الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاكل الأديان مع العولمة الثقافية والاجتماعية وتنامى المعرفة الإنسانية

مجدى عبد الحميد السيد
كاتب متخصص فى شئون العولمة والتكنولوجيا

(Magdy Abdel Hamid Elsayed)

2022 / 5 / 15
العولمة وتطورات العالم المعاصر


منذ حوالى ثلاثين عاما بدأت العولمة الحديثة بوصول الانترنت والفضائيات إلى العامة وبذلك أصبح العالم مترابطا أكثر من ذى قبل بل ومتفاعلا مع بعضه أيضا بطريقة مدهشة تجاوزت حدود اللغة والقومية والجنس وحتى العمر والسن والخبرة . لقد حاول أصحاب كل دين الدعوة لدينهم من خلال تلك الأذرع القوية للعولمة مثل الانترنت والفضائيات والاتصالات فى المجالات الثقافية والاجتماعية ، ومع هذه الدعوات بدأت تظهر المقارنات بين الأديان . وهنا تنبه الباحثون وكثير منهم ليسوا باحثين جامعيين إلى أن هناك تداخلا كبيرا بين الأديان الموجودة الآن ليس مع بعضها البعض فقط بل وحتى مع أديان مندثرة أحيتها العولمة الثقافية التى أتاحت المعرفة لكل العالم بكل قومياته ولغاته فى نفس الوقت ليس من خلال الآراء الفردية فقط بل من خلال المخطوطات التى تم اكتشافها عبر القرنين الماضيين وكانت مختفية أو مغلفة فى المتاحف لضيق وصعوبة التواصل العالمى والتواصل اللغوى والتواصل التاريخى والمعرفى .
لقد بدأت الأديان تقابل تغيرات فكرية عميقة جلبتها العولمة الثقافية مع تنامى المعرفة وصلت إلى أصول الديانات نفسها وليس فروعها فقط ، وقد حدث ذلك مع الأديان المعروفة مثل المسيحية والإسلام والهندوسية واليهودية بل ومع المذاهب المتعلقة بهم والتى انفصل بعضها مثل السيخ والدروز والأحمدية القاديانية والمرمون والبهائية وشهود يهوه وغيرهم من المذاهب والأديان العالمية.
إن المشاكل الأساسية لمعظم الاديان مع العولمة وتنامى المعرفة تتمثل فى عدة محاور مثل :
- عقد المقارنات بين الأديان المتقاربة فى الأصول والفروع ، فالقصص القرآنية والتوارتية والإنجيلية يمكن مقارنتها ليس بتلك الأديان فقط بل أيضا بالمخطوطات المكتشفة واللوحات الجدارية للأديان المندثرة فى العراق والشام ومصر وبلاد فارس وجنوب أوروبا والتى بدأت تشكك فيما وصل إلينا مع الأديان الكبرى وتوضح لنا أحيانا كيف انتصر مذهب على مذهب فأصبح سائدا واختفت المذاهب الأخرى التى كانت سائدة لفترات قصيرة ، وقد ظهر ذلك واضحا بصورة كبيرة مع المسيحية والإسلام ومذاهبهما.
- مع تدويل المعرفة وبالطبع من بينها المعرفة الدينية أصبح لكل البشر الحق فى الوصول إلى المعرفة الدينية بكم من المعلومات والمعرفة يفوق ما وصل إليه العلماء الأقدمون بحيث أصبحت المعرفة متاحة فقط بضغطة أصابع الكبار والصغار حول العالم وبكل اللغات، وبالتالى أصبح الباب مفتوحا على مصراعيه للدخول إلى عالم التفسير والتأويل وهو ما كان مقصورا على رجال الدين فى العصور السابقة مما يسبب زخما قد يصل إلى حد الضلالات والتناقضات والتراشق بالكلمات وربما الصراعات والقتل والاغتيالات والسجن أيضا بين المختلفين .
- عدم توافق بعض القواعد الدينية لما حدث ويحدث للعالم من تطورات ثقافية واجتماعية خلال الثلاثين عاما الماضية مع تبادل الثقافات ، مما جعل بعض قواعد الأديان فى مرمى الوصف بالتأخر بل والمطالبة بتعليق النصوص او إعادة تفسيرها لتتوائم مع التغيرات العالمية مما يقابل بالعداء من العامة الذين ترسخت فيهم تلك العقائد عبر مئات السنين ولا يميلون لأى تغيير.
- ميل بعض الأنظمة السياسية الحاكمة ومن بينها الولايات المتحدة صاحبة العولمة ذاتها إلى العاطفة الدينية مما جعل هناك صراعات سياسية تحركها العواطف الدينية كما حدث مع غزو العراق وأفغانستان فى عهد الرئيس بوش الابن وحتى مع الخلافات السعودية الإيرانية التى امتدت إلى عدة بلدان فى العراق وسوريا ولبنان واليمن ، بالإضافة إلى ما حدث بباكستان والهند وبعض دول جنوب شرق آسيا وشرق وغرب أفريقيا من صراعات ساهمت العولمة بجزء منها من خلال نشر الآراء المتشددة جنبا إلى جنب مع نشر الآراء المعتدلة بل والمساعدة فى تجنيد مؤيدين جدد لكل مذهب حول العالم والتواصل الكامل بين أعضاء المذاهب المتشددة كأحد النواتج الثانوية لتنامى الاتصالات حول العالم .
قد ينظر البعض لتلك الصراعات بين العولمة والأديان على أنها مؤامرات تحركها المنظمات العالمية الخفية ولكن الواقع يشير إلى أن تلك الصراعات تحركها بصورة واضحة العولمة الثقافية التى لا تقتصر على منظمة واحدة أو دولة واحدة ولكن يشارك فيها البشر على كل المستويات ، لإنهم هم من يقدمون المعلومات والمعارف وتساهم العولمة فقط بنشرها دون تمييز ، ومع اختلاف البشر فى الوصول إلى المعرفة ومع اختلافهم فى درجات الفهم بل وفى درجات التعصب تظهر الصراعات والصدامات ذات الأصول العقائدية بين الناس ، فمعظم البشر يميلون إلى عدم بذل جهد فى المعرفة وبالتالى يأخذون المعلومات بطريقة جاهزة دون مجهود ذهنى واستهلاك طاقة عبر الوراثة أو عبر من يقتنعون بهم من رجال الدين والسياسة والمفكرين .
السؤال المطروح الآن هو : إلى متى ستستمر تلك الحالة من الصراعات الثقافية والاجتماعية ؟ ، بالطبع لا يملك أحد إجابة كافية شافية عن التنبؤات القادمة ، لإن تنبؤات المتنبئين يشوبها أيضا عدم حيادية أحيانا مثلما حدث مع المفكر الكبير فوكوياما وتوقعه بنهاية التاريخ وسيادة الفكر الغربى ولكن صعدت الصين والهند ودول آسيا لتظهر حضارات جديدة وعولمة جديدة مع تقلقل مكانة الحضارة الغربية بوضوح . إذن نحن أمام حالة انتقالية أو مرحلة عبور إنسانية قد تستمر لعشرات السنين من الصراعات الدينية والقومية والثقافية والاجتماعية حتى يصل الإنسان إلى مرحلة "زيرو صراعات" أو مرحلة لا تجمعات سياسية GZero كما توقع المفكر إيان بريمر مع التقدم العلمى والمعرفى والتفاعل المعلوماتى والشفافية وكشف المستور حول العالم ، بل وربما الوصول إلى أماكن العاطفة والصراعات بالمخ البشرى وإمدادها بالأفكار التى لا تسبب صراعات بين البشر مع نهاية القرن الحالى وبداية القرن القادم كما يتوقع بعض علماء المستقبل وعلى رأسهم ميشيو كاكو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق