الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محطات في قطار الحياة (2)..

محمود عبد الله
أستاذ جامعي وكاتب مصري

(Dr Mahmoud Mohammad Sayed Abdallah)

2022 / 5 / 16
سيرة ذاتية


خواطر: محطات في قطار الحياة (2)!
بقلم: د/ محمود محمد سيد عبد الله (أستاذ جامعي وكاتب مصري)
المحطة الخامسة:
كانت المرحلة الثانوية محطة مهمة في حياتي - فقد شهدت اكتمال نموي الجسدي والنفسي والبيولوجي..ففيها تحولت من صبي صغير إلى شاب بالغ ناضج..وكانت الإذاعة المدرسية لعبتي التي أفضلها - خاصة برنامج اللغة الإنجليزية الذي كنت أقدمه أسبوعيا (كل يوم أحد) في الإذاعة منذ الصف الأول الإعدادي وحتى نهاية المرحلة الثانوية..و أكثر ما لفت نظري في المدرسة، مكتبتها الكبيرة العامرة الغنية بأمهات الكتب - خاصة في مجال الأدب..حيث كان هناك - على سبيل المثال - ركن مخصص لجميع أعمال الدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله) - والتي قرأتها كلها تقريبا خلال سنوات الدراسة في المدرسة، إلى جانب الكثير من الأعمال الأدبية والمؤلفات لكبار الكتاب والأدباء، مثل نجيب محفوظ وعلي أحمد باكثير وأنيس منصور (الذي عشقت أسلوبه عشقا) وطه حسين والعقاد، والتي كنت ألتهمها التهاما..ناهيك عن الندوات العلمية والتثقيفية والدينية والمسابقات وغيرها من الفعاليات التي كانت تقام في المكتبة باستمرار..لم تكن المكتبة فقط - وشغفي بالأدب عموما - السبب الرئيس لاختياري القسم الأدبي في السنة الثالثة..إنما أيضا حبي الشديد للغة الإنجليزية الذي جعلني - منذ المرحلة الإعدادية - أقول لمن يسألني عن الكلية التي أرغب في الإلتحاق بها بعد الدراسة الثانوية: "أنا عاوز شعبة اللغة الإنجليزية - سواء في كلية الآداب أو التربية أو الألسن"..فقد كان هدفي واضحا منذ البداية..ومن الجدير بالذكر أن كل من كان يسألني عن المهنة التي أود إمتهانها في المستقبل، كنت أرد قائلا: "أنا عاوز أبقى معلم/مدرس"!! وقد كان هذا غريبا - مقارنة بأقراني في تلك المرحلة الحالمة، الذين كانت إجاباتهم (التقليدية) المعروفة تنحصر في: "دكتور/طبيب - ضابط شرطة - مهندس - طيار"..إلخ. لكن هذا الهدف - بكل أسف - كان لا يعجب أخي الأكبر الذي كان يعمل معلما أول في نفس المدرسة..وكان هو السبب في منع الدروس الخصوصية عني وإقناع والدي (رحمه الله) وباقي الأسرة بذلك، حتى أشب معتمدا على نفسي في كل شيء، لا سيما وأن المرحلة الجامعية ليست بها دروس خصوصية (على حد قوله)..وهكذا قضيت جميع سنواتي الدراسية الـــــــ16 - منذ الصف الأول الإبتدائي وحتى الفرقة الرابعة بالجامعة - دون أخذ درس خصوصي واحد!! ريما يكون محقا في رأيه، ولكن لم تكن هذه هي المشكلة..المشكلة أنه كان يأمل في أن ألتحق بكلية الصيدلة - وكان يخطط لأن يسمح لي في هذه السنة فقط (ثالثة ثانوي) - وبشكل استثنائي - بأخذ دروس خصوصية في كل المواد عند كبار المعلمين على أن يتولى هو الإنفاق على ذلك!! رفضت تماما كل هذه الإغراءات، وقلت له: "إزاي أروح علمي علشان أدخل صيدلة وأنا مش بأحب الكيمياء أصلا"؟! وعندما علم باختياري لشعبة الآداب أثناء آخر إمتحان لنا في الفصل الدراسي الثاني من الصف الثاني الثانوي، قال قولته المشهورة: "شوف الواد الفاشل الغبي إللي اختار أدبي وهو عارف إن أدبي ما لهوش مستقبل حاليا"!! قد يكون هذا الوقت هو أكثر وقت أصريت فيه على رأيي وتشبثت به وثبت على موقفي - بكل عناد..الغريب أن أخي الأكبر هذا كان هو نفسه في الشعبة الأدبية زماااااان - لكنه كان مصر يدخلني علمي، في حين إن أخي الآخر (المهندس) إللي كان علمي طبعا، كان مصر أدخل "أدبي"..مفارقة عجيبة!! المهم حصلت على مجموع كبير - بعد سنة من الجد والإجتهاد والكفاح..فقد كان ترتيبي السادس على محافظة أسيوط (أدبي) بمجموع قارب الـــــــ90 % - الذي كان يسمح لي (حينئذٍ) بدخول جميع الكليات التي تقبل من القسم الأدبي - بلا استثناء - أولها وأعلاها كلية الإقتصاد والعلوم السياسية التي كانت تقبل من مجموع 82% في ذلك الوقت..وكنت على وشك أن أغتر بهذا المجموع الكبير فألتحق بكلية الألسن - جامعة القاهرة (شعبة اللغة الإنجليزية طبعا)..لكني فكرت جيدا، واستخرت الله (سبحانه وتعالى) متشبثا بمبدأ أنه لا وجود لما يسمى بكليات القمة وكليات القاع أو الكليات المتوسطة، إنما "القمة" (الحقيقية) تُصنَع وتتحقق بالنجاح والتفوق الشخصي في المجال الذي تحبه - وتذكرت كذلك رغبتي المهنية القديمة (في أن أكون معلما)..سعدت الأسرة بهذه النتيجة، وشجعوني على الإلتحاق بكلية التربية (شعبة اللغة الإنجليزية) - حتى أكون رقم 4 في العائلة الذي يلتحق بنفس الكلية والشعبة، بعد اثنين من أعمامي (رحمهما الله) وأخي الأكبر (كلهم كانوا معلمي لغة إنجليزية)!!.
المحطة السادسة:
كانت الدراسة الجامعية لها متعة خاصة، خصوصا عندما تلتقي بأناس يرشدونك ويوجهونك ويأخذون بيدك..كنت دائم الإحتكاك بمن هم أكبر مني سنا في الفرق الأعلى (من الثانية وحتى الرابعة) - وطدت علاقتي معهم ولا زلت على تواصل مع بعضهم حتى الآن..وكانت الإقامة في المدينة الجامعية متعة أيضا - حيث إن المناخ من حولك متقارب في كل شيء، فيشجعك على الإستذكار والإجتهاد والإنجاز..بعض من زملائي آثروا الراحة في أول عام جامعي بعد تعب الشهادة الثانوية، لكني كنت "واخد الأمور جد شوية"..أي نعم لم يكن في تفكيري أن أتفوق من أول عام لدرجة أن أحقق المركز الأول على الدفعة، لكن كان هدفي الرئيس الحصول على تقدير مرتفع (جيد جدا مع مرتبة الشرف) أيا كان الترتيب- وقد كان بحمد الله وفضله..مع العلم أن التقديرات في شعبة اللغة الإنجليزية بالذات كانت صعبة شوية في فترة التسعينات - مش زي دلوقتي..وكان إللي يجيب تقدير "جيد" يقول أنا جبت!! وكان من النادر إن حد يجيب تقدير "ممتاز" في مادة من المواد أو "إمتياز" كتقدير عام..وكل الإمتحانات كانت مقالية (صعبة) مش زي دلوقتي..المهم كان ترتيبي الأول منذ أول عام - مع إن هذا العام كان أول عام جامعي (1993/1994) يطبق فيه نظام المحموع التراكمي للأربع سنوات ونظام التيرم الدراسي (الذي تعودنا عليه من قبل في أولى وتانية ثانوي) - وهذا حمسني ودفعني للإستمرار في التفوق، فحققت المركز الأول في السنوات التالية كلها، وحصلت على مجموع تراكمي محترم وتقدير عام "جيد جدا مع مرتبة الشرف" - وكنت الوحيد في الدفعة الذي حصل على "مرتبة الشرف" (أي لم يقل تقديري عن جيد جدا في أي سنة من السنوات الأربعة)، مما أهلني ورشحني للعمل "معيدا" بتربية أسيوط فيما بعد..في هذه المرحلة، تعلمت الكثير وطورت من نفسي وقضيت وقتا كبيرا بالمكتبات (التخصصية والعامة - المركزية) وقرأت الكثير، وكنت من الطلاب القلائل (في تخصص اللغة الإنجليزية) الذين كانوا يقرأون الروايات novels والأعمال الأدبية الأخرى الأصلية (مسرحيات مثلا) قراءة كاملة أثناء التيرم الدراسي - برغم ضخامتها وحجمها الكبير المخيف، وعدم الإكتفاء بأجزاء معينة للتركيز عليها قبل الإمتحان - كما كان يفعل معظم الطلاب..وكنت أقدم لبعض أساتذتي تحليلات نقدية لبعض الروايات والمسرحيات، وكانوا يهتمون بها ويقرأونها جيدا ويعطوني رأيهم فيها - الذي كان إيجابيا مشجعا دائما..وأذكر من هؤلاء الأساتذة أستاذتي الدكتوره/ فاتن حلمي (متعها الله بالصحة والعافية)، وأستاذتي الغالية ا.د فردوس عبد الحميد البهنساوي (رحمها الله) التي عشقت "الدراما" بسببها، وأستاذي العزيز الأستاذ الدكتور/ أحمد صابر محمود - العميد السابق لكلية الآداب (حفظه الله)، وأستاذي الفاضل الدكتور/ نادر سامي فهيم (رحمه الله) وكلهم في قسم اللغة الإنجليزية بآداب أسيوط حاليا..وصل الأمر إلى تأليف الشعر (باللغة الإنجليزية) وعرضه على د/ فاتن حلمي (وكنت أعاملها كأمي - وهي بدورها تعاملني كإبنها حتى هذه اللحظة) - التي تشرفت بتدريسها لي مادة "الشعر والنقد "على مدار 4 سنوات متواصلة، حصلت فيها جميعا على تقدير "ممتاز"..وللعلم أستاذتي الدكتوره/ فاتن حلمي أحمد ثريا هي - في رأيي ورأي الكثيرين ممكن يعرفونها أو تتلمذوا على يديها - أفضل من ينطق الإنجليزية (باللكنة البريطانية) في مصر - وربما في الوطن العربي والشرق الأوسط كله!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا