الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن حدود لقاءات الديموقراطيين السوريين

راتب شعبو

2022 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


يكثر الكلام في الوسط السياسي السوري عن قوى ديموقراطية، وتعقد اللقاءات والمؤتمرات في غير مكان لجمع هذه القوى وتوحيد جهودها لكي تملأ "الفراغ الديموقراطي" في سورية اليوم التي تملؤها سلطات فرضت نفسها بالقوة وأصبحت سيدة الأمر في مناطق سيطرتها. كل سلطة تسيطر بما لها من عدة وعتاد وسند خارجي وتتناسب سعة وعمق سيطرتها طرداً مع قوتها، وعليه فإن ديموقراطية القوة نفت قوة الديموقراطية، ونشأ بالتالي خط انقسام سياسي يفصل أهل السلطات القائمة عمن يجدون أنفسهم، لأسباب مختلفة، خارج هذه السلطات، من الناشطين أو الفاعلين والمؤثرين في المجال العام.
من المفهوم أن المطلب الديموقراطي يصبح على رأس أولويات من هم خارج السلطة، بوصفه المدخل الضروري لنفوذهم إلى السلطة المحتكرة. على هذا يُعتبر هؤلاء ديموقراطيين، بصرف النظر عن توجهاتهم ومشاريعهم السياسية. فيما يلي، نقصد هؤلاء عندما نقول ديموقراطيين. يفصل إذن خط الانقسام السياسي الذي أشرنا إليه بين أهل السلطات ومن هم خارج السلطات، أو بين الديموقراطيين وغير الديموقراطيين.
هناك قاسمان مشتركان للديموقراطيين في سورية، الأول هو اجتماعهم على المطلب الديموقراطي بوصفه مدخلاً لا بد منه لنشاطهم الجماهيري في خدمة أفكارهم وخياراتهم السياسية، واختبارها في الواقع. والثاني هو أنه لا حضور مؤثراً لهم في المجال السياسي الذي يحكمه العنف والعسكرة، فهم يخضعون للسلطات القائمة في مناطق تواجدهم، او يعيشون خارج البلد بعيداً عن التفاعل المباشر مع الشعب. يبقى لهم، مع ذلك، تأثير في المجال العام بسبب حضورهم النشط عبر وسائل التواصل وكتاباتهم والقيمة المعنوية التي يمتلكونها لأنهم خارج هذه السلطات المفروضة على الناس بالقوة. هذا يعني أن من مصلحة السلطة، بوجه عام، كسب هذه الفئة. لكننا في سورية لم نعد أمام بلد واحد، بعبارة دقيقة، ولا أمام سلطة واحدة.
تعدد السلطات وتفاصلها الجغرافي هو ما استجد في الواقع السوري، وأنتج بالتالي ظاهرة جديدة هي أن الديموقراطيين السوريين (بالمعنى الذي حددناه)، بدلاً من اجتماعهم على رفض سلطة واحدة كانت تمثلها السلطة الأسدية، باتوا يختلفون في مواقفهم من السلطات القائمة المتعددة.
ولما كان الصراع السياسي في سوريا هو، في صبغته الغالبة وفي الأساس، صراع أمني وعسكري، فإن الذوات السياسية الديموقراطية التي لا تمتلك قوة أمنية وعسكرية، لا تجد محلاً لها في هذا الصراع سوى الرهان على الجهات التي تمتلك القوة، وهي السلطات القائمة على الأرض السورية، في صراعاتها المتبادلة. وهكذا بات الديموقراطيون يراهنون، بحسب مناطق تواجدهم في الغالب، على واحدة من سلطات الأمر الواقع في سورية للدفع في قضيتهم الديموقراطية. فتوزعت رهاناتهم على هذه السلطات. هناك من يراهن على سلطة الإسلاميين في شمال وشمال غرب سورية، بوصفهم ورثة الثورة. وهناك من يراهن على نظام الأسد لاستعادة الوحدة ولتخليص البلد من "الفاشية الإسلامية" ومن "الانفصالية الكردية". وهناك من يرى إن الإدارة الذاتية هي الأقرب إلى روح الثورة بوصفها علمانية وتنتمي أكثر إلى روح العصر، فضلاً عن أن الداعم الخارجي لها (أميركا) يتفوق في ديموقراطيته على داعمي السلطات الأخرى: (روسيا) التسلطية و(تركيا وإيران) الاسلاميتين.
تبقى السلطة الأكثر نشاطاً وحرصاً على التواصل مع الديموقراطيين السوريين هي سلطة الإدارة الذاتية. بعد لقاءات عديدة في سوريا، شارك "مجلس سورية الديموقراطية" بتنظيم لقاءات تعقد في أوروبا (باريس، بروكسل، ستوكهولم) تمهيداً لمؤتمر عام يجمع ما يسمى "القوى والشخصيات الوطنية". هذا بحد ذاته اتجاه محمود. الإدارة الذاتية، ربما أكثر من غيرها من سلطات الأمر الواقع في سورية، تعيش توتراً بين نزوعين، نزوع انفتاحي على المجتمع السوري (بالمعنى السياسي والجغرافي) لتوفير قدر أوسع من الشرعية السياسية الشعبية (هذا يبقى، بطبيعة الحال، أدنى من السقف الديموقراطي)، ونزوع انغلاقي يتوافق مع الحاجة إلى مركزية شديدة تفرضها شروط الصراع الدائر في سورية. والحق أن كلا النزوعين يعاني من إعاقة، وسيجد كل منهما وجهه إلى الحائط. النزوع الانفتاحي معاق بوجود سلطات أخرى، أهمها سلطة نظام الأسد الذي ما زال يملك القدرة على الاستمرار في بيئة دولية لا يزال يمكن للمجرمين أن يجدوا فيها مكاناً آمناً. هذا المسار ينفتح، بشكل لا يمكن الهروب منه، على حوار مع طغمة الأسد، بشروط أدنى من 2254، لأن الطرف السوري المواجه لهذه الطغمة غير موحد. والنزوع الانغلاقي يدفع الإدارة الذاتية باتجاه بعيد عن المقبولية العامة ويزيد من تنافرها مع المجتمع، وبالتالي فإن ما تكسبه من قوة "أمنية" على هذا المسار، تخسره سياسياً في الآن نفسه.
لعل هناك من الديموقراطيين من يعتقد أن مناطق الإدارة الذاتية يمكن أن تشكل منصة للنضال أو "بؤرة ثورية" ضد طغمة الأسد. الواقع أنه لا محل لهذا التصور، ليس فقط لأن هذه التجربة "العسكرية" أنتجت سلطات "ثورية" لا تقل استبداداً وفساداً عن السلطات التي تحاربها، بل أيضاً لأن الخيار العسكري، ولاسيما المعزول عن أفضلية سياسية واضحة، لا يقود إلا للمزيد من الخسائر والخراب العام. هذا فضلاً عن أن الصراع العسكري في سورية بات محكوماً لقوى دولية لا حرية فيها للأطراف المحلية.
وقد يكون هناك من يرى أن مناطق الإدارة الذاتية، يمكن أن تكون محلاً يسمح بتواجد حر للديموقراطيين، ويتيح لهم النشاط والتعبير ضد طغمة الأسد، كما كانت بيروت مثلاً قبل السيطرة السورية على لبنان بعد 1976. بالفعل، تبدو هذه المناطق هي المحل الأكثر انفتاحاً وقبولاً للديموقراطيين السوريين، ويمكن أن يكون لهم فيها مجالاً جيداً للعمل، غير أن هذا العمل يبقى محكوماً لأمرين، الأول هو حدود قبول سلطة الإدارة الذاتية المحكومة بدورها للسياسة الأمريكية في سورية، ولدرجة التقارب الممكنة مع طغمة الأسد. والثاني هو قدرتهم على الامتداد في سورية خارج مناطق الإدارة.
في كل حال، كما أن تعدد السلطات على الأرض السورية، ربما خلق مجالات أوسع نسبياً لنشاط الديموقراطيين، فإنه خلق في الوقت نفسه عقبات إضافية تتعلق بتفكك وحدة النضال السوري مع تفكك إطار الدولة السورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ