الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من زمانٍ يا أُمّي.. من زمان

عماد عبد اللطيف سالم

2022 / 5 / 17
كتابات ساخرة


أمّي ذاتُ التسعينَ عاماً عراقيّاً طويلاً كالليل .
أمّي التي ترتدي"الأسْوَدَ" منذُ قرون .
أُمّي التي تعاقَبَ على"تاريخها" الفُقدان، والخذلان، والخيبات الدائمات.. كأنّها "عِراقٌ" مُصَغّر.
أُمّي التي تخشّبَ جسدها النحيل أمام التلفزيون، وهي تُشاهِدُ طيلة أيّامٍ، وأسابيع، وشهور، وسنوات، وعقود، تعاقُبَ "الأوديسات" و"الإلياذات" والحروب و"الثورات" و"المُقاوَمات" و"الإنتفاضات"، و"الحِراكات" و"الإصلاحات"، و"المؤامرات" و"الإنقلابات" الأكثرُ عدداً من الرملِ والسَخامِ والسَبَخ.
أمّي التي رأيتها تتفادى(لا إرادياً) قناني الماء والأحذية المتطايرة من الشاشات.. والشتائم العراقيّة "العميقة"(غير المُنتظِمَة بإقليم).. وتتحاشى النظرَ مُباشرةً إلى الوجوهِ الكالحةِ التي ابتلانا اللهُ والولاياتُ المُتّحدةُ الأمريكيّةُ بها، والتي كانَ"المُطّالُ"،على الدوام، أكثرُ بهاءً وأكثرُ نفعاً منها.
أُمّي التي خِفتُ عليها من غبار"التغيّر المناخيّ"، فذهبتُ إلى بيتها لأطمئّنَ عليها من عادياتِ "العَجاج".. فّإذا بها تتجاهلُ هدفَ الزيارة الرئيس، و تسألني بمرارةٍ عن أشياءَ أخرى، وأنا لا أعرفُ كيف أُجيب:
- شنو يابه شغلة "الأثلاث" هاي؟ زين يابه إذا "الثلثين" بعدهن من حُصّة طالب النقيب، لعد "ثِلث الله" منو يطالِب بي؟ وإذا "ثِلثين الجنّة لهادينا"، لعد ثلث "كاكة أحمد وأصحابه" وين صارت الدنيا بي ؟ ومنو رئيس الجمهوريّة هِسّه؟ والله يابه"البَكِر"جان خوش رئيس!!! .. وهذا" الرِجّال- الطويل" وين صارت بي الدنيا؟.. و وين راح هذا "الوْلَيد - الكَصَيِّرْ".. والله جان مبيِّن"خوش وَلَد"، و"شاغول"! .. وليش هذا النائب "المِدَحْدَح" يكَول: يمعودين إنتو مفاهمين الشَغْلَة.. تَرَه إذا لم يُشارِك "الكُلُّ" بالحُكُم، سوف يحتَرق العراق، و"تنكَلُب" الدنيا !!
- منو ذولة "الكُلّ" يابه ؟
- لتخافين يام.. مو إحنه.
ولكي أقطع استمرار أمّي في "سَلْخِ" السياسةِ على طريقةِ"القصّابين الجُدد"، قلتُ لها: هل ترين الغبار يا اُمّاه؟ إنّهُ كثيفٌ و خانِقٌ وَلَزِجٌ كالزيتِ يا أُمّاه. هل كان الغبار في زمانكم هكذا يا أُمّاه؟
أُمّي تجاهلت أسئلتي، وعادت إلى شغلة "الأثلاث" التي يبدو أنّها قادرةُ على فهمها أكثر منّي:
- يابه بعدهم أهل ديالى يزرعون برتقال، ولهم "ثلثي" البرتقال في العراق الأغبرِ هذا ..لو صار"ثلثين الطَك لأهل ديالى".. وماكو برتقال؟
تلعثمتُ، وقُلت: والله "يام" آني كلشي ما أدري، وضعيف بالبرتقال !!!
هزّت أُمّي يدها، شاهرةً في وجهي سؤالها الأخير:
يابه تدرون إنتو" قشامُر".. لو متدرون ؟؟
أجبتُ على الفور: إي ندري يُمّه .
ومن زمان يُمّه .
من زمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن