الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشأة الإسلام السياسي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط2

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2022 / 5 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


محور: واقع الإسلام حاليا

ما هي آفاق الإسلام السياسي؟

إن المجال الديني السياسي في العالم العربي قد تنوع وأصبح النهج الدولي للإسلام السياسي أقل منطقية. فإذا كان العالم العربي متعددًا، فإن الأمر نفسه ينطبق على الإسلام السياسي. إن الوهم المتمثل في وجود أممية إسلامية تجمع تحت نفس الراية الهياكل الإسلامية الدولية المعترف بها مثل "الإغاثة الإسلامية العالمية" ، وجماعة الإخوان المسلمين ، والوهابية السلفية ، والجهادية الدولية ، هو اختصار فكري اختزالي ويؤدي إلى نتائج عكسية لما يتم الترويج له فيما يخص الوحدة الإسلامية.

بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فقد بُنيت وأقيمت بشكل جيد في البداية بمنطق أممي وبشكل أساسي لمواجهة ظهور الحركات القومية العربية. وقد سعت إلى تجاوز الحدود التي رسمها الاستعمار الغربي قصد تقسيم الأمة الإسلامية وتفتيتها تسهيلا للسيطرة عليها. وبعد ولوجها الركح السياسي "الرسمي" دخلت عقيدة الإخوان في منافسة مع دساتير الهويات الوطنية والدول التي بنيت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية والإمبراطوريات الاستعمارية. ومع ذلك، سرعان ما وجد الإخوان أنفسهم في مواجهة المسألة القومية. بعد صراع مع الأحزاب القومية، كان عليهم التكيف مع واقع قائم، لا مفر منه، أي الدولة القومية. وهكذا، فرض الاندماج السياسي التدريجي على الإخوان المسلمين أن يضعوا الأجندة الوطنية في المقدمة على حساب أجندتهم الدولية الأصلية. تغلغلت القضايا الوطنية والمحلية في جميع اهتمامات وأعمال وأهداف وخطابات الأحزاب المستوحاة من جماعة الإخوان. ولعل الأمثلة الدالة على ذلك القومية الفلسطينية لحماس والقومية التركية لحزب العدالة والتنمية.

ومع ذلك، أن حجة "الأجندة الدولية الخفية" لتشكيلات الإخوان لا تزال موضوع العديد من الأسئلة. هذه الحجة التي طرحها خصومهم العلمانيون على نطاق واسع ، تؤكد أن مشروع أحزاب الإخوان المسلمين هو بالضبط نفس مشروع السلفيين والجهاديين ، لكن طريقة عملهم لتحقيقه مختلفة. وقد أكد البعض أن كل التطورات العقائدية التي طرأت على الأحزاب ذات أصل "إخواني" ما هي، في الحقيقة، إلا "خدعة" أو اعتماد "التقية" لوضع اليد على دواليب السلطة. وتغذي هذه الفرضية بشكل خاص التجاوزات الاستبدادية للرئيس أردوغان ، والحفاظ على "مبادئ الشريعة" في الدستور الذي اقترحه محمد مرسي في سنة 2012، والقرب بين حركة الإصلاح اليمنية -المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين- مع السلفيين اليمنيين والسعودية، والغموض الكبير الذي ظل يحيط بحقيقة الروابط الدولية التي توحد "سديم" شبكات الإخوان المسلمين عبر العالم.
وحاليا يبدو أن هناك انقسام "إيديولوجي- ديني" وسياسي وجيوسياسي بين "إسلاموية" الإخوان المسلمين والسلفية الوهابية. كما أن التنافس الشديد – علاوة على الاختلافات - تؤكد عدم توافق التحالف بين هذه الاتجاهات الرئيسية في الإسلام السياسي. لقد تم الانتهاء مع القطيعة التي بلورها سيد قطب وزادتها تطرفا الجهادية الحديثة. وإذا كانت بعض الجسور لا تزال قائمة بسبب مسار بعض الأفراد والشخصيات، فإن المشاريع تتباعد بشكل كبير.

إن تنظيم الإخوان المسلمين ليس هرميًا ولا مركزيًا ولا تسلسليا على نمط عالمي، فكل انبثاق محلي مستوحى من المبادئ الأصلية ولكنه يتمتع باستقلالية شبه كاملة تسمح له بالتكيف مع علاقات موازين القوى وطنيا وقوميا. إن قدرة الإخوان المسلمين على احتضان تنوع السياقات الاجتماعية والسياسية التي تواجهها هي أحد مفاتيح نجاحهم. و يمكن الإدراك بسهولة أن حركة مجتمع السلم الجزائري ، أو النهضة في تونس ، أو حماس الفلسطينية أو حزب العدالة والتنمية التركي يختلفون تمامًا ، كل منهم في تجربته على أرض الواقع في السلطة وفي مشروعه السياسي ، على الرغم من أنهم جميعًا يأتون من إلهام مشترك. هذا الاستقلال الذاتي يجعل من الممكن تمامًا العثور في سياقات الحرب على تقارب للإخوان المسلمين مع مفهوم "الجهاد" والحركة السلفية. وهكذا ، تحالف الإخوان المسلمون الليبيون مع الحركات الجهادية أثناء سقوط القذافي في 2011. وتشير حماس بانتظام إلى "الجهاد" في سياق الحرب ضد إسرائيل. وفي سوريا، قاتل الإخوان المسلمون أحيانًا إلى جانب الكتائب السلفية المعارضة لنظام بشار الأسد. وبالمثل ، حارب الجناح العسكري لحزب الإخوان اليمني الإصلاح ، الحوثيين إلى جانب المشاة السلفيين المدعومين من التحالف السعودي ، قبل أن يتورطوا ضد جماعة أبو العباس السلفية في تعز في 2018. هذه التحالفات هي نتيجة لحالات محددة من الصراع المسلح والعنيف التي تتطلب قدرا معينا من البراغماتية. وكل هذه الأمثلة تشير إلى الطبيعة المحلية الأساسية لعملية صنع القرار في هذه الحركات.
ليست هناك مؤشرات جازمات بوجود جماعة إخوان دولية تخفي أجندتها الحقيقية وتتستر عليها مؤقتا.

في حين يتضح بشكل جلي أن الانخراط في المجال السياسي واللعبة السياسية المحلية للأحزاب المستوحاة من جماعة الإخوان على مستويات مختلفة، تتم وفقا للخلفيات الإقليمية المختلفة ومن خلال جهات فاعلة غير متجانسة. وفي جملة من دول المنطقة، أصبحت تلك الأحزاب قوة سياسية محلية ووطنية لها مكانها وكلمتها في المجال السياسي وتدبير أمور البلاد.

وماذا بخصوص التطورات العقائدية للإخوان المسلمين؟.

لقد أولى الإخوان المسلمون أهمية للاجتهاد، فقد حققوا جملة من التطورات العقائدية على مدى العقود الماضية. ولعل أبرزها الخلافات الواضحة مع السلفية المعادية لأي تنازل فيما يتعلق بالحداثة. فإذا كانت الفكرة المهيمنة الأصلية لجميع الإسلاميين تتمثل في دمج الإسلام كدين ، والإسلام كثقافة والإسلام كإيديولوجيا والإسلام كنهج لتدبير الأمور، كل هذا في مشروع واحد ، فإن الإخوان قد مروا من تطورات عملية تتوافق تاريخيًا مع مرحلتين رئيسيتين ، الانتقال من الوعظ. إلى السياسة من جهة، ثم السعي للوصول إلى السلطة عبر اللعبة السياسية القائمة من جهة أخرى.
إن استخدام المفاهيم الغربية – الأجنبية عن الإسلام - مثل الدستور والديمقراطية فرض نفسه تدريجياً في التصور السياسي لتيارات الإخوان. في حين ظل السلفيون لفترة طويلة يرفضون - رفضًا قاطعًا- هذه المفاهيم السياسية الغربية التي أسلمتها جماعة الإخوان المسلمين، مثل تشكيل أحزاب أو هياكل تنظيمية والمشاركة في الانتخابات. وأضحى السلفيون ينظرون إلى الإخوان المسلمين على أنهم "منافس لاهوتي".

وبخصوص المرأة، هناك تباين في النظر للسماح للمرأة بلوج الفضاء السياسي والمهني. فإذا كانت القيم المحافظة التي يدافع عنها الإخوان المسلمون لا تسمح بتحرير المرأة في مجال الأخلاق والمساواة، فقد أعطت الأحزاب المستوحاة من الإخوان منذ عدة سنوات مكانة متزايدة للنساء في صفوفها. علما أنه من المسلم به أنهم لا يزالون بعيدين عن المساواة بين الجنسين، ومع ذلك، فإن وصول المرأة إلى الفضاء السياسي يتناقض بشكل حاد مع جمود السلفيين بشأن هذه المسألة. فعلى سبيل المثال، في 2020، كان لدى حزب العدالة والتنمية التركي 53 نائبة (من أصل 289 مقعدًا لحزب العدالة والتنمية) ووزيرتين (من أصل 17 وزيراً) في الحكومة. كما يشجع حزب العدالة والتنمية المغربي اندماج المرأة في المجال السياسي بشكل كبير. لكن هذا التمثيل ليس مرادفًا بأي حال من الأحوال للتقدم السريع نحو المساواة بين الجنسين. ومع ذلك، فهو يتناقض مع تردد السلفية الكبير في ترك مساحة للنساء في المجال العام.

وأيضا، من الملاحظ أن هناك قبول الأحزاب ذات "خلفية إخوانية" لدولة القانون – بحمولتها العلمانية- رسميًا، وهذه خطوة مهمة في منطقة لم تخاطر فيها معظم الديكتاتوريات القومية بفصل الإسلام عن الدولة.
إن ظاهرة العلمنة هذه، التي تعمل بشكل رئيسي في تونس وبدرجة أقل في المغرب، ليست بالتأكيد نتيجة ديناميكية داخلية داخل الأحزاب الإسلامية. هذا اتجاه مجتمعي قوي في صفوف الشباب في العديد من البلدان الإسلامية. ويبدو أن علمنة المجتمعات هي أصل بداية علمنة الأحزاب ذات خلفية "إخوانية " التي تقبل ، من الناحية العملية ، هذه الصفقة المجتمعية الجديدة ، دون تردد. وهكذا، أن الدستور التونسي، الذي تمت صياغته بالاشتراك مع النهضة، ينص على حرية الضمير. في المغرب أيضًا نعاين خطوات ثابتة نحو العلمنة. فهذان الحزبان لديهما هذا الميل المشترك لاتباع العلمنة النسبية التي تعمل داخل مجتمعاتهما. وهذا يؤدي غالبًا إلى قطيعة نهائية مع أعضائهما الأكثر تطرفاً.

وعلى سبيل الختم يمكن القول، في الوقت الذي يتزايد فيه انتشار نظريات المؤامرة - والإسلامية ليست استثناءً من هذه القاعدة- وحسب منتقديها، فإن الإسلاميين مدفوعين جميعًا بفكرة أو حلم إنشاء خلافة إسلامية عالمية. فمن المتعاطف البسيط مع حزب يدعي قيم الدين الإسلامي إلى الناشط الجهادي العنيف، سيكون الجميع ، افتراضا إلى حد ما ، مدفوعين نحو إقامة دولة إسلامية على أساس التفسير الأصولي للقرآن والسنة.

لكن الوضع يبدو أكثر تعقيدًا، إذ أنه لا ينبغي إغفال مراعاة الانقسامات التي ابتليت بالإسلام السياسي لأكثر من قرن. ومن خلال النظر إلى هذه الانقسامات، يمكننا أن نستخلص مشاريع معادية وأجندات متباينة. وإذا نظرنا إلى أبعد من ذلك، فإننا نرى قبل كل شيء أن ما يسمى بالحركات "الإسلامية" تتقدم بوتيرة مختلفة. كما لا مناص من فهم أن تبسيط "الظاهرة الإسلامية" لا يجعل محاربة الجهادية أسهل. على العكس من ذلك ، فهو يحرم صانعي القرار من القراءة الأيديولوجية والتعرف السياسي على فسيفساء الممثلين الذين يشاركون في "اللعبة الكبيرة" في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد