الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استراتيجية أمريكا الكبرى

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 5 / 15
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تحاول هذه الورقة تسليط بعض الضوء حول مكامن قوة الولايات المتحدة ومكامن ضعفها، وأسباب إعادة تقييم استراتيجيتها الكبرى، ومكانها في حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، وهذا على خلفية التآزر الجيوسياسي.
اعتبارا للطموح المعلن للصين ، التي ترغب في فرض نفسها كقوة عالمية أولى ، كان لزاما على الولايات المتحدة إعادة تنظيم أولوياتها وتموقعها على نطاق العالمي. إنها على دراية بامتلاك ما يلزم للحفاظ على القيادة خلال فترة من التاريخ المرئي: النمو الاقتصادي ، والساكنة الشابة والديناميكية ، والطاقة الكافية والموارد الاستراتيجية ، والأداة الصناعية ، والتفوق التكنولوجي ، والقدرة على جذب النخب العلمية الممتازة ، والموقع الجغرافي ، والعديد من ذوي الخبرة قوات مسلحة كثيرة العدد وذات خبرة ومتفوقة على الخصوم المعلنين.
ومع ذلك ، فإن الولايات المتحدة تدرك مكامن ضعفها: داخليًا أولاً، من خلال تنامي انقسام مجتمعها ؛ وخارجيًا ، من خلال تشتت قواتهما في العديد من مسارح العمليات التي انخرطت فيها بعد الحرب الباردة ، عملا بالمثالية الليبرالية أو بأيديولوجية المحافظين الجدد ، مستغلين موقعهم كقوة عظمى وحيدة. تدرك النخب الأمريكية أيضًا تدهور المكانة الأخلاقية والصورة الاعتبارية للولايات المتحدة، نتيجة للوحشية وعدم الاتساق وفشل سياستها الخارجية على مدى العقدين الماضيين. هذا هو الحال بشكل خاص في الشرق الأوسط حيث يُنظر إلى أمريكا الآن على أنها غير موثوقة وعنصر تخريبي ومتقلب ، وتهدد عن قصد أو عن غير قصد الأنظمة الاستبدادية القائمة ، ولم تعد جهة فاعلة قادرة على تحقيق الاستقرار في المنطقة.

منذ عهد باراك أوباما ، و الولايات المتحدة تعيد تقييم استراتيجيتها الكبرى ، والتي تتجه الآن نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ من أجل مواجهة المنافس الصيني بشكل أكثر فاعلية. ويتعلق الأمر بالنسبة لواشنطن بإعادة تحديد خط الدفاع عن مصالح أمريكا الحاسمة، والذي سيسمح لها بالدفاع عن أهم حلفائها - أوروبا ، اليابان ، الهند ، شبه الجزيرة العربية- الواقعة في الجزء المتنازع عليه من "ريملاند" - Rimland -، في مواجهة الخطاب العدواني والتهديدات المستترة من الصين وروسيا ، القوى القارية في "هارتلاند" - Heartland – (1). يحمي هذا الخط الدفاعي المحاور البحرية الرئيسية التي تضمن التفوق الاستراتيجي الأمريكي ، ولكنه يتضمن انسحابًا من المناطق التي كانت الولايات المتحدة منخرطة فيها لعدة عقود (الجزء الشمالي من الشرق الأوسط ، وباكستان ، وما إلى ذلك) تاركًا مسألة "تايوان" معلقة. ربما يأمل الاستراتيجيون الأمريكيون في دفع الصينيين والروس إلى الخطأ من خلال إغرائهم بمكاسب سهلة في هذه المنطقة العازلة التي تخلوا عنها لهم؟ في غضون ذلك ، فإنهم يعملون على وضع أيديهم على مواطن التكنولوجية في كل مكان للحفاظ على ريادتهم في هذا المجال الحاسم.
________________
(1) نظرية "ريملاند" ، هي مفهوم جيوستراتيجي ابتكره "نيكولاس جون سبيكمان" - Spykman- والذي يعتبره الحافة البحرية ل "أوراسيا" - l Eurasie ، بما في ذلك الحواف الغربية والجنوبية والشرقية المكتظة بالسكان للقارة. ووفقًا له ، فإن السيطرة على هذا الفضاء ذات أهمية قصوى في السيطرة الجيوسياسية على العالم. ومن خلال الجغرافيا السياسية ، يعني "سبيكمان" تخطيط سياسة واستراتيجية الأمن لدولة ما بناءً على عواملها الجغرافية.
تعارض نظرية "ريملاند" هذه، نظرية "هارتلاند"- Heartland ، التي وضعها "هالفورد جون ماكيندر" - Mackinder. تفترض هذه النظرية أن السيطرة على "هارتلاند" ، وهي منطقة كبيرة في وسط وشرق أوروبا ، أمر حاسم للسيطرة على "أوراسيا" والعالم. وقد آخذ "سبايكمان" على" ماكيندر" "مبالغته في تقدير "هارتلاند" بسبب حجمها الكبير ، والذي قال إنه سيزيد من أهميتها الاستراتيجية بالإضافة إلى موقعها الجغرافي المركزي وتفوق القوة البرية.______________________

في هذا الوضع الجيوسياسي ، تساعد الاتفاقية المبرمة مع أستراليا والمملكة المتحدة – AUKUS- والاتفاقية المبرمة مع الهند واليابان وأستراليا – QUAD- البنتاغون على احتواء اندفاعة الصين ، بينما يهدف الناتو إلى احتواء روسيا في الغرب ، وهذا خلال الوقت اللازم للولايات المتحدة لمواجهة التوسع الصيني في منطقة "إندوباكوم"- zone INDOPACOM(2). ليس هناك شك في أن واشنطن ستعمل على ترسيخ التحالف المقدس للديمقراطيات الأنجلوسكسونية ،"العيون الخمس"- Five Eyes- (الولايات المتحدة ، والمملكة المتحدة ، وكندا ، وأستراليا ، ونيوزيلندا) الذي تعتبره أساسًا حيويًا لا يمكن لأي طرف آخر أن يأمل الاندماج فيه.
_______________________
(2) مند 2008، أضحى مجال نفوذه يمتد من الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى الساحل الشرقي لأفريقيا، بما في ذلك جنوب شرق آسيا وأستراليا وحافة المحيط الهادئ______________

لذلك ، لم يعد حوض البحر الأبيض المتوسط والجزء الجنوبي من الشرق الأوسط إلا مجرد ممر عبور يسمح بإعادة الانتشار السريع للقوات الأمريكية في المحيط الهندي ، فضلاً عن خزان الهيدروكربونات للصين الذي يجب أن يكون قابلا للإغلاق عند اللزوم. وللمزيد من الحذر، فقد قامت الولايات المتحدة بتحديث قواعدها العسكرية في المنطقة حتى تتمكن من إعادة الانتشار هناك بسرعة كبيرة إذا لزم الأمر ذلك.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا