الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر على النهر الحزين

مهند طلال الاخرس

2022 / 5 / 3
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


جسر على النهر الحزين محمد علي طه، مجموعة قصصية للاديب والقاص محمد علي طه، وتقع على متن 124 صفحة من القطع المتوسط، وصدرت بعدة طبعات وكانت طبعتها الاولى عن دار عربسك لصاحبها سميح القاسم سنة 1974.

المجموعة تحتوي قصص متنوعة تدور رحاها جميعا في فلسطين ومن اجل فلسطين وبسبب فلسطين، فيجد القاريء عند مطالعته هذه المجموعة القصصية"جسر على النهر الحزين" ان صاحبنا محمد علي طه مجبول حتى النخاع بفلسطينيته، التي وعاها باكرا بحكم النكبة والتشريد والقتل والفقر والحصار والخنق والتضييق على كل ما يعطي هذه الارض هويتها الحقيقية، فكتب هذه المجموعة بنفس صاحب الارض الطيب والاصيل والمناضل والمقاوم والضارب في عتي تاريخها حتى الازل، والذي لا ينفك ولا ينفصل عنها مهما علت وتجبرت الة الاستعمار والاستبداد ومهما علت موجات الطغيان، فصاحب الارض والحق يصدح ويصرخ ويبلغ تراثه ومداده السبع سموات.

في المجموعة حكايا عن القرية والمختار والارض المشاع، عن الناس وهمومهم وبساطتهم. في المجموعة حكايا عن النكبة واللجوء وقسوة التشريد، وعن غدر العرب وتآمرهم وخيانتهم، عن نهرهم الحزين الذي يصلح عنوانا لكثير من المأسي؛ اهمها انه شاهد على النكبة وعلى مغادرة اهل البلاد لبلادهم بدعوى صدقوها من جيوش هبت لنجدتهم، فاذا بها تخليهم وترحلهم بدعوى حمايتهم...؛ فعبروا النهر تصديقا للوعود، ومنذ ذلك اليوم اصبحوا لاجئين.

في المجموعة لغة بسيطة سلسلة تؤلف حكايا تأخذنا الى واقع القرية والانسان الفلسطيني بكل صدق. لكن اجمل ما في المجموعة تلك الرمزية العالية وذلك المجاز الفخم والمكتنز والذي يخبيء في تأويلاته اسماء كثير من ذوي القربى من اصحاب المتاجرة بالدم والوطن الفلسطيني، احد اهم تلك المجازات والقصص تتحدث عن احداث ايلول الاسود، والاخرى عن المختار والجواسيس، وجيوش لا تعرف من مهمتها إلاّ حراسة العروش واوكار البغاء وامتهان القوادة .

وقد يكون من الجميل هنا الاستشهاد بما جاء في القصة الاولى من المجموعة :" هل تشاهد ( يا خواجة ) هذه التلال المحيطة ببلدنا.. إنها واسعة جدا، وكانت تدر علينا الخير واليوم هي امرأة عاقر.. لم نكن نزرع هذه التلال، وأقسم لك إنها لم تعرف الزرع يوما، بل كانت مراعي واسعة لأبقارنا وأغنامنا وماعزنا وجمالنا وخيولنا وحميرنا.. هذه التلال اسمها "أرض المشاع". وكنا نقسمها إلى قسمين: القسم الأول للعَمّال، والثاني للبطّال.. لم تفهم؟ سأفسرها لك: العَمّال هي دواب العمل، الخيول والثيران؛ والبطّال هي بقرالحليب والأغنام والماعز. وكان العشب يغطي التلال صيفا وشتاء، وأنعامنا تسرح وتمرح بها وتدر علينا بحليبها الكثير.. والله، كانت تلك أيام الحليب واللبن بحق. تصور..! لم نكن ندري ما نعمل بالحليب واللبن لكثرته. كان الأولاد يشربون منه كثيرا.. ونطبخ منه كثيرا، ونصنع اللبن والزبدة والجبن بكثرة، ونبيع الباقي في المدينة... واليوم يا خواجة، تحمل أم محمود الطنجرة وتدور في القرية من حارة إلى حارة، ومن شارع إلى شارع، ومن بيت إلى بيت، كي تشتري لنا رطل لبن لنأكله مع صحن مجدرة.. أين ذهبت الأبقار والأغنام؟!

جاء موظفو دائرة الأحراش، وبأمر من المحكمة استولوا على التلال، وغرسوها بفسائل السرو والصنوبر، ومنعوا أنعامنا من دخولها، وإذا دخل رأس بقر تلك المنطقة سجلوا اسم صاحبه ودعوه إلى المحكمة ليدفع عشرين، خمسين، سبعين ليرة! أنتم أقوياء يا خواجة.. لقد جعلتمونا نبيع أنعامنا لأن الدنيا ضاقت بوجهنا.. والله يا خواجة، هذه البلدة الصغيرة كانت تملك مئات الأبقار، ومئات الأغنام، ومئات الماعز؛ وكان العجّال إذا وصل إلى التلة يحول لونها أسود.. واليوم نبحث عن صحن اللبن ولا نجده. ونشتري الجبن من المدينة.. إيه.. دنيا!!(ص 53 – 56).

بقي ان نُعرِّف بشيء من التفصيل بصاحبنا وكاتب هذه المجموعة محمد علي طه: فهو قاصّ وروائيّ ومسرحيّ وكاتب مقالة ساخرة وهو كاتب بارز من كتاب القصة القصيرة الفلسطينية المحلية، ولد في العام 1941 في قرية ميعار في الجليل- فلسطين، وفي العام 1948 هدمت القوات الإسرائيليّة قريته وصادرت أراضيها، فلجأ مع اسرته إلى قرية كابول.

انهى دراسته الابتدائية في القرية، وأنهى الدّراسة الثّانوية في ثانوية كفر ياسيف في العام 1960، ودرس الأدب العربيّ والتّاريخ في جامعة حيفا وحصل على اللقب الجامعيّ الأوّل سنة 1976، وهو من مؤسّسي اتحاد الكتّاب العرب الفلسطينيّين في الداخل المحتل في العام 1987، وانتخب رئيساً له في العام 1991، وهو من مؤسّسي لجنة الدّفاع عن الأراضي العربيّة التي أقرّت إضراب يوم الأرض 30 آذار 1976.

انتخب في العام 1998 رئيساً للجنة "إحياء ذكرى النّكبة والصّمود" التي قامت بنشاطات واسعة في البلاد إحياءً للذّكرى الخمسين لنكبة الشّعب الفلسطيني وتوّجت عملها بمسيرة العودة – من الناصرة إلى صفورية التي شارك فيها الآلاف، ومن أعماله: لكي تشرق الشمس، سلاما وتحية، جسر على النهر الحزين، عائد الميعاري يبيع المناقيش في تل الزعتر، وردة لعيني حفيظة، عائد وحفيظة، ويكون في الزمن الاتي، عرس الفتى سرحان، النخلة المائلة، وبالعربي الفصيح. ترجمت قصصه إلى عدة لغات .

وحول بداياته في الكتابة واستشعار تلك الموهبة لديه يقول صاحبنا محمد علي طه:

بدأت الكتابة عندما كنت طالباً في الثانوية العامة في بلدة كفر ياسيف – قضاء عكا، وكنا في الصف مجموعة من عشّاق الأدب، وكان يجلس بجواري على المقعد الدراسي من الصف التاسع حتى الثاني عشر الشاعر محمود درويش، ومعنا الشاعر سالم جبران، واتجه الاثنان إلى كتابة الشعر في تلك الفترة، بينما أنا فكنت أميل إلى كتابة القصة بعد أن وقعت يداي على مجموعة قصصية للكاتب الفرنسي جي دي موباسان باللغة الإنجليزية، وأخرى للكاتب الروسي أنطون تشيخوف ولكن بالعبرية، وثالثة للكاتب المصري محمود تيمور بعنوان ”أبو الشوارب”.

أعجبت بهذا الجانب من الأدب، وبدأت بكتابة القصة وكانت مغامرة كبيرة أن أسبح ضد التيار، لأن مجتمعنا يعرف أن الشاعر هو الأديب فقط، والشعر يُلقى في المهرجانات، بينما القصة فتحتاج إلى قرّاء.

أنا ابن النكبة الفلسطينية ووُلد قلمي من رحمها، ففي 19 يوليو 1948 احتلت العصابات الصهيونية قريتي ميعار- قضاء عكا، وفي ذلك اليوم خسرت قريتي وبيتي وبئر الماء الذي كنا نشرب منه وشجرة التين وشجرة التوت، كما خسرت أترابي الذين كنت ألعب معهم، ولم أشاهدهم منذ ذلك اليوم، والأهم من كل ذلك أنني خسرت كتابي الأول للقرّاء وعنوانه “الجديد “ لخليل السكاكيني، كما خسرت كرتي ودفتر الرسم وطفولتي بمجملها.

كل ذلك أثر عليّ كثيراً، أضف إلى ما ترتب على العائلة من وضع يتسم بالحرمان والفقر لفقداننا البيت والأرض، وبعد أن عدنا من جنوب لبنان لأن والدي رفض أن يعيش لاجئاً هناك خاصة أن عمّالاً من الجنوب كانوا يعملون عندنا، عشنا تحت شجرة، وعانينا من الجوع، وحدثت لنا مأساة كبرى تمثلت بوفاة أختي وعمرها أربع سنوات بعد معاناتها مع المرض، وحمل والدي جثمانها وتوجه مع صديق له لدفنها في مقبرة سخنين، ولم نتمكن من التعرف على قبرها حتى اليوم.

طيلة دراستي الثانوية لم أتمكن من شراء أي كتاب لعدم توفر النقود مع أبي بسبب فقرنا، وكنت أستعير الكتب من طلاب في صف أعلى من صفي، وأحياناً كنت أنسخ بعض الكتب على دفاتري بالقلم، لذلك ليس غريباً أن تكون أول قصة كتبتها بعنوان ”متى يعود أبي؟”، وتتحدث عن طفل فلسطيني حمل والده البندقية واتجه إلى حيفا للدفاع عنها ولكنه لم يعد.

لقد أصدرت مجموعتي القصصية الأولى عام 1964 بعنوان “متى تشرق الشمس” في مطبعة الحكيم بالناصرة وعلى حسابي الخاص، أما الثانية وعنوانها “سلاماً وتحية” عام 1968 عن دار الجليل في عكا، أما المجموعة الثالثة التي اعتبرها جواز سفري لعالم القصة فأصدرتها عام 1974 عن دار “عربسك” لصاحبها الشاعر سميح القاسم وعنوانها “جسر على النهر الحزين”، وأعيدت طباعتها في بيروت عن دار ابن رشد وبالتعاون مع اتحاد الادباء والكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وقد طبعت خمس طبعات ولفتت أنظار النقاد العرب إليّ.

اعمالي جميعها من مجموعاتي القصصية وهي 14 مجموعة وروايتي ومسرحياتي الخمس وغيرها من إنتاجي، يجد القاريء والمهتم عند مطالعتها أن نكبة 48 موجودة في كل قصة وفي كل كتاب.

لصاحبنا محمد علي طه ولامثاله وافضاله من القابضين على الجمر، الصابرين الصامدين والمرابطين بارض الاجداد يحفظون هويتها من التزييف والتحريف والتخريف، له ولهم ولسيرتهم الادبية والوطنية الناصعة عظيم التحيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م