الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا أمل لهذه الأمة مادامت تحارب التغيير والتفكير الحر

كاظم ناصر
(Kazem Naser)

2022 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك بأن التغيير والتكيف مع البيئة المحيطة هما القاعدة الأساس التي جعلت الوجود والتطور الإنساني ممكنا. فعندما نزل آدم وحواء من السماء إلى دنيانا، كما تخبرنا الكتب المقدّسة، كانت الكرة الأرضية جرداء موحشة وخالية من كل وسائل التحضّر التي تميّز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية. لكن التضحيات التي بذلها الإنسان منذ ذلك الوقت خلقت عالما حضاريا جديدا لا علاقة له بما كان عليه وضع الكرة الأرضية عندما وطأتها أقدامه!
التغيير يعني الانتقال من وضع اجتماعي، أو سياسي، أو علمي، أو فني إلى وضع آخر أكثر تقدّما، يوفّر للإنسان ظروفا مختلفة تمكّنه من تطوير اسلوب حياته ونمط تفكيره. ولهذا فإن كلمة "تغيير" هي الكلمة السحريّة التي مكّنت الإنسان من خلق واقع جديد، ومن اكتشاف آفاق فكرية جديدة خلّاقة ساهمت مساهمة جوهرية في بناء الحضارة الانسانية؛ فقد اكتشف من خلال تجاربه أهميّة التغيير في حياته، فطوّر الأصوات إلى لغات للتفاهم والتعاون مع الآخرين والتعبير عن مشاعرة، وبنى بيته، وصنع ما يلزمه من لباس ومعدات بدائية، وزرع، ودجّن الحيوانات واستخدمها كطعام وكوسائل للنقل والعمل في الزراعة، وإنه، أي التغيير لا يتوقف إلا بنهاية الوجود الإنساني على هذا الكوكب.
شريعة حمورابي، والديانات القديمة كالهندوسية، والزرادشتية، والبوذية، والديانات السماوية كانت جميعها دعوات إصلاحية تغييريه قادها مصلحون اجتماعيون، أو أنبياء مرسلين من الله سبحانه وتعالى، كان هدفهم الأساسي إحداث تغيير جذري في التفكير والادراك الانساني، وفي مكوّنات تلك المجتمعات البنيويّة والدينية. ولتحقيق ذلك قدّمت هذه الاديان افكارا جديدة حاولت من خلالها أن تجيب على اسئلة هامة توضّح للإنسان كيف ولماذا وجد، ومن أوجده، وما هو مصيره بعد موته، وهل هناك حياة اخرى غير هذه، وتضمنت شرائع وقوانين لتنظيم الحياة الاجتماعية واعطائها أسبابا ومعان وحوافز لتشجيع افراد المجتمع على عمل كل ما فيه الخير لهم ولمجتمعاتهم.
لكن عالمنا الحديث تغير بشكل هائل وأصبح الآن عالما مختلفا تماما عمّا كان عليه في بداية القرن العشرين. لكن القفزة الكبرى التي وضعت قواعد بناءه وازدهاره تكمن في التغيير الهائل الذي أحدثه العلم خلال الخمسين عاما الماضية، وأدى إلى ثورة عقلية أحدثت نقلة نوعيّة في نمط تفكير الإنسان الحديث الواعي الذي رفض القيود العقليّة التي اقامتها دول الاستبداد والمؤسسات الدينية الرجعية التي لا علاقة لها بجوهر الدين، وأمعن في طرح المزيد من الأسئلة المتعلّقة بفهم الأشياء والشك في ماهيتها محاولا بذلك الوصول إلى حقائق معرفيّة جديدة تعتمد على التجربة والمشاهدة، ورفض التفكير الميتافيزيقي والتفسيرات الجاهزة للكون والحياة والموت والفرضيّات التي لا يمكن التحقق من مصداقيتها؛ وتمرد على التسلط والتخلف، وآمن بالبحث العلمي، ولعب دورا محوريا في تطوير الطب والقضاء على الأمراض المعدية، وبنى أحدث المدن وأعظم الجامعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات الصناعية والهندسة، وأمتع العالم في الفنون والآداب والموسيقى، وطور وسائل المواصلات والاتصال التي ألغت المسافات بين شعوب العالم، وأقام جسورا للتواصل والتفاهم بين الثقافات المختلفة.
بهذه الانجازات التي انعكست نتائجها إيجابا على العالم كله، أثبت الإنسان أنه قادر على صنع المعجزات إذا توفرت له الحرية في التفكير والعمل، وان المعرفة ملك لكل الشعوب، وان نتائجها لا تعرف الاختلافات السياسية، أو الأحقاد الدينيّة؛ وإنها عابرة للحدود الجغرافية والفوارق الثقافية، وتنتقل من مجتمع إلى آخر رغم كل العوائق والحواجز التي يحاول أعداء التغيير والتنوير إقامتها.
ما يحدث في وطننا العربي من أهوال وتخلّف هو ثمرة جرائم الحكام الطغاة والطبقة الدينية المتخلفة الرافضة للتغيير المتحالفة معهم. هذا الثنائي الفاسد والمفسد الذي استخدم كل الوسائل المتاحة له لقهر المواطن والتحكم بحاضره ومستقبله، لا بد من محاربته والتصدي له بكل الوسائل لتجريده من نفوذه، وخلق مناخ سياسي وفكري واجتماعي جديد ينقذنا من الهاوية التي ننحدر فيها، ومن تدمير الذات الذي نقوم به خدمة لأعدائنا. أي إننا بحاجة ماسة الى بناء الانسان العربي المغيّر والمتغيّر القادر على فهم واقعه، وعلى التفاعل مع العالم من خلال تعليم حديث يركّز أساسا على بناء العقل النقدي الدائم التساؤل، والرافض للقوالب الفكريّة التي نسمّيها حقائق مطلقة لا جدال في صحتها، ولا يجوز الشك فيها والتساؤل في ماهيتها. ولبناء هذا الإنسان لا بدّ من إيجاد أنظمة ديموقراطية تداوليّة تضمن له حريته، وتعيد له كرامته، وتوفر له الفرصة ليشارك في السياسات التي تقرّر مصيره.
وبما أن المثقفين العرب هم القوة الحقيقية التي من الممكن أن تغير هذا الواقع المأساوي وتنقذ الأمة، فإنهم مطالبون بالتصدي لأنظمة الحكم التسلطية ورفع اصواتهم عاليا في الدفاع عن الحق والحقيقة، والعمل على محاربة هذا الظلم بإقامة أحزاب سياسية ذات مصداقية، ومؤسّسات مجتمع مدني، ونقابات مهنية فاعلة قادرة على تثقيف الجماهير سياسيا ودعم محاولاتهم لتغيير الواقع، وفتح آفاق جديدة لبزوغ عالم حديث متمرد يرفض الهوان والاستسلام للوضع المأساوي الراهن، ويؤسس لإقامة عالم عربي حر ديموقراطي يعيد لنا كرامتنا وحقوقنا، ويحمينا من كيد الطغاة والجهلة والطامعين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة