الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في زمن أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها : السعودية إلى أين ؟

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 5 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


هي أزمة سببتها حرب النفط التي أطلقها محمد بن سلمان وذات أثر على العلاقات الأمريكية السعودية وعلى الاقتصاد السعودي الذي لم يكن قد تعافى بعد من عواقب جائحة كوفيد 19. وهي أيضا أزمة تستفحل على خلفية الحكم الاستبدادي الذي يستمر في التعزيز.
كانت البداية في غضون مايو 2020 ، مع الإعلان عن سلسلة إجراءات في إطار سياسة التقشف التي عزم النظام السعودي على اعتمادها. وهي بمثابة خطة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الكبرى التي تعيشها المملكة العربية السعودية. علما أن السعودية لم تواجه أزمة بهذا الحجم منذ عقود. وتتضمن الخطة حزمة من الإجراءات الجذرية لحماية الاستقرار الاقتصادي والمالي للمملكة على المدى المتوسط والبعيد.

على غرار بلدان أخرى في المنطقة ، شهدت السعودية تباطؤًا ملحوظًا في اقتصادها. وهو اقتصاد يعتمد على النفط ، والذي أدى انخفاض أسعاره ، بسبب التراجع الفظيع في النشاط الاقتصادي، إلى إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد السعودي. كانت هذه الأزمة في المملكة العربية السعودية بمثابة صدمة كبيرة للقادة السعوديين ، وخاصة لمحمد بن سلمان ، الذي لايزال يخاطر برؤية مشروعه العزيز على قلبه "رؤية 2030" الذي أضحى في موضع تساؤل كبير حاليا. إنه المشروع جند من أجله محمد بن سلمان وسائل اتصال هائلة للإعلان عنه والترويج له ،لا سيما في عيون حلفائه الغربيين. وهي أزمة طرأت على خلفية الحكم الاستبدادي الذي يستمر في التعزيز.

رجوعا إلى الوراء، في سبتمبر 2016 ، أبرمت السعودية وروسيا اتفاقا نفطيا عرفت بـ "أوبك +". لقد اتفق قادة البلدين على التخطيط المشترك لإنتاج النفط. وبموجب هذا الاتفاق قررت دول "أوبك" وروسيا خفض إنتاجهما بمقدار 2.1 مليون برميل يوميا. جاء هذا الاتفاق بعد عامين من حرب الأسعار التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في سنة 2014، لإجبار الولايات المتحدة، التي كان إنتاجها من الغاز الصخري في تزايد مستمر، على الالتزام بالسياسة المشتركة لمنتجي النفط. وكانت مضيعة للوقت بالنسبة للمملكة ، التي فشلت في إجبار المنتجين الأمريكيين على خفض إنتاجهم ، مما اضطرها بعد انخفاض الأسعار إلى إنهاء هذه الحرب. ومع انتهاء اتفاقية 2016 ، آلت المفاوضات بين المملكة العربية السعودية وروسيا للتوصل إلى صفقة نفط جديدة إلى الفشل. فمن خلال هذه الاتفاقية، سعت المملكة العربية السعودية إلى تحقيق تخفيض كبير في إنتاج النفط من أجل الحفاظ على أسعاره في مستوى مقبول لديها.

بعد أن اعتاد محمد بن سلمان على الانقلابات المذهلة منذ صعوده السريع إلى السلطة ، قرر في 8 مارس 2020 ، إنهاء الاتفاقية المبرمة بين البلدين في سنة 2016. وخاض الأمير الشاب حربا حقيقية على أسعار النفط بإغراق السوق العالمية بنفطه، وهذا بزيادة الإنتاج السعودي حيث رفعه إلى مستوى غير مسبوق، إذ بلغ 12 مليون برميل يومياً. كما قرر محمد بن سلمان خفض سعر النفط السعودي، لمنافسة النفط الروسي. من خلال الشروع في هذه المواجهة ، أراد محمد بن سلمان معاقبة روسيا لرفضها اتفاقًا على خفض إنتاجها ، بينما كان يسعى للدفاع عن حصص المملكة في السوق. إن الهدف الذي سعى إليه محمد بن سلمان هو إجبار روسيا على العودة إلى طاولة المفاوضات. وجاءت هذه الاستراتيجية في مواجهة الرفض الروسي. وادعى فلاديمير بوتين أنه لا ينوي الجدال مع القادة السعوديين مؤكدا أن روسيا يمكنها تحمل أسعار النفط التي تقل عن 30 دولارًا لمدة عقد من الزمن. فمن خلال رفض اتفاق لتخفيض حصتها الإنتاجية ، أرادت روسيا الحفاظ على حصتها في السوق. كما سعت موسكو، من وراء الستار، الإضرار بإنتاج الغاز الصخري الأمريكي، والذي يحتاج إلى سياق يتسم بارتفاع أسعار النفط، وإجبار الولايات المتحدة على خفض إنتاجها النفطي. واعتبر بعض المحللين وقتئذ أن معارضة روسيا لاتفاق نفط جديد بمثابة رد انتقامي على العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على شركة النفط الروسية العملاقة "روسنفت" وعلى مشروع بناء خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2 " الذي هدف إلى إمداد الاتحاد الأوروبي بالغاز الروسي. وبينما كانت المملكة العربية السعودية تعول على بلوغ سعر البرميل 80 دولارًا للتمكن من موازنة ميزانيتها، كانت روسيا، من جانبها، تراهن على سعر يبلغ حوالي 40 دولارًا فقط. أصبح الاقتصاد الروسي - الذي تمت إعادة هيكلته جزئيًا في سنة 2015 لمواجهة العقوبات الغربية بعد ضم شبه جزيرة القرم في 2014 - أكثر تنوعًا من الاقتصاد السعودي. إن إعادة الهيكلة الجزئية للاقتصاد هذه وتنويعه قد مكّنا من تقليص حصة النفط في الميزانية الروسية. كما نجحت موسكو، قبل سنوات، في ضمان حيازة احتياطي مالي من العملات الأجنبية ، لا يأتي حصريًا من عائدات النفط ، وفي الحصول على صندوق سيادي بمئة مليار دولار.

لقد جاء قرار محمد بن سلمان بإشعال حرب أسعار النفط في سياق اتسم بانتشار جائحة كوفيد -19 ، الذي أدى إلى تباطؤ الوتيرة الاقتصادية على صعيد العالم. وتسبب هذا الوباء أيضًا في انخفاض الطلب بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي العالمي، خاصةً في الصين، التي تستهلك حوالي 14 ٪ من إنتاج النفط العالمي. كما أدى تعليق النقل الجوي ، وهو مستهلك رئيسي للنفط ، إلى زيادة تفاقم الوضع. وكان لرهان محمد بن سلمان على جعل روسيا تستسلم إلى جانب انخفاض الطلب العالمي في أعقاب الأزمة الصحية الناجمة عن فيروس كورونا تأثير مدمر على أسعار النفط. وبعد تدخل "دونالد ترامب" ، توصلت "أوبك" وروسيا، بالإضافة إلى دول منتجة أخرى، إلى اتفاق في 12 أبريل 2020 بشأن خفض إنتاجها بمقدار 9.7 مليون برميل اعتبارًا من فاتح مايو 2020 ، أي بحوالي 10٪ من الإمدادات العالمية. ومع ذلك، لم يكن هذا الاتفاق كافياً لوقف انخفاض أسعار النفط التي وصلت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق. ففي 20 أبريل 2020، تراجعت أسعار النفط الخام في الولايات المتحدة لتصل مستوى غير مسبوق.
وطفت على السطح توترات في العلاقات الأمريكية السعودية. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الانخفاض في أسعار النفط كان موضع ترحيب في البداية من قبل الرئيس الأمريكي ، دونالد ترامب ، الذي لم يتوقف منذ انتخابه عن انتقاد "أوبك" والمنتجين الآخرين لمطالبتهم بخفض الأسعار. اعتبر الرئيس الأمريكي هذا الانخفاض في الأسعار فرصة للولايات المتحدة لملء احتياطاتها الفيدرالية بالنفط الرخيص ، الأمر الذي سيفيد دافعي الضرائب الأمريكيين. وقال د. ترامب في هذا الموضوع: "سنملأها إلى أقصى حد ، ونوفر على دافعي الضرائب الأمريكيين مليارات ومليارات الدولارات". ومع ذلك ، عندما اقترب سعر البرميل من 20 دولارًا في نهاية مارس 2020 ، مما يهدد منتجي الغاز الصخري الأمريكيين ، تراجع ترامب عن هذا المسعى. خاطر هؤلاء المنتجون المثقلون بالديون بإفلاس ملايين الوظائف وتهديد صورة دونالد ترامب ، الذي تعرض بالفعل لانتقادات شديدة بسبب تعامله مع وباء كوفيد 19 قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

أثار الهبوط الحاد في أسعار النفط وعدم قدرة الأسواق على الاستقرار ، غضب دونالد ترامب. فقد ذهب ترامب ، المدافع المتشدد عن محمد بن سلمان ، إلى حد تهديد المملكة العربية السعودية بفرض رسوم جمركية عالية جدًا على صادراتها النفطية إلى الولايات المتحدة. كما طرح العديد من أعضاء مجلس الشيوخ قانونًا ، يدعو بشكل خاص إلى سحب أنظمة "باتريوت" الأمريكية المضادة للصواريخ من المملكة العربية السعودية ، للتعبير عن غضبهم جراء حرب الأسعار التي أثارها ولي العهد السعودي. وخلال محادثة هاتفية مع محمد بن سلمان في 2 أبريل 2020 ، كان دونالد ترامب ، غاضبًا للغاية ، ووصل به غضبه حد التهديد بعدم معارضة مبادرة أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ، إذا لم تقم السعودية بتخفيض الانتاج لوقف تدهور الأسعار. وفي 7 مايو 2020 ، نفذت الولايات المتحدة تهديدها بسحب بطاريتي "باتريوت" المضادة للصواريخ من المملكة ، بالإضافة إلى نظامين دفاعيين جويين آخرين كان قد تم نشرهما في سبتمبر 2019 في المملكة العربية السعودية. لكن تم نشر هذه الأنظمة في اليوم الموالي لهجوم الحوثيين بطائرات مسيرة استهدفت مواقع نفطية سعودية. و سحبت الولايات المتحدة سربين من الطائرات المقاتلة و 300 من العسكريين الأمريكيين، حسب المعلومات التي كشفت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال" ، وكانت بمثابة صدمة للقادة السعوديين، كما سلطت الضوء على التوترات في العلاقات الأمريكية السعودية بسبب حرب الأسعار التي شنها محمد بن سلمان. وقد بررت الولايات المتحدة هذا الانسحاب بتقليل مخاطر الهجمات الإيرانية على المصالح الأمريكية.

كانت آثار قرار محمد بن سلمان بشن حرب أسعار النفط على اقتصاد المملكة شديدة ، هذا علاوة على الظرفية العصيبة. كان للانهيار الدراماتيكي في الطلب العالمي ، بسبب فيروس كورونا ، إلى جانب حرب الأسعار ، تداعيات خطيرة على الاقتصاد السعودي الذي ظل يعاني بالفعل من الاستراتيجيات السيئة ويعتمد بنسبة 90٪ تقريبًا على عائدات النفط. وأعلنت شركة النفط السعودية العملاقة "أرامكو" عن انخفاض حاد بنسبة 25٪ في أرباحها للربع الأول من عام 2020 ، والتي تراجعت إلى 16.6 مليار دولار وكانت قد بلغت 22.2 مليار دولار في 2019. وعزا الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" هذه الخسائر إلى انخفاض الطلب العالمي الناجم عن وباء كوفيد -19.

كان رهان محمد بن سلمان على خصخصة 2٪ من "أرامكو" لتحقيق ما بين 22 و 23 مليار دولار فاشلاً بسبب انخفاض أسهم الشركة العملاقة السعودية. واضطر محمد بن سلمان ، الذي قدر قيمة "أرامكو" بنحو 2 تريليون دولار ، إلى تعديل رقمه لخفضه إلى 1.7 تريليون دولار. ويعود هذا الفشل إلى انعدام الثقة وعدم حماس المستثمرين الأجانب ، بسبب عدم الاستقرار في المنطقة في أعقاب هجمات الطائرات المسيرة على مجمعات "أرامكو". وتسببت هذه الهجمات ، التي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها ، في خفض إنتاج المملكة من النفط إلى النصف. كما لم يعد المستثمرون يؤمنون برغبة محمد بن سلمان في الإصلاح. وأدى اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في تركيا (2 أكتوبر 2018) إلى تشويه صورة محمد بن سلمان كأمير إصلاحي خلافا لما روجه.
وكانت السعودية قد سبق لها أن أعلنت عن عجز في الميزانية بنحو 9 مليارات دولار الذي ظل يتزايد منذ 2014 ، فقررت الحكومة السعودية اتخاذ مجموعة من الإجراءات، ومن بينها اقتراض 58 مليار دولار في الأسواق الدولية. وتزامن ذلك مع تآكل احتياطي المملكة من النقد الأجنبي بسبب سياسات محمد بن سلمان. وهوى احتياطيً المملكة إلى حوالي 464 مليار دولار ،في حين بلغ سنة 2014 ، 737 مليار دولار.

وفي 11 مايو 2020 تم الإعلان عن خطة تقشف غير مسبوقة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد السعودي. وتتضمن مضاعفة معدل الضريبة على القيمة المضافة ثلاث مرات، إذ ارتفعت من 5 إلى 15٪، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار الذي سيؤثر بدوره على القوة الشرائية للسكان. كما تضمنت الخطة إلغاء العلاوة الممنوحة لموظفي الخدمة المدنية اعتبارًا من يونيو 2020. ونصت الخطة أيضا على تخفيض الإنفاق العام المخصص للعديد من القطاعات العامة وبعض المشاريع التي تندرج في إطار "رؤية 2030" ، والتي تم تخفيضها بالفعل بمقدار 8 مليارات دولار. وكان الهدف هو توفير 26 مليار دولار للتعامل مع عجز الميزانية.

بينما اختارت معظم الدول دفع المساعدات للسكان ، من أجل دعم قوتهم الشرائية وبالتالي تجنب انهيار الاستهلاك ، اختارت السلطات السعودية سياسة تقشف شديدة سيكون لها تأثير اجتماعي هائل. وكان للتباطؤ في الاقتصاد ، إلى جانب سياسة التقشف ، تأثير خطير على سوق العمل في المملكة العربية السعودية ، البلد الذي يرتفع فيه معدل البطالة وحيث يشكل الشباب نصف الساكنة. وساهمت هذه الأزمة الاقتصادية في تضخيم التشكيك في خطة محمد بن سلمان "رؤية 2030" ، ولا سيما مشروعه لبناء مدينة "نيوم" على البحر الأحمر ، وهي مدينة مستقبلية ستكلف أكثر من 500 مليار دولار.

كما ساهمت الحرب في اليمن في تفاقم الأزمة الاقتصادية في المملكة. هذه الحرب التي أطلقها محمد بن سلمان في سنة 2015 وكلفت المملكة ما يقدر بنحو 5 مليارات دولار شهريًا ، شكلت حفرة مالية ظلت تنادي هل من مزيد ؟. وعلى الرغم من ذلك ، ظلت المملكة ترفض إنهاء هذا الصراع الذي خلق فوضى كبيرة وأزمة إنسانية خطيرة. علما أن هذه الحرب، انطلقت بدون أي هدف حقيقي، وكلفت السعودية تكلفة باهظة دون طائل. إن عجز الجيش السعودي عن تحقيق نصر حاسم على الحوثيين ، الذين لم يترددوا في ضرب أهداف استراتيجية في قلب المملكة ، مما شكل تحديًا أمنيًا كبيرًا. والأدهى والأمر، رغم المبالغ الضخمة التي تم تخصيصها لعقود من الزمن في شراء الأسلحة دون أي فعالية حقيقية على الأرض ، لم يعد القادة السعوديون قادرين حتى على تأمين أراضيهم من التهديدات من اليمن ، التي تشارك المملكة معها 1800 كيلومتر من الحدود.
تتضافر هذه الأزمة على خلفية الاستبداد. وتأتي الأزمة الاقتصادية التي تعيشها المملكة في سياق اتسم بتقوية القائمين على الأمور قبضتهم على السلطة وتشديد القمع ضد خصومهم. وقد طال القمع العائلة المالكة السعودية نفسها، التي لم تعد في مأمن من القبضة الحديدية للأمير الشاب. إذ أمر محمد بن سلمان ، في 9 مارس 2020 ، في لفتة مفاجئة ووحشية ، باعتقال ثلاثة أمراء سعوديين كبار. وهم الأمير أحمد بن عبد العزيز (عم محمد بن سلمان) ، ولي العهد السابق وابن عم محمد بن سلمان ، محمد بن نايف وشقيقه نواف بن نايف ، المتهمين بـ "التحريض على انقلاب بهدف الإطاحة بولي العهد". هؤلاء الأمراء ، الذين ينتمون إلى عشيرة السديري القوية التي ينتمي إليها الملك سلمان ومحمد بن سلمان ، والذين يُحتمل أن يكونوا مدعين للعرش السعودي ، يواجهون خطر السجن مدى الحياة بل حتى الإعدام. واشتهر الأمير أحمد بنقده لسياسات ولي العهد الجديد، خاصة فيما يتعلق بالحرب في اليمن. بعد نفي قصير في إنجلترا ، عاد الأمير أحمد إلى المملكة في سياق اتسم بانفجار قضية خاشقجي واغتياله. فُسرت عودته إلى السعودية على أنها رغبة الأمير في إظهار دعمه للنظام الملكي الذي كان يواجه ضغوطاً رهيبة بسبب اغتيال الصحفي السعودي في تركيا. من جانبه ، كان ولي العهد السابق ، الأمير محمد بن نايف ، قيد الإقامة الجبرية بالفعل منذ "التطهير" الذي أطلقه محمد بن سلمان في نوفمبر 2017.

عبر اعتقال هؤلاء الأمراء الثلاثة ، كسر محمد بن سلمان- من حيث لا يدري - بشكل قد يصعب إصلاحه- الإجماع التاريخي لميزان القوى التقليدي ، الذي اتسم به النظام الملكي السعودي منذ نشأته سنة 1932. وبينما كان يسعى لإزالة آخر العقبات أمام مسيرته نحو العرش ، أراد محمد بن سلمان توجيه تحذير للعائلة المالكة بأنه لن يتسامح مع أي انتقاد أو معارضة لسياساته، وأنه لن يتردد في استخدام القوة ضد أي مخالف ، كما كان الحال مع الأميرة بسمة بنت سعود بن عبد العزيز. هذه الأميرة، التي انتقدت صراحة سجل المملكة في مجال حقوق المرأة، تم اعتقالها مع إحدى بناتها في فبراير 2019. ونشرت الأميرة بسمة تغريدة في 17 أبريل 2020 ، تناشد من خلالها الملك سلمان وولي العهد لإطلاق سراحها بسبب تدهور حالتها الصحية بشكل مطرد في السجن ، بدعوى أنها لم تتلق العلاج الطبي.
إن التعطش للسلطة الذي ظل يحرك محمد بن سلمان ،- منذ جلوس والده على العرش وصعوده السياسي النيزكي - دفعه إلى الرغبة المستمرة في تعزيز مركزه ، والسعي إلى تركيز كل دواليب السلطة في يديه. ويبدو أن الهدف الأساسي، الذي يصبو إليه محمد بن سلمان، هو أن يصبح المركز الوحيد للسلطة في البلاد. وعلى درب تحقيقه، اعتمد القمع الشرس ضد أي معارض لسلطته وطموحاته، بغض النظر عن أصله أو انتمائه، بينما كان يسعى للظهور كأمير مصلح في عيون حلفائه الغربيين. وامتدت قبضته إلى شبكات التواصل الاجتماعي السعودية، التي يمارس عليها رقابة صارمة للغاية، إذ لا يقبل ولا يتحمل أي انتقاد. وهذا يفسر موجات الاعتقالات التي يشنها محمد بن سلمان بانتظام ضد خصومه الذين ينتمون إلى كامل الطيف السياسي السعودي. اعتقالات طالت ، منذ 2017 ، العديد من الشخصيات البارزة في حركة الصحوة الإسلامية ، مثل الشيخين سلمان العودة وعايد القرني.

كما امتدت حملات القمع إلى شخصيات من التيار الليبرالي السعودي وكذلك نشطاء حقوق الإنسان وحقوق المرأة ، مثل الناشطات إسراء الغمغام ولجين الهذلول وسمر البدوي. إن اعتقال هؤلاء النشطاء ، المحتجزين في ظروف صعبة ، يوضح بجلاء الطريقة الوحشية التي صمم بها محمد بن سلمان السلطة وممارستها. إنها وحشية تسببت في اغتيال الصحفي خاشقجي ووفاة الأكاديمي والناشط الحقوقي السعودي عبد الله الحامد ، في 24 أبريل 2020 رهن الاعتقال بفعل تدهور حالته الصحية، حيث سجن منذ سنة 2013. واتهمت أكثر من رواية النظام السعودي بالإهمال الطبي المتعمد ، قائلة إن إدارة السجن تركت الحامد في غيبوبة لعدة ساعات قبل نقله إلى المستشفى ، مما أدى إلى لفظ أنفاسه.

علاوة على ما ذكر، يجب أن يواجه محمد بن سلمان أيضًا تحديًا من أصل قبلي، بسبب مشروعه العزيز عليه "نيوم". لقد أثار بناء هذه المدينة المستقبلية في محافظة تبوك شمال غرب المملكة على البحر الأحمر، موجة من الاحتجاجات، إثر قرار السلطات السعودية بتنفيذ التهجير القسري لقبيلة "الحويطات" التي استوطنت هذه المنطقة لقرون ، وهي قبيلة سعودية مهمة لها أيضًا امتدادات أردنية وفلسطينية ومصرية.
واشتد هذا الخلاف وعرف منعطفًا دمويًا بعد اغتيال القوات الأمنية السعودية عبد الرحيم الحويطي - ناشط عشائري معارض لمشروع "نيوم" –الذي أعرب بشدة عن رفض طرده من منزله من أجل تحقيق المشروع الذي يعض عليه محمد بن سلمان بالنواجد. وأدى هذا الحادث إلى زيادة التوترات المحلية وإلى اندلاع حملة تضامن مع الحويطي على شبكات التواصل الاجتماعية.

وعلى سبيل الختم، تواجه المملكة العربية السعودية اليوم تحديات اقتصادية هائلة ، لا مناص من التصدي لتداعياتها وعواقبها الاجتماعية . وساهمت الأزمة، بشكل كبير غير مسبوق، في تصدع العقد الاجتماعي السعودي الذي ساد سابقا. وهو العقد الذي وافق النظام السعودي بموجبه على ضمان تقديم خدمات للساكنة كالتعليم والصحة والإسكان والوظائف في القطاع العام ، مقابل استمرار السعوديين في الحفاض على الولاء للنظام الملكي السعودي والتخلي عن أي شكل من أشكال مقاسمة السلطة والمشاركة السياسية. ومن المتوقع أن يتفاقم هذا الوضع بفعل سياسات محمد بن سلمان وطريقته في ممارسة السلطة لوضع يده على العرش السعودي دون منازع ، ولكن بأي ثمن؟ هذا هو السؤال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست