الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاضطهاد الجنسي للذكور

ناجح شاهين

2022 / 5 / 10
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


يتعرض الذكور في المجتمع العربي عامة، والفلسطيني خاصة، للاضطهاد الجنسي على نطاق واسع. وهذا الموضوع على أهميته وخطورته وأثره المدمر على الضحية لا يلقى اهتماماً جدياً أبداً. بل إننا نجازف بالقول إنه موضوع مهمل "مسكوت عنه" إلى حد كبير.
تبدأ هذه القصة في مرحلة الطفولة المبكرة حيث يشرع الأولاد العدوانيون والكبار على حد سواء في التحرش بالطفل الناعم المسالم وصولاً إلى إخضاعه للمداعبة والفعل الجنسي بالضغط بالسبل المختلفة بما فيها القوة والاغتصاب في أحيان كثيرة. في هذا السياق يعاني الطفل بدئياً من النظرات والكلمات والملامسات المقصودة التي تنهال عليه لسبب بسيط هو أنه "حلو" وضعيف. المجتمع العربي على الرغم من الجعجعة عالية النبرة بخصوص الأخلاق، يظل مجتمعاً عدوانياً ينتهز الفرصة للاعتداء على أي شخص ضعيف حتى لو كان طفلاً.
يعرف هذه الواقعة الآباء والأمهات الذين لديهم طفل وادع لا قبل له بمقارعة أقرانه. وإذا كان التحرش بالفتيات يتضمن دائماً بعداً من مزاعم الحب أو الاشتهاء المقبول الذي قد تطرب له نسبة منهن، فإن التحرش بالفتيان يشير دائماً إلى أمور من قبيل الإذلال والإخضاع والإجبار وتدمير صورة الطفل نفسياً عندما يعلم أقرانه أنه بما يحصل، فيتحول إلى مادة للتندر والتنمر على نطاق واسع، إضافة إلى كونه الفريسة التي يريد الأولاد المتنمرين جميعاً الإيقاع بها واصطيادها.
وإذا كان المجتمع العشائري يقف بقوة ضد المتحرشين بالفتيات بوصفهن شرف العائلة الذي لا بد من الدفاع عنه، فإن العكس تقريباً هو ما يحدث في حالة التحرش بالفتيان. هنا يمارس المجتمع كوميديا سوداء من السخرية بالفتى الضحية، ولا يجد الأهل الكثير لفعله في حالة الولد الذكر الذي كان من المفروض أن يكون "زلمة" وأن يدافع عن نفسه، أو حتى أن يكون هو المهاجم المفترس، وليس الضحية التي تتعرض لفعل الافتراس. وإذا كان هناك غشاء بكارة لا بد من حمايته في حالة الأنثى، فإن الولد ليس له شرف بهذا المعنى. ولذلك غالباً ما تمر حالات التحرش والاعتداء على الأولاد بدون عقوبات رادعة بما يسمح باستشراء هذه الممارسات على نطاق واسع قلما نعترف به أو نسجله في العلن.
في هذا السياق يميل الأهل غالباً إلى "لملمة" الموضوع والتستر عليه وإخفاء ما جرى بغرض درء الفضيحة والسماح للطفل بأن يعيش حياة "طبيعية" على الرغم مما حدث.
لكن هيهات، هيهات، إذ ما إن يقع ولد في دائرة الاعتداء الجنسي حتى ينتشر الخبر بين الناس على نطاق واسع يشمل فئات المجتمع العمرية كلها بما في ذلك الفتيات والنساء والكبار والصغار. ويكبر الطفل وهو موسوم بسمعة مدمرة قد تجعل فتاة يتقدم لها للزواج ترفضه مع التوضيح أنها لن تتزوج رجلاً كان "يفعل" به الأولاد ما يُفغل بالنساء.
لن يشفى هذا الولد مما جرى له أبداً. وسوف يرزح تحت معاناة نفسية رهيبة ستلازمه طوال حياته. وفي ظل غياب أية رعاية صحية نفسية واجتماعية سيقوم باجترار معاناته أبد الدهر. ولن يكون مفاجئاً أبداً أن يتحول إلى مجرم أو عميل ...الخ من أجل الانتقام أو من أجل تعويض المهانة العميقة التي يحس بها.
من ناحية ثانية يعاني الذكور من الرعب المتصل بالفشل الجنسي. وليس ذلك مشكلة صحية يمكن أن يتوجه أحدنا إلى الطبيب لكي يحصل على المساعدة بخصوصها. إنها عار لا بد من إخفائه التام، لأن انكشافه سيعني سخرية المجتمع كله بمن في ذلك الفئات "المتحررة" من علمانيين ويساريين...الخ. وإذا تزوج أحد وفشل في القيام بواجباته لفترة طويلة، فإنه في أحيان كثيرة يضطر إلى الهجرة من البلد كلها هرباً من عيون الناس وألسنتهم التي تلاحقه في كل مكان.
في هذا السياق أيضاً يجب أن نذكر التنمر الذي يتعرض له الرجل المتزوج من زوجته التي تعرض به في العلن في حال ضعفه عن تلبية احتياجات الزوجية كما ينبغي. وتقوم بعض الزوجات بالتعريض بأزواجهن على نطاق واسع مما يحوله إلى مضغة لألسنة الأصدقاء قبل الأعداء. ويتعرض هنا لمعاناة نفسية شديدة وهو يتخيل أصحابه وهم يفكرون في التقدم لنجدة زوجته وعرض خدماتهم عليها لإنقاذها من الحرمان الذي تعيشه مع زوجها "الخيخة/الهامل" الذي لا يمتلك الرجولة الكافية التي هي عنوان من عناوين الكرامة للذكر العربي والفلسطيني.
مرة أخرى ننبه إلى أن وضع الإناث من ضحايا الاعتداء الجنسي أفضل بكثير من وضع الذكور. المجتمع العشائري ورجال الأمن والقانون يقفون جميعاً ولو لفظياً إلى جانب المرأة. وعلى الرغم من قسوة التحرش وخصوصاً الاغتصاب على الإناث، إلا أنه يظل ألطف مما يحس به الذكر المعنف أو المغتصب باعتبار أنه لا يجوز أن يكون بدئياً موضوعاً للاشتهاء من قبل أقرانه الذكور. ولا بد أن الاختراق الجنسي الشرجي أشد إيلاماً وإذلالاً من الاختراق الجنسي المهبلي "الطبيعي". وبعبارة بسيطة نقول إن ما تتعرض له المرأة هو فعل جنسي طبيعي تم بالإكراه، وهو فعل جميل وممتع لو تم برضاها. أما ما يتعرض له الولد أو الشاب من اغتصاب فهو ضد ميله الطبيعي في معظم الأحيان -باستناء ذوي النزعة اللواطية- إذ قد لا ينزعج معظم الذكور في بلادنا لو تعرضوا للاغتصاب من قبل نساء بطريقة أو بأخرى، أما الاغتصاب من قبل ذكر آخر فهو انتهاك وألم وإذلال وفضيحة...الخ.
في رأينا أن اضطهاد الرجال جنسياً يجب أن يلقى اهتماماً أكبر بكثير مما نفعل حالياً:
أولاً: يجب الإقرار به علناً بوصفه أحد الممارسات الشائعة التي تنتهك حقوق الذكور أطفالاً وكباراً وتدمر إنسانيتهم وتلحق بهم أذى جسدياً ونفسياً قد لا يكون قابلاً للعلاج.
ثانياً: يجب أن ننشر الوعي الاجتماعي الذي يجعل الضحية في وضع يمكنه من الشكوى ومواجهة ما حصل في المستوى الاجتماعي والقانوني وصولاً إلى طلب المساعدة بأنواعها بما فيها الصحية.
ثالثاً: لا بد من العمل على سن القوانين التي تجرم على نحو واضح التحرش بالذكور من قبل ذكور متحرشين أو نساء يقمن بإذلالهم بسبب صعوبات صحية جنسية يعانون منها.
رابعاً: تدريب المؤسسات الأمنية والاجتماعية والأهلية على كيفية التعامل مع الجرائم المتصلة بالاعتداء الجنسي على الذكور لإعطاء الأمل الواقعي لهم بإمكانية مواجهة الواقع القاتم الذي يعيشونه لكي لا يضطروا تحت الضغط النفسي الرهيب إلى اللجوء إلى أساليب من قبيل قتل من تحرش بهم، أو التحول إلى عملاء للانتقام منهم أو أية أشكال أخرى من الجريمة.
بالطبع لا بد أولاً من التغلب على النزعة التي تهون من شأن هذه المعاناة أو ترغب في التستر عليها أو كتمها لأسباب واهية من قبيل أننا نعيش تحت الاحتلال، أو أن ذلك لا يتفق مع قيم مجتمعنا...الخ. لا بد من وضع اضطهاد الرجال تحت مجهر البحث والإعلان والإعلام وصولاً إلى مقاربة لفهمه ومواجهتة والحد منه ومعالجة آثاره على أفضل نحو ممكن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة