الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأراجوز مسرح خيال الظل التركي

عطا درغام

2022 / 5 / 7
الادب والفن


انتشر مسرح خيال الظل في الشرق الأقصي مارًا بچافا والصين والهند حتي وصل تركيا غربًا، ولكن بعض الدارسين أمثال بيهلد لوڤر وهيرمان ريتش ادعوا أن مسرح العرائس أو خيال الظل بدأ أساسًا في منطقة البحر المتوسط ثم انتشر بعد ذلك جهة الشرق .
ولم يكن هناك وجود لمسرح خيال الظل في تركيا قبل القرن السادس عشر،والدليل الوحيد لوجود هذا المسرح قبل هذا التاريخ هو الذي زودنا به إفليا عندما وصف عرضًا للعرائس في زمنه ويُسمي "حسن زاد"، وهو يذكر أن جد هذا الرجل ويدعي"كور حسن" كان مقلدًا في عصر "بايازيد الأول" الملقب بالصاعقة؛أي خلال القرن الرابع عشر، ولكن إفليا لا يصف بوضوح ما إذا كان كور حسن محرك عرائس ام لا.
وبقي سؤالٌ واحدٌ وهو مصدر مسرح خيال الظل في مصر، وهناك مايدعو للظن بأن مسرح الظل في مصر جاء من جزيرة چاوا عن طريق العرب، فقد كان العرب يتاجرون مع هذه المناطق ويغيرون عليها مما جعلهم علي صلة بهذه المنطقة.ولكن هل كان لأهل چاوا تأثير علي خيال الظل التركي عن طريق مصر؟.
ويذهب رأي أن مسرح خيال الظل التركي نتج عن مرحلة تاريخية أخذ فيها الأتراك هذا الفن من الدولة المملوكية في مصر، وقد أضاف مسرح الظل التركي إليه الكثير من حركات وأوضاع وملابس مسرح العرائس العثماني بالإضافة إلي الممثلين مثل المهرجين والراقصين المضحكين وكلاهما موجود قبل مسرح خيال الظل.
وهناك احتمالان بالنسبة لتأثر المسرح التركي بعوامل تاريخية. والأول منها، أن كوميديا دي لارتي الايطالية أثرت تأثيرا مباشرًا علي تقاليد المسرح التركي عن طريق التقارب الفني والتجارة وبين الإمبراطورية التركية، والثاني يختص بهجرة اليهود إلي تركيا عن طريق إيطاليا بعد أن طُردوا من أسبانيا والبرتغال في نهاية القرن الخامس عشر وفي بداية القرن السادس عشر، وتُشير المراجع إلي الدور المهم الذي لعبه اليهود في العروض الشعبية التركية.
والواقع أن فن الأراجوز في تركيا قد تأثر، ولو بدرجة طفيفة بالمؤثرات الخارجية سواء من الدولة البيزنطية أو إيطاليا أو أسبانيا أو يهود تركيا، ولكن الأراجوز تأثر تأثرًا كبيرًا بعوامل الثقافة التركية مثل: الشعر، ورسم البورتريه،والموسيقي،و التقاليد الشعبية،والتقاليد التي تناقلها الرواة وقد اختلطت كل هذه المؤثرات وذابت في بعضها في فترة الإعداد في القرن ال16 ،ونتج عنها مانُسميه الآن بفن الأراجوز، وبقدوم القرن السابع عشر أصبح الأراجوز فنا ذا مقومات خاصة به ،
وكان الأراجوز يقدم علي مسرح يفصله عن جمهور المشاهدين إطار محاط بشاشة من قماش شفاف، وكان حجم لشاشة في الماضي 2 متر في 2.5 ثم أصبح مقاسها متر في.6 متر ،وكان محرك الأشكال يقف وراء الشاشة، ويمسك بالعرائس ملاصقة لها، ويستعمل مصباح يُضاء بزيت الزيتون أو أي مصدر ضوء آخر وراء الشاشة، ويثبت الضوء وراء وأسفل الشاشة .
وتُحدد المسافة بين الضوء والشاشة حسب الحاجة إلي تركيز الصورة، وتوضع العرائس بين ضوء الشاشة التي ستظهر عليها ظلالها، وعندما تشتت الشاشة الضوء تجعله يلمع وهو يخترق الأشكال الشفافة المتنوعة الألوان مما يجعل هذه الأشكال تبدو كالزجاج الملطخ، ويمسك اللاعب بالعرائس ملاصقة للشاشة بواسطة قضبان أفقية، وتمتد هذه القضبان بزوايا قائمة إلي العرائس.
وكانت العرائس تتحرك حسب خطة الأحداث، ويمكن التحكم في طول القضبان بواسطة تثبيتها في الفجوات الموجودة في العرائس، وكان هذا يسمح بتشغيل العرائس دون أن يظهر ظل اللاعب علي الشاشة، وتوجد عارضة خشبية أسفل الشاشة لترتكز سيقان العرائس عليها.وتحت هذه العارضة يوجد حافة لوضع الأضواء،وبهذه الحافة ثقوب لتثبيت القضبان التي تحرك العرائس،أو ما يُطلق عليها شجرة العرائس.
ولتحقيق التحولات السحرية في العرض كان مسرح خيال الظل يستعمل عدة وسائل،مثلا عندما كانت الأحداث تتطلب أن تنقلب رأس أحد الأشكال إلي رأس قرد كان يثبت علي هذه القطعة رأسان، وتخفي رأس القرد وراء الجسم،وبإدارة الجسم دورة كاملة تحل محل رأس القرد الأصلية،وتختفي هذه الرأس الأصلية خلف الجسم .
وتتكون مسرحية خيال الظل من ثلاثة أجزاء: المقدمة،والحوار والفصل التمثيلي أو الأغنية التي تتخلل الحوار، والقصة الرئيسية وهي تختم بنهاية مناسبة.
وترجع الصعوبة في تقنيات خيال الظل إلي أن مساعد لاعب خيال الظل يكون مسئولا عن كل شيء، فهو يضرب بالدف، ويغني الأغاني، ويقدم كل شخصية تظهر علي المسرح، ويسلم العرائس للاعب خيال الظل بالترتيب المفروض،والمطلوب منه أيضا أن يبقي العرائس التي لا تشترك في الجزء الذي لا يعرض ساكنة، وقد يمتد هذا لفترات طويلة، وأحيانًا يشترك في العرض بعض الموسيقيين.أما لاعب العرائس نفسه فالمطلوب منه أن يتحدث بدون أي تردد بصوتين مختلفين،وأن يخنف ويتلعثم في كلماته،وأن يغيِّر من نغمات صوته كما يتطلبه الصوت الذي يقلِّده سواء كان هذا الصوت صوت رجل أو امرأة وفي أي سن من العمر،وبالتالي يجيب أن تكون ذاكرته قوية ليتذكر علي الأقل تمانية وعشرين موضوعًا تلائم المناسبة التي سيقدم فيها.
ولا يمكن أن نفصل بين مسرح خيال الظل والشخصيات التي يقدمها ،وبين المضمون الاجتماعي وطبيعة أخلاقيات وقيم الإمبراطورية العثمانية التي نبع منها، وينتظر منه أن يقدم شخصيات فريدة في خصائصها، بل شخصياته تمثل النوعيات السائدة في المجتمع.
وهناك ثلاثة أنواع محددة:1-الشخصيات الرئيسية هي دائمًا مثل الأراجوز وهاسيوات،2- أدوار النساء، والأطفال، والفتيات الصغيرات، والخدم، والعجائز، والساحرات،والراقصات،،وعلي الرغم من ظهور هذه الشخصيات كثيرًا علي المسرح فإن أدوارها تعبر من الأدوار الثانوية، ولكن بعض المسرحيات تكون ملئية بأدوار النساء، وهناك أيضا زوجات الأراجوز وهيسوات وأبناؤهم، وإخوة هاسيوات،3- تاكليس،وهي شخصيات غنية في قيمتها الكوميدية مثل:المحترفون،والريفيون،والمعمرون،والأجانب.ويوجد أيضًا المخلوقات الممسوخة مثل الأقزام، والمتلعثمون،وذو الظهر الأحدب، أو ناقصو العقول مثل مدمني الحشيش ،وعبيط الحي.ومعظم هذه الشخصيات ثانوية ولكن بعضها ضروري لتسلسل الأحداث، وتظهر عيوبهم واضحة في المسرحية وهم يقدمون كمثال لأنماط معينة.فالألباني مثلا ما يظهر جهله وهو يتفاخر متبجحًا، بينما يُظهر اليهودي شرهه وجبنه وأنانيته.
اشتملت العروض الأولي للرواة أو الفرق المسرحية علي السخرية السياسية والنكات وتقليد من هم في السلطة،أو حتي رؤساء الوزارة،وهذا ينطبق أيضًا علي مسرح الأراجوز،ولكن لا توجد أدلة كافية من نصوص هذه المسرحيات القديمة. ولكن تشير بعض الأدلة أن السخرية الاجتماعية والسياسية كانتا تكونان الأساس الذي تقوم عليه مسرحيات الأراجوز المبكرة حتي عهد السلطان عبد العزيز والسلطان عبد الحميد الثاني،أي عندما أصبحت الرقابة صارمة،وقد زودنا العديد من الشهود الأجانب الذين حضروا العروض التي قدمت في النصف الأول من القرن التاسع عشر بمعلومات تدل علي ان مسرح الأراجوز كان كسلاح سياسي لنقد السياسة المحلية والانتهاكات الاجتماعية، ويقول أحد الشهود:" إن الأراجوز هو الوحيد في بلد تحكمه سلطة ملكية مطلقة ونظام حكم ديكتاتوري مثل تركيا الذي لا يخدع نفسه، أو يستكين للشعور الخادع بالأمان، فيغلق عينيه علي الشرور التي تحيط به، بالعكس فعرض الأراجوز يشبه المقال الخطير،أو يشبه الصحفي المحارب الجسور.
ولا ينجو من لسان الأراجوز أي شخص، إلا ربما السلطان ،فالأراجوز يُصدر أحكامًا علي البيه الكبير ويرسله إلي سجون بيديكول .ويتمكن رواة الأراجوز من أن يزعجوا السفراء الاجانب ويسوط بلسانه أدميرالات أطول البحر الأسود،وجنرالات جيوش في البلقان في عهد الحرب التركية الروسية فيما بين 1854-1856. وكان الجمهور مسرورًا بهذا الهجوم،أما الحكومة فقد سمحت له أن يتحرش كيفما يشاء ويتكلم بحرية.
وبعد ذلك تدهور الأراجوز بسبب ما ما صحب قدوم الحضارة الغربية وبزوغ الدراما الأوربية التي أصبحت هي الشكل المفضل للفن المسرحي في القرن التاسع عشر تدهورًا في التقاليد الشعبية،وفي الفن الشعبي.هذا علي الرغم من أن الشعب عامة لم يكن لديه الرغبة الطبيعية لتذوق الفنون الأوربية،وتلا ذلك السينما وتبعها الراديو ثم التلفزيون.كل هذا قطع الصلة التي تربط الناس بفنون التراث،وحطم كل أشكال الفن الشعبي والحضارات العرقية وغير من مفهوم كلمة مجتمع،وبالتالي أصبح مسرح خيال الظل جزءًا من ماض لم يعد له وجود، وتعرض خيال الظل للمصير نفسه.
وفي هذا الإطار أصدرت أكاديمية الفنون إحدي ترجماتها عن اللغة التركية عن " الأراجوز" للكاتب التركي متين آند ؛ترجمة: د.كني حامد عبد السلام، ويذكر كاتبه في مقدمة الكتاب:أن الباحثين الذين تصدوا للكتابة عن الأراجوز اهتموا بمعالجتهم للموضوع من ناحية كونه أدبًا شعبيًا فقط، وأهملوا عملية تحويله إلي فن مسرحي،ووعلذ لك فهم لا يلقون الضوء عليه بدرجة كافية علي طبيعة فن الأراجوز في مسرح خيال الظل التركي.ويأتي كتابه ليعالج بعض الشيء هذا النقص عندما يركز علي أن الأراجوز هو قبل كي شيء فن مسرحي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد