الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إينيسا أرماند (1874- 1920)

جودي كوكس

2022 / 5 / 3
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



القسم الثاني: سير ذاتية لحياة ثوريات بلشفيات

كتاب ثورة النساء: روسيا 1905-1917

الكاتبة: جودي كوكس

تعاطى المؤرخون مع إينيسا أرماند بشكل سيء على نحو خاص، حيث فشلوا في الخروج من ثنائية “هل ضاجعت، أم لم تضاجع” لينين. إيلين رابابورت كالعديدين غيرها، تظهر أناقة وثقة أرماند وتقابلها مع طاعة وبساطة كروبسكايا. “إينيسا كانت كل ما لم تكنه ناديا كروبسكايا. كانت جميلة، متأنقة، تتحدث عدة لغات، وأنثوية على الطريقة الفرنسية”.(123) وحتى أن إينيسا كانت تطبخ، على عكس كروبسكايا التي أهملت نفسها وكانت غير جذابة. هكذا خلقت وأعيد خلق السردية المملة عن مثلث الحب المؤلف من الزوجة المقموعة والعشيقة المتأنقة، وعلى القمة، الرجل القوي.

يجمع المؤرخون في وجهة نظرهم أن الجاذبية الجنسية يجب أن تتبع الجمال الآخاذ. اعتبرت رواية كولونتاي الحب العظيم أنها قامت على مثلث الحب بين لينين وكروبسكايا وأرماند. يبدو أن روح الخيال قد أغنت النقاشات لحياتهم/ن الخاصة مذاك. حتى الكتّاب الذين اعترفوا بدور النساء في النضال الثوري ليسوا محصنين. على سبيل المثال، يعتبر طارق علي أن لقاء أرماند ولينين، قد حصل في ربيع باريسي مثالي، وعلي في وصفه ذلك يتحول إلى كاتب رومنسي. كما أن علي ينتقد كاتب سيرة أرماند الذاتية لكونه نفى حصول علاقة جنسية بينها ولينين، معتبراً أن حصول العلاقة يجعل من الأمر يستحق كتابة سيرة ذاتية عنها.(124)

أخرجت أرماند من التاريخ على يد المؤرخين خلال الحقبة الستالينية التي كانت تهدف إلى إعادة بناء الأخلاق على أسس تقليدية. في حين كان يراها المؤرخون الغربيون من منظار علاقتها بلينين. كانت عصا لينين، أو ضابطة بأمرة لينين. حتى أن المؤرخ رالف كارتر إيلوود يدعوها “فتاة لينين ليوم الجمعة”.(125) كل نضال أرماند السياسي كان يُربَط بلينين. “مثلت لينين في المؤتمر الدولي”، ذهبت “بالنيابة عن لينين” لبناء منظمة الحزب البلشفي في سانت بطرسبرغ عام 1912. على ما يبدو أن ما يحرك أرماند هو ولاءها لرجل، وليس قناعاتها السياسية. لا يوجد أي رجل ثوري وُصِفَ بهذه العبارات.

في الواقع، كانت أرماند ثورية ذات خبرة قبل أن تلتقي لينين. كانت تتحدث عدة لغات بطلاقة وكان لديها ملء الثقة والعمق حتى تعرف التحدث في المؤتمرات الاشتراكية الأممية، كما كانت المرأة الوحيدة التي أعطت دروساً تثقيفية في مدرسة الحزب عام 1911. عملت عن قرب مع لينين وكروبسكايا لبناء الحزب البلشفي وقد عارضته بشدة عندما كانت لا تتوافق معه. حيث تناقشا فكرة مقال خططت لكتابته عام 1915 حيث دعمت فيه فكرة الحب الحر، الحر من كل القيود المادية ومن الأخلاق القمعية. كما أنها أخذت موقفاً نقدياً من معاهدة بريست-ليتوفسك للسلام. هذه المتعلمة، والمتأنقة والثورية المخلصة كانت بالتأكيد أكثر بكثير من مجرد فتاة لينين ليوم الجمعة.

أصبحت أرماند ثورية ملتزمة عندما بلغت الـ 30 من عمرها ومن تلك اللحظة وحتى وفاتها استمرت مناضلة ملتزمة. ولدت في باريس عام 1874، كانت ابنة مغني أوبرا وأرستقراطية روسية. اعتنت بها جدتها الروسية في موسكو. تزوجت رجلاً روسياً-فرنسياً غنياً، ألكسندر أرماند، عن عمر 19 سنة ولها منه 4 أولاد. بدأت أرماند حياتها السياسية كنسوية. عام 1901، رفضت السلطات الموسكوبية منحها إذن افتتاح مدرسة للبنات. في السنة التالية افتتحت ملجأً “للنساء المضطهدات” وذلك كجزء من حملة واسعة لإعادة تأهيل عاملات الجنس في موسكو. عندما أثبت أن العمل الخيري ليس كافياً، رأى العديد من النساء ضرورة اكتساب النساء للحقوق السياسية. ولكن أرماند سارت في مسار سياسي مختلف. دفعتها تجربتها مع أفقر نساء شوارع موسكو إلى إدراك أن الحقوق السياسية ليست كافية وأن ما يجب تغييره بالكامل هو مجمل النظام السياسي والاقتصادي، وذلك لتحقيق تحسينات دائمة لحياة النساء.

عندما بلغت سن الـ 28 سنة، تركت أرماند ألكسندر وذهبت لتعيش مع أخيه الأصغر فلاديمير، الذي كان ثورياً، وأنجبت طفلاً منه. بقيت على علاقة ممتازة مع ألكسندر أرماند، الذي استمر بدعمها حتى نهاية حياتها. من خلال علاقتها مع فلاديمير أرماند التقت بثوريين وقرأت انتاجهم الفكري. عام 1903، انضمت إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي وبدأت بالنضال السري. طوال 15 سنة حاولت أن تنسق بين حياتها السياسية وتمضية الوقت مع أولادها. بثيابها الأنيقة وبرفقة 4 أولاد كانت تسافر، وكان ذلك وصفة مثالية لتهريب الوثائق عبر الحدود من سويسرا إلى روسيا داخل حقائب أولادها.

عام 1905، يعتقد بعض المؤرخين أنها شاركت في الانتفاضة بموسكو، على الرغم من أن كاتب سيرتها يعتقد أنها كانت مع فلاديمير في الخارج، الذي كان يعاني من السل. اعتقلت في حزيران/يونيو 1905 وأطلق سراحها بعد وساطة زوجها ألكسندر. كما اعتقلت مجدداً في نيسان/أبريل عام 1907، ولكن هذه المرة، على الرغم من محاولات ألكسندر، نفيت إلى شمالي روسيا في تشرين الثاني/نوفمبر. هربت بعد سنة مسرعة باتجاه سويسرا للاعتناء بفلاديمير، الذي مات بين يديها بعد أسبوعين. من ثم سافرت أرماند إلى باريس، حيث التقت لأول مرة بكروبسكايا ولينين. فتشاركت معهما 7 سنوات من المنفى.

أرادت أرماند تطوير فهمها النظري للسياسات ودرّست في مدرسة الحزب بجنيف عام 1911 إلى جانب لينين وزينوفييف وكامينيف. عام 1911، أصبحت كذلك المنظِّمة الأساسية في اللجنة التنسيقية لمنظمات البلاشفة في كل أنحاء أوروبا. عادت إلى روسيا عام 1912 لمناقشة محرري البرافدا حول مقاربة لينين. اعتقلت، وتمكنت من جديد من الفرار، ولكن ليس قبل المساعدة على توجيه جريدة الحزب البلشفي للاستجابة إلى حاجات وطلبات العاملات اللواتي تتزايد أعدادهن في مصانع موسكو. وكانت أرماند هي التي فاتحت كونكورديا سامويلوفا وزلاتا ليلينا زينوفييفا بمقترحها إطلاق جريدة للنساء. تطور المخطط ليصبح جريدة رابوتنيتسا.

عارضت أرماند الحرب العالمية الأولى، ونظمت مؤتمرات مناهضة للحرب فضلاً عن نشرها لكتابات في جريدة رابوتنيتسا. كتب برترام وولف “استمرت إينيسا بلعب دور مهم في نشاطات لينين خلال الحرب. فقد شاركت في الوفد البلشفي في زيمروالد وكينتال (سويسرا). في مؤتمر برن للبلاشفة كانت واحدة من اللجنة الثلاثية، إلى جانب لينين وزينوفييف، التي صاغت الموقف الرسمي حول الحرب.” ويعلق الكاتب قائلاً إن: “لينين كان من دون شك الكاتب الحقيقي للبيان” ولكنه لم يفسر لماذا من دون شك.(126) مثلت لينين في مؤتمر الوحدة عام 1914 في بروكسل. حيث جادل البلاشفة حول أهمية أن ينفصل الثوريون عن الاشتراكيين الذين دعموا الحرب.

عام 1917، أصبحت أرماند أمينة سر سوفيات موسكو ودفعت باتجاه إجراء إصلاحات لصالح النساء. كانت أرماند أساسية في إقامة المؤتمر الأول للعاملات عام 1918. انطلاقاً من هذا المؤتمر نشأ المكتب النسائي، أو الجينوتديل، بحيث تمكنت أرماند من إقامة التسهيلات في المناطق مثل المغاسل والمطاعم والحضانات الجماعية. عينت أرماند على رأس المكتب النسائي في اللجنة المركزية، وأطلقت الجريدة الموجهة إلى النساء، كومونيستا. حمل العدد من الجريدة نعيها. بعد أن أرهقها العمل طيلة 16 ساعة باليوم ذهبت حتى تتعافى في مصح بجبال القوقاز. أجليت من هناك عندما وقعت المنطقة تحت هجوم الجيش الأبيض. تركت القطار لشراء الخبز والحليب فالتقطت الكوليرا. توفيت يوم 23 أيلول/سبتمبر عام 1920، كان عمرها 46 سنة. دفنت في الساحة الحمراء حيث أنشدت الجماهير نشيد الأممية؛ كانت من بين عدد قليل جداً من النساء في ذلك الوقت اللواتي حظين بجنازة رسمية.

الهوامش:

123. Rappaport, Conspirator, pp.190-4.

124. Ali, Dilemmas of Lenin, p.284.

125. Elwood, Inessa Armand, p.125.

126. Bertram D Woolfe, Strange Communists I have known: Inessa Armand, (New York, 1965).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعترضتها شرطة الأخلاق.. امرأة تفقد وعيها وتنهار خارج محطة مت


.. مها أبو رسلان شقيقة شاب توفي تحت التعذيب




.. معرض --We Can صوت الأطفال النازحين من قطاع غزة


.. معلمات السويداء تشاركن في الصفوف الأولى للاحتجاجات




.. المحتجة إلهام ريدان