الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوس فلسفي (4): نظريات في الحرب

عبد المجيد السخيري

2022 / 5 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كيف تتصور النظريات الفلسفية -السياسية والأخلاقية تبرير السعي وراء الحروب أو نزع أي مشروعية أخلاقية عنها؟ كيف يمكن أن نتصور أن حربا ما تُعدُّ أكثر أخلاقية أو عدلا من حرب أخرى؟ على أي أسس تُقاس أخلاقية الحرب ولا أخلاقيتها؟ من يُحدد أن حربا ما تعد أخلاقية وأن أخرى لا أخلاقية؟
تعتبر الحرب نشاطا إنسانيا يتميز بكونه يأخذ في الغالب طابعا عسكريا حيث يتم اللجوء إلى القوة لحسم الخلافات والنزاعات بين الجماعات والدول، أو الدفاع عن مصالح أو دفع الضرر والعدوان، أو لفرض إرادة جماعة ما أو أمة معينة على جماعة أو جماعات أو أمة أو أمم أخرى بغاية بلوغ غايات محددة قد تكون من طبيعة مادية(اقتصادية أو ترابية)، كما هو الشأن بالنسبة للحروب القديمة الحديثة، أو بغرض الإذلال السياسي والإخضاع القومي، كما يحدث في الحروب التي تشنها دول كبرى أو امبراطوريات ضد أمم ضعيفة أو جماعات منشقة أو قوميات متمردة، وقد تجمع بين غايات متعددة كما الحال في الحروب الامبريالية المعاصرة. لكن هذا ينطبق بشكل خاص على الحرب بالمفهوم التقليدي أو الكلاسيكي، بينما الأمر قد يختلف قليلا أو كثيرا في أنواع أخرى من الحرب، كما سنرى عند التوقف مع أنواع وأشكال الحرب. غير التقليدية، كالصراعات الطبقية حين تتخذ شكلا عنيفا ومسلحا، أو الحرب الأهلية أو المقاومة المسلحة للاستعمار والغزو الامبريالي...إلخ.
لقد لازمت الحروب تطور الجنس البشري منذ أزمنة سحيقة، ويكاد التاريخ لا يحصيها ولا يعدها، حتى وأنها صارت بمثابة قانون موضوعي في تطور التاريخ وتقدمه، إذا ما أخذناها من المنظور الماركسي بوصفها تعبيرا عن أشد الأشكال عنفا وحدة للصراعات الطبقية، أو شكلا مُميزا لتصريف هذه الصراعات في الداخل أو الخارج. وهكذا لم يعد بوسعنا أن نتصور عالما خاليا من الحروب، أو حتى فترة طويلة من السلم والهدوء برغم التطور الكبير الذي عرفته البشرية وعلاقاتها على مستوى التنظيم الدولي وتطوير وتقنين العلاقات الدولية، وإنشاء هيئات دولية في إطار توافقي لتولي حل النزاعات بالطرق السلمية في إطار قوانين دولية، مثل هيئة الأمم المتحدة في القرن العشرين. لذلك حظيت قضية الحرب باهتمام المفكرين والفلاسفة والقادة السياسيين الكبار، فظهرت في سياق هذا الاهتمام نظريات حاولت تقديم تفسيرات مقنعة لأسباب نشوء الحرب أو ضرورتها، أو بلورة أطر ومفاهيم تسمح بمقاربتها بطريقة واقعية، أو لفهم طرق خوضها وسبل الحد من آثارها التدميرية إذا كان لا مفر منها. وهناك من توصل إلى ربطها بالطبيعة البشرية المفطورة على العنف والشر، وهناك من رأى أنها مصير حتمي وقدر محتوم يلازم الجنس البشري إلى الأبد، بينما نظر إليها آخرون باعتبارها شكلا عنيفا للصراع الطبقي أو ضرورة لبلوغ غايات أسمى ونبيلة...إلخ.

هل الحرب مبررة أخلاقيا؟

أول ما نواجه ونحن نخوض في شأن الحرب هو السؤال البديهي: هل الحرب مُبرّرة أخلاقيا؟ وعن هذا السؤال تتفرع أسئلة أخرى: هل الحرب ضرورية؟ وكيف يمكننا أن نُحدّد أن حربا مُعيّنة قد تكون أخلاقية أكثر من أخرى؟ بأي معنى نتصور أن هناك حرب عادلة وأخرى غير عادلة؟ وعلى أي أسس أو مبادئ نُقيم تصوراتنا لعدالة الحرب وأخلاقيتها؟ من المؤكد أن أسئلة من هذا القبيل شغلت بال الفلاسفة والمنظرين السياسيين على مر العصور، بل وتشغل في عصرنا كل الناس بدرجات متفاوتة، خصوصا من بين الشعوب والأمم التي اكتوت بنار الحروب العدوانية أو الأهلية، وعانت من تبعاتها ومآسيها الانسانية ومخلفاتها الكارثية على البيئة. فقد تطلّع الفلاسفة إلى طرح أجوبة مقنعة تُذلّل الصعوبات التي تواجه الغموض الذي يلفُّ المعايير المعقدة المعتمدة لتبرير الحرب، غير أن ذلك لم يكن دائما سهلا بسبب أن الأسئلة الأخلاقية نفسها كانت في كثير من الأحيان تفتقر للوضوح، كما لم يكن مُتاحا لأيّ كان أن يُطبّقها، خاصة في إطار نظرية الحرب العادلة، ويصل إلى ما يفيد بأن حرب ما عادلة أو ليست كذلك. ومن المؤكد أيضا أن المسألة الأخلاقية في الحرب تختلف بحسب الموقف الإيديولوجي الذي ينطلق منه كل واحد-ة، بين من يعتبرها انحطاطا وسقوطا، أو تعبيرا أصيلا عن الطبيعة البشرية الحقيقية، أو من يعتبرها وسيلة ضرورية للصراع من أجل تغيير قوانين اللعبة أو فرض سياسة طبقية ما. كما تختلف معالجتها بحسب الموقف الأخلاقي بالمعنى الضيق، بحيث قد يُنظر إلى الحرب في الإطار المادي البحت على أنها شر لا ينتج عنه سوى سفك الدماء والتدمير ومزيد من الطغيان والهمجية، أو في الإطار المعنوي السياسي على أنها صراع من أجل التحرر من الاستغلال والاستعباد والاضطهاد.
وعلى أي حال، فإن البعض الآخر لا يرى أن كون الحرب تُسبّب الألم وتفتقر للمبررات الأخلاقية يجعلها بلا قيمة أخلاقية، أو بمعنى أصح لا تحمل في طياتها قيما أخلاقية تسهم في ارتقاء الأمم وتقدم التاريخ. فلا ينكر هؤلاء أن الحرب تنمي الفضائل في نفوس المقاتلين، وتبعث الروح في الشعوب وترفع في يقظتها وهمتها، بقدر ما تقوم بدور الاصطفاء في مسيرة التطور التاريخي، حتى أن هيغل قال في مكان ما، أن التاريخ لا يتقدم إلا من جانبه المتعفن، وهو ما يسري على الحروب التي تسفك بالدماء وتنشر الخراب والدمار في العمران كثمن لا بد من للخطو في اتجاه التقدم العلمي والفكري. فليس قبول الحرب أو تبريرها بأمر مجرد، كما أيضا تفضيل السلام أو عدمه، بل الأمر متوقف على نوع الحرب وغاياتها المعلنة وسياقاتها الموضوعية.

نظريات في الحرب

في معظم الأعمال الفلسفية التي تعرّضت لقضية الحرب نجد الاهتمام يتركز أكثر على الزاوية المعيارية التي ننظر من خلالها لأفعال الحرب، فيما انصرف اهتمام الفكر السياسي للبحث فيما يؤسس لمشروعية الفعل الحربي، ومن ثم برزت في سياق التدافع الفكري بين الفلاسفة والمنظرين السياسيين مقاربات ونظريات اقتربت من الموضوع من زوايا مختلفة، منها نظريتان أساسيتان كان لهما صيت كبير في أوساط المهتمين بقضية الحرب: الأولى عُرفت بنظرية "الحرب العادلة"، وتقوم على مبدأ الحق في الحرب، والثانية تأسست على التأصيل للحق في الحرب الذي تسنده قوة وشرعية السلطة. النظرية الأولى معيارية تنطلق من مبدأ الحق المتحدد وفق أحكام العقل العملي، أي اعتبار الحرب حقا من زاوية ما هو عادل، ومن ثم يتوجب ضمانه مثلما يتم ضمان الواجب الأخلاقي. وعليه تصبح الحرب العادلة، من وجهة نظر أصحاب هذه النظرية، بمثابة عمل قانوني يستهدف القصاص من أولئك الذين ينتهكون أراضي وحرمات وممتلكات الغير، وهي تكتسي مشروعيتها الأخلاقية من كونها تنتصر لحقوق الانسان والقيم الأخلاقية السامية. وقد بسط "مايكل والزر" في كتابه الشهير " الحروب العادلة وغير العادلة. حجاج أخلاقي معزز بمعاينات تاريخية"، الشروط التي يتوجب فيها استعمال القوة لنصرة الحق، سواء عند صد العدوان وفي حالة فشل المساعي الديبلوماسية والطرق السلمية، أو لتجنب حدوث المظالم والحفاظ على السلام.
أما النظرية الثانية فهي من طبيعة واقعية تعتمد مبدأ الحق القائم في الواقع من خلال التشريع والنظام القانونيين، كما تمارسه الدولة الوطنية ضمن حدودها، أو تسعى من خلاله إلى تثبيت وجودها، أو تحقيق هيمنة خارجة حدودها الإقليمية. فالحرب في هذه النظرية تتصل بالحق الوضعي وترتبط بقوة بمشروعية الدولة وحقها الحصري في استخدام القوة لممارسة هذا الحق. ومن هنا لا مجال لأي تسويغ أخلاقي(معياري) للحرب قبل وقوعها، أو للتمييز بين حرب عادلة وحرب جائرة، ذلك أن الأمر مرتبط حصريا بممارسة السلطة والقوة بحيث يكون الحق في خدمتهما. وتطرح هذه النظرية جملة من المعايير ترى في تحقّقها أو الوفاء بها ما يُسوغ اعتبار حرب ما عادلة وأخلاقية، وفي انتفائها ما يجعل منها حربا غير عادلة أو أقل عدلا وأخلاقية. وتتوزع هذه المعايير، بحسب ما انتهت تطويراتها في الفلسفة السياسية المعاصرة إلى ثلاث فئات أساسية: الأولى تشمل "قانون الحرب" أو ما يتصل بالحق في خوض الحرب أو "أخلاق الحرب"، والثانية تهم السلوك أثناء الحرب أو السلوك الأخلاقي من داخل الحرب، والثالثة تتعلق بأخلاق التسوية لما بعد الحرب، أو ما يعرف بقانون ما بعد الحرب، وتشمل اتفاقات السلام وإعادة الاعمار وغيرها.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية