الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفودفيل في تاريخ المسرح المصري

عطا درغام

2022 / 5 / 15
الادب والفن


الڤودڤيل نوع مسرحي متميز تطور في فرنسا منذ القرن السابع عشر حتي بدايات القرن العشرين، ومر علي مراحل متعددة أبرزها تلك الممتدة من سكريب مرورًا بلابيش ، ووصولًا إلي ڤيدو.والمصطلح يرجع إلي المنطقة التي نشأ فيها هذا الفن:ڤودڤيل أو ڤودڤير.
والڤودڤيل في أصله نوع غنائي، تتميز أغانيه بالمرح والمكرالخبيث.. وهذه الأغاني كانت تتخذ أحد مظهرين: إما طابع ساخر مستمد من الأحداث الجارية والنكت الذائعة، وإما طابع ماجن يتمثل في غنائيات باخوسية . واتخذ مسار الڤودڤيل الغنائي أشكالًا عدة قبل أن يتحول إلي فن مسرحي بدأ بداية متواضعة في النصف الأول من القرن السابع عشر"بكوميديات ڤودڤيلية"؛أي كوميديات مصحوبة بأغاني الڤودڤيل والمشاهد الراقصة.
ومنذ عام 1712 ، بدأ لوساچ وڤوزبليه ودورنڤال في تأليف مسرحيات من نفس النوع أُطلق عليها اسم"أوبرا- كوميك"تتميز موضوعاتها بطابع ساخر مستمد من الأحداث الجارية إلا أن شخصياتها مصوَّرة علي طريقة الكوميديا الإيطالية، كما أن بناءها الدراماتورچي يعتمد علي التطورات والمفاجآت , ويُمثل عام 1743 مرحلة هامة في تطور نوع الڤودڤيل علي يد چان مونيه مدير مسرح"الأوبرا كوميك" الذي استعان بالعديد من المواهب الفنية الكبيرة التي عملت علي بلورة الميلاد الحقيقي لنوع"الأوبرا كوميك" بتأليف موسيقي جديدة للمسرحية التي قدمها هذا المسرح مستلهمة في ذلك التراث الغنائي الإيطالي، غير أن نوع "الأوبرا كوميك" لم يستطع أن يلغي من الوجود"الكوميديات الڤودڤيلية" التي تضاءلت فيها مساحة المقاطع الغنائية لصالح الحوار.
كذلك يمثل عام 1792 مرحلة أخري هامة تأكد بها إطلاق اسم" الڤودڤيل " علي المسرحية بأكملها ،وليس متخصصة في هذا النوع كان أولها مسرح " الڤودڤيل ". والمسرحيات التي قدمت في هذه الفترة كانت نوعًا كوميديًا سهلًا يتعاون في كتابته أحيانًا أكثر من مؤلف.
ولم يكن لمؤلفي الڤودڤيل من هدف سوي تسلية وإضحاك جماهيرهم دون أية مزاعم أخلاقية أو طموحات أدبية. ومن هنا انحدر هذا النوع إلي مصادر المضحك اللفظية بكل أشكالها.كما استمد موضوعاته من النكات والأحداث الجارية.مع عدم الاهتمام بالعقدة أخذ يتزايد بمرور الزمن.
وفي بدايات القرن التاسع عشر نما الڤودڤيل نموًا كبيرًا،غير أنه لم يحقق تطورًا دؤاماتورچيكيا حقيقيًا إلا علي يد سكريب الذي لم يهمل كلية التقاليد الغنائية .إلا أنه حول الڤودڤيل في الفترة من عام 1815 إلي 1850 إلي كوميديا عاطفية تتميز بالذكاء علي نحو جعل منها مرآة لأخلاقيات وسلوكيات عصره.
وقد وجه سكريب عناية خاصة إلي بناء العُقدة فقدمها في طراز محكم يعتمد علي اللبس والمفاجأة وغيرها من الحيل التكتيكية المتعددة. وهذه "الكوميدي الڤودڤيل" علي وجه التحديد هي التي أطلق عليها فيما بعد الناقد اللامع فرانسيس سارسيه اسم"المسرحية محكمة الصنع".
وقد ورث لابيش هذه الصيغة عن سكريب وأضاف إليها مرحًا فذًا ،وجعلها بدوره مرآة لبرجوازيي هصره. وقد نجح لابيش في تطوير صيغة سكريب من خلال إيقاع جديد نابع من التتابع اللا منطقي للأحداث.
وتلا هذا العصر اللامع كتابات ميلهاك وهالڤي اللذين حولا الڤودڤيل إلي ما سُمي ب"الأوبرا-بوف" حيث كانت موسيقي أوفنباخ تصاحب العرض بأكمله. لكن نوع الڤودڤيل ظل مستقلًا عن الموسيقي عند كثيرين أمثال الكسندر بيسون وموريس ڤينيكيان وخاصة جورج فيدو الذي يُعد أهم الكتاب المميزين في هذا النوع.
ومع القرن العشرين بدأ ال "الڤودڤيل" يفقد خصوصيته النوعية ويبهت لونه في مسارح البوليڤار الفرنسية.
وعن المسرح المصري، فإنه ولد في أحضان المسرح الأوروبي، فمنه استمد الشكل والموضوع مستفيدًا بين حين وآخر من التراث المحلي، وقد تعارف النقاد علي أن تلك النشأة الأوروبية، سواء علي مسارح الفرق المصرية أو الفرق الشامية التي عاشت في مصر.إلا أن هناك رافدًا كبيرًا آخر تُغذي منه المسرح المصري الوليد ؛ بعد عامين فقط من ظهور أول فرقة مصرية (أو ثاني فرقة مصرية بعد فرقة صنوع). وهي فرقة سلامة حجازي. هذا الرافد الكبير هو الڤودڤيل الفرنسي الذي نمت الكوميديا المصرية وترعرعت ابتداءً من عزيز عيد حتي علي الكسار ونجيب الريحاني.
والإنتاج المسرحي في هذا المجال يمثل معظم إنتاج المسرح المصري في مجال الكوميديا في النصف الأول من القرن العشرين حيث عملت فيه فرق كبيرة عديدة، كفرقتي الريحاني والكسار وفرق أخري صغيرة كثيرة كانت تتعيش من التطفل علي إنتاج الفرق الكبيرة. وهذا التراث المسرحي الضخم ذو الأصول الفرنسية فُقد منه الكثير، وظل ماتبقي من مخطوطاته أسير جدران المكتبات العامة والخاصة لا نصل إليه إلا فيما ندر.
وإذا كان المسرح المصري بدأ علي أيدي فرق شامية ، أكملت الرحلة بعد صنوع ، واتخذت من الكلاسيكيات والشكسبيريات والمسرحيات الرومانتيكية مصدرًا أساسيًا لها ؛فإنه بحلول عام 1907 اتجه المسرح المصري اتجاهًا آخر فأصبح مصدره الأساسي مسرح البوليڤار الفرنسي المعاصر، فاستقي منه الكوميديا عامة و الڤودڤيل خاصة، وقد تم ذلك التطور علي يد "عزيز عيد" وتلميذه "أمين صدقي" و"نجيب الريحاني". وحذا حذوهم "علي الكسار"، وهكذا خرج المسرح المصري الناشيء من دائرة "الروائع" و"الإنسانيات" ودخل مجال "الهزليات" و"المسرحيات الواقعية". وعاد هذا الاتجاه ليتعمق مرة أخري علي يد "عزيز عيد" أيضًا بتضافر جهوده مع "يوسف وهبي" منذ عام 1923 في فرقة"رمسيس"، وذلك بالاعتماد علي "الميلودراما".
وهكذا خرج المسرح المصري من دائرة "التراث الكلاسيكي" ليدخل مرحلة "المعاصرة" فعرف بالتالي هزلًا وجدًا، ملامح واقعية اجتماعية جديدة عبر فيها في آن واحد يوسف وهبي في مجال المسرح الجاد، ونجيب الريحاني وبديع خيري في مجال كوميديا النقد الاجتماعي والأخلاقي.وأسس جيل الرواد في النصف الأول من القرن الماضي تقليديم أساسيين: "الميلودرامي"و"الهزلي".
الأول: ثمرة تراجيديات ممصرة في صيغ "ميلودرامية" و"ميلودرامات خالصة"، والثاني: "ڤودڤيلات ممصرة" غالبًا في صيغ أقرب إلي "الفارس" منها إلي" الڤودڤيل".
فبينما يعني "الڤودڤيل" بالحدث والحبكة، لا يهتم"الفارس" بهما ،وكلا النوعين يهتم بتصوير الشخصيات علي نحو يرقي بهما إلي مستوي النموذج البشري في الفن الكلاسيكي، وإنما يكتفي بتقديم الأنماط الهزلية والمثيرة للضحك ، إلا أن "نجيب الريحاني" وظَّف هذه الأنماط الحديثة لخدمة نقده الاجتماعي والأخلاقي في حدود مفاهيم عصره. بينما ظل المسرح الكوميدي غنائيًا راقصًا لا يسعي إلا للإضحاك.
ومن مجمل هذه التقاليد، أُرسيت قواعد بناء المسرح المصري الحديث في النصف الأول من القرن العشرين ثم أتت ثمارها المصرية الأصيلة في النصف الثاني من القرن العشرين.
وتأتي دراسة الدكتور جلال حافظ بعنوان" الڤودڤيل في تاريخ المسرح المصري"، وهدفت هذه الدراسة أولًا :إلي تحديد نشأة الڤودڤيل في المسرح المصري وتاريخ تطوره قبل الحرب الأولي. والثاني: تقييم ترجمات الڤودڤيل من خلال دراستها لغويًا ودراميًا. والثالث: تحديد مصادر الڤودڤيل المصري ومتابعة تطوره واكتشاف الوسائل التكتيكية المستخدمة في كتاباته التي اصطلح علي تسميتها بالاقتباس.
اعتمد الكاتب في دراسته علي الدوريات العربية والفرنسية (المصرية) ، وعلي تقارير الرقابة، وعلي النصوص المسرحية المترجمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ


.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني




.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق