الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الاستعمار والجزائر- الديوان الإسبرطي

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2022 / 5 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



الرواية التي حازت على جائزة البوكر لعام "٢٠٢٠" للروائي الجزائري "عبد الوهاب عيساوي"، والتي وصفها "محسن الموسوي" رئيس لجنة التحكيم بأنها "تتميز بجودة أسلوبية عالية، وتعددية صوتية، في تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر وملابساته، وكيف تتشكل المقاومة بأشكال مختلفة، وهي بنظامها السردي العميق لا تسكن الماضي، بل تجعل القارئ يُطل على الراهن القائم ويسائله". وكذلك وصفها "ياسر سليمان"، رئيس مجلس أمناء الجائزة بأنها "ساحرة باستنهاضها للتاريخ بأبعاده السياسية والاجتماعية لخدمة العمل الروائي الذي يتجاوز هذا التاريخ برمزيته".
وهي رواية تاريخية لأنها تستمد موضوعها من التاريخ، في الفترة من "١٨١٥"، وحتى "١٨٣٣"، وهو عصر الانقلاب الاستعماري للجزائر، في "١٨٣٠"، وفق "ميثاق الحرية والنور لهؤلاء العرب ضد مضطهديهم المستعمرين العثمانيين" بعد أن حكموها لمدة خمسة قرون، وذلك عبر تعدد الأصوات وأفكارها وانفعالاتها الداخلية، وخلافاتهم تجاه الواقع القائم، مستقلين عن الروائي، بالتشكيل البوليفوني الذي رسمه المفكر الروسي "باختين".
وتبدأ الرواية مع "كافيار" وهو الشخصية الرئيسة والقائد العسكري الذي انهزم مع نابليون في واترلو. حيث تم ارساله إلى الجزائر في "١٨١٦" ليكتشفها بصفته كتاجر. وتعرف إلى شعبها وشوارعها وخيراتها، وألف كتاباً عن إسبرطة حتى يحكمها كقائد عسكري. واستطاع العثمانيين اعتقاله وحولوه إلى عبد لمدة أربع سنوات. وعاد إلى فرنسا قائداً للحملة العسكرية لاحتلال الجزائر، بحجة ضرب الباشا العثماني للقنصل الفرنسي بالمروحة، بعد أن أهانه هذا الأخير. ولم يعتذر الباشا عن فعلته. وكانت المعركة بسيطة لهزيمة العثمانيين وسيطرة الاستعمار الفرنسي، الذي حول الشعب الجزائري. كعبيد، ومن يعترض سيواجه الموت أو السجن. وكان أصحاب القبائل مقاومين للفرنسيين، لكن العرب هم الخطر الأكبر، لأنهم كانوا يقاومون الاتراك والفرنسيين. وكان "المور" أقوياء مع نسائهم، وجبناء تجاه حكامهم. "وكان المور يفضلون الكلاب على المسيحيين"، وكان لليهود قوانينهم الخاصة، بألبستهم الزرقاء، وممنوعون من حمل السلاح، أو اقتناء الخيول، مع إنهم كانوا يشرفون على صك النقود والعملات. وهدم الفرنسيون المساجد وحولوها إلى كنائس أو متاحف، ونهب القمح وخيرات البلاد، ونساءهم إلى عاهرات، وحتى نبشوا القبور وسيطروا على عظام الموتى، عظام الأطفال والشيوخ والنساء، وشحنوها إلى معامل السكر في فرنسا، لاستخدامها في تبييضه. وكان يردد مع ديبون بأنه "لا شيء هنا لله، وكل شيء للقيصر". "وحتى البابا نفسه لم يعد يؤمن بالمسيح، من أجل سلطة المال"، "وأنه لم هناك جدوى من إراقة الحبر، بعدما اريقت الدماء". "ان الشيطان إله هذا العالم يا صديقي ديبون، واني لمشفق عليك مما يحمله رأسك من اوهام، انت الذي لا تزال تعتقد ان كل النساء هن المجدلية، وان كل القادة تجلّ للمخلص".
و"ديبون" الصحفي الفرنسي الذي رافق الحملة، كان مؤمناً بنشر الدين المسيحي والمحبة للشعب الجزائري، وتخليصهم من الاستعمار العثماني، تحت راية الحرية، والاخاء والمساواة. إلا أنه تعرض للصدمة من أفعال القتل والتدمير الذي يمارسه كافيار، بحجة أنه علينا أن نترك المسيح، وأن نفكر بمصالح فرنسا الاستعمارية من خيرات وأموال. وكان يصف كافيار "بالشيطان في هذا العالم". "فالشيطان ليس إلهاً لهذا العالم، بل نحن نغيره على طريق الرب". "ونحن كي نغير العالم نحتاج إلى أفكار كبيرة نؤمن بها، ونقبل على الموت فيي سبيلها بسعادة".
و"ابن ميار" التاجر الجزائري الذي رفض الذل والهوان الفرنسي، كان على علاقة جيدة مع العثمانيين، وحاول فرض شروط لدخول الفرنسيين للجزائر بحفظهم للأموال العامة والخاصة ودور العبادة. إلا أن ذلك لم يحصل. وحاول في باريس وقف الحملة الدموية للفرنسيين، وسلم موظف الملك كتاباً بذلك، لكن لا جدوى. وكانت السفن الفرنسية تحمل القمح من المحروسة إلى باريس، والناس يتضورون جوعاً ويأكلون خبزاً من القمح الأسود.
و"حمة السناوي" هو الجزائري الثائر ضد الاستعمار العثماني، لأنه لم يكن معبراً عن إرادة الله. فكان جنوده يمارسون الاستعباد والضرائب، وكانت "الحياة في المحروسة شكل آخر للموت كما يراه في عيون الناس". ونحن الرجال عندما يضطهدونا الحكام نبحث عن أقرب امرأة لنثبت لنفسنا بأننا أقوياء، مع أن البغاء الحقيقي هو بيد الحكام، حيث كانوا يضاجعوننا بالضرائب والإتاوات. فكل الرجال يتحولون إلى أطفال في أحضان النساء، وأصبح المبغى ملاذهم لأنهم يشعرون بظلم الاتراك. فليس البغاء أن يكون جسدك مشاعاً، بل أن تبيع روحك للذي بغى عليك وعلى أهلك. وكان البغاء وسيلة للتسلط على النساء وبيع أجسادهم، وكأنها أجساد الجزائر كلية، الذي يمتهن كرامتهم.
و"دوجة"، هي الأنثى الوحيدة في الرواية، وهي من عائلة فقيرة، وتوفيت والدتها، وأخيها الصغير، ووالدها كان يعمل لدى القنصل النمساوي، اعترضه كافيار وضربه وتوفي إثر ذلك نتيجة القهر والاهانة. فحملت صرتها وذهبت إلى السوق، كي تنظف البيوت والدكاكين كي تعيش. إلى أن صادفها المزوار وأخذها إلى بيته واغتصبها وحولها إلى غانية يقدمها للباشا، وبقية الحكام، إلى أن انتزعها منه السناوي لأنه عشقها وأخرجها من دار البغاء، وكانت جميلة وقلبها مثل عصفور الدوري لا يتوقف عن الرفرفة، وعندما تغني بصوت ملائكي تكون باللباس الأبيض، وتغطي شعرها بخمار مشنشل تتدلى خيوطه الوردية على جبهتها. وأسكنها في بيت إبن ميار. وقتل المزوار، ولجأ إلى بيتها كي يشفى من جروحه، حيث غادرها إلى الأمير والجيش الثائر، واعداً إياها بالعودة والزواج بها.
وكان واقع الشعب في. المحروسة بائس للغاية. فهو مهزومون على الدوام، ومتخاذلون يجعلون الدين حجة يتبصرون بها. ويطأطئون رؤوسهم، أمام الأتراك والفرنسيين، والمدينة تجعل الناس أكثر جبناً وتقبلاً للغزاة. ويهمسون "إن كل شيء مكتوب من الله"، وهي قدرية الشرقيين. حيث يرددون أن الله هو سبب منع المطر عنهم وبوار تجارتهم، واغتصاب نساءهم، ولأنهم لا يصلون كفاية، ولا يزكون بأموالهم، وليس المستعمر الذي يسرق خيراتهم، وسيدعون يوم الجمعة بالفرج القريب، ويرفع عنا الغبن، ويهزم اعداءنا.

عنوان الرواية "الديوان الإسبرطي" هو مفتاح اللغة السردية للروائي. وفيه يجد القارىء تفاصيله على المستوى الاجتماعي والنفسي لعموم الشخصيات. فالديوان هو مجموعة من الكتابات والأفكار والاوصاف لشيء ما. والاستعارة الشعرية من إسبرطة اليونانية العسكرية، وإيحاء من الروائي بأن المحروسة، أي الجزائر ستتحول إلى منطقة عسكرية ليس موفقاً. حيث كان من الممكن أن يكون العنوان "الديوان الافريقي"، أو "الديوان الشرقي"، أو "العربي". وهل من الممكن أن يكون المحتل ليس عسكرياً وطاغية، وناهباً للخيرات.
علماً بأن العنوان لا يتقاطع مع مقدمة "جوتة" الجميلة، وهو مفكر غربي كتب في الديوان الشرقي، حول توافق الشرق والغرب بأن يقدموا أشياء طاهرة للتذوق، لغير العابرين، ودون أن نرى أي أثر للمقدمة خلال الرواية، وضرورة التفاعل بين الغرب والشرق وليس النهب والاستعمار.
والتشكيل البوليفوني معقول في السرد الروائي، بلغة شعرية جميلة، تصف الشخصيات وتفاصيلها ومنظوراتها وخطاباتها المتعددة، والامكنة، لكنها مرهقة للقارئ، مع تعدد الاحداث، مع نفس الشخصيات، بحيث أن الحشو واضح في الكثير من المواقف، وأنه كان للروائي بأناقته الشعرية صوته متردداً مع الشخصيات، ولم يصلنا صوت الشخصية مستقلة. مع أن حبكة الرواية خماسية للأشخاص الفاعلين في الرواية. حيث يتم نفي ديبون وابن ميار إلى فرنسا وإسطنبول، وحمة إلى الجيش الثائر، ودوجة تنتظر الزوج الثائر، دون أن نرى في الرواية العشق وآهاته مع الحرب، وهذه نقيصة واضحة في الرواية.
العثمانيين مستعمرين وليسوا حماة للإسلام، والفرنسيين مستعمرين أيضاً، وليسوا دعاة للحرية. وحقوق الإنسان، وبالتالي الدعوة للحرية منهم واضحة على يد عبد القادر الجزائري، وحمة التي تنتهي الرواية بالتحاقه بالثوار. وهي ثورة استمرت حتى. حصول الاستقلال بعد أن. أصبحت الجزائر فرنسية بلغتها وتقاليدها، إلى أن حصل التعريب وأصبحت الجزائر دولة عربية، وبدأت الروايات باللغة العربية التي تتحدث بلغتها الفنية حول تاريخ الجزائر، ونحن بالحاجة إلى مثل هذه الروايات التي تكتب المسكوت عنه، واللامنطوق والمخفي في نفوس وأفئدة الجزائريين الذين يبحثون عن الغد الأفضل.
والأهم في الرواية، ماذا تثير الرواية من أسئلة الهوية التي تعاني منها الجزائر؟
هل يفيدنا العنوان بأن نظام الاستقلال عسكري واستبدادي قاهر للحريات التي نادى بها الشعب الجزائري عند انطلاق ثورته المجيدة، ويعتقل أصحاب الرأي، ويتحكم بالسلطة والدولة باعتباره الوريث الوحيد؟ والاسلاميون لم يستفيدوا من رعايتهم "الاخوانية العثمانية"، لوقف تمردهم المسلح كما تم في العشرية السوداء، بعد خرق الديمقراطية وإلغاء الانتخابات البرلمانية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وهل الجزائر دولة عربية وتنتمي إلى الامة العربية المهزومة، أم افريقية؟ بعد أن أثبت التاريخ مقاومة العرب للمستعمرين. وبعد أن تم التعريب، وماهي علاقة العرب بالمور، أو الأمازيغ؟ وهل استفاد المتملقين للاستعمار ومازالت اجندتهم فرنسية، بعيداً عن الوطنية الجزائرية؟ وقد يكون للثورة التي أطاحت بالدكتاتور دعماً للحرية والديمقراطية، التي استفادت من الثورة على المستعمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا