الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب واليسار والحرب الروسية الأوكرانية

رضي السماك

2022 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


للوهلة الأولى يبدو تحديد الموقف من طرفي الحرب الروسية- الأوكرانية تشوبه شيء من الضبابية والحيرة في أوساط أقسام غير قليلة من اليسار العالمي وبضمنه اليسار العربي، فمع أن الأمبريالية الأميركية و صنيعتها نظام زيلينسكي وحلفاؤوهما الغربيون يتحملون مسؤولية رئيسية في أنفجار الأزمة الروسية الأوكرانية، إلا أن ذلك لا يعني البتة أن يد موسكو البوتينية بريئة تماما من مسؤولية قرار شن الحرب على أوكرانيا وكأنه الخيار الوحيد الآني لحل أزمة تهديد أمنها القومي من الناتو ومصالح الروس وحقوقهم القومية في إقليم الدونباس دون تقدير دقيق لعواقب القرار على مصالح الشعبين الروسي والأوكرني على المديين القريب و البعيد، ومن المفيد هنا إعادة التذكير بمقولة أناتولي جروميكو نجل وزير الخارجية السوفييتي الأسبق أندريه جروميكو وهو واحد من أشهر وزراء خارجية الدول الكبرى في القرن العشرين وأكثرهم حنكة رغم نعت الغرب له ب " السيد لا " لكنه خِبر عذابات ومآسي الحرب التي تعرض لها لشعبه ابان تصديه للوحش النازي خلال الحرب العالمية الثانية للنازية، وفي هذا يقول إبنه أناتولي : " طوال حياتي لن أنسى هذه المقولة التي تعلمتها من والدي وسأظل أنذكرها طوال حياتي، ولطالما أستشهدت بها في محاضراتي لطلابي لأنها أحتلت مكانة في قلبي : " أن تنفق عشر سنوات في المفاوضات أفضل من أن تخوض الحرب ولو يوماً واحداً" .
وبالعودة لموقف العرب واليسار العربي خصوصاً من الحرب الجارية على الساحة الأوكرانية، فكما هو معروف ففي سني الحرب الباردة بين الأتحاد السوفييتي والولايات المتحدة كان الأول يتمتع بشعبية لدى العرب، وبالدرجة الأولى لدى قوى اليسار، بالإضافة إلى أوساط واسعة من الشعب الفلسطيني، وعلى رأسه الفصائل المسلحة الفلسطينية، وكان هذا الموقف يفسره وقوف موسكو إلى جانب العرب سياسياً في صراعهم مع إسرائيل وحتى دعمهم عسكرياً، وخصوصاً الدول العربية الصديقة له التي كانت تُعرف ب " الأنظمة الوطنية"، كمصر وسوريا وليبيا والجزائر واليمن الجنوبي.وفي أعقاب أنهيار الأتحاد السوفييتي، وتحديداً منذ تسنم الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين السلطة والمعروف بتوجهاته القومية وأعتزازه بأمجاد الحقبتين القيصرية والسوفييتية ،وتطلعه لمحاكاتهما، يمكن للمتابع السياسي للرأي العام العربي أن يتلمس بسهولة ثمة شريحة غير قليلة من اليسار العربي ما فتئت توالي روسيا، بل وتجدها مفتونة بالرئيس بوتين، أو كما وصفها الكاتب اليساري المصري علي طه بأنهم اُصيبوا بحالة من التجمد من عصر الحرب الباردة متأثرين بالدعاية الروسية التي تظهر بوتين زعيماً قوياً يهدف إلى أستعادة أمجاد الدولة السوفييتية بما يخدم قوى اليسار عالمياً ! وفي تقديرنا أن ذلك يعكس "حالة نفسية" مستقرة في العقل الباطني تمر بها هذه الشريحة لعدم قدرتها على التكيف مع حقيقة أنهيار الأتحاد السوفييتي. وفي مقابلة إعلامية اُجريت مؤخراً مع المؤرخ اليساري الهندي فيجاي برشاد وصف الدعاية البوتينية الروسية الحالية بأنها غارقة في القومية وتستمد جذورها من قوة الرأسماليين الأحتكاريين.
وهكذا نرى بأنه بالرغم من تحول روسيا إلى دولة رأسمالية وواحدة من أكثر دول العالم في أعداد المليارديرية، على أن اللافت في الحرب الروسية الأوكرانية الراهنة فإنه علاوة على تأييد تلك الشريحة اليسارية لروسيا البوتينية باتت هذه الأخيرة تحظى بتأييد مجاميع غير قليلة من العرب على أمتداد العالم العربي، ولربما لو اُجري اليوم أستطلاع للرأي العام العربي حول الموقف من طرفي الحرب لتمتعت روسيا -على الأرجح- بتأييد ما لا يقل عن 80%، من المستطلعين، وأنت لا تتعجب إذا ما وجدت اليوم خليطاً عجيباً من تيارات إسلاموية ويسارية وقومية تتخذ موقفاً مؤيداً بقوة لروسيا ومناوئاً لأوكرانيا والغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، وإذا كان هذا الموقف ليس غريباً إذا ما أدركنا الكراهية الشديدة التي يكنها العرب للولايات المتحدة وأشتداد النقمة الشعبية ضدها بسبب حروبها الإجرامية في المنطقة، ناهيك عن عدائها للقضية الفلسطينية ودعمها الدائم اللامحدود لأسرائيل سياسياً وأقتصادياً وعسكرياً،فإن مالا يمكن فهمه عدم قدرة تلك الشريحة من اليسار العربي على التخلص من هواها المزمن لروسيا حتى بعد تبنيها الرأسمالية ووقوعها تحت نظام فاسد شمولي أقرب إلى حكم الفرد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. امتعاض واعتراض وغرامات.. ما رأي الشارع العراقي بنظام المخالف


.. عبد الله حمدوك: لا حل عسكريا للحرب في السودان ويجب توحيد الم




.. إسرائيل أبلغت دول المنطقة بأن استقرارها لن يتعرض للخطر جراء


.. توقعات أميركية.. تل أبيب تسعى لضرب إيران دون التسبب بحرب شا




.. إبراهيم رئيسي: أي استهداف لمصالح إيران سيقابل برد شديد وواسع