الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس/جريمة مصادرة الفعل السّياسيّ

الطايع الهراغي

2022 / 5 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


"لو كان الاستبداد رجلا وأراد أن ينتسب لقال: أنا الشّرّ، وأبي الظّلم، وأمّي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة".
(عبد الرّحمان الكواكبي)
"قسوة الأيّام تجعلنا خائفين من غير أن ندري ما يخيفنا "
(وليام شكسبير)

1/..ويشهد التّاريخ على مكر التّاريخ
رحم الله المتنبّي " وكم ذا بمصر من المضحكات// ولكنّه ضحك كالبكا ؟".
من نوادر الزّمن الأغبر أنّ الكثيرين -ممّن لم يُعرف لهم وعنهم طيلة تاريخهم البيولوجيّ موقع أو موقف -مهما كان محتشما – زمن بورقيبة وفي العهدين، حقبة بن علي وحقبة التّرويكات، تحوّلوا إلى فلاسفة العصر وثوّار كلّ مصر وانتصبوا ناطقا رسميّا باسم الثّورة.
اعتاشوا من/ وعلى موائد" صانع التّغيير" طيلة عشريّتين قمريّتين،ألقى عليهم الحبّ فلقطوا وهلّلوا وكبّروا ، استهوتهم نِعم النّهضة ما إن "أقبل البدرعلينا" ذات يوم من أيّام جانفي 2011 فاغتسلوا من أدران خطاياهم ما دامت الصّلاة تجبّ ما قبلها وتمحو الذّنوب ما تقدّم منها وما تأخّر، استفاقوا بعد أن همد المفعول السّحريّ لنشوة التّخميرة الأولى وتصاغرت أمام ابتهالات أشدّ وقعا وترويضا للعقول ساعةَ تهاطل عليهم الوحي مدرارا ليلة الفاتح من 25 جويلية الأغرّ فأغمي عليهم من فرط الدّهشة وصدمة الفرحة وسحر البيان ، اكتشفوا بقدرة علاّمة عليم- كان هو الآخر نسيا منسيّا- ما كانوا عنه ساهين وما كانوا فيه من ضلال مبين، وانكشفت لهم إشراقات الفرقة النّاجية ومفاسد الفرقة الهالكة، فوقفوا في لحظة وجد وتجهّد وقفة النّاسك المتعبّد على بدع الإسلام السّياسيّ و جرائم طابور الفاسدين ممّن لا يُحصى لهم عدّ ما دام الكلّ -في قاموس الرّئيس السّعيد- خونة.
هؤلاء هم اليوم، بفضل من لا يرفّ له جفن ولا تخفى عليه شاردة أو واردة، وببركات النّور الذي قذفه الله في صدورهم لمّا اصطفاهم ليلة القدر، أئمّة في الإفتاء والتّصنيف وقراءة الكفّ والنّوايا وأساتذة في توزيع صكوك الوطنيّة والإخلاص والشّرح والتّفسير لتعاليم مفتي ديار الإسلام. المعيار سهل ومريح، والخلاص أسهل إلاّ لمن عميت بصيرته ولم تبهره لحظة 25جويلية، الولاء لمن انتصب داعيّة وفقيها(فرض كفاية)، وتطوّع بأن قدّم نفسه قربانا ليكفي المؤمنين شرّ التّنابز بالألقاب والتّفاخر بعراقة الأنساب ويحمي الأمّة من فتنة توزع الشّرح والتّعديل وبلاوى التّأويل ، شروح هي جواز العبور للتّهجّم على من خانته حنكة التّفطّن لعبقريّة العصفور النّادر الذي خاتل السّيستام واندمج فيه وأثّث بعضا من فعاليّاته.حكمة لا يعلمها إلاّ الرّاسخون في العلم. لا يظهر مفعولها إلاّ بعد عشريّات.

2/ الوعي والوعي المهزوم
باسم التّصدّي للخطر الدّاهم الذي لا يمكن أن تتفطّن إليه إلاّ العقول الدّرّاكة بعد اختزاله ظاهريّا في حلّ البرلمان وعمليّا في تهويل فظائع النّهضة وشناعاتها العمليّة منها والمفترضة وتحميلها كلّ الشّرور تمّ تعمّد تعطيل كلّ أوجه الحياة السّياسيّة و بات الكلّ خونة، طابور من الأحزاب والأطراف الاجتماعيّة متّهمة بتحريف المسار الثّوريّ لثورة 17 ديسمير الذي التفّت عليه ذات 14جانفي 2011، عصابة مفسدين وسيظلّون ما لم يكفّروا عن خطيئة ستظلّ لعنة تلازمهم بمبايعة القادم من بعيد، دولة الرّئيس، آية الله العظمى، الحاكم بأمره الذي أفلت من السّيستام وتنطّع على أولي الفضل عليه وأقسم أن ينذر نفسه لاحتكار الإفتاء في مقاصد الشّريعة حتّى يخلّصها من عبث العابثين وتجّار الدّين الذين يبيحون لأنفسهم الاستفراد بتأويل الشّريعة على هواهم. فما الحلّ؟ حلّ واحد وحيد، منازلة الإخوان في حقلهم المفضّل.ملحمة أسطوريّة دراميّة لا يقدم عليها إلاّ الجسور. كلّه ابتغاء مرضاة الله .
مارست الحكومات المتناسلة، بزعامة النّهضة مباشرة أو مخاتلة، التّصحير الممنهج في سائر المجالات وأوصلت البلاد إلى مسدّ.حلم القيادات النّهضاويّة بالحاكميّة عوض الحكم جعل من السّياسة عقابا وتشفّيّا ومن الحكومات مصدر ترويع ونقمة. فعبّدوا – بقطع النّظر عن تمثّلهم لذلك من عدمه- الطّريق لانقلاب ربيبهم المدلّل عليها كحلّ جنيس محكوم عليه أن يناوش أسلافه قولا وخطابا ويقوّي حضورهم سلوكا وتواجدا ومشروعيّة وممارسة، يقوّي عود خصومه ويمدّهم بكل مقوّمات البقاء في المشهد السّياسيّ وما به يعوّضون إزاحتهم من الحكم.
من بركات قيس سعيّد على الإسلام السّياسيّ تمكين النّهضة -يافطة اليمين الدّينيّ الأساسيّة- من الانتصاب فاعلا أساسيا في مقارعة الحكم وتزعّم جبهة المعارضة للانقلاب والدّفاع عن الشّرعيّة الضّائعة والحلم باستعادة الجاه السّليب.
ومن بركاته -أيضا وأيضا- مراكمة الأوهام وحمل النّاس على التّسليم بالتّغيير من فوق والاعتقاد في المنقذ الأعلى الذي وحده القادر على تسريع عجلة التّاريخ واختصار الفوات التّاريخيّ، وإنعاش عقليّة الاختزال التي ترى أن لا حلول لكوارث تونس إلاّ بتمكين صانع 25 جويلية من تجميع كلّ السّلطات مع التفنّن في التّشنيع بالمنافسين والخصوم وتحميل الجميع مسؤوليّة حالة التّعفّن وتبقى مهمّة الأنصار المفتونين بالحذلقة اللّغويّة والمنتعشين بالمآل الثّوريّ لمسار 25 جويلية كما ارتسم في مخيّلتهم، تبقى مهمّتهم المبالغة في الشّروح والتّفاسير مبالغتهم في اعتناق وهم التّخليصهم من بعبع النّهضة بالارتماء في أحضان المنقذ من الضّلال . فماذا كانت الحصيلة؟ مزيدا من ترذيل الحياة السّياسيّة بإفراغ السّياسة من كلّ اعتبار مفاهيميّ، معياريّ، قيميّ والمماثلة بينها وبين الخساسة والتّآمر والعمالة .النّتيجة: التّنفير من أيّ فعل جماعيّ،فرض حالة من الفراغ القاتل تمكّن في غفلة من الزّمن من التّسريع بتنفيذ ما تلكّأت الحكومات السّابقة في التّعجيل بوضعه موضع تنفيذ.

03/اعترافات
الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعقل ويعقلن فعله ويخضعه لمنطق ما. رحلته التّاريخيّة هي رحلة البحث عن مواءمة الغيريّة – بما هي بالتّعريف اعتراف بالاختلاف – والإنّيّة – بما هي رديف تثبيت الخصوصيّة- .
هو كائن سياسيّ بالقوّة منذ أوغل في رحلة تدبّر سبل التّعايش المشترك بما يمليه من إرساء مواثيق يُتوافق عليها للقطع مع الجانب الحيوانيّ العدوانيّ.
السّياسة هي جوهر الإنسان تنقله من من عالم التّشيّؤ إلى عالم الأنسنة.
عدم الانخراط في الشّأن السّياسيّ من بوّابة التّنظّم الحزبيّ ظاهرة لافتة لا يخلو منها أيّ مجتمع مهما كانت درجة تطوّره واستئناسه بالفعل السّياسيّ كحاجة مجتمعيّة لإدارة الشّأن العامّ . قد تكون – لمن يسكنه البحث عن تبرير نفوره من الالتزام الحزبيّ- دليلا وشاهدا على عقم الأحزاب السّياسيّة. ولكنّ هذا الحكم بالذّات يحيل إلى موقف من التّنظّم وليس إدانة لوجاهة الفعل السّياسي وضرورته .
إليكم هذا الاعتراف.
لست منخرطا في أيّ حزب سياسيّ يساريّ. اليمين لا يعنيني. ولا يتعلّق الأمر بميزة بل بتثبيت حالة. ومع ذلك -- وربّما لذلك – لا يمكنني أن أتخيّل حياة سياسيّة بدون أحزاب.
تخندقت بوعي مدروس في رحاب اليسار( الذي هو بالتّعريف أرحب من الأحزاب) وألزمت نفسي بالوفاء لما أمضيت فيه عمرا. سلاحي قناعة ثابتة يحصّنها العناد إذا عنّ لها أن تحيد .
سأظلّ أعتبر الحجّ إلى زريبة اليمين معرّة، ذلاّ وإذلالا ،هوانا وصَغارا .
أعتبر الإسلام السّياسيّ – والأطراف الدّينيّة عموما المنخرطة في اللّعبة السّياسيّة- سرطانا حيثما تتموقع في الحكم أو خارجه، كارثة على المشهد السّياسيّ بحكم كونها تحتكم إلى تعاليم السّماء في إدارة شون الأرض، تبحث عن مسكّنات سماويّة لعلاج معضلات بشريّة أرضيّة.
أدين كلّ تقارب – أيّا كانت تمظهراته ومبرّراته- مع اليمين الدّينيّ الذي يخلط -وسيظلّ يخلط- بين السّرمديّ المطلق والبشريّ النّسبيّ المتحوّل بالضّرورة تحوّل الحال والأحوال .
أعتبر الإسلام السّياسيّ تعبيرة من تعبيرات اليمين وليس تعبيرته الوحيدة.
أرى أنّ ذبح الفعل السّياسيّ بشيطنة جميع الأحزاب والمنظّمات عملا صبيانيّا ينعش اليمين ، هو إلى المؤامرة المقصودة أقرب.
أمقت أرذل شعار وموقف: الحياد .وأعتبره شعارا ملغوما ، بحثا عن طهوريّة زائفة، يترك المجال مفتوحا لأشنع التّحالفات، زواج متعة بين كيانات لا جامع بينها. مدخل لتشريع التّرحال السّياسيّ والحزبيّ .العباءة المثلى للتّخندق الأرعن، تماما كالشّعارالأجوف : ضدّ جميع الأحزاب والمنظّمات / مع تونس.
أرى- كما تكشفه التّجربة- أنّ إقصاء الإسلام السّياسيّ من الحكم لا يعني تهميشه من الحياة السّياسيّة والحدّ من تغوّله وهيمنته. قد يعطيه مشروعيّة كم هو في حاجة إليها لتأثيث فعاليّاته وفعله.
أعتبرأنّ تزكيّة الحكم الفرديّ المطلق فعل لا تاريخي، حلم بإحياء ما لفظه التاريخ وأحاله إلى كهوف النّسيان، نفخ الرّوح في مفهوم تآكل وأدانه التّاريخ منذ قرون، تصليب لعود اليمين، عقلية انقلابيّة تزيح آفة لتستبدلها بآفة لا تقلّ فتكا.
أيّة سلطة ميّالة بقانون غريزة حبّ البقاء إلى التّسلّط بالاحتكام إلى آليّات تمكّنها من الهيمنة والاستمراريّة. فلا سبيل لأيّ طبقة حاكمة أن تحافظ على مصالحها وتعمّم مشروعها دون النّزوع إلى التّسلّط الهمجيّ أو المقنّن.
مهمّة النّخبة – الأحزاب والمنظّمات والذّوّات غير المروّضة بالأوهام- هي كبح جنوح الحاكم إلى الاستفراد والاستئثار و فرض الأمر الواقع.
تفقد النّخب علّة وجودها ومشروعيّتها وتخون إرثها وترتدّ عمّا راكمته الإنسانيّة المتألّمة والإنسانيّة المفكّرة وتخرق رسالتها حالما تلبس جبّة المبايعة والتّبرير. النّخبة هي ذبابة سقراط.تلدغ ، تدفع إلى التّفكير والتّبصّر.عنها يقول المفكّر النّهضويّ المصريّ سلامة موسى "إنّني العضو المقلق للمجتمع المصريّ مثل ذبابة سقراط أنبّه الغافلين وأثير الراّكدين وأقيم الرّاكعين الخاضعين".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ


.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا




.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟