الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن ال 80% الصحيحة و ال 20% العليلة في عقود إقليم كردستان

آلان م نوري
(Alan M Noory)

2022 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أن حكمت المحكمة الفيدرالية (في 15/ شباط الماضي) بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، وعدم شرعية عقود استكشاف و استخراج و نقل و تسويق النفط والغاز التي أبرمتها حكومة الإقليم تحت غطاء هذا القانون، و المراقبون السياسيون ينتظرون أن يروا كيف ستتصرف المنظومة السياسية العراقية بشأن تبعات و استحقاقات هذا الحكم.

فقد أثبتت تجربة العشرين سنة الماضية أن هذه المنظومة السياسية، بكل مكوناتها، ترتكز الى تقاسم إقطاعي لمؤسسات الدولة، و النهب المشترك، كل في إقطاعيته الخاصة، للثروات والموارد التي يصرح الدستور العراقي والقوانين العراقية بأنها مملوكة ملكا عاما للشعب العراقي.

وبحسب منطق هذا التقاسم الإقطاعي لا يمكن نزع إقطاعية طرف مؤسس للنظام السياسي الحالي دون المساس بالإقطاعيات الأخرى…هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن المساس بالإقطاعيات، خصوصا ما تعلق منها بالنهب السافر غير المستور بـ"شرعية" قانونية، للمال العام المملوك للشعب العراقي، بدون المساس بالتقاسم الإقطاعي لقوى "احتكار العنف: الأمن و الشرطة و الجيش" تحت اسم المقدسات والخطوط الحمر الدينية والإثنية.

بمعنى آخر، فإن طبيعة النظام السياسي العراقي (متروكا لآلياته الداخلية فقط) هو نظام غير قادر على تنفيذ حكم المحكمة الفيدرالية دون أن ينفجر من الداخل. وهذا بالذات ما تراهن عليه القوى المتحكمة في إقليم كردستان التي أعلنت رفضها لقرار المحكمة، بل و تعهد متحدث بأسم طرف من أطرافها بتغيير أعضاء المحكمة الفيدرالية و آليات عملها، بدلا من تنفيذ قراراتها.

ولكن بعيدا عن الخطاب الرسمي للقوى المتحكمة، هنالك اتفاق شعبي أخذ في التزايد،في الإقليم، بأن سياسة الإدارة "المستقلة" للثروات الطبيعية فشلت في توفير الأسس الإقتصادية للإستقلال هذا، إذ فشلت في فك تبعية الإدارة العامة في الإقليم للتمويل من المركز من جهة، و رهنت أهم ثروة وطنية في الإقليم بعقود مكبلة إلى شركات اجنبية والدولة التركية، من جهة أخرى. و الثمن مقابل كل ذلك كان فسادا ماليا تتقلص مساحة "عطاءه" في مجال الإنفاق العام بمرور السنين. فباتت دائرة المقتنعين بـ "الضوء في نهاية النفق" في الطبقة السياسية الحاكمة تضيق يوما بعد يوم، خصوصا منذ أن تمكنت شركة (دانة غاز) من تحقيق سابقة قانونية تقطع على حكومة الإقليم فرص المناورة بمحاولة عدم تطبيق التزاماتها التعاقدية المكبلة، بعد أن ربحت (دانة غاز) دعوى قضائية دولية ضد حكومة الإقليم بقيمة تزيد عن المليار دولار. فبات واضحا لدى أطراف فاعلة في حكومة الإقليم أن طريق المضي بالتشبث بعقودها في قطاع النفط والغاز قد لا ينتج إلا انتحارا سياسيا بطيئا…فما عاد إدعاء استقلالية القرار الكردي في إدارة الثروة الطبيعية في إقليم كردستان و تصعيد الخطاب الإستقلالي حول السياسة الإقتصادية تعني الكثير للمواطن الكردستاني وهو يشاهد ارتهان و هدر هذه الثروة العامة، والتفاوت الحاد في المداخيل و النفوذ في الإقليم، يزداد يوما بعد يوم.

اما قوى الأغلبية المتاجرة بالتشيع في النظام السياسي العراقي، فقد جربت القمع الوحشي لانتفاضة تشرين و إنهار خطابها الأيديولوجي تحت اقدام الشباب المنتفض في عقر مراكز نفوذها، وبات التسرب إلى شعارات تشرين وإفسادها من الداخل الاستراتيجية الوحيدة المتاحة لها، خصوصا إذا استطاعت أن تبدو بمظهر المدافع عن الحق العام إزاء أكبر عملية نهب، لم تشترك فيه هي مكانيا، و بصورة مباشرة! اضافة إلى امكانية أن يتيح هذا الجدل اعادة تسويق خصخصة قطاع النفط والغاز في عموم العراق الذي هو مبتغى الطبقة السياسية الحاكمة في العراق منذ تأسيس النظام السياسي لما بعد احتلال العراق.

ودخل على هذه الصورة الضغط الأمريكي الجديد لحلحلة هذا "الخلاف" الدستوري بما يضمن تدفق ليس فقط النفط الكردستاني، بل الغاز ايضا…لزيادة المعروض العالمي من السلعتين، دعما لجهود دولية تقودها لزعزعة الإقتصاد الروسي. ورغم الميل المزمن للقوى المهيمنة على الإقليم في القراءة الخاطئة للمواقف الأمريكية و مدى دعمها لهم، و رغم العرض المسرحي للتشدد و الممانعة, فقد أصبح طرفي النزاع الدستوري هذا أكثر ليونة لإيجاد "حل وسط"، اجزم هنا، وأحاول أن أبين، أنه لن يكون في صالح المواطن الكردستاني أو العراقي!

أول تسريب عن سير المفاوضات بين سلطة الإقليم و وزارة النفط العراقية جرى على لسان وزير النفط العراقي، احسان عبد الجبار،الذي ظهر على شاشات عدة قنوات فضائية محلية و عربية منذ الـ 16 من شهر نيسان الماضي ليٌجمل لنا أجواء المفاوضات هذه من وجهة نظر وزارته، والتي يمكن تلخيصها كما يلي:

أولا: وزارة النفط العراقية لا تعتقد أن نفط كردستان مجدي لها اقتصاديا. لكن هدفها تكامل السياسة النفطية العراقية بمعايير عالمية.
ثانيا: ترى الوزارة أن فريقي الوزارة و سلطات اﻹقليم قد توصلتا إلى الإتفاق على 50% من مجمل القضايا العقدية بشأن كيفية المضي قدما بعد قرار المحكمة الفيدرالية.
ثالثا: تهدف الوزارة في مراجعتها لعقود الإقليم الحالية إلى تكييفها قانونيا و اقتصاديا بما يخدم مصالح كل الأطراف.
رابعا: ترى الوزارة أن 80% من عقود الإقليم هي صحيحة.

أما بشأن آلية المضي قدما، فترى الوزارة أن لا بديل لما يلي:

أولا: تأسيس شركة نفط تابعة لوزارة النفط اﻹتحادية يكون مقرها اربيل ينقل لها صلاحيات وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان المنصوص عليها في عقود الإقليم، وتدير مستقبلا عقود وتراخيص الإقليم بالتعاون مع حكومة الإقليم.
ثانيا: إيداع إيرادات بيع نفط الإقليم في حساب مصرفي خاص مملوك لوزارة المالية الإتحادية، ينظم بطريقة تتيح له أن يكون ضمانا لدفوعات هذه الوزارة لاستحقاقات حكومة الإقليم من الموازنة العامة.

للوهلة الأولى يبدو للمتابع أن الوزارة، بالآليات التي تقترحها للمضي قدما، تحاول، وبطريقة عقلانية، طمأنة "الحساسية السيادية" المفرطة لحكومة الإقليم التي تتذرع بتاريخ طويل من الصراع بين القوى المكونة لهذه الحكومة (في الإقليم) و الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تشكيل الدولة العراقية بعد الحرب العالمية الأولى إلى اليوم، لتحول الموضوع إلى حقوق سيادية لشعب الإقليم في قبال سعي الحكومة المركزية إلى تحجيم مكتسبات الإقليم متى ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

ولكن المقدمات التي طرحها الوزير لآليات العمل المستقبلي هي التي تستدعي التوقف عندها مليا لمحاولة فهم منطق عمل الوزارة ورؤيتها إلى الخلاف بين السياسة النفطية الإتحادية و بين سياسة الإقليم المقابلة.

ولنبدأ من زعمه بأن نفط إقليم كردستان (اضف اليه الغاز) ليس مجديا (للوزارة؟) اقتصاديا، لمجرد أن حقول العراق الأخرى،خارج الإقليم، هي أكثر ربحية. و لننظر بالأرقام:

متوسط الإنتاج اليومي في إقليم كردستان يتجاوز حاليا الـ 450 ألف برميل باليوم، و وزارة التخطيط العراقية تقدر عدد سكان الإقليم حاليا بـ 5.5 مليون نسمة. فلو كان الإقليم دولة مستقلة، لكان موقعه في تسلسل الدول المنتجة للنفط في العالم هو المرتبة الـ 30 في قائمة تضم 97 بلدا تنتج أي كمية كانت من النفط. و كان الإقليم سيسبق السودان بشماله و جنوبه مجتمعين، و كذلك دول مثل استراليا و اليمن و الدنمارك و سلطنة بروناي… اما إذا حسبنا معدل البراميل اليومية لكل مليون شخص من سكان هذا البلد المفترض (إقليم كردستان) فسيكون الإقليم في المرتبة الـ 16 من بين دول العالم متجاوزا دول منتجة كبرى مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة! إذا من غير الممكن بحسب هذين المؤشرين الإستهانة بالجدوى الإقتصادية لنفط الإقليم…ولكن ماذا بشأن الربحية و حسابات الكلفة الاستخراجية؟

حسب شهادة وزير الثروات الطبيعية في إقليم كردستان،كمال الأتروشي، أمام برلمان الإقليم في 29 حزيران 2021 فإن معدل التكلفة الحدية عند مستويات الإنتاج الحالية في حقول الإقليم يتراوح ما بين 12-14 دولار للبرميل الواحد. ولو قارننا هذه الكلفة بمعدل الحقول العراقية في الوسط و الجنوب التي تتراوح حسب البيانات العالمية المتاحة بين 6-7.5 دولار، فمن الواضح أن كلفة الإنتاج في الإقليم هي ضعف معدل الكلفة في باقي حقول العراق، ولكن حين نقارن هذه الأرقام ببعض المتاح من قبل مؤسسة إدارة معلومات الطاقة التابعة لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، نرى أن معدل كلفة الإنتاج في الإقليم في 2021، هي ادنى من كلفة الإنتاج في كبريات الدول المنتجة للنفط كـ فنزويلا (20 دولار) و روسيا (18 دولار) و كل من نيجيريا و عمان و إيران و قطر و الجزائر (15 دولار)، في نفس العام.

إذا، الوزير العراقي تعمد التقليل من الجدوى الإقتصادية لإنتاج النفط في إقليم كردستان. وسبقه في ذلك وزير الثروات الطبيعية في إقليم كردستان الذي شكى، في جلسة البرلمان الكردستاني المذكورة أعلاه، إلى الله من سوء الطالع الجيولوجي للإقليم، وادعى أن تكاليف الإنتاج الكبيرة في الإقليم هي الملامة في ضآلة حصة حكومة الإقليم من إيرادات بيع نفطها!! هذا التناغم بين الطرفين لتصوير الحظوظ الجيولوجية للإقليم بأسوأ بكثير مما هي عليه، هو ليس إلا محاولة لخفض سقف توقعات المواطن الكردستاني والعراقي من مخرجات هذا التفاوض وأثرها في وقف نزيف المال العام المتضمن في عقود الإقليم.

السؤال التالي اذا، هو ما حجم النزيف في المال العام في صناعة النفط في إقليم كردستان من جراء عقوده المجحفة بحق المواطنين؟ و ما سيكون حجم استرداد هذه الحقوق في حال توصل وزير النفط إلى اتفاق مع سلطات الإقليم حسب الخطوط العريضة لما تقبل به وزارته؟

في مقارنة سابقة اجريتُها حسب المتوفر من البيانات في 29 نيسان 2020، من تصريح وزير النفط العراقي السابق، ثامر الغضبان، بشأن متوسط مستحقات الشركات المستخرجة للنفط العراقي حسب عقود الخدمة من 2010 إلى 2018، في أنحاء العراق (عدا إقليم كردستان) مقابل نفس المستحقات للشركات العاملة في الإقليم حسب عقود المشاركة في الإنتاج التي أبرمتها سلطات الإقليم (حسب تقرير ديلويت اند توش التي وظفتها حكومة الإقليم للتدقيق المالي في إيرادات نفط الإقليم) للربع الأول من عام 2018، وكان الفرق كالآتي:
متوسط مستحقات (تكاليف + أرباح) شركات عقود الخدمة (العراق عدا إقليم كردستان): 14.3%
متوسط مستحقات (تكاليف + أرباح) شركات عقود المشاركة في الإنتاج في الإقليم: 36.38%

و بما أن الإقليم كان (ولايزال) يبيع النفط بمعدل 10 دولارات أقل من أسعار وزارة النفط العراقية لحث المشترين على الشراء مع علمهم بالمشاكل القانونية التي يتضمنها بيع الإقليم النفط بشكل مستقل، و لعزل هذا التأثير على النسب المحسوبة أعلاه، لنفترض، أن الإقليم كان قد باع النفط بنفس اسعار وزارة النفط العراقية، إذا لكان متوسط مستحقات شركات الإقليم (بافتراض، لغرض التسهيل الحسابي، هو عدم تغير القيمة الفعلية لتلك المستحقات تبعا للزيادة في إيرادات البيع)، هو: 31.1%.

ولو حسبنا أثر فرق كلفة الإنتاج بين حقول الإقليم و الحقول العراقية و اخرجناه من متوسط مستحقات الشركات في الإقليم لكانت نسبتهم من الإيرادات تساوي 21.73%...و هذا يعني أن مواطني إقليم كردستان كانوا يخسرون حوالي 11 دولار من كل 100 دولار من الإيراد الفعلي(حسب الأرقام المعلنة من شركة التدقيق المالي في الربع الأول من 2018) فقط بسبب الفرق الجوهري بين عقود الإنتاج في الإقليم و عقود وزارة النفط العراقية. أما عقود البيع المجحفة فقد تسببت (حسب أرقام 2018) بخسارة 15.5 دولار لكل 100 دولار من الإيراد الفعلي. في حين أن عقود النقل (المتضمنة خصخصة الأنبوب الناقل + ضرائب و تعرفات تركية مجحفة)، مقارنة بما يدفعه العراق لنفس البلد و لنفس المسافة إلى نفس الميناء، كلفت خسارة 4.5 دولار لكل 100 دولار من الإيرادات. وهذا يعني أن عقود إنتاج و نقل و تسويق النفط في الإقليم تُخسر المواطنين في إقليم كردستان 36 دولار عن كل 100 دولار من الإيرادات حسب أسعار 2018، وبقول آخر، فإن الإيرادات الممكنة التي أُهدرت في عام 2018 بسبب عقود الإقليم، زادت عن 3 مليارات دولار في تلك السنة.

المشكلة ليست فقط في الآثار المالية لعقود الإقليم البائسة، بل أيضا في طبيعة عقود المشاركة في الإنتاج التي هي في جوهرها عبارة عن خصخصة لقطاع النفط و بالتالي مخالفة لنص وروح المادة الدستورية التي تؤكد أن الثروة النفطية في العراق هي ملك للشعب العراقي! و بعبارة أخرى لا مجال للخصخصة في هذا القطاع بقرار وزاري، أو حتى بقانون (سواء صدر عن برلمان الإقليم أو البرلمان الإتحادي)، إلا إذا تم المساس بهذه الفقرة الأساسية في الدستور العراقي. وهذا يعني أن عقود المشاركة في الإنتاج التي وقعتها القوى السياسية المهيمنة على إقليم كردستان هي مخالفة لوثيقة العقد الاجتماعي الأساسية التي تربط المواطنين في العراق ببعضهم.

قد يعترض أحدهم قائلا بأن لا توجد في عقود المشاركة في الإنتاج أي بند يصرح بأنها تتضمن نقلا للملكية الشعب العراقي الى الشركات الموقعة…هنا لابد من وقفة ايضاح: عقود المشاركة في الإنتاج هي في جوهرها عقود تمنح الشركات المتعاقدة السيطرة التامة على كل العمليات الإنتاجية، وإدارة الأفراد والإدارة المالية والمحاسبية في الحقول التي يتم التعاقد عليها، كما تمنح الشركات صلاحية نقل حقوق التصرف هذه. أما احتفاظ السلطات العامة ببعض حقوق الملكية و الإشراف المحدودة، فلا ينفي حقيقة أن الشركات المتعاقدة هي صاحبة الأمر والنهي في هذه الحقول.

لعل أفضل مثال لهذا النمط من الملكية الخاصة المقيدة بحقوق ملكية عامة جزئية هو نظام التفويض بالطابو في القطاع الزراعي. الأغلبية الساحقة لمالكي الأراضي الزراعية في العراق يملكون سندات ملكية تقول أن الأرض مملوكة للدولة و مفوضة بالطابو للأشخاص المالكين. و يتبع ذلك أن هناك قيود على المالكين بالطابو كحق رقبة الأرض للدولة و شروط أخرى تتعلق بالإنتاج الزراعي حصرا في الأرض..الخ. اما ما عدا ذلك، فلا ينكر أي عاقل أن سندات الطابو هي وثائق ملكية خاصة و تعاملها مؤسسات الدولة والمجتمع العراقي هكذا.

عقود الإقليم تذهب ابعد مما هو متعارف عليه في عقود المشاركة في الإنتاج في الدول الأخرى. فتنص بعض هذه العقود على أنه في حال فرضت التزامات دولية للإقليم، (كوتا اوبك، مثلا)، تخفيضا في الإنتاج إلى مستويات ادنى من السعة الإنتاجية الحالية في الحقل المتعاقَد عليه، يتم تمديد مدة العقد أوتوماتيكيا بما يتيح تعويض الشركة حجم هذا التخفيض!

كما تحيل عقود الإقليم عبء دفع الضرائب الحالية و المستقبلية (!) على عمل الشركة المتعاقدة إلى عاتق حصة حكومة الإقليم من الإيرادات! أي أن شركات النفط العاملة في الإقليم محصنة حاليا و مستقبلا، بعقودها، من دفع أي ضرائب إلى حكومة الإقليم و الحكومة العراقية. ويُقدَر مجموع الضرائب غير المستحصلة من هذه الشركات في العام الذي استخدمناه للحساب (عام 2018) بحوالي 173.5 مليون دولار بالسنة!

بعض العقود توغل في اهانة السلطات العامة بأن تفرض الإطلاع على الحسابات المالية للشركة المتعاقدة مرة واحدة في السنة و في موقع الشركة بدون أن يحق للفريق الحكومي الزائر أن يستنسخ أو يصور أي من الوثائق! ولا عجب في ذلك، لأن نسبة أرباح هذه الشركات، حسب عقودها، تتحدد بحجم نفقاتها الإنتاجية، و كلما عظُمت هذه النفقات على الورق (أو في الواقع)، زاد نسبتها من الأرباح وفق معادلة توزيع عوائد بيع النفط المنصوص عليها في العقود.

إذا، إزاء هذه المعطيات المهولة من هدر المال العام و حقوق الملكية العامة، كيف يمكن لوزير النفط العراقي التطوع بالتصريح بأن 80% من عقود الإقليم هي سليمة، برأي وزارته؟

الجواب لا يمكن أن يكون سوى أن الوزير لا يرى عيبا في العقود إلا فيما اضطرت القوى المهيمنة على الإقليم للقبول به بسبب الضغوط السياسية، كالحاجة للبيع بـ 10 دولارات أقل من سعر السوق حتى يقبل المشترون بنفط عائدته القانونية محل تساؤل، و الرسوم و التعرفات المجحفة التي تستحصلها تركيا لتسهيل البيع غير القانوني لنفط الإقليم بغطاء تركي في السوق الدولية، و كل ذلك (وإن "نُظم" بعضه بعقود مكبلة لـ 50 سنة) يمكن أن يتم حله بسهولة في حال الوصول إلى تفاهم بين الوزارة و الإقليم…

أما مسألة التفريط بحقوق الملكية العامة المنصوص عليها في الدستور العراقي، فأن الوزير الحالي و من هم قبله و معهم الكوادر القيادية السابقة و الحالية في وزارة النفط و قيادات السلطة السياسية، بمختلف أطيافهم في العراق، منذ الإحتلال الأمريكي لحد اليوم، فقد حاولوا ثلاث مرات و فشلوا أن تستخرجوا من البرلمان العراقي قانونا اتحاديا لإدارة نفط العراق يضمن هذا التفريط. بل أكثر من ذلك، يدَّعون انهم وفقوا بتضمين الدستور العراقي لغة تخول السلطات الإدارية في قطاع النفط خصخصة ما تسمى بالحقول المستقبلية، بقرار وزاري و بالتعاون مع سلطات الإقليم!! وحين تحتاج الطبقة السياسية الحاكمة لمن يعرف دهاليز التفريط بحقوق الملكية العامة، فمن تجد أحسن من وزير صعد إلى الوزارة و اقره البرلمان رغم كونه مشتبها به في العشرات من ملفات الفساد غير المحسومة لحد الآن (حسب كتاب رسمي من السلطات المحققة إلى البرلمان العراقي)، تعود إلى الفترة التي كان فيها مديرا عاما لنفط الجنوب!

وحقيقة الأمر هي أن المتحكمين في الإقليم، في معرض تبريرهم الاستفراد بالقرار النفطي، اشاروا إلى الفشل في تمرير مشروع قانون النفط العراقي (الذي كان سيسلب حقوق الملكية العامة في كافة الحقول غير المستثمرة حاليا)، سببا لسنّهم قانونهم الخاص. و ربما سيكتفي الطرفان بضم عقود الإقليم كما هي إلى السياسة النفطية العراقية، فإن لم يطعن بها دستوريا، أصبحت سابقة لفتح كل القطاع النفط و الغاز العراقيين للخصخصة بجرة قلم وزارية و بدون "دوخة الرأس" مع البرلمان الممانع و جلسات الإستماع و دوشة التغطية الإعلامية…الخ!

المواطن العراقي والكردستاني مطالبان بأن ينتبها إلى ما وراء الكواليس والمشاهد المسرحية ليفهما، و بسرعة، أن طرفي التفاوض في الملف النفطي هما من نفس الطبقة الإجتماعية التي تسعى إلى الاغتناء بسرعة الصاروخ من القطاع النفطي عبر التفريط بحقوق الملكية العامة. أي أنهما يتفاوضان معا…علينا. و قد اقتربا من التوافق أكثر مما يدعيان!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست