواء الذّاتي داخل الثّقب الأسود حينما يدخل الجّسم أو الشّيء إلى داخله. فالزّمن هناك غير الزّمن الذي معنا ذلك الضّيف الجّميل بجماله والصّعب بصعوباته حسب مزاجك أنت ومزاجي أنا. وفي الثّقب الأسود سيكون التّشابه والتّماثل في المفهوم ما بين الضّغط والطيّ للزّمن بسبب كون الفراغ قد إنعدم داخل هذا الثّقب أي إنتفت ضرورة وجوده كي يكون هناك ضغط ما. وهنا لا غرابة من القول حينما يذكر آينشتاين هذا الإنحناء، ولو بصيغة الزّمكان لكنّ الذي يهمّني هنا هو صيغة الإنحناء بوجود الزّمن إن كان مستقلّاً أو متكافلاً في الوجود مع المكان. خاصّة عندما يتمّ الحديث عن نقطة التفرّد (راجع الحلقة 33 كذلك) والتي تكون مركز ذلك الثّقب الأسود. أمّا تبريد الزّمن فأرجو أن تراجع الحلقة 8 عن ذلك كي يكون الرّبط واضحاً.
إنّ كلّ النظريّات التي ورد فيها الزّمن أو الضّغط في هذا المجال يُرى فيها الفراغ بحيث يلعب دوراً مهمّاً، بل يلعب الدّور الأهمّ في ذلك التّضاغط وبالتّالي في تشبيك المفاهيم للوصول إلى الوضع الأفضل. في الحقيقة إنّ افضل من صوّر هذا التّضاغط هو ساغال في تقويمه الكونيّ. وأنا أرى أنّ من المهمّ الإشارة إلى أن ليس من المهمّ أن يكون التّضاغط بالصّيغة التي أشار إليها هو أم بتلك التي أتصوّرها هنا (للمزيد حول تصوّر ساغال للزّمن الكونيّ راجع الحلقة 31 وقد أشرتُ فيها إلى العلاقة ما بين مفهوم الضّغط أو التّضاغط والطيّ للزّمن، ولو بأسلوب آخر!).
هناك العديد من الأفكار التي يتّفق فيها الميكانيك الكلاسيكيّ مع الميكانيك الحديث، وهذا لعَمْري من الأشياء التي تُلهِم الإنسان إلى أنّ العلم حقّاً لا يمكن أن يستغني عن تجارب الماضي حتّى في التّطبيقات. وهذا ما تطرّقت من خلاله إلى معادلة برنوللي في ميكانيك الموائع والتي أقحمتها في تطبيقها على وضع غير معروف، هل يخضع أو هل يمكن أن يخضع إلى هذا المنطق أم لا؟ لا بأس كلّ ذلك يصبّ في منطق البحث عن الزّمن وعن الحقيقة وعن كلّ مخبوء في طيّات الغيب.
لو درسنا الثّقب الأسود جيّداً للاحظنا أنّه ناتج من الضّغط الذي يحصل بعد إنطفاء النّجم، حيث تنضغط المكونات ضغطاً هائلاً إلى الدّرجة التي لا يبقى في الأجسام إلّا نقطة واحدة عديمة الأبعاد. ومن هنا يمكن القول بأنّ الضّغط هنا الوسيلة الأساسيّة التي تشكّل هذا الوضع، حيث يكون ضغطاً مؤثّراً حتّى على ذلك الزّمن. إذا كان الجّسم أو الشّيء يتقلّص إلى نصف قطر لا يتجاوز كتلة إلى كتلة الشّمس مضروباً في ثلاث مرّات. حيث يطلق على هذه القيمة بالقيمة الحرجة لنصف قطر جاذبيّة الجّسم. في الثّقب الأسود الكثير ممّا يتعلّق بالزّمن في وضع يمكن أن نطلق عليه بالزّمن القابل للتمدّد والتقلّص أو القابل للطيّ والعودة في أحواله أو أنواعه الثّلاثة. وهنا أتطرّق إلى الطيّ بشكلٍ يوحي إلى القارئ إلى أنّ الزّمن يتصرّف في مساره على أساس الأحداثيّات التقليديّة. هذا صحيح في التصوّر أمّا في حقيقة الأمر وفي أماكن أخرى من هذا الكون، وكما قلنا، فهناك العديد من الإحتمالات بوجود إحداثيّات متعدّدة، فيكون التّعامل بصيغٍ أخرى غير تلك الصّيغ المتعارف عليها تقليديّاً. فمثلاً في التّعامل مع طيّ الزّمن، ربّما يكون الطيّ بصيغة تلتقي فيها الإحتماليّة مع هذا، حيث ليس بالضّرورة أن يكون الطيّ مساراً وإنّما يمكن أن يكون مساحة أو حجماً. أي أنّ الطّيّ يكون بكلّ الإحداثيّات في آن واحدٍ، كما يحصل في تضاغط البالون المطّاطيّ من كلّ الجّهات إلى أن يتحوّل إلى نقطة واحدة من خلال تقلّص أو طيّ كلّ الإحداثيّات في وقت واحد. وهنا الحديث عن المكان لتقريب المفهوم أمّا في الزّمن فسيكون الطّيّ وفق نوع الزّمن الذي نتحدّث عنه. دعنا نوضّح بعضاً من هذا: في الثّقب الأسود يكون كلّ شيء قابلاً للإندثار والتّلاشيّ وبطرق لا نعلمها، سوى مراقبة إنضغاط الأجسام والمجرّات حين دخولها الثّقب الأسود بفعل جاذبيّته العظيمة. ثم ينكمش الجّسم إلى أن يتلاشى داخل الثّقب الأسود متحوّلاً إلى نقطة، أو ربّما يتحوّل إلى لا شيء! أي يفنى. لا تقل لي أنّ المادّة لا تفنى، فالمادّة قابلة للفناء وقابلة للتحوّل (معذرةً من الغالي نيوتن!).
الحركة دائمة ولا وقوف ولا توقّف إلّا إذا...
كلّ شيء في الكون متحرّك بالضّرورة بنظريّة التّوسّع الكونيّ حتّى يصل إلى حالة التّوقّف كي ينكمش على نفسه ووفق فرضيّة الإنكماش التي تطرّقنا إليها في الحلقة 1 و2 وباقي الحلقات). حيث نعلم أنّ الميكانيك الكلاسيكيّ لغاليلو ونيوتن ينصّ على أنّ الجّسم أو أيّ شيء آخر، يمكن أن يكون في حالة توقّف أو في حالة إستقرار، وهذا الإستقرار إمّا أن يكون فيه الجّسم متحرّكاً حركة بقيمة ثابتة أو يكون ثابتاً في الحالة التي لا تؤثّر عليه أيّ قوّة من القوى. وفي الحالة التي تؤثّر فيها القوى على الجّسم يجب أن نجمع تلك القوى جمعاً إتّجاهيّاً لنعرف إلى أين سيتّجه بعد ذلك بفعل القوّة الأم. بينما الحديث عن الثّبات هنا وخاصّة للمجرّات التي يحتويها الكون فهو حديث لا يرقى إلى ثباتها الثّاني المشار إليه أعلاه. والطّريف الذي يطرحه بعضهم، هو: إن كان الجّسم يتأثّر بقوّة توجب عليه الحركة الدّائمة ما لم يؤثّر عليه شيء من قوّة فيغيّر من حالته. فكيف يتحرّك الكون ومن أين هذه القوّة التي أثّرت عليه وجعلته متحرّكاً بهذا الشكل أو بالأشكال الأخرى المتوقّعة؟ والجّواب يكمن بكلّ الفلسفة والدّراسات الدّينيّة والعلميّة والكونيّة بلا شكّ! يقول المؤمنون بوجود الخالق المدبَّر بأنّ الله تعالى أو خالق الكون أعطى القوّة لتكوين الكون وأعطاه المدد للإستمرار، ويقول غير المؤمنين بأنّ الصّدفة أو شيء آخر أعطاه القوّة للإستمرار بعد خلقه! ومازال الجّدل قائماً رغم كلّ الدّلائل على وجود الموجِد. والمهمّ في قولنا، في الفيزياء كما يقول فريدمان: بما أنّ هناك قوّة يجب أن تكون هناك حركة. والحركة التي تلعب دوراً مهمّاً في ترتيب الجّسم لتكويناته الدّاخليّة ككلّ الأجسام الصّلبة والسّائلة والغازيّة، بل وحتّى ما يطلق عليها بالمادّة الرّابعة. أيّ تصبح الحركة ضروريّة لكلّ الكون لديمومته ولترتيب مكوّناته أو تركيباته الدّاخليّة. وبالتّالي تكون النّتيجة لا تنظيم بلا حركة ولا حركة بلا قوّة ولا قوّة بلا مؤثّر لإيجادها. طيب! فهمنا وأين الزّمن وما دوره هنا؟ الجواب، في كلّ مرّة نبتعد قليلاً ثمّ نعود فنلملم شتات الفكر لكي ننتقل إلى موضوعنا الأساس. الزّمن ككلّ الأشياء يعدّ كينوناً من كينونات الكون أو يمكن أن يكون بحيث لا يحويه الكون المعروف. أي أنّ الزّمن وجود مستقلّ إلّا إذا تدرّجنا في توضيح أنواعه بحيث يمكن أن يخضع إلى تأثير ما، ويمكن له أن يكون بلا تأثير. أي بلا قوّة ولا علاقة له بالقوّة ولا علاقة له بالحركة، هو موجود ذاتيّ إلّا إذا أردنا أن نتعامل معه كما ذكره آينشتاين بحيث شكّل منه رابطاً مع المكان وأخضعه إلى تأثيرات المكان مشتركاً معه وكما عرّفه بالزّمكان. ولم يعترف ولم يتطرّق إلى وجود مطلقيّة الزّمن ولا معنى له إلّا ما ذكره متضامناً مشتركاً متفاعلاً مع الشّيء أو مع المكان. وقد ذكرت في الحلقة 9 وقد أسهبت في القول حول ذاتيّة الزّمن والزّمن النّسبيّ لآينشتاين بالقول: الزّمن المطلق له وجود وخواصّ ومميّزات تتباعد وتتقارب مع الزّمن النسبيّ من خلال التّعامل مع الذّات أو من خلال التّعامل مع المكان لا على أساس مرتبط ومعلّق به بل من خلال إستقلاليّته. ومن طريف القول الذي أردّده دائماً في جلسات الأصدقاء الأكاديميين المهتمّين، أنّ آينشتاين لم يكن يهتمّ بعلم الكونيّات وتفاصيله بل بالمنطق الرّياضيّ الذي يشذّب وينظّم التّعامل مع الظّواهر التي تحصل في هذا الكون ولا يدخل في الظنّيّات أو في الإعتقادات فهو وجوديّ في هذا الجّانب وليس ناكراً لوجود المدبِّر. لكنّه كان مهتمّاً في كيفيّة تشكيل الأجرام والكواكب والنّجوم. فبنى في الكثير من معادلاته على التّكوينات الموجودة فعلاً، ولا ينكر إحتماليّة وجود الأشياء الأخرى. حيث ذكر أنّه يمكن للمادّة المنتشرة في الكون بشكل موحّد في جميع أرجاء الكون، يمكن ان تتقلّص بأجمعها أي أنّها تتقلّص كلّاً واحداً. ويمكن لها أن تتوسّع أيضاً على أساس الكليّة هذه. بقي أن نشير إلى أنّ هناك نوعين من الأكوان، الأوّل نوع متجانس والآخر غير متجانس. كلا النّوعين يمكن أن ينطبق عليهما أنّهما يتمدّدان ويتقلّصان بنفس الأسلوب الذي ذكرناه أعلاه، أي أنّ كلّ واحد منهما يتمدّد ويتقلّص بكلّ مكوّناته. أي أنّ المكوّنات يمكن أن تشبه في تصرّفها مكوّنات أيّ مادّة صغيرة محيطة بنا. يبقى فقط سرعة التّوسّع أو سرعة التقلّص يمكن أن تكون ثابتة خلال زمن ما، أي يكون تعجيلها أو تسارعها ثابتاً خلال ذلك الزّمن على طول فترة التّغير الحاصل من توسّع أو من تقلّص. ولو كان الكون من النّوع متعدّد الإحداثيات يكون توسّعه وتقلّصه في جميع الإحداثيّات كذلك بما ذكرنا من تجانس للكون المتجانس أمّا الكون غير المتجانس فسيكون هناك إحتمال وارد أن يكون التغيّر إمّا بإتّجاه واحد أو بإتّجاهات مختلفة. يجب أن نقول أنّ ديناميكيّة توسّع أو تقلّص الكون، بعد ذلك لا يمكن أن تكون بعيدة عمّا يجول في ذهن الباحث من تخمينات تتعلّق بالتغيّرات التي يمكن أن تحدث على هذه الديناميكيّة عموماً وعلى كلّ من التوسّع أو التقلّص واحداً بمعزل عن الآخر. وما تمّ وضعه أو إكتشافه إلى الآن لا يخفى ما للميكانيك الكلاسيكيّ من تأثير على التصوّرات التي وضعت على شكل علاقات رياضيّة أو إحصائيّة أو وفق منطق الإحتمال. لا شكّ أنّ النظريّة النّسبيّة العامّة لعبت دوراً مهمّاً في تشذيب الكثير من المنطق الكلاسيكيّ، أو التصوّر بهذا الإتّجاه لكنّها في جانب آخر لم تستغن عن الميكانيك الكلاسيكيّ. فلذلك نلاحظ بشكل واضح هذا من خلال العلاقات الموضوعة للتوسّع الكونيّ مثلاً، إلى ما بعد ذلك من تصوّرات. فمن خلال دراسة معادلات فريدمان التي أشرنا إليها في حلقات سابقة (راجع الحلقة 6 وقد قلنا: حيث من المهمّ الإشارة إلى تصوّر فريدمان من ناحية أخرى في ربط أو تأثير المنطق الكلاسيكيّ على المعادلة الشّهيرة، من خلال ديمومة الحركة لهذا الكون أو عدم ثباته كمادّة ما وفق القانون الأوّل لنيوتن (راجع الحلقتين 8 و 18 كذلك). رغم ما ذكرنا في أنّ التغيّر الحاصل للمادّة تغيّر صغير إلى درجة أو حدود العشرة إلى القوّة سالب 43 مرّة والذي يتحدّى فيه أجهزة القياس لصغره، وقلنا هناك إتجاهان في إستناد القياسات الفيزيائيّة (راجع الحلقة 18) وهكذا. وقد أخذ آينشتاين بتصوّر فريدمان في تصوّره ( بأنّ هناك نقطة في الكون هي مثال للتفرّد). وقد ذكرنا أنّ هناك مشكلة وقع فيها من قال أنّ إنحناء الزّمكان لا نهائيّ، أي أنّ الأحداث ما قبل الإنفجار الكبير لا يمكن أن يستخدم لتحديد ما سيحدث بعد ذلك. أي أنّ نقطة البداية كانت من الإنفجار الكبير لا شيء قبله! بل ويقول بعض العلماء أنّنا لا يمكن أن نعتمد على ما حدث قبل الإنفجار الكبير ولا يمكن أن تشكّل جزءاً من نموذج علميّ للكون! (ولذلك ينبغي أن نقطعها عن النّموذج ونقول أنّ الزّمن كانت له بداية من حيث الإنفجار الكبير. وقد أقحموا أنفسهم في مجال عويص من الناحية العقليّة التي ترفض منطق البداية منذ الإنفجار الكبير. ففي قول البروفيسورة أولغا سيليتشنكا الكثير من المعاني في هذا الإتّجاه، حيث تقول: (إنّ مفاهيمنا عن نشوء الكون تتطوّر بشكل ديناميكيّ).وتقول (نحن الآن نعيش بحقبة مميّزة ومرحلة خاصّة في تطوّر علم الفلك وفعلاً، كلّ شيء يتغيّر بسرعة كبيرة للغاية. فكلّ سنة تقريباً تدخل حيز التّطبيق العمليّ أدوات جديدة رائعة لدراسة الكون وتظهر إمكانيّات جديدة تماماً. هذا يعني أنّ معطيات رصد جديدة لم يكن ينتظرها أحد، وبالتّالي يتعيّن علينا مراجعة الآراء النظريّة السّابقة، عذراً من تكرار قولها لكن لأهميّته ذكرته هنا أيضاً). ومن ضمن هذه الآراء النظريّة ما ذكرناه آنفاً. كذلك هناك تصوّر كوكتيل كلاسيكيّ ـ حداثويّ في هذا التصوّر الذي أوجد لنا معادلة حلوة طعمها بطعم قهوة الصباح فيها بعض المرارة لكنّها حلاوة من نوع مزاجيّ جميل (طبعا إذا أعجبتك القهوة من يدٍ أخرى!). للمزيد من هذا التصوّر راجع الحلقة 19).
وحيث أنّ الضّغط الكونيّ من رحيق الكلاسيكيّة بعض الشّيء، لذلك ذكره فريدمان في معادلته المعروفة ولكن بشكل آخر، حيث إفترض أنّ الكون متجانس مكانيّاً ومتجانس الخواصّ. ومن الجّمال في منطق فريدمان هو: عند تطبيق معادلاته على سائل ما مع حالة معيّنة فإنّ تلك المعادلات تنتج التطوّر الزّمنيّ والهندسة النّاشئة عن التغيّرات التي تحصل للكون كدالّة لكثافة السّائل (وهذا الشّيء الذي يريح في القول أنّ المنطق الكلاسيكيّ يلعب دوراً مهمّاً كما هو لعب ريال مدريد!). لاحظ معادلة فريدمان كيف لها أن ضمّت معاملاً للكثافة الفعليّة أو المرصودة مع الكثافة الحرجة، بإعتبار أنّ للكون كثافة من خلال الموائع التي تتحرّك بفعل القوّة المؤثّرة وبفعل الفراغ الذي يجب أن يكون موجوداً كي تكون الحركة كما ذكرنا. يعني هناك كذلك الكثافة الحرجة التي تلعب دورها المرصود لغرض الدّراسة، والعلاقة التي تربط ما بينهما. حيث إفترض هذا العالم الرّائع أنّ العلاقة ما بين الكثافة الفعليّة والكثافة الحرجة هي التي تحدّد هندسة الكون. عندما تكون العلاقة علاقة تساوٍ، ستكون حينها هندسة الكون مسطّحة أي وفق التصوّر الإقليديّ. وفي النّماذج التي تذكرها المصادر## حيث لا وجود للثّابت الكونيّ. يتمّ تعريف الكثافة الحرجة على أنّها نقطة فاصلة ما بين الكون المتمدّد أو المتوسّع والكون المنكمش، حيث تقدّر الكثافة الحرجة بحوالي خمس أضعاف ذرّة هيدروجين أحادي الذرّة لكلّ متر مكعّب بينما يكون متوسّط كثافة المادّة الطبيعيّة أو العاديّة في الكون حوالي 0,2 إلى 0,25 ذرّة لكلّ متر مكعّب واحد###. نتوقّف هنا كي تشرب فنجان قهوتك مع يوم عيد فطر، جعله الله عيد الخير والسّعادة على كلّ المحترَمين والمحترِمين!
لنا عودة إلى هذا إن شاء الله تعالى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
# لقد إفترض منكوفسكي في زمكانه على أنّ الأبعاد تندمج مع البعد الرّابع وهو الزّمن وقد أطلق على هذا الفضاء بفضاء منكوفسكي. حيث يمكن أن نطلق على الأبعاد الأربعة بأبعاد آينشتاين بإعتبارها الأبعاد التي دمج فيها المكان بأبعاده الثّلاثة مع بعد الزّمن أي الزّمن النّسبيّ، حيث لا مطلقيّة في الزّمن كما قلنا. ويرتبط هذا الفضاء بشكل كبير مع نظريّة آينشتاين النّسبيّة الخاصّة. وهناك تباين ما بين فضاء منكوفسكي الذي يرتبط بنسبيّة آينشتاين والأبعاد الإقليديّة. وهناك شرح واسع لهذا الفضاء يمكن أن تطّلع عليها من خلال المصادر المعتبرة
## https://en.wikipedia.org/wiki/Friedmann%E2%80%93Lema%C3%AEtre%E2%80%93Robertson%E2%80%93Walker_metric
### من خلال المصدر السّابق راجع الكتاب: https://books.google.se/books?id=CQYu_sutWAoC&pg=PA61&re-dir-_esc=y#v=onepage&q&f=false

Moayad Alabed








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي ضوابط الأمن الصناعي واشتراطات الحماية المدنية لمواجهة


.. إجلاء سكان وإخلاء عدد من الشوارع.. المياه تغطي عددًا من المن




.. شركة غوغل تطرد 20 موظفا بعد احتجاجهم على صفقة مع إسرائيل


.. أردوغان في العراق.. المياه مقابل الأمن؟ | المسائية




.. انتشال نحو 200 جثة من مقابر جماعية في باحة مجمع ناصر الطبي ج