الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أولفين توفلر في الجمعية الفلسفية المصرية

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2022 / 5 / 4
العولمة وتطورات العالم المعاصر


بعد أيام سنكون في الجمعية الفلسفية المصرية للحديث عن حضارة الموجة الثالثة عند فيلسوف التاريخ الأمريكي اولفين توفلر (1928 ـ 2016) ويأتي اهتمامي الفكري بتوفلر في سياقي تخصصي الأكاديمي بفلسفة التاريخ والحضارة الغربية.

من نافل البيان أن عقيدة التاريخ لم تكن راسخة عند الأمريكيين، كما هي عليه عند الشعوب الأخرى، وذلك بحكم حداثة الولايات المتحدة الأمريكية و عمر العالم الجديد، وربما كانت الروح الأمريكية عموما تتميز بالنزعة المستقبلية، أكثر منها التاريخية، إذ أن الفلسفة البراجماتية التي تشكل الأساس الثقافي للمجتمع الأمريكي – تقوم على أساس النظر إلى المستقبل في كل التصورات، فبدلا من الاهتمام بالماضي و التاريخ والبحث عن أصول الأشياء والظواهر والأفكار والمؤسسات، انصرفت البرجماتية للبحث في النتائج العملية والمفيدة للحياة والتقدم فهي لا تسأل كيف نشأت المعرفة أو ما هي الحقيقة بقدر ما تسأل عن النتائج التي تترتب على هذه الفكرة أو تلك في عالم الخبرة الواقعية والحياة المباشرة في هذه البيئة الثقافية المتحررة من آثار التاريخ و أثقاله والمتجهة بنظرها إلى المستقبل واحتمالاته عاش وفكر توفلر، وكان مشدود إلى المستقبل أكثر من الماضي، وفي جوابه عن سؤال هل أنت مستقبلي؟ أجاب توفلر: “لستُ أرفض كلمة مستقبلي لأنها لا تحمل أي معنى شائن... والنظر إلى المستقبل هو وسيلة لتحسين القرارات التي يجب اتخاذها في الحاضر..فما من أحد في رأيي يستطيع أن يستمر في العيش عشر دقائق دون أن يخصص جزءًا مُهمًّا من نشاطه العقلي لإعداد فرضيات لها صلة بالمستقبل ... وفي مرحلة من الاضطرابات الثورية كالتي نعيشها، فإن الماضي لم يعد دليلاً موثوقا عندما يتعلق الأمر بقرارات مباشرة وبإمكانيات يخبئها المستقبل، بل لا بُد من امتلاك فكرة واضحة عن المستقبل كضرورة جوهرية من أجل البقاء... ولكل ثقافة في نظري موقف خاص تجاه الزمن فمنها ما هو مستقطب حول الماضي إذ حيث يرسخون في أذهان الأطفال الفكرة القائلة بأن الحكمة والحقيقة تكمن في الماضي..ومثل هذه الثقافة تبقى قرونا وآلاف من السنيين حبيسة العش البيئي نفسه" ومنذ منتصف القرن الماضي سادت الثقافة الغربية عامة نظرة تشاؤمية إلى التاريخ بوصفه خبرة الماضي والتقاليد السابقة، إذ سادت عقيدة قوية من الشك والريبة تجاه التاريخ وعلومه، وأخذ كثير من المثقفين يفقدون الثقة بالتاريخ والمعرفة التاريخية ويعلنون عدم جدوى التاريخ، وقد حاول المؤرخ الأمريكي (شارلس أوستن بيرد) أن يفسر (أزمة التاريخ) بقوله: “إن جوهر الأزمة في الفكر التاريخي ينبع من فقدان اليقين. والعلم الحديث الذي انتزع منا اليقين اللاهوتي غدا عاجزا أن يقدم لنا وصفا أو نظاما مماثلاً للسياسة القومية و للسلوك، فنحن محرمون من أي تفسير أو دليل واضح بيّن ومحرومون من الأمل بيقين قادم.. و بات لزاما على البشر أن يسلموا بقابليتهم للخطأ ويرضوا العالم مكانا للمحاولة والخطأ»فهذا المؤرخ الإنجليزي المشهور "جفري باراكلاف" من جامعة اكسفورد يكتب تحت تأثير الإحساس العميق بالأزمة:”إننا مهاجمون بإحساس من عدم الثقة بسبب شعورنا بأننا نقف على عتبة عصر جديد لا تزودنا فيه تجاربنا السابقة بدليل أمين لسلوك دروبه، وأن أحد نتائج هذا الموقف الجديد هو أن التاريخ ذاته يفقد، إن لم يكن قد فقد سلطته التقليدية ولم يعد بمقدوره تزويدنا بخبرات سابقة في مواجهة المشكلات الجديدة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً منذ آدم حتى اليوم».
هذا الإحساس المتشائم بعدم جدوى التاريخ سرعان ما سرى كما تسري النار في الهشيم بين قطاعات واسعة من الفئات المثقفة الأورأمريكية وهذا ما أفصح عنه المؤرخ البريطاني “ ج. هـ. بلومب “ في كتابه “ حيرة المؤرخ”عام 4691م، بقوله: “ليس للتاريخ معنى أو فاعلية أو رجاء، فقد اندثرت فكرة الرقي والتقدم الصاعد بين المشتغلين بالتاريخ، فــ 09% منهم يرون أن العمل الذي يمارسونه لا معنى له على الإطلاق».
وقد بلغ هذا الموقف المتشائم من التاريخ والمعرفة التاريخية عند المؤرخ الأمريكي “ دافيد رونالد”من جامعة هارفارد حد الرفض للتاريخ والتشكيك بقيمته وأهميته في كتاب يحمل الاستفزاز والتحدي صدر عام 7791م بعنوان (تاريخنا بلا أهمية) أكد فيه عدم فائدة التاريخ الحاضر والماضي والمستقبل وأعلن: أن التاريخ يظهر مقدار ضعفنا وأننا لا نتعلم من اخطأ الماضي، وما أقل تأثيرنا فيما ينزل بنا من أحداث وما أشد عجزنا في قبضة قوى طبيعية أساسية هي التي تشكل الوجود الإنساني».
ويمكن لنا تتبع حيرة الفكر المعاصر إزاء ما شهده العالم ولا يزال يشهده من اضطراب شامل في ذلك السيل المتدفق من المحاولات التنظيرية التي ترغب في توصيف ونمذجة وعقلنه المشهد التاريخي الراهن في أطر مفهومية مجردة وكلية، إذ أخذ الفلاسفة والمفكرون منذ أواخر القرن العشرين يتسابقون ويتنافسون في صياغة وإبداع ونحت المفهومة المعبرة أو الصورة الفكرية التي يمكن لها أن تعبر عن العالم المعاش، وتمنح الحقبة الجديدة اسمها ومعناها. ومن تلك التوصيفات يمكن الإشارة إلى أشهرها وهي: العولمة، ما بعد الحداثة، ما بعد القومية، ما بعد الحرب الباردة، ما بعد الأيديولوجيا، ما بعد الاستعمار، ما بعد البنيوية، ما بعد التنوير، ما بعد الشيوعية، ما بعد المجتمع الصناعي، ما بعد التاريخ، نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، عصر الليبرالية الجديدة، عصر التفكيك، مجتمع الفرجة، أو الاستعراض، عصر الكمبيوتر، ثورة المعلومات والاتصالات، أو صدام الحضارات، القرية الكونية، نهاية عالم كنا نعرفه”مجتمع الاستهلاك، عصر الديمقراطية، عصر التقنية، عصر التنوع الثقافية، العهد الأمريكي، أو الأمركة، عصر الإرهاب العالمي، السوق الحرة، والوطن السيبرنيتي، عصر الفضاء، والكوكبية وغير ذلك من التوصيفات الكثيرة في أبعادها المتنوعة.
من وسط هذا الفضاء الثقافي المزدحم بالنظريات والروئ يطلع علينا (آلـڤين توڤلر) بتوصيف مختلف لأزمة الحضارة العالمية، ولكنه مثير وجدير بالاهتمام والتأمل، هو ما أسماه بــ ( عصر الموجة الثالثة ). غير أننا قبل أن نميط اللثام عن نظرية (الموجة الثالثة) عند توفلر، ربما نحتاج إلى التعرف على شخصيته ونتاجه الفكري. فمن هو آلفين توفلر:
ولد آلـڤين توڤلر في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي في ولاية بنسلفانيا الأمريكية من أسرة عمالية بسيطة، وبعد أن أنهى تعليمه الأساسي والثانوي ذهب للاشتغال في أحد مصانع السيارات لمدة خمس سنوات كعامل مبتدى، ثم التحق بسلك التجنيد كما يقول: “ وقد استفدت كما فعل كثير من المجندين السابقين من منحة أتاحت لي الذهاب إلى الجامعة».
وفي الإجابة عن سؤال مَن هو آلـڤين توڤلر؟، يروي توفلر بلسانه أهم المحطات في حياته بقوله: “عندما كنت ما أزال في المدرسة كنت أريد أن أكتب، وكنت أهتم بالمشكلات الاجتماعية وبالتغيرات السياسية وحلمت بكتابة رواية عظيمة عن حياة العمال».
ومنذ أواخر الأربعينات يرتبط توڤلر مع رفيقة عمره “هيدي توڤلر”ليتقاسما تجربة الحياة العملية والفكرية، العمالية والسياسية، الثقافية والنظرية يقول: “جاءت معي هيدي التي كانت خطيبتي حينئذ وتقاسمنا هذه التجربة».
في أواخر الأربعينات يذهب توڤ--لر إلى الجنوب للنضال من أجل قضية الحقوق المدنية ويشارك في المظاهرات الشعبية هناك، ويكتشف الماركسية التي سحرته براديكاليتها القوية وتعاليمها الثورية الجذرية.
لكنه فيما بعد يقول: “تحت بزة الوقاد لم أكتشف لا “المتوحش الطيب “ ولا “البروليتاري المجيد”لقد تعلمت في المصنع بقدر ما تعلمت في مدرجات الجامعة، وتأكدت بنفسي من حماقة وغطرسة مثقفي اليسار الذين يعطون لأنفسهم مهمة “ إيقاظ الوعي الطبقي”عند العمال» ويروي توڤلر، كيف تنقل بين عدد من المهن والأعمال الصناعية والميكانيكية من منظف عوادم السيارات إلى ميكانيكي للسيارات إلى لحَّام وكيف أنه كان يتعلم في تلك الأثناء اللغة الإنجليزية والكتابة الصحافية، إذ بدأ منذ الخمسينيات يكتب في الصحافة العمالية كتب مقالات لحساب مجلات مختلفة بأجر ثم عمل مراسلاً للصحافة في واشنطن منذ نهاية 0591م، إذ غطى لمدة ثلاثة أعوام أخبار البيت الأبيض، لحساب صحيفة يومية في “بنسلفانيا”وكتب في مجلة كريستيان ساينس مونيتور وفي الواشنطن ستار، وفي كثير من المجلات والصحف الخارجية، وفي عام 1691م أنجز دراسة حول النتائج البعيدة للناظمة آلية والأتمتة على صعيد المنظمات الإدارية للمشروعات، وهذا ما منحه الفرصة للطواف بإرجاء الولايات المتحدة الأمريكية ومقابلة الباحثين الذين كانوا قد أرسوا أسس الإنجازات الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي وفي عام 4691 ينشر توڤلر أول كتاب له بعنوان “مستهلكو الثقافة”وهو تحليل للفن في أمريكا من وجهة نظر اقتصادية ونقد للنخبوية الثقافية. ومنذ ذلك الحين توالت الإصدارات الفكرية لتوڤلر، وذاع صيته في معظم الدوائر الثقافية والأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما بعد نشر كتابه المثير “ صدمة المستقبل”عام 1970ثم عمل في المجلة السنوية للأكاديمية الأمريكية للعلوم السياسية والاجتماعية، وشغل كرسي علم الاجتماع المستقبلي في “ المدرسة الجديدة للبحث الاجتماعي”ثم أصبح أستاذا في جامعة ( كورنويل). اصدر توفلر سلسلة من الكتب منها: مستهلكو الثقافة 1949 وصدمة المستقبل 1970) و (المستقبليون 1972) و (التعليم من اجل الغد 1974) و (التشنيج الايدلوجي 1975) و (معاينات واماكن 1983) و (جماعات التكيف 1985) و (الثورة والعنف على حافة ثورة القرن الواحد والعشرين 1990) و (افكار تربوية 1995) و (الحرب وضد الحرب 1995)
كتاب ( خرائط المســتقبل) 1975، وكتاب ( الموجة الثالــثة ) 1980، وكتـــاب (تحوُّل السُّلطة) (المعرفة والثروة والعنف) في بداية القرن الواحد والعشرين) 1985، وكتاب “ بناء حضارة جديدة”1989، وغير ذلك من الكتب والمقالات والدراسات الأخرى. واخيرا (ثورة المعرفة 2006)
تجدر الإشارة إلى أن كتاب “ صدمة المستقبل” يعد منعطفا حاسما في حيـاة توڤلر ، إذ يعترف بأنه هو الذي غير مجرى حياته، بقول “لقد غيرها بأشكال عديدة فالوابل الرائع من ردود الفعل التي أثارها الكتاب قد كان له أثرُ حاسم على حياته… كان ثمة شلال حقيقي من الاتصال من زوايا البلاد الأربع بل ومن زوايا العالم الأربع فقد اتصل بي أناس في الساعة الثانية صباحًا ليخبروني بأنهم انتهوا لتوهم من قراءته وأنهم يحبون أن يروني…»وبغض النظر عن حقيقة ما يقوله توڤلر عن اثر كتابه وما يحتمل من مبالغات، فقد كان لهذا الكتاب أثر الصدمة القوية في أذهان ونفوس معظم الذين قراءوه. إذ حقق نجاحًا باهرًا في أمريكا وخارجها وكان أكثر الكتب رواجًا في فرنسا وألمانيا الغربية واليابان وفي عشرات من البلدان الأخرى، وبسبب هذا الكتاب فتحت الأبواب لتوڤ--لر وزوجته لمقابلة شخصيات عديدة في أمم كثيرة، رؤساء دول وحملة جوائز نوبل وعلماء ومن كل الأنواع، إذ التقى بالرئيس الروماني “شاوشيسكو”والرئيس الكندي “ترودو”وانديرا غاندي”رئيس وزراء الهند ورئيس وزراء اليابان سوزوكي والقيادة الصينية والروسية الاشتراكية آنذاك).
وقد تم تمثيل كتاب “ صدمة المستقبل”في السينما وعقدت عشرات الندوات والمؤتمرات لمناقشته في بلدان كثيرة،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا