الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الفلسطينية وأخطاء السوفييت القاتلة ( 2-2)

رضي السماك

2022 / 5 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مع أن الباحثين والمسؤولين الروس التي أستعرضنا آنفاً جوانب من شهاداتهم حول الملابسات التاريخية الموضوعية التي أفضت إلى وقوف الأتحاد السوفييتي في بادئ الأمر إلى جانب إسرائيل غداة تأسيسها لم يعملوا كفريق بحث واحد، بل ولعلهم لايعرفون بعضهم بعضاً؛ إلا أنهم توصلوا -بشكل مستقل- إلى نتائج متطابقة تخلص إلى الأخطاء الفادحة التي وقع فيها الحزب الشيوعي السوفييتي الحاكم جراء عدم يقظته المبكرة منذ مطلع القرن العشرين لخطورة تسلل العقيدة الصهيونية إلى صفوف الحزب من خلال التساهل في ضم أعضاء حزب "البوند" الاشتراكي اليهودي وحزب "عمال صهيون" وتنظيمات يهودية اخرى، وهذا ما حلله بدقة موضوعية كل من دكتور غريغوري كوستاش البروفيسور في الدراسات الشرقية الحديثة، ويوزف ليندر المؤرخ والضابط السابق في الاستخبارات السوفييتية، فهذه التنظيمات اليهودية بعد فشلها في التعويل على ثورة شباط / فبراير 1917 لنيل مطالبها والتغلغل في السلطة المؤقتة الإصلاحية البرجوازية لم تجد مناصاً سوى الانضمام إلى حزب البلاشفة بعد أنتصار ثورة أكتوبر في نفس العام، وبخاصة حزب "البوند" الذي أنضم كجناح يهودي إلى الحزب الشيوعي، فيما هاجر قسم منه إلى فلسطين أو ألتحق بالجهاز الاستخباراتي الروسي الجديد .علماً بأنه في محاضر المؤتمر الثاني للاممية الثالثة -حسب غريغوري- والذي عُقد عام 1920 ثمة أنتقاد ضمني واضح لوعد بلفور بانشاء وطن لفلسطين بأن تنفيذه سيكون على حساب الأكثرية العربية، أما حزب "عمال صهيون" فكان يرى في فلسطين المكان المناسب لنشأة بروليتاريا يهودية،باعتباره الوطن الذي يحلم به الشعب اليهودي منذ قرون طويلة، وكانت أفكار مؤسس الحزب بوروخوف عبارة عن توليفة من أفكار مؤسس الحركة الصهيونية هرتزل والأفكار الاشتراكية، وكان يعتبر نفسه ماركسيا وصهيونياً في آن واحد. وقد ظهر أول فرع للحزب في فلسطين عام 1906. ومن خلال هذا الفرع تربى جيل قيادي من اليهود الروس في فلسطين المشبعين بأفكار بير بولوخوف، ومن بينهم أول رئيس وزراء للدولة العبرية ديفيد بن جوربون وجولدا مائير.
وحسب ليندر مؤلف كتاب " الفتنة الحمراء.. تاريخ أستخبارات الكومنترن" فإن حزب "بوند اليهودي" عُرف منذ تأسيسه في عام 1897 في روسيا القيصرية بتنظيم الإضرابات العمالية والعمليات التخريبية وتصفية القوميين الروس من ممثلي السلطة المعادين لليهود، وبلغ أوج قوته بعد ثورة 1905 أن عملت في تركيبته 250 منظمة، ووصل إجمالي أعضائه إلى 35 ألف عضو. والمؤسف أن الكوادر اليهودية الجديدة في الحزب البلشفي أضحت هي المصدر الرئيسي والوحيد لاستقاء قيادة الحزب والكومنترن معلوماتهما عن الأوضاع السياسية والاجتماعية في فلسطين، وقد أضطر لينين في مثل هذا المناخ الفوضوي المعقد الذي واجهته الدولة الاشتراكية الفتية إلى ضم تلك الأحزاب اليهودية الاشتراكية المعروفة بماضيها التخريبي والارهابي بغية استيعابها وإعادة تأهيلها اُممياً بأفكار الاُممية الاشتراكية الصحيحة وتخليصها من النزعة الشوفينية، علماً بأنه سبق للحزب الشيوعي أن ضم أعداداً منها منذ عام 1903، وكانت فلسطين والشرق الأوسط من ضمن المناطق التي كُلفوا بتأسيس خلايا ماركسية فيها، وكان الأسهل على قيادة البلاشفة في موسكو بعد أنتصار ثورة أكتوبر العمل على أستقاء معلوماتهم عن فلسطين وبلدان الشرق العربي من مكاتب البيروقراطيين اليهود في بتروجراد لإلمامهم باللغة الروسية حيث لم يكن يُوجد بعد عرب أو روس يلمون بالعربية . وكان العام 1919 هو عام التنظيم المنهجي للأممية الثالثة لزرع خلايا لأحزاب شيوعية في الشرق الأوسط، لكن هؤلاء اليهود كانوا على جهل مطبق بخصائص الطابع القومي والديني لشعوب الشرق العربي وإن أجاد بعضهم الروسية. وهؤلاء- حسب ليندر- كانوا من منتسبي الأجهزة الخاصة للحزب، وفي الحزب الشيوعي الفلسطيني فشلوا فشلاً ذريعاً في جذب مناضلين عرب وتعرض الحزب خلال مسيرته التاريخية لانقسامات بين اليهود من ذوي النزعة الصهيونية من جهة والعرب من جهة اخرى .
والحاصل أن الباحثين الروس السوفييت المتقدم ذكرهم والذين تسنى لهم دراسة الوثائق السرية للكومينترن والأرشيف السوفييتي بعد رفع السرية عنها أقروا بوضوح تام الأخطاء القاتلة التي وقع فيها الأتحاد السوفييتي أزاء القضية الفلسطينية، فغريغوري كوستاتش يستنتج صراحةً بأنه " في بلدنا لم يتم بعد صوغ مقاربات جدية للمسألة الصهيونية ولمشكلات حركة التحررالوطني العربية سواء بسواء، لقد أقتصرت جميع نشاطات الأتحاد السوفييتي عملياً على حلول لحظية لقضايا محورية، بما معناه هذا هو الأفضل اليوم أما غداً فسننظر في الأمر" ويضيف: " كانوا يرون إلى أن ظهور الدولة اليهودية سينزل ضربة بالأمبريالية البريطانية وأتباعها من البرجوازيين العرب، أما تطور الأحداث اللاحقة فلم يحسب حسابه أحد، لم يكن بوسع أحد أن يخمن أن الدولة القزم هذه التي خلقناها في الشرق الأوسط لن تصبح تابعة للاتحاد السوفييتي". بل ولن تعترف بالجميل. وأستطرد قائلاً : " كان ثمة خطأ في الحسابات، وهذا للأسف ما كان يسم غالباً السياسة السوفييتية في منطقة الشرق الأوسط" !
وعلى هذا المنوال خلص ضابط الأستخبارات السوفييتي المستشرق ميدفيدكو : " كنا بهذه التصورات المبسطة رومانسيين وأعتبرنا أن العرب واليهود يناضلون معاً ضد الاستعمار وسيقيمون معاً دولة عربية إسرائيلية .. وأعتبر ستالين أن في فلسطين وحدها يمكن أن تنشأ حركة اشتراكية في الشرق الأوسط". والأكثر مدعاة للدهشة أن ميدفيدكو نفسه يعترف بأنه على الرغم من تبوأه واحداً من أخطر وأرفع المناصب الحساسة في الحزب والدولة السوفييتية إلا أنه لم يكن يعرف على وجه الدقة معنى " الصهيونية " وأنه مدين في معرفتها للكاتب والأديب الاممي اليهودي السوفييتي أيليا ايرونبيرغ الذي كان معادياً بشدة للحركة الصهيونية ويحذر دائماً من مخاطرها التقسيمية عند تسللها داخل الحركة الشيوعية" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي


.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024




.. الشرطة الأميركية توقف متظاهرين بعدما أغلقوا الطريق المؤدي لم


.. اعتقال متظاهرين أغلقوا جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا بعد




.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض